ابراهيم سليمان
ما صرّح به الرئيس الأمريكي دونالد ترمب خلال احتفالات تنصيبه بانه سيعلي من المصلحة الأمريكية في كافة تعاملاته الدولية، هو ما كان يخفيه غيره من زعماء الدول ذات الشوكة، كنوع من اللباقة الدبلوماسية وقدرٌ من الكياسة، ذلك اصبح من الماضي، أما الآن، فالكثيرون باتوا لا يبالون بوضع الأيدي على الأفواه عند التثاؤب اثناء تعاطيهم مع مشكلات العالم الثالث المملة والرتيبة، فقد ملّ زعماء العالم المتحضر، صراخ هذه الشعوب، وسئموا نداءات استغاثتهم المتصلة، وضاقوا ذرعا بسلبيتهم وركونهم على الغير لردع جلاديهم. وبلا شك أن هذا السفور في النوايا الأمريكية سيدة العالم له ما يبرره، رغم أنه ينذر بسيادة قانون الغاب، مما يعنى أن الإنسانية ستكون في خطر حقيقي، المتشائمون يقولون هذه ضرورة كونية لوضع حدٍ للانفجار السكاني الوشيك على كوكب الأرض، هذا التحول غير المفاجئ في الصراع بين الحق والباطل، بلا شك سيكون له ما بعده.
وعلى اثر هذا المآل، ليت هذه الدول، تترك شعوب العالم الثالث وشأنها، لتفعّل ذاتيا قوانين البقاء ل
لأصلح الكونية، وتركن للنواميس البدائية للاستمرارية الحاكمية، بحيث تضمحل المنظومات الحاكمة تلقائياً دون تدخل دولي مباشر لحماية مصالحها التي قد تتقاطع وتطلعات هذه الشعوب، التي تشق طريقها بإحباط وتخبط نحو الحرية والعدالة والديمقراطية.
الخطأ الجسيم التي ظلت ترتكبها شعوب العالم الثالث، هو انهم يواجهون جلاّديهم، وعيونهم مصوبة نحو المجتمع الدولي، يتجشمون سنده كعامل حاسم في كسب معاركهم دون امجاد، لذا يفقدون التركيز ويتعثرون بسهولة، من الآن فصاعدا إن أرادوا الظفر والفلاح، عليهم دوزنة طاقاتهم الثورية والإصلاحية، على اساس أن البحر امامهم والجلاد من خلفهم، وعليهم الإدراك اليقيني أن “الكبار” مع الامر الواقع، غض النظر عن شرعية من يتشدق به، وصرف الاعتبار عن اساليب البقاء في سدة الحكم.
فمن ينتظر المجتمع الدولي أن يسقط له نظاماً دكتاتورياً لأنه ينتهك حقوق مواطنيه الإنسانية، لينّصبه حاكماً راشداً في بلده بأصوات الناخبين، سيطيل انتظاره، ومن يتوقع ألاً يبتسم زعيماً عالمياً من الدول ذات البأس في وجهه سفاح من العالم الثالث، سيموت غيظاً، ومن يظن ألاّ يكتفي مجلس الأمن الدولي، بعبارتّي “ندين ونشجب” في قراراته المتسلسلة، يكون حالماً، ومن يعتقد ان محكمة الجنايات الدولية ستخيف السفّاحين من ممارسة هواية الإبادة الجماعية لشعوبهم يكون خيالياً وموهوما، ومن ينتظر الإغاثة الدولية لسد رمقه، سيموت جوعا، فالكثيرون لا يعلمون أن الأمم المتحدة قدمت ملايين الدولارات لمساعدة السوريين الجوعى والمكتوين بنيران الحرب، لكن الأموال أُرسِلت إلى عائلة الأسد، وفي شكل أساسي إلى عقيلة بشار الأسد الأمم المتحدة أقرّت بهذا الأمر، على ذمة وليد جنبلاط!!
نصح الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما شعوب الشرق الأوسط في خطابه الشهير في القاهرة بانهم محتاجون إلى نوع من الثورة الثقافية. لم يتوقف الآخرين كثيراً عند هذه النصيحة المقتضبة، اظنه يقصد الاتكالية وطلب النجدة المتأصلة، لكن بلا شك قد فهما شباب مصر وعمل بها بفاعلية، واستطاعوا تقرير مصريهم، وحتى ان لم يعجبهم السيسي، فالشباب المصري بات غير معنى بالمجتمع الدولي الذي لم يقدم لهم الحماية من عصا مبارك، ولم يحول بينهم ومرسى.
كل الشعوب ستترك لملاقاة مصائرها ضمن لعبة المصالح الدولية الكبرى المكشوفة، وستكون غايتها حياد الدول ذات الشوكة في مواجهاتها مع جلاّديها، بدلاً من الأطماع السابقة في التقاط اشارات استغاثتها عن البعد، لقد تخلى العالم عن الايدلوجيا، وبات ليس مهماً للزعيم ان يكون لبرالياً او اشتراكيا، قمعياً او ديمقراطيا، مجرماً كان ام راشدا، الأهم المقدرة على الصمود على كرسي السطلة ورعاية المصالح الدولية كيفما اتفق، هذا التحول الدراماتيكي، يملي على الثوار وحاملي السلاح، البحث عن موارد ذاتية، (مناجم ذهب أو مزارع حشيش) وصرف النظر عن صدقات الحلفاء التقليديين، ويلزمهم تكثيف زرع الخلايا النائمة داخلياً، يقولون في السياسية، إن لم يكن من بد، عليك ان تنتحر بشروطك، بدلا من مصافحة الجلاد ومن ثَم تتلقى طعنة من خنجره المسموم
منذ الأزل ظلت مآلات الصراع بين الحق والباطل مثار جدل، الربانيون يرون ان البقاء للأصلح وليس للأقوى بدليل قوله تعالى تعقيبا على إهلاك قارون :{ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (83) سورة القصص
ومن هنا يجب التركيز على مسالب الأنظمة، والعمل بجد لفضح جرائمهم ونشر فسادهم، والتأليب ضد المفسدين، ومتى ما جُرِّد الحاكم الفاسد من سلطته المعنوية، فالقوة المادية لن تحمية طويلا، والشواهد التاريخية ماثلة.
[email protected]
للإطلاع على المقالات السابقة:
صوت من الهامش
http://suitminelhamish.blogspot.co.uk