المبادىءْ الأخْلاقيّة للقُانون الدولى لحقُوق الإنْسان

المبادىءْ الأخْلاقيّة للقُانون الدولى لحقُوق الإنْسان

حمّاد وادى سندْ الكرتى
المحامى والباحث القانُونى
[email protected]

من المُلاحظ ان عجلة حقُوق الإنسان , فى تطور مستمر , وبصورة أوتوماتيكيّة , وذلك منذ نهاية الحرب العالميّة الثانيّة , أى بعد قيام منظمة الأُمم المُتحدة على انقاض عُصبة الأمم , ويمكن أن نقسم هذا التطور الى قسمين اساسيين , الأول – متعلق بالتطور الموضوعى للصُكوك والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان , أما الآخر , فيتعلق بالتطور التاريخى لحقوق الإنسان , ومن خلال مقالى هذا سوف أُركز على التطور الموضوعى لحقوق الإنسان , مع التركيز أكثر على المبادىءْ الأخلاقيّة التى جاءت بها المواثيق والإعلانات والصكُوك الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان , وذلك منذ ميثاق الأُمم المُتحدة , ومرورا بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهدين الدولييّن المتعلقين بالحقُوق المدنيّة  والسياسيّة والإجتماعيّة والثقافيّة والإقتصاديّة , وغير ذلك من المواثيق الدوليّة الأخرى .
ومن خلال إستقرائى تاريخياً للصُكوك والمواثيق والإعلانات الدوليّة , الصادرة عن منظمة الأُمم المتحدة ( المواثيق الخاصّة بحقوق الإنسان) , نلاحظ أن الدفعة الأولى من تلك المواثيق والإتفاقيّات , متعلقة , بضمان حماية وتعزيز حقوق الإنسان الفرديّة – المدنيّة – السياسيّة
– , وهو ما أطلق عليه بعض الحقوقييّن , بالجيل الأول من مواثيق حقُوق الإنسان , وبعيد فترة زمنيّة محدودة , تم إصدار الوثائقْ الدوليّة الخاصّة بالحقوق الإجتماعيّة – الثقافيّة – الإقتصاديّة , وهو مايعرف بمصطلح – الجيل الثانى من مواثيق حقُوق الإنسان , ونلاحظ التطور الموضوعى المتعلق بحقُوق الإنسان , ومؤخراً تم إصدار الوثائق الدوليّة المتعلقة بالتنميّة البشريّة , وحقْ كل فرد كإنسان , فى التنميّة البشريّة والعيش فى بيئة صحيّة وءامنة . وبعد هذا السرد الموضوعى المتعلقْ بالتطور السريع لحقُوق الإنسان من خلال المواثيق الدوليّة التى تُنادى بضرورة كفالة حق الإنسان , دعونا ندلف الى المبادىء والقيم الأخلاقية التى تضمنتها تلك الإتفاقيات , ومن الملاحظ أن جميع المواثيقْ الدوليّة , إبتداء من ميثاق الأمم المتحدة ومرورا بحزمة – الشرعة الدوليّة – (الإعلان العالمى لحقوق الإنسان – العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة – العهد الدولى الخاص بالحقُوق الإجتماعيّة والثقافيّة والإقتصاديّة ) , بل وكل الموثيق والصكوك الدولية الأخرى المتعلقة بحقُوق الإنسان , والقانون الدولى الإنسانى , حرصت على ضرورة , إعمال مبدأ المساواة بين جميع البشر , وفى جميع الحقوق والواجبات – والمساواة بين الناس امام القانون – القضاءْ – وينبغى عدم التمييز بينهم على اى اساس كان , سواءْ متعلق – بالجنس – العرق
– الأصل القومى – الرأى السياسى او غير السياسى
– الدين او المعتقد , او غير ذلك من المعايير التمييزية , ولكى يؤكد المجتمع الدولى رفضه التام لمبدا التمييز العنصرى , أصدرت المنظمة الدوليّة عدة مواثيق دولية فى هذا الصدد ,وذلك مثل – إتفاقيّة الأُمم المتحدة الدوليّة المتعلقة بالقضاء على جميع اشكال التمييز العنصرى 1965م – والإتفاقية الدوليّة المتعلقة بمكافحة اى شكل من اشكال التم! ييز ?
?لعنصرى ضد المرأة – وتجريم التمييز وإعتبارها تشكل جريمة دولية ( الجريمة ضد الإنسانيّة ) , ومؤخرا ادان المجتمع الدولى نظام الفصل العنصرى الذى كان قائم فى دولة جنوب إفريقيا – القائم على العُنصريّة والكراهيّة .
أما فيما يتعلق بالصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان , فإذا ما القينا نظرة خاطفة على نصوص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان , الصادرة فى الأول من ديسمبر من العام 1948م , نجد أن الإعلان , أقرّ صراحة , بضرورة الإ عتراف بالكرامة البشرية المتأصلة فى كل انسان , فضلاً عن تعزيزحقوقه المتعلقة بالحريّات الأساسيّة , حيث إعتبر الإعلان ان تلك القيم تمثل اساس الحرية والسلام والعدل فى العالم , والعمل عكس تلك القيم , حتما سوف يفضى الى اعمال همجيّة فى المستقبل مثل ما فضت فى الوقت السابق , ومن ثم حتما سوف تتسبب تلك الأعمال فى تمزيق النسيج الإجتماعى للأسرة البشريّة جمعاء .
ومن الجدير بالذكر , ان الإعلان العالمى لحقُوق الإنسان , يمثل المثل الأعلى , والأساس المتين , لكل المبادىءْ والقيم والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان , حيث صدرت العديد من المواثيق الدوليّة , مثل إعلان طهران – الصادرة , عن مؤتمر طهران الدولى 1967م , حيث أكد الإعلان على مبدأ إحترام حقوق الإنسان , القائم على كفالة الكرامة البشريّة والمساواة لكل الناس , بصر النظر عن جميع المعايير التمييزية .
ومن هنا فإنه ينبغى على حكومات الدول , أن تعمل على كفالة ضمان تمتع كل إنسان , بحقه فى الحرية والكرامة والمساواة , والعمل على مكافحة العنصرية والتمييز العنصرى , المثيرة للقلق والإشمئزاز , لذا يجب العمل على إستئصاله من أعماق الجذور.
وتتبعا للتطور الموضوعى لحقُوق الإنسان , أصدرت الأُمم المُتحدة فى تسعينات القرن الماضى , إعلان وبرنامج عمل فيينا , حيث تضمن الإعلان العديد من المبادىءْ الأخلاقيّة لحقُوق الإنسان , وذلك إستنادا للكرامة البشريّة المتأصلة والمساواة بين البشر على الصعيدين الدولى والوطنى .
ومن هنا فإننا يمكن أن نستخلص القول , بأن جميع المواثيق والصكُوك الدوليّة المتعلقة بحقُوق الإنسان , نادت بقيم أخلاقيّة عُليا , مفادها ضرورة احترام حقوق الإنسان المتعلق بالكرامة والحريات الأساسيّة , فضلاً عن المساواة بين البشر , بل والعمل على نشر ثقافة المساواة والتسامح , ونبذ جميع اشكال التمييز العنصرى المقيته , وأى شكل من اشكال التعصب الأعمى
القائم على اساس المعتقد – اللون – التفوق العنصرى- الأصل القومى , وغير ذلك من المعايير التمييزية , ويجب على حكومات الدول , ضرورة تعزيز الوسائل والأليات الكفيلة , لحماية الأشخاص الذين ينتمون الى اقليات قوميّة او إثنيّة او دينيّة او لغويّة او عرقيّة , والعلم على تشجيع هؤلاء على الإندماج فى المجتمع من خلال مشاركتهم الفعلية فى الحياة الإجتماعيّة والثقافيّة والإقتصاديّة .
ومن أهم القيم الأخلاقية التى نادت بها الصكوك والمواثيق الدولية بحقوق الإنسان – منع التعذيبْ أو اى عمل من الأعمال المهينة بكرامة الإنسان – او اى معاملة او عقوبة قاسيّة او لا إنسانيّة – فضلاً عن مكافحة ظاهرة الإختطافات والإختفاءات القسريّة التى تتم للأسف من قبل الأجهزة الأمنيّة فى بعض الدول , خاصة دول العالم الثالث على وجه العموم .  خلاصة القول – من خلال السرد السابقْ , يمكن أن نؤكد , ان جميع الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان , نادت بضرورة إعمال مبدأ وكفالة مبدأ
المساواة بين البشر بدون اى تمييز , فضلاً عن كفالة مبدأ الحريات الأساسيّة للإنسان دون اى تمييز او تفرقة عنصرية , أو اى اسلوب من اساليبْ العزلْ والتمييّز القائم على وهم التفوق العنصرى القائم على المذهب العلمى الخاطىء , لأن ذلك بلا شك مدعاة  لإقرار الظلم , والعمل على هذا النحو لامحالة سوف يهدد اركان الحياة الإجتماعيّة للمجتمعات البشريّة , خاصةً اذا كان التمييز مصبوغ بصبغة تشريعيّة او قانونيّة . كما اكدت كل الصكُوك والإتفاقيّات الدوليّة , أن وجود اى اسلوب من اساليبْ التمييز فى اى مجتمع انسانى – ايا كان , فإنه حتماً سوف يشجع من اثارة عوامل الكراهيّة والإنقسام بين البشر , ورويدا سوف يؤدى الى تهديد حالة السلام والأمن الدوليين , لذا كان لابد من مكافحة اى شكل من اشكال التمييز العنصرى . ختاما يجب ان نؤكد ,ان اهم المبادىءْ الأخلاقيّة لحقُوق الإنسان – هى المساواة – كفالة الحريّات والحقوق – الإعتراف بالكرامة البشريّة المتأصلة فى كل إنسان بغضْ النظر عن جميع المعايير التمييزيّة .

حماد وادى سند الكرتى
المحامى والباحث القانونى
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *