نامدو أبكر موسي
في خضم الأزمة السودانية التي بلغت ذروتها وإرتفاع وتيرة الحراك الثوري في تسارع مطرد لإسقاط النظام في الخرطوم وبناء دولة السودان الجديد التي تتساوي فيها كل شعوب السودان بمختلف انتماءتها الثقافية والدينية والاجتماعية والفكرية في إطار الحقوق والواجبات وانهاء حقبة ظلامية مُورست فيها كل أنواع الظلم والتهميش والاقصاء والتعالي الثقافي والاجتماعي منذ فجراستقلال السودان الي تاريخ هذه اللحظة …ان عملية التغيير الجذري التي ننشدها يجب ان تكون شاملاً من دون أي تسويات جزئية تخديرية أو مساومات تاريخية إنتهازية أو ما الي ذلك ومن خلال عملية متكاملة وشاملة تفضي الي إسقاط النظام بشكل كامل ويليها فترة إنتقالية تنظف فيها دنس ومخلفات نظام المؤتمر الوطني وتفكيك الدولة العميقة وكنسها نحو ديموقراطية حقيقية مستدامة.
ان النخب في الاحزاب الطائفية والعقائدية وإصلاحو حزب المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية وبعض مثقفو المركز هم في وادي آخر وبعيدين عن الواقع وأشواق غالبية الشعب السوداني ورؤيتهم لعملية التغيير في البلاد ..يبدو انهم لم يفهموا الشعوب السودانية التي ثارت منذ اللهيب الاحمر وجبهة نهضة دارفور واتحاد جبال النوبة ومؤتمر البجا …الخ ومازالت تقدم التضحيات الجسام من أجل هيكلة الدولة السودانية وفقاً لأسس ومعايير جديدة ..ويبدو كذلك لم يستوعبوا رغبات تلك الشعوب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق والحركات الثورية وبعض التنظيمات السياسية في الخرطوم التي متصالحة مع ذاتها ومع الواقع المأزوم وهي علي دراية بجذور الأزمة في البلاد والتحليل السليم لها من منطلقات فكرية شاملة ثقافية وإقتصادية وإجتماعية..ولكن هولاء النخب الذين يتفقون علي ارضيات مشتركة تعتبر خطوط حمراء بالنسبة لهم وغير قابلة للتفريط.. هؤلاء ينظرون لعملية التغيير في البلاد كمجرد عمل سياسي يتبادلون فيه الكراسي فيما بينهم من دون مخاطبة جذور الازمة بشكل عميق ..فهم ما زالوا يحتفظون بعقليات ومناهج تفكيرهم منذ الديموقراطيات المشوهة الكسيحة والانظمة العسكرية المستبدة التي سادت ومن ثم بادت ومنها التي ما زالت تنتظر دحرها بواسطة نضالات شعبنا الثائر..التعاطي السياسي ووعي شعبنا إزاء قضاياه والخارطة السياسية والولاءات قد تغيرت تماماً بفعل الوعي والاستنارة التي افرزتها نضالات شعبنا وبات الجميع لا يقبلون الا بتغيير حقيقي يستعاد فيه البلد المختطف ليكون وطناً لكل الشعب السوداني لا اسياد وعبيد ولا تمييز ولا اقصاء ولا تهميش أو استعلاء وانما وطناً للجميع ويسع الجميع حتي لا تضطرالاجيال القادمة لاسئناف النضال من جديد.
لقد تابعنا موقف الامام الصادق المهدي زعيم حزب الامة حيال عملية الثورة الشعبية التي عمت البلاد في سبتمر الماضي لاسقاط نظام المؤتمر الوطني..ووقوف الصادق المهدي ضد رغبات الجماهير المنتفضة عن طريق السير في نهجه المعروف بارباك الساحة السياسية وتثبيط الهمم وذلك باتباعه لمفهوم اصلاح النظام وليس إسقاطه والغاية من كل ذلك إدراكه بانه لا مستقبل سياسي له بعد ان اصبح الهامش السوداني الذي استغله الصادق المهدي وحزبه ومن قبل اسلافه في زمن غابر اصبح جزء فاعل وأصيل في عملية التغيير في البلاد وقد تساوت الكتوف وبالتالي الغالبية الثائرة في الادغال والاحراش التي تمثل الاطراف وكل اتجاهات البلاد لا تقبل بتمومة جرتق ولا عطية مزين ولا ترميز تضليلي وانما مشاركة حقيقية …والامر الآخر تخوف الصادق المهدي من ردود افعال الشعوب السودانية التي مورست ضدها القتل والاغتصاب والتهجير القصري والتفقير وما الي هنالك من قبل الانظمة التي تعاقبت علي حكم البلاد ونقول له ان تلك الشعوب تستلهم نضالاتها من المناضلين الافذاذ من لدن نايلسون مناديلا وغاندي ومارتن لوثر كنج والتسامح شعارها بعد ان يتم اعتزار صادق وعلني فلا انتقام أوفوضي خلاقة كما يتصوره الصادق المهدي ونظام المؤتمر الوطني وعليهم الا يخشوا من حملة دفتردار جديدة أو انتقام نتيجة لاسقاطات تاريخية مريرة كما فعلها عمر البشير في حق شعب دارفور وعلي الامام الصادق المهدي التخلص من هواجسه وتصنيف السودان علي أساس عرب وعبيد وأولاد بحر واولاد غرب وجلابة وغرابة وهلمجرا ويجب وضع الوطن في حدقات العيون من دون تخوفات وهمية تجعله يهادن النظام ويتمني بقائه بمفهوم جهوي صرف من خلال القواسم الاجتماعية المشتركة مع النظام العنصري في الخرطوم فضلاً عن وجود نجليه في القصر الرئاسي وجهاز الامن .
من خلال الوضع المزري في كل النواحي اصبحت النخب المثقفة من ابناء المركز ايضاً هم علي قناعة تامة بان البلد في حاجة ماسة لعملية تغيير ولقد ظلوا يطرحون المبادرات ولكنها غير جادة لانهم لا يريدون ان ينهار النظام كلياً ويأتي علي انقاضه نظام جديد ..انهم يريدون بقاء الوضع الممتد منذ استقلال السودان الي الان علي حاله مع تبديل الشخوص من داخل الحقل النخبوي المتهيمن ..علي سبيل المثال الاعلامي والناشر حسين خوجلي الذي يختزل الوطن في مدينة ام درمان القديمة من دون هوامشها دعي في برنامج تلفزيوني في فضائية يمتلكها بتكوين حكومة وحدة وطنية استعداداً للانتخابات في عام 2015 وهو يعلم بان النظام الذي يقبض علي مفاصل الامور في البلاد وسيطرته علي كل مؤسسات الدولة من خلال سياسات التمكين والتي ستتحول الي دولة عميقة بروقراطية ومن الصعب بهذه الشاكلة ممارسة أي عملية انتخابية حرة ونزيهة وبالتالي هذا النظام لا يجدي معه الا تغيير جذري صارم ينتشل البلاد من الشمولية الي الديموقراطية ولا مناص من تفكيك الدولة العميقة وكنس مؤسسات الفساد وخلق بيئة وبنية معافاة تمارس فيها عملية ديموقراطية حقيقية .
واما السائحون والاصلاحيون والمطرودون من مؤسسات النظام التنظيمية والاسلاميين الزعلانين الذين أسسوا ما يسمي بالحركة الوطنية للتغيير جل هؤلاء اين هم عندما قتلت واغتصبت وشردت وافقرت وابادت وعذبت الحركة الاسلامية ورافدها المؤتمر الوطني الشعب السوداني بأسم الدين ؟؟..اين هم طوال الربع قرن؟؟ هؤلاء هم يخشون انهيار مشروعهم الحضاري البائد الذي فصل الجنوب ودمر الاقتصاد الوطني ورسخ الجهوية في كل مفاصل الدولة..هم بمذكراتهم ومبادراتهم يحاولون انقاذ ما يمكن انقاذه حتي لا يكون مصيرهم الجمعي كما الاخوان المتأسلمون في مصر..هم يعملون الان لتعبئة تلك الخمور القديمة في قارورات جديدة لتسويقها مرة اخري للشعب السوداني ولكن لسنا بهذه السذاجة والغباء ولا تنطلي علينا هكذا مساخر ..هؤلاء هم مسؤولون مسؤولية كاملة عن جرائم النظام وسياساته وان محاولة الهروب من براثن السقوط المحتوم لا يعفيكم من المحاسبة والمسؤولية ..مهما فعلتم فانتم اصبحتم كرت محروق ولا رجاء منكم لاخراج البلاد من أزماتها وعليكم ان تلزموا بيتوتكم كفي ربع القرن من الجثم علي صدورنا.
ان خارطة الطريق للخروج البلاد من أزماتها واضحة كالشمس في رابعة النهار وتقتضي إسقاط النظام من جذوره وفترة إنتقالية تمهد الطريق للانتقال الي الديموقراطية بمشاركة الجميع من دون اقصاء او تهميش ..وتفكيك كل مؤسسات النظام الراسخة حتي لا يعود النظام من جديد للمشهد السياسي ..واطلاق الحريات وحرية التعبير حتي يتسني لكل القوي السياسية والثورية لنفض الغبار من جماهيرها وتنظيمها استعداداً للعملية الانتخابية ..وتكوين جمعية تأسيسية لكتابة الدستور الدائم وسنّ قوانيين ديموقراطية وحينها يمكن ان نطوي صفحة حقبة ظلامية من تاريخ البلاد وفقاً لديموقراطية تتراضي عليها الجميع وخلاف ذلك سييظل الوضع كما هو ويبقي الوضع مأزوماً لا يجدي معه الاتفاقيات ولا الحوارات بين احزاب الخرطوم ولا التشكيلات الوزارية المرتقبة ولا لجنة صديق ودعة او مؤتمرات ام جرس وتهديدات إدريس ديبي ..نحن محتاجين لعملية تغيير حقيقية تمهيداً لديموقراطية مزدهرة ومستدامة.
[email protected]