أعلن المؤتمر التاسع للحركة الإسلامية السودانية، تأييده ترشيح الرئيس عمر البشير لمنصب رئاسة الجمهورية لدورة اخرى في انتخابات ألفين وعشرين، داعيا إلى اتخاذ الإجراءات القانونية والدستورية الخاصة لتعديل الدستور الذي ينص على تولي الرئاسة لدورتين فقط.
هاهي ضربة البداية قد أعطيت إذن لفيلم سينمائي ركيك سنضطر لمتابعته في الأشهر المقبلة مع أنه سبق أن شاهدناه مرات عدة من قبل ونعرف كل تفاصيله. ثم إن هذا يقتضي بداهة أن الحركة الإسلامية في السودان، وهي الأقرب إلى الله طبعا (!!) مع ذراعها السياسي «المؤتمر الشعبي العام»، قد أخذت عهدا من العلي القدير ألا يقبض روح هذا الرئيس الملهم لا قبل موعد الانتخابات ولا عندما يفلح في انتزاع عهدة رئاسية جديدة وسط تنافس محموم وفي أجواء ديمقراطية شفافة لا غبار عليها!!
كم مرة تعهد الرئيس السوداني ألا يترشح في الانتخابات المقبلة؟!! لم يتعهد بذلك في دردشة خاصة ولا في لحظة صفاء وصدق مع عائلته وإنما فعلها زهاء الثلاث مرات تقريبا أمام الكاميرات وفي العلن ولكن ماذا عساه يفعل المسكين وقيادات الحركة الإسلامية ترى فيه «الشخص الأنسب لقيادة البلاد في ظل التحديات الداخلية والخارجية»؟!!.
منطق الاستبداد وتأبيد الحكم الفردي وعبادة القائد مرض متفش في معظم بلادنا وبلاد العالم المتخلف ومن الصعب علاجه رغم أن أعراضه تكاد تكون واحدة
وبعد ضربة البداية هذه، ستبدأ «الفعاليات الشعبية» في الدعوة لتسريع الخطى لتعديل الدستور الذي سيقال إنه «ليس مقدسا وإن مصلحة البلاد تظل فوق اعتبار» وأن على الجميع أن يهبوا هبة رجل واحد لنصرة رئيس بدونه لا قيمة للسودان ولا اعتبار. ستنطلق قريبا جوقة الكتاب في تدبيج المقالات التي تؤكد «الضرورة التاريخية والحتمية» لتعديل الدستور واستمرار البشير في منصبه أما ما عداه فخراب ودمار. لا يــُـعرف ما إذا كان هؤلاء سيخوّفون الناس بما آلت إليه الأمور في سوريا وليبيا كما يفعل جارهم الشمالي في كل شاردة وواردة، لكن الأكيد أنهم سيبينون للمواطن «المسكين الغلبان غير الواعي بمصلحته» أن لامستقبل للبلاد دون البشير، نقطة إلى السطر.
سيتكفل الفقهاء القانونيون، والسودان يزخر بكفاءات عديدة منهم، بإيجاد التخريجة المناسبة لتعديل الدستور، وستتم المصادقة سريعا على هذا التعديل الذي جاء لإنقاذ البلد من الويل والثبور وعظائم الأمور، وسيدرك المواطن سريعا هذه الخدمة الجليلة العظيمة التي قدمت له فيخرج في مظاهرات تأييد وولاء للقائد الذي لا بقاء للوطن دون بقائه هو في منصبه.
لا فائدة في تذكير الحركة الإسلامية في السودان في واحدة من آيات المنافق الثلاث وهي «إذا وعد أخلف» وصاحبهم فعلها أكثر من مرة، ولا فائدة في تذكيرها كذلك أنها، بما فعلته من قبل وتكرر فعله اليوم للمرة الثالثة أو الرابعة، إنما تقيم البرهان والدليل القاطع الدامغ أن الإسلاميين، أو من يوصفون كذلك، لن يتركوا السلطة أبدا إذا ما أخذوها، وأن تغنيهم بالديمقراطية في أي مكان من بلاد الله الواسعة ما هو في الغالب إلا تغني «المتمسكن حتى يتمكن».
لا فائدة في تذكير هذه الحركة بذلك، ليس فقط لأن قياداتها سيجدون طبعا ألف رد عليه، بالحق والباطل، بما قد يستقيم وبما لا يتعدى الفذلكات اللغوية ثقيلة الظل، وليس لأن هؤلاء لا يجيدون شيئا إجادتهم الخطابة لتبرير أي شيء حتى أكثره تناقضا مع المنطق وحتى مع الأخلاق التي هي عماد الدين… بل لأن منطق الاستبداد وتأبيد الحكم الفردي وعبادة القائد مرض متفش في معظم بلادنا وبلاد العالم المتخلف ومن الصعب علاجه رغم أن أعراضه تكاد تكون واحدة. مع ذلك لا بأس بأن يهمس في أذنهم ببعض الكلام من عالم السياسة:
ـ قبل البشير، كان هناك رئيسان واحد اسمه حسني مبارك لم ينطق في شباط/فبراير 2011 بعبارة «أنه لا ينتوي» الترشح للانتخابات المقبلة، والآخر اسمه زين العابدين بن علي لم ينطق في كانون الثاني/يناير 2011 بأنه لن يترشح لانتخابات 2014 إلا بعد ما صارت السكين على رقبتيهما.. فهل تحمل التطورات الأخيرة على قناعة عامة بعدم تصديق البشير أبدا إلا إذا ما صار إلى ما صار إليه هذان الرئيسان؟!!
ـ تعديل الدستور بهذه الخفة فقط لتلبية نزوة رجل واحد في البقاء على سدة الحكم لتحصين نفسه، مع رهنه البلاد بأكملها لتجنب الملاحقات الدولية ضده، سيفقد المواطن بالكامل أي ثقة في القانون والمؤسسات التي باتت تطوّع لأهداف ذاتية لا علاقة لها بمصلحة البلاد التي وكأنه لم يكفها ضياع قسم هام منها بولادة دولة جنوب السودان، وتفشي الفساد بشكل يلحظه كل كبير وصغير.
طبعا سيبتسم البشير وينشرح إن هو قارن وضعه بوضع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة العاجز تماما عن الحركة والمتقدم إلى الانتخابات المقبلة، أو حتى لو قارن نفسه بالرئيس التونسي الباجي قايد السبسي التي يبدو أن وساوس التقدم لانتخابات العام المقبل بدأت تراوده من الآن.. ولكن ماذا عسى الرئيس السوداني أن يشعر إن هو استحضر صورة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي أعلنت قبل أسابيع أنها لن تكون مرشحة لانتخابات 2020، رغم كل ما فعلته لبلادها ألمانيا التي هي ألمانيا. قل لي بمن تقارن نفسك أقول لك من أنت!!
كاتب وإعلامي تونسي