السودان : مشروع قانون جديد امام الكونجرس الامريكى
لاحكام الخناق على الخرطوم
عثمان نواي
قدم السيناتور الامريكى مكفرن والسيناتور وولف ,قدما مشروعا لقانون
جديد حول السودان فى جلسة الكونجرس امس , واقترحا تسمية القانون ب” قانون سلام
وامن ومحاسبة السودان للعام 2012″ , ويأتى مشروع القانون بعد حملة قوية
للسيناتور وولف ومكفرن منذ اسبوعين لجذب الانتباه حول ما يحدث فى جبال النوبة
على ايدى النظام السودانى , وكان السيناتور وولف قد زار معسكر ييدا للاجئين
من جبال النوبة فى جنوب السودان فى الشهر الماضى , ورافقه عدد من الصحفيين
والناشطين االامر الذى اثار حفيظة النظام السودانى , الذى عبر عن احتجاجه
الشديد على ما اسماه اختراق للسيادة السودانية وتعريض حياة المواطنين
الامريكان للخطر بدخولهم مناطق الحرب . وكانت الزيارة الهادفة الى الاطلاع على
اوضاع الفارين من النزاع والاستماع الى اسباب فراراهم , وعرفة الاوضاع التى
يعيش فيها باقى سكان جبال النوبة الذين لم يتمكنوا من الفرار والذين يعيشون
عزلة عن العالم الخارجى بسبب منع الحكومة السودانية لدخول المنظمات الانسانية
, والاعلام , وحمل وولف معه شهادات اللاجئين التى بثتها اجهزة الاعلام
الامريكية مما زاد واد من الضغط على الادارة الامريكية بواسطة اللوبيات
المهتمة بالسودان وحقوق الانسان , خاصة وان العام الحالى هو عام الانتخابات فى
الولايات المتحدة ولكل صوت الف حساب , بالاضافة الى ان السيناتور والسيناتور
مكفرن كانا قد وصفا ما يحدث فى جبال النوبة بالتطهير العرقى , والانتهاك
الجسيم لحقوق الانسان فى ظلال دارفور التى ليست ببعيدة عن الاذهان .
يترتبط القانون الجديد ايضا بالحراك الذى واظبت عليه عدد من المنظمات
الامريكية والناشطين فى الفترة الماضية والتى يبدو انها اتت اكلها حيث دفعت
الى تقديم هذا القانون الى الكونجرس , كما تقرير شبكة التحذير المبكر التابعة
للمعونة الامريكية والتى الحذرت من مجاعة فى جبال النوبة هذا الشهر امنشور فى
فبراير رفع من الانتباه لما يجرى فى المنطقة , وكان الكونجرس قد استدعى وزيرة
الخارجية الامريكية لاستيضاحها حول موقف الادارة الامريكية مما يجرى على
الحدود مع دولة جنوب السودان الوليدة . ومن جانب اخر استخدم السيناتور مكفرن
التصريحات التى اوردتها الصحافة عن السيد كابيلا المسؤول السابق للشئوون
الانسانية فى الامم المتحدة بالسودان والذى استخدم كلمات قوية وصف فيها ما
يجرى فى السودان وممارسة النظام الحاكم بانه ” سياسة الارض المحروقة ” واضاف
كابيلا الذى كان مشرفا على العمليات الانسانية فى الامم المتحدة فى بداية حرب
دارفور فى 2003 , اضاف ان ” ما يحدث يذكره بدارفور ” فالقرى المحروقة تماما
على مدى النظر والخالية من سكانها هى ذات المناظر من دارفور تتكرر مرة اخرى .
وشدد المسؤول الانسانى السابق على المجاعة فى الافق فى الاشهر القليلة القادمة
, وان على المنظمات الانسانية والمجتمع الدولى الاستعداد لكارثة انسانية
حقيقية .
ان مشروع القانون الجديد حول السودان , يشكل فى مضمونه فارقا
حقيقيا فى توجه الادارة الامريكية نحوه خاصة اذا عبر الكونجرس وتم تطبيقه ولم
يعطل قدر كبير من بنوده كما حدث لقانون سلام السودان 1997 والمعدل بعد حرب
دارفور 2005. النقطة المحورية فى القانون الجديد هو التشديد على ان لايتم
تجزىء ازمة السودان مناطقيا بعد الان , اى ان يتم التعامل مع النظام الحاكم فى
السودان كازمة البلاد الاولى التى تتسبب فى الحروب والنزاعات والفقر والمجاعات
والارهاب , الامر الذى يعنى ضغوطا اكبر على النظام الحالى وربما المطالبة
العلنية بتغييره وهذا موقف السيناتور فرانك وولف الراعى الاول للقانون , ويشير
هذا الموقف ايضا الى اهمية تغيير السياسات الامريكية بعد الانفصال , فالسيدة
كلينتون اتهمت السودان امام الكونجرس “بتقويض دولة جنوب السودان ” وهذا اتهام
خطير كانتهاك للقوانين والاعراف الدولية واحترام سيادة الدول , على صعيد اخر
فان ما تمارسه الحكومة من تصعيد شديد اللهجة تجاه الجنوب هو لعبة الاستفزاز
والتهديد للادارة الامريكية بمحاولة لابتزاز الادارة بالدولة التى رعت قيامها
, دولة جنوب السودان . وفى داخل هذه الدوائر المتشابكة يبدو ان الانتقال الى
التركيز على كامل السودان وعدم تخصيص القانون لمناطق بعينها ولا حتى مناطق
الصراع انما يدل على ايضا على ادراك اوسع لمدى الخطر الذى يهدد الدولة
السودانية الذى يشكله هذا النظام .
وعلى الرغم من عدم التأييد الواضح للادارة الامريكية لتغيير النظام فى
الخرطوم سواء عبر السلاح او الحراك السلمى الا انها لا تنكر مدى الازمة التى
يعيشها النظام وصعوبة خروجه منها الا بسيناريوهات معقدة بالتأكيد لن تخلو من
العنف . ولكن التدخل المتوقع للادارة الامريكية والذى قد لايشهد الشكل العسكرى
الواضح الا فى حالة شن الخرطوم لحرب مباشرة على جنوب السودان وهو امر مستبعد
لضعف قوة النظام وقدرته على شن كذا حرب ووجود الجبهة الثورة والحركة الشعبية
شمال فى الطريق , الا ان الانتهاكات لاجواء الجنوب واستعمال الاستفزاز لمحاولة
اثارة دولة الجنوب لتكون البادئة لهجوم سيستمر, ونتيجة لذلك تحاول الان
الادارة الامريكية اظهار الوجه الاكثر حزما لنظام السودان .
البند الاخر الذى يمثل اهمية خاصة هو العمل على القبض الرئيس السودانى
المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية لارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ,
وبقية القائمة من المطلوبين فى لاهاى , والتشديد على فرض واحكام العقوبات على
الدول التى تخل بدورها فى تنفيذ مذكرات الاعتقال , كما ان القانون ايضا يطالب
بامر اخر افتقدته القوانين السابقة وهو المطالبة بعملية التنسيق بين جميع
مكونات الادارة الامريكية لتنفيذ هذا القانون , اى لا تعمل وزارة الخزانة
لوحدها مثلا فى مراقبة العقوبات الاقتصادية بمعزل عن وزارة الخارجية على سبيل
المثال , ودعا القانون ايضا الى زيادة العقوبات الاقتصادية والتشدد فى تطبيقها
على الدول التى تبيع السلاح للسودان والشركات والافراد , وعملية بيع السلاح هى
من الازمات التى تواجه ايقاف نزيف الدماء فى السودان , فالالتفاف على العقوبات
الدولية والتعاون مع الدول التى لاتهتم بتنفيذ تلك العقوبات كروسيا والصين
وايران هو سبب اساسى فى تضخم الخسائر الانسانية فى الارواح والاصابات
بالاسلحة المحرمة دوليا والالغام والقصف العشوائى .
مشروع قانون سلام السودان الجديد والذى يمكن تسميته بالشامل , طالب
ايضا بمد العمل بكافة القوانين والعقوبات المفروضة على الخرطوم وتعلية سقفها ,
حيث لا يتم رفع تلك العقوبات الا فى حال ايقاف الخرطوم لعملية القتل ضد شعبها
, كما ان القانون ايضا اقترح طرد جميع الافراد والشركات والمنظمات التى تقع
طائلة الدعم لنظام الخرطوم لعملياته العسكرية , سواءا كان دعما بالسلاح اوغيره
, وان من سيشملهم القانون بالعقوبات يجب طردهم من اراضى الولايات المتحدة . ان
هذه المطالبة بالضغط عبر كل ما تملكه الولايات المتحدة من اوراق ضد السودان ,
هو بالتأكيد خطوة تعتبر متأخرة وكان يجب ان تكون فى اوقات سابقة ولكن بما انها
فى طريقها للحدوث ننتظر ان يتم تمرير هذا القانون وتنفيذه كما هومنصوص عليه
بهذه الروح الجادة لانهاء الازمة فى السودان .
البند الخاص بالاوضاع الانسانية فى جنوب كردفان والنيل الازرق يطالب
الادارة الامريكية بمضاعفة جهودها لانهاء معاناة اهالى جنوب كردفان والنيل
الازرق دون ان يؤثر ذلك على المساعدات المقدمة الى دارفور , وفى هذا الاطار
فان عملية تقديم العون نفسها تبقى لغزا فى ظل تشدد الخرطوم فى منح تراخيص
للامم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية لدخول مناطق الحرب, وكانت سوزان
رايس اشارت الى ان امريكا مستعدة لاستخدام كافة الاساليب وكان ليمان قد هدد
بتجاوز الخرطوم لتقديم المساعدات , وبعد تمرير هذا القانون سيكون هذا امرا
ملزما للحكومة الامريكية بالقانون , ولا تبدو فى الافق حلول لمسألة دخول
المنظمات رغم المقترح المقدم من الجامعة العربية لدخول موظفين من الجامعة
والاتحاد الافريقى مع منظمات الامم المتحدة للتاكد من عدم دعم الاخيرة
للمتمردين , الا ان الوضع الانسانى يتطلب تحركا عاجلا , ولا يتحمل الانتظار
رغم ان ما حدث من تباطؤ فى رد فعل الادارة الامريكية حول الازمة فى المنطقة لا
ينبىء بالتجاوب المناسب فى الوقت المناسب مما يهدد بكارثة حقيقية.
ان القانون الذى قدم للكونجرس لاجازته بالامس , يتوقع ان يلقى
ترحيبا واجازة من الكونجرس على ضوء ما اسلفنا من حملات اعلامية وسياسية سابقة
له اضافة الى الحاجة الى سياسات جديدة نحو السودان فرضتها الاوضاع الجديدة بعد
انفصال الجنوب والحروب الدائرة فى 3 جبهات فى السودان وتكون الجبهة الثورية
السودانية الوجه الجديد فى الساحة السياسية السودانية كتحالف بين قوى مناطق
الصراع , كما التشرذم للمعارضة الداخلية ومواقفها المتخاذلة التى لاترقى
لتحديات الواقع تجبر الادارة الامريكية الى النظر الى السودان الشمالى كازمة
حقيقية وشاملة ومهدد حقيقى لامن المنطقة فى ظل النظام الحاكم الذى يمارس سياسة
الارض المحروقة ويقتل شعبه وينقض العهود والمواثيق ويعتدى على الدول الاخرى ,
ورغم تحديات الوضع فى السودان الا ان تغييرات كبيرة وسريعة تبدو فى الافق فى
مواقف الادارة الامريكية والمجتمع الدولى الذى بدا اكثر تنبها للسودان بعد
الهدوء النسبى فى المنطقة لتحتل السودان مكان اليمن فى اجندة الدول الكبرى بعد
انتهاء ازمته , والتى يأمل المجتمع الدولى ان يسير السودان فى خطاها فى ايجاد
حل شبه سياسى لنقل السلطة بدلا عن زلازل التغيير رغم ان السيناريو الليبى
وسيناريو ساحل العاج فى التدخل المباشر لا يبدو مستبعدا .
[email protected]