السودان : عشرون عاماً من النكسة و تقويض الديمقراطية وشبح التفتت !!
حجج كثيرة ومثيرة صاغتها ثورة الإنقاذ لتبرر فعلتها , نختلف أو نتفق معها , ولكن ما هو متفق عليه إجماعا ( حتى إن كان بعضها سكوتيا وفق مشروعهم الحضاري ) و القاسم بين هذه الآراء وتلك أن المبررات والعلل والحجج التي كانت داعية للانقلاب لم تعد مقنعة حتى لأصحابها , ودلائل كثيرة على ما نقول , ولعل خروج بعض مسوقي تلك العلل عنها بل لعنة تلك الساعة التي جعلتهم ينقلبون على الشرعية هو دليل ناصع على بطلانها.
عشرون عاما خلت من النكسة السودانية وتقويض مشروعه الديمقراطي , وذلك بانقلاب العسكر في ليلة الثلاثين من يونيو من العام 1989 م المشئوم والذي ادخل البلاد والعباد في منعطف دقيق وخطير ينذر بشبه التمزيق والتفتيت , الذي أصبح وشيكاً لو لم يتدارك الساسة السودانيين هذا الأمر.
نعم العسكر يقولون لو لم نأتي فسيادة البلاد ستذهب مع صراخ وعويل أعضاء برلمان الحكومات التي ائتلفت صوريا ولم تأتلف قلوبها على مشروع كيف يحكم السودان, وان المتمردين هم على تخوم كوستي والقضارف في جبهتي الجنوب والشرق. النهب المسلح بدارفور أصبح هما يوميا.
والحالة الاقتصادية وصلت الحضيض وطوابير الوقود والخبز تخجل المرء وتنقص حياته , والدولار سيصل إلى عشرين جنيها لو لم ينقلب على الديمقراطية التي لا تشبه أهل الإسلام على حسب قول الجماعة.
ولكن !! يبدو أن بريق السلطة والكرسي قد أنسى الجماعة الجنة وشرابها والحور . فأصبح التمرد الذي كنا نخشى وصوله النيل الأبيض أصبح يقاتلنا على تخوم القصر الرئاسي , والعقيد الشهيد جون قرنق دمبيور بدل شرب القهوة بشندي , شربها بالقصر الجمهوري , وبكرم زائد وهو محمول على الأعناق وبشربة كوكتيل السودان الجديد أصبح فريقاً في السلم العسكري ورئيس للجنوب بأكمله ونصف السودان بوجود الجنرال وكله بغيابه , وبان يقينا للناس في الشمال أن السيد النائب الأول في السودان ورئيس الجنوب لم يحمل جينا بقريا وليس له قرون كما يصوره طلاب الحور وعشاقها في وسائطهم الاعلامية وانما هو رجل وابن من ابناء السودان المولعين بهم السودان ووحدته على أساس المواطنة الحقة والعدالة بين مكوناته المتباينة.
والنهب بدارفور تطور وساير التقنية والعلاقات الدولية , فأصبح لدينا نهب من نوع آخر وارد النيجر وتشاد وإفريقيا الوسطى و متطور في جرائمه وأسلحته.
وأصبح النظام الذي انقلب على الشرعية على خاطر عيون أهل دارفور أصبح هو نفسه حراميها وهو من يستورد ويوجه هؤلاء النهب بل يوفر لهم الغطاء الجوي ووسائل الاتصال ( من الكلامة وغيرها ). والجنيه السوداني عليه الرحمة بعد أن قتل وسلب على مرأى ومسمع من الناس لا لشيء فقط لأنه كان رمز الحفاظ على قيمة الاقتصاد ولكن عوقب بالكفر البيان وأتي بأختها المسلمة ( الدينار حسب شريعة الإنقاذ ) التي بدورها أوصلت الدولار إلى سبع إضعافه بدل ما كان طلاب الحور يخشون ان يصل سعره مقابل الجنيه المغضوب عليه إلى العشرين جنيها , وإمعانا في القسوة مع الجنيه لم تؤتى حتى حق الاستتابة كحق يؤمن به دعاة اسلمة الاقتصاد والحياة بكل جوانبه ولكن بدلا من ذلك اتو إليه بسياسة المدعو حمدي التحريرية للاقتصاد وألحقه بمثلثه الاجتماعي الذي يرى وفق عبقريته ان بعض مكونات مجتمعنا السوداني يجب ان يرحلوا غير مأسوف عليهم وحدد بموجبه من هو مؤهل للبقاء.
أما حدود البلاد فقد كنا نتحدث عن الفشقة وكيفية التسوية مع أصدقائنا في اريتريا واثيوبيا اليوم نتحدث عن حدودنا المسلوبة من اليوغنديين وكذلك حلايب بكاملها ذهبت على خاطر عيون السيد الريس المطلوب والا سي مبارك سينبش عملة أديس ذات الأيادي الإنقاذية.
جاءت ما سمي بثورة الإنقاذ ليجعل من الإنقاذ انقلاب للمفاهيم والقيم فأصبح الإنقاذ تجويع للمواطنين وتقتيل لآخرين , وإعادة تقسيم المجتمع وفق ولاءات جهوية واثنيه و أصبح دفة الحراك في المؤسسات والوزارات وأداء حوائج الناس وتوظيف أبناء الوطن وفق هذا المعيار النتن الذي قال عنه المصطفى ( دعوها إنها نتنة ) , ولكن دعاة المشروع الحضاري جعلوه المعيار و من أهم الوسائل لإدارة العباد والبلاد , فكان الإحالات للظلم (الصالح )العام , والفصل التعسفي هو نصيب كل من يظهر عليه عدم رضي بالنظام .
هتف هؤلاء ((أمريكا روسيا ليك تدربنا )), ولكنهم انقلبوا على شعاراتهم بان وجهوا هذه الأسلحة ومن دربوهم لقتل أهل الكفر كما يقولون وأهل الكفر هؤلاء ما هم إلا مواطنون سودانيون من أهل الجنوب., وتارة باسم العروبة والعقيدة , كما صار الحج إلى واشنطن وموسكو شغلا يوميا. والآن أصبح ما سمي إنقاذا وبالا على البلاد , وبل أصبح معولا من معاول التفتيت حيث أصبح المليون ميل لا يسيطر عليه الدولة المركزية إلا في أقل من ثلثه فدارفور أصبحت محمية دولية وان ادعت الحكومة غير ذلك , حيث أصبح الجنود الأجانب يفوقون جنود المستعمر وقتها , وصار أمر قوت الناس في أيدي أجانب 0 طبعا من المعروف بالضرورة قوات الاتحاد الأفريقي ومنظمات الدولية العربية منها والإفريقية هم أجانب ) وان ادعى النظام بتمسكه بالسيادة المفقودة ,والأجانب يجوبون السودان طولا وعرضاً وطائرات أجنبية تقصف وتقتل العشرات دون أن تعلم حكومتنا التي تدعي السيادة لم تعرف حتى هوية من قصف ناهيك من اخذ موقف. والانكى والتي تعتبر فضيحة كبرى ان يكون رئيس السودان مطلوب للعدالة الدولية لأن الجهاز القضائي الذي أسس معظم أجهزة القضاء في الإقليم عاجز عن أداء هذا الدور , والأدهى والأمر ان تكون الجريمة قتل مواطني السودان . رئيس السودان يقتل مواطنيه !!!
بدعة دكتاتورية
ومن البدع التي استحدثتها الدكتاتورية السودانية , ان تشكو عدم قدرتها على بسط سيطرتها على أجزاء من الوطن , كيف ذلك وقد شكى البشير الاقصاء من شركائه في الجنوب و التضييق والاقصاء وعدم اعطاء الفرصة للممارسة السياسية , أرأيتم البدع بالله عليكم كيف لدكتاتور يشكو عدم قدرته على البطش ؟؟
نعم أصبح السودان تنقص رويدا رويدا من أطرافه , فالجنوب قاب قوسين أو أدنى أن يتحقق لها طموح أبنائه الذين طالما نادوا بذلك فقد كان لهم الذي كان من العسير تحقيقه في ظل حكومة ديمقراطية , وذلك ليس رفضا لحقوق أهل الجنوب في تقرير المصير كحق مشروع ومكفول ولكن لأ ن في ظل الديمقراطية هناك عملية إشراك لكافة أبناء الوطن في الحوار الأمر الذي يمكن ان يكون جدير بإقناع إخواننا في الجنوب بالعدول عن تقرير المصير اذا ما اطمأنوا الى تحقيق طموحاتهم في العدالة والمساواة بين ابناء الوطن الواحد.
شبه التفتيت
يمر السودان الوطن والمجتمع بمرحلة دقيقة , من مراحل إعادة تكوينه كوطن يسع الجميع , بعد ان فشل النظام في توحيد أبنائه والمساواة بينهم , وبدلا من ذلك انشغلوا بالثروة والجاه وتأمين عرش الحكم وبكل السبل المشروعة منها والغير مشروعة , حتى أصبح انفصال جزء عزيز من الوطن أهون إليهم من أن يرحلوا , فسجنوا من كان في يوم ما حليف بل عراب ثورتهم المشئوم لان حواره مع خصوم الأمس وشبه أصدقاء اليوم في ذلك الوقت لا يحقق لهم سبل البقاء , لان الوطن لا زال فيه بعض من لحمة الصف بين أحزابه الديمقراطية , وأي حراك او حديث عن الحوار في هذا الوقت يجعل الأحزاب أوفر حظاً في الفوز بنصيب في الكعكة.
فكان لابد من تأجيل هذا الحديث حتى تنفيذ مخطط مرسوم منوط به تفتيت هذه الأحزاب وإغراء النفعيين من كوادرها و فتفتت الأحزاب التقليدية أيد سبأ . فأتت الفرصة للنظام على طبق من ذهب.
نفرة ملحة
وإزاء هذه الظروف والمحن التي يمر بها السودان , لزم على كل أهل السودان بما فيهم الاقصائيين الذين أوصلوا البلاد لهذا المنعطف ان نستنفر لانقاذ السودان حقاً لا مجازاً. و على الأحزاب المعارضة والحركات الثورية والحكومة وأحزابها الموالية ان تقف وقفة ولو لمرة واحدة للنظر في مستقبل السودان.
ينبغي ان يعجل الاحزاب التي دعت لمؤتمر جوبا وان يحملوا رؤى خالية من أي نظرة حزبية لأن اليوم نحن في مفترق طرق يكون السودان او لايكون.
حسن إبراهيم فضل
[email protected]