السودان: طبيب يخاطر بحياته لمساعدة اللاجئين في المنطقة بين الشمال والجنوب

السودان: طبيب يخاطر بحياته لمساعدة اللاجئين في المنطقة بين الشمال والجنوب
مارتن بلوت
جنوب السودان

لاجئون سودانيون

تشهد المنطقة الحدودية بين جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان نزاعات مزمنة
وجد طبيب في المنطقة الملتهبة بين جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان التي استقلت حديثا نفسه في خطر داهم بسبب رفضه التخلي عن مساعدة اللاجئين في المنطقة الحدودية وذلك في ظل احتدام الصراع بين الطرفين.
هذه قصة هذا الطبيب الذي بذل محاولات عديدة لإحضار الدواء للسكان المحليين ووجد نفسه عالقا في أقل الحروب التي تشهدها القارة الأفريقية تغطية من قبل وسائل الإعلام.
رأيته للمرة الأولى وهو جالس على شجرة ومنغمس في نقاش هادئ مع مجموعة من موظفي الإغاثة بشأن أفضل الطرق لتحسين الخدمات بالنسبة إلى اللاجئين.
قال لي أحد الأشخاص الذين يساعدونني في إنجاز مهمتي الصحفية إن علي أن أسعى للقاء الدكتور أتار “ينبغي أن تلتقي بهذا الشخص، إنه شخص رائع”.
في البداية، لم يترك لدي هذا الطبيب انطباعا جيدا لكنني أدركت سريعا كم كنت مخطئا.
كان الدكتور أتار أداها إفانز يعمل في مستشفى بلدة كورموك وهي بلدة تقع في المنطقة الحدودية.
إنه رجل طويل يكشف وجهه عن صراحته وله ابتسامة غير متكلفة وصوت ناعم. عمل في قسم الجراحة وقسم الأمومة. لكن عندما اندلع القتال بين الطرفين، قرر البقاء في المكان رغم المخاطر المحدقة به.
ظل هناك لمدة أشهر وهو يساعد على قدر استطاعته لكن في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصبح الوضع لا يحتمل.
شحن المعدات التي يعمل بها في سيارة الإسعاف اليتيمة التي يمتلكها المستشفى وشق طريقه نحو الجنوب طلبا لملاذ آمن مثلما فعل نحو 80 ألف لاجئ.
وصل على مراحل وخلال 18 يوما من السفر إلى وجهته حيث انكب على العمل في مستشفى محلي في محاولة لمساعدة السكان المحليين.
الكثيرون من الموظفين الصحيين ربما يعتقدون أنهم أدوا واجبهم الطبي لكن ليس الدكتور أتار.
كان يعرف أن الخدمات الطبية أصبحت منعدمة في المنطقة الحدودية ولم يعد هناك شيء للمدنيين أو المتمردين الذين يحاربون الحكومة في الخرطوم.
عودة

الدكتور أتار: تساءلت زوجته إن كان مجنونا

ومن ثم، قرر أن يعود أدراجه إلى السودان، لا يملك سوى سيارة الإسعاف التي تؤوي معداته الطبية. كانت رحلة العودة شاقة.
سألته “من تعالج الناس؟” فأجاب قائلا “كل من يحتاجون إلى مساعدة. المدنيون والمتمردون وأسرى الحرب”.
وتابع قائلا “خلال الحرب الأخيرة في السودان، عالجت حتى ضباط الجيش في الحكومة السودانية. استمروا في الكتابة إلي”.
كانت سيارة الإسعاف التي يستخدمها في تنقلاته تحمل شعار جمعية الهلال الأحمر لكنهم اعترضوا. وعندئذ أزال الدكتور أتار الشعار.
وقال في هدوء “لم يعد يوفر لي الحماية. لقد قصفوا مجمع الأمم المتحدة في كورموك. لقد قصفوا مقر منظمة احموا الأطفال”.
كيف يتصرف حينما تكون القنابل فوق رأسه؟
“حسنا، أركن سيارة الإسعاف في مكان آمن ثم أنبطح أرضا”.
قصف
في إحدى المرات، قصفوا الخيمة التي كان فيها بعد مغادرتها.
قال معلقا “تساءلت زوجتي إن كنت مجنونا. ما هي مشكلتك. لماذا تزوجتني إذا كنت تريد أن تموت؟”
أما ابنه البكر فقال له “لماذا لا تعود إلى المنزل وتنسى كل شيء؟” لكن الدكتور أتار رد بحزم “علي أن أُذَكِّرهم أن من الضروري أحيانا أن أساعد الناس الذين لا يجدون من يمد لهم يد العون”.
ويُذكر أن هذه المنطقة لم تنعم بالسلام الدائم منذ استقلال السودان عام 1956 عن الاستعمار البريطاني. وخلفت الحرب الأهلية على مدى عقدين مليوني قتيل.
هدف اتفاق نيفاشا للسلام بين الشمال والجنوب عام 2005 إلى وضع حد لهذه الحرب.
لكن السلام ترك العديد من المتمردين السابقين والسكان المحليين عالقين شمالي الحدود الجديدة. كان قدر هذا الجزء من العالم أن تستأنف فيه الحرب.
ليس هناك مؤشرات على أن المباحثات بين الطرفين المتحاربين تحقق أي تقدم يذكر.
تصعيد

لم تنعم هذه المنطقة بالسلام الدائم منذ استقلال السودان عام 1956


لاجئون سودانيون
العلاقات بين جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان في أسوأ حالاتها إذ لم يعد النفط يتدفق باتجاه الشمال كما أن الجنود ينتشرون على طول الحدود بين البلدين.
رغم أن المناطق الحدودية بين البلدين لم تشهد بعد حربا شاملة، فإن النزاعات الصغرى تهدد بتصعيد هذه الحرب المزمنة.
وطالما استمر هذا الموقف المتأزم بين الطرفين، هناك احتمال أن يواصل المتمردون ووكالات الإغاثة واللاجئون استيطان هذه المنطقة كما أن الدكتور أتار وسيارة الإسعاف التي يستخدمها سيواصلان التنقل بين طرفي الحدود رغم المخاطر المحدقة بهذه المنطقة.
قال الدكتور أتار في نوع من اللامبالاة “حياتي في يد الإله”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *