محمد مختار الخطيب لـ «الشرق الأوسط» : نعمل على تحريض وتنظيم الجماهير لإسقاط نظام الإنقاذ
أحمد يونس
وصف سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد مختار الخطيب، المظاهرات التي تحدث في السودان بأنها «بدايات» عمل سياسي يستهدف إسقاط نظام حكم الرئيس السوداني عمر البشير. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن حزبه يسعى لـ«إسقاط النظام» ويرفض أية دعوات لتغييره وإحداث إصلاحات جزئية، لأن التغيير يتجاهل جوهر القضية ويقف عند شكلها. وأضاف إن حزبه أنشأ «غرفة عمليات» لتنظيم المظاهرات، ووجه قواعده وتنظيماته لقيادة الحراك الجماهيري حتى إسقاط النظام وإقامة البديل الديمقراطي.
وفسر الخطيب «السكون النسبي» الذي تشهده التحركات الاحتجاجات بأنه حالة من حالات الثورة التي لا تسير في خط مستقيم متصاعد واحد.
وكشف أن قوى الإجماع الوطني بعد أن وقعت وثيقة «البديل الديمقراطي» ستوقع خلال فترة لا تتجاوز أسبوعين «الإعلان الدستوري» الذي يحكم الفترة الانتقالية. وسخر الخطيب من تحذيرات بحدوث فوضى وانهيار الدولة حال سقوط النظام، واعتبرها دعاية يبثها النظام، لأن الجماهير ظلت تتظاهر لأكثر من شهر ولم تحدث فوضى، وأن الحركات المسلحة بما فيها «الجبهة الثورية» تعهدت بإلقاء سلاحها بمجرد سقوط النظام. وفيما يلي نص الحوار:
* كيف تنظرون لما يحدث، أهو انتفاضة، أم ثورة شعبية، أم مجرد مظاهرات مطلبية.. وإلى أين يمكن أن يصل هذا الحراك..؟
– بدأت احتجاجات ضد رفع الدعم عن المحروقات، وسرعان ما رفعت سقف مطالبها لـ«إسقاط النظام»، لأن المحتجين لم يروا سبيلا للخروج من المأزق وحل الأزمة العامة في البلاد إلا بإسقاط النظام، هي بدايات عمل سياسي يستهدف إسقاط النظام، والعمل السياسي والنضال لا يسيران في خط مستقيم، فقد يشهد نهوضا وسكونا، أو قد يتراجع.
* يرى ناشطون شباب أن موقف الأحزاب المعارضة كان أقل مما هو متوقع، وأن الحزب الشيوعي ما زال يعاني «فوبيا» تجربة حركة (19 يوليو 1971)، لذا نأى بقيادته وثقله الأساسي من المظاهرات في هذه المرحلة «خوفا» عليها..؟
– يوجد الحزب الشيوعي في قلب المظاهرات الشعبية، وتعمل قواعده وكوادره وسط الجماهير لتنظيمها وتحريضها للخروج لإسقاط النظام عبر عمل جماهيري سلمي، لأنه الوسيلة الوحيدة المتاحة للخروج بالبلاد من أزمتها. نحن موجودون في الأحياء والمناطق والمدن والأرياف، لذا شاركت كل مدن السودان في المظاهرات تقريبا.
* هل أصدرت قيادة الحزب تعليمات واضحة لقواعده وكوادره وعضويته للمشاركة في هذه المظاهرات، أم الأمر مرتبط بمبادرات فردية من بعض عضوية الحزب..؟
– الحزب أخرج بيانات وعقد اجتماعات وأنشأ «غرفة عمليات» للمظاهرات.
* ما تقييم غرفة عملياتكم هذه لـ«كمون الثورة الحالي»، هل «صامت الثورة» في رمضان، أم بسبب الأعداد الكبيرة من المعتقلين، أو بسبب دخول «بعض الأحزاب» التي يرى المتظاهرون أنها تحاول السطو على «ثورتهم»؟
– كما قلت الثورات لا تسير في خط مستقيم متصاعد فقط، فقد تشهد «هبَّة» يعقبها سكون، وتضيف إلى رصيدها أعدادا جديدة من الجماهير تخرجهم من بيوتهم إلى الشوارع، وهذا هو الذي دفع قوى الإجماع الوطني لوضع تصور لبديل ديمقراطي لهذا النظام.
* مواقف قوى الإجماع الوطني متباينة، وتتراوح بين الدعوة لإسقاط النظام، و«تغييره»، ويرى البعض في هذا أحد العوامل التي شلت التحركات الشعبية..
– طبيعي أن تتباين مواقف هذه القوى الممتدة من اليسار إلى اليمين، لذا نسعى لبرنامج «حد أدني» يتوافق عليه الجميع، وما اتفقنا عليه كـ«حد أدنى» هو برنامج مرحلة ما بعد إسقاط النظام، وكان يجب أن يرافقه «إعلان دستوري» يحكم الفترة الانتقالية، وبسبب تباين الآراء كون قادة الأحزاب «لجنة من خمسة» من بينها الحزب الشيوعي، للتوفيق بين الآراء للوصول إلى حد أدني، وأوشكت هذه اللجنة على إكمال عملها، وسيعلن عن توقيع «الإعلان الدستوري» في القريب العاجل.
* كيف توفقون بين دعوة التغيير، ودعوة الإسقاط؟
– فكرة «التغيير» شائعة حتى داخل النظام وداخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم نفسه، لكنهم يريدون تغييرا جزئيا وإحداث إصلاحات شكلية في النظام، وهناك أحزاب معارضة تتسق مع الدعوة للتغيير الشكلي، «حريات ديمقراطية»، وبقاء السياسات العامة للنظام لأن لديها مصالح في بقائها. كما تتبنى هذه النظرة «الولايات المتحدة الأميركية» وخلفها المجتمع الدولي، لأنها ترى في بقاء هذا النظام خدمة لسياساتها ومصالحها وأهدافها في المنطقة، أما القوى التي ترى ضرورة إسقاط النظام «الحزب الشيوعي السوداني، حزب المؤتمر الشعبي، جماهير الشعب التي خرجت في المظاهرات وواجهت قسوة أجهزة النظام وعنفها، جماهير حزب الأمة القومي» فترى ضرورة إسقاط النظام.
نحن لا نمانع في حدوث تغيير، لكننا لن نقدم أية تنازلات، ونعمل على تغيير موازين القوى لصالح الجماهير.
* يقال إن قوى «الإجماع الوطني» اشترت «السرج» قبل الحصان، وقفزت إلى مرحلة ما بعد إسقاط النظام، دون الحديث عن كيفية إسقاط النظام القائم..
– مطروح في البرنامج بوضوح كيفية إسقاط هذا النظام، عبر المظاهرة والانتفاضة الشعبية.
* ما سيناريوهات التغيير المتوقعة، هل هو السيناريو السوداني المعروف «الانتفاضة الشعبية والعصيان المدني»، أم السيناريوهات المختلفة التي أفرزها «الربيع العربي»..؟
– للسودان خصوصيته، فسلاح «الانتفاضة الشعبية والعصيان المدني» سلاح مجرب، فقد لا يحدث التغيير بذات طريقة ثورتي أكتوبر 1964، وأبريل 1985، لأن الظروف اختلفت، لكن تظل الانتفاضة والإضراب، الوسيلة الأساسية.
* حزب الأمة القومي والقوى الداعية للتغيير تحذر من مخاطر الانفلات الأمني، ومن سيناريو عنف قد يقود إلى انهيار الدولة.. ما مدى جدية هذه المخاوف؟
– لسنا مع هذه الرؤية، وما يؤكد صحة موقفنا أن الشعب السوداني خرج في كافة أنحاء البلاد، ولم تحدث عمليات تخريب لممتلكات الدولة أو الممتلكات الخاصة، أو أية فوضى رغم خروج الجماهير إلى الشوارع.
* هنالك متغيرات جديدة منذ الانتفاضات السودانية السابقة.
– المتغير الجديد هو القوى المعارضة التي تحمل السلاح، وقد تعهدت بوقف الحرب وجمع السلاح الذي بيدها بمجرد سقوط هذا النظام، وبالتالي فإن أي تخوفات من الفوضى غير واردة، من يروج لفكرة التخويف من الانفلات الأمني هو النظام وآلته الإعلامية.
* هل تم الاتصال بين قوى الإجماع الوطني والحركات المسلحة للتوقيع على الميثاق، أم ستوقع الميثاق قوى المعارضة المدنية وحدها؟
– أرسلنا لهم البرنامج للاطلاع عليه وتوقيعه، لكن الأهم حسب تقديري هو «الإعلان الدستوري» الذي يحدد كيفية حكم السودان في الفترة الانتقالية.
وبمجرد الاتفاق على الإعلان الدستوري سيسافر وفد من قوى الإجماع الوطني للالتقاء بتنظيمات «الجبهة الثورية» للتفاكر حوله، وقد أبدوا استعدادهم على توقيعه مسبقا.
* قالت قوى الإجماع الوطني إن تأخير الإعلان الدستوري يرجع لرغبتها في التشاور مع الجبهة الثورية، هل هذا صحيح أم أن اعتراضات قيادة حزب الأمة القومي، هي السبب في تأخير التوقيع؟
– أنا عضو في لجنة توفيق الآراء المختلفة داخل قوى الإجماع الوطني، وأوشكت اللجنة في التوصل لرؤى متفق عليها، وأنهينا نقاش رؤى حزب الأمة القومي، وتخضع رؤى المؤتمر الشعبي للنقاش، وسيتم الإعلان عن توقيع «الميثاق الدستوري» في القريب العاجل.
* ما المدى الزمن المتبقي للاتفاق على هذا الميثاق؟
– لن يستغرق الأمر أكثر من أسبوعين، وقبل التوقيع سيعرض على قوى أخرى على رأسها «الجبهة الثورية».
* المعلومات المتضاربة حول اتفاق حكومة السودان وحكومة جنوب السودان على استئناف تصدير نفط الجنوب حول سعر برميل النفط، كيف يفهم الشيوعي هذا؟
– كل الجهات أعلنت الوصول لاتفاق، تحت الضغط الدولي المستند على قرار مجلس الأمن (2046)، لكن يبدو أن تفاصيل الاتفاق لن تعلن إلا بعد الاتفاق على المواضيع المتبقية، وأرجأ الإعلان إلى يوم 28 سبتمبر القادم لاجتماع رئيسي البلدين للتوصل لحلول حول قضية «أبيي»، ومن ثم يتم التوقيع على بقية الاتفاقيات، ويرجع هذا اللغط إلى عدم توفر الثقة بين الحكومتين.
* هل سيسهم الاتفاق في تخفيف الضائقة الاقتصادية على حكومة الشمال، وتفقد المعارضة كارت «الأزمة الاقتصادية» ودورها في تأليب الشعب لإسقاط النظام؟
– أزمة النظام ليست أزمة اقتصادية، بل أزمة عامة بلغت مرحلة الحرب في دارفور جبال النوبة والنيل الأزرق، وتفاقم الوضع المعيشي، وانهارت المشاريع الإنتاجية مثل «مشروع الجزيرة»، وخصخصتها الحكومة ثم باعتها، أزمة النظام أزمة شاملة، يزيد من تفاقمهما أن بنود الصرف عند الحكومة وشكل إدارتها لموارد الدولة معروفة.
* هناك دعوات لـ«انتفاضة محمية»، ما جدية مثل هذه الدعوات، وهل يمكن أن تقود البلاد إلى سيناريوهات تغيير عنيفة مثلما حدث في ليبيا، وما يحدث الآن في سوريا؟
– الانتفاضة المحمية خيار غير مطروح الآن، لكن الجماهير وفقا لتطور الانتفاضة وطريقة تعامل النظام معها، قد تفكر في كيفية الدفاع عن نفسها.
* «انتفاضة محمية بالسلاح».. خاصة بعد استخدام الأجهزة الأمنية للقوة المفرطة مع المتظاهرين في مدينة «نيالا»..
– الأمر يعتمد على رد فعل الحكومة وتعاملها مع هذه المظاهرات، والدعوة الآن إلى انتفاضة سلمية وعمل جماهيري سلمي.
* كيف تتصرفون إذا لجأت الحكومة لعنف مفرط مع المتظاهرين؟
– الجماهير تعرف كيف تحمي نفسها.
* 4 أشهر وأنت السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني خلفا للراحل «محمد إبراهيم نقد»، وأكثر من أربعين سنة على استشهاد «عبد الخالق محجوب»، والجدل يدور حول «وصية عبد الخالق»، أين هذه الوصية وهل ترك لك «نقد» وصية أخرى؟
– لا علم لي بالوصية التي كتبها عبد الخالق، ولم أستلم أية وصية من محمد إبراهيم نقد لأننا حزب ديمقراطي لا يعمل بأساليب الوصايا.
* قلتم إنه يجري الإعداد للمؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوداني، متى ينعقد؟
– سيعقد المؤتمر في أوائل (2013)، وسيكلف اجتماع اللجنة المركزية المقبل «لجنة تحضيرية» ولجان كتابة تقارير المؤتمر لمناقشتها مع قواعد وكوادر الحزب، نحن حريصون على قيام المؤتمر السادس في موعده.
* قبيل المؤتمر الخامس كان هناك جدل حول النظرية والتطبيق بلغ حد المطالبة عند البعض بـ«تغيير» اسم الحزب.. هل سيكون هذا الجدل ضمن أجندة المؤتمر السادس؟
– فتحت مناقشة عامة في الحزب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وشارك فيها الحزب بتنظيماته الديمقراطية، لإجابة لماذا انهار الاتحاد السوفياتي؟، وحسم المؤتمر الخامس المناقشات باستمرار تبني الماركسية نظرية ومنهجا، وتأكيد أنه حزب طبقي اسمه «الحزب الشيوعي السوداني»، أما المجموعات التي تدعو لحزب «عريض» داخله تيارات، وتغيير اسم الحزب فهي «أقلية» يحفظ الحزب لها حقها في تداول آرائها داخله.