الردة الدينية مقابل الردة الامنية

حسن اسحق
كثرت الاحاديث في قضية الخروج من الدين الاسلامي حول مريم يحي، بين موافق ومؤيد ورافض ومستنكر، ولم تطوي الصفحة بعد ان طالبت دول اوروبية بالغاء الحكم الذي وصف الوحشي، في قرن جديد، حددت ملامحه باحترام حق البشر في التدين دون رقيب وحسيب من مؤسسة. وتساؤلات طرحت هل الحريات لها قبول في بيئة تكرس سلطتها في مراقبة ضمائر البشر؟ اذا كان الاله هو وحده من له قدرة المعرفة، في من يعبده او لا يرفض عبادته. ولم يتوقف الحدث علي الردة علي مستوي العقيدة وحدها، وهناك ردة اخري، وهي الاخطر،وهي ردة الحريات، ورقيبها اسوأ من الرقيب الالهي، انه الرقيب الامني الذي يتطاول علي الدستور والقانون، ولايعترف به اطلاقا. وفي الاسبوع الماضي منع جهاز الامن اللجنة السودانية للتضامن مع الحريات تسليم مذكرة لمفوضية حقوق الانسان في شارع 57 الخرطوم،وطلب من صديق يوسف ان يركب عربته، ويغادر الي حيث اتي، وهدد من كانوا معه،اذا لم يستجيبوا، سيتخذون خطوات اخري. وفتشت نيابة امن الدولة مبني صحيفة الصيحة، واعتقل اخرون، وايضا اعتقل اخرون من مكتب وكيل وزارة العدل، بتسليمهم اوراق الي جهات اعلامية، ومنع الامن تداول قضية الصيحة والصادق المهدي المعتقل في كوبر، وحظر تداول مليشيا الجنجويد الخرطومية. كل هذا يقود الي طرق مسدودة في مناخ الوثبة والحوار الوطني الذي طرحه النظام نفسه.انها ردة امنية علي الحريات الاعلامية والسياسية، وقريبا سنسمع بمنع الندوات في الميادين العامة، بحجج تعكير الجو العام.ان جهاز الامن يعكر الاجواء بخطواته، وهو الا ن الدولة العميقة في ربع قرن من الزمان والسيطرة، وله يد تستطيع ان تعمل اي شئ، وهذا ماجعله بعضهم يقولون، نحن الدولة، والدولة نحن، ولا قانون يقف خلفنا او امامنا الا سحقناه ورمينا به بعيدا. ان محاصرة مبني مفوضية حقوق الانسان من قبل جهاز الامن والشرطة، هو الردة علي الحريات، وهي ليست الاولي، ولن تكون الاخيرة. والردة الامنية اسوأ من الردة الدينية، لان جهاز الامن يجمع بين مراقبة الضمير والعمل الا رضي الذي يقوم به الافراد، يحاسب من يملكون جرأة الجهر بالاشياء علنا، وقد يحاسبهم سرا، بمقياس انهم يضمرون شيئا ضد سلطتهم المحصنة بالقمع والكبت الارضي. والردة الامنية هي اخر خطوات الحكومية لنزع الحق الانساني في الحريات علي ارض السودان، وهي مرحلة متأخرة لاسكات الاصوات الرافضة لهم التي اقتعت في نهاية المحطات البعيدة ان الاصوات وحدها ليست حلا كافيا. خاصة مع وضع قيود الالسن والارجل لمنع الحركة.
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *