الرئيس ونمل المعارضة
حسن احمد الحسن/ واشنطون
وصف الرئيس عمر البشير والأنظار مشدودة إلى ميدان التحرير في مصر الشقيقة التي يخط شبابها أروع قصص الانتفاضة في وجه نظام يريدون اسقاطه ،وصف تظاهرات الشباب والطلاب المتقطعة في شوارع الخرطوم ” بنمل المعارضة “
قال الرئيس البشير، ” إن قواعد المؤتمر الوطني بالشمال تمثل 90% من المواطنين، وقال «إن لم نكن حكومة مسؤولة لأمرنا قواعدنا بأن تخرج للتصدي للمتظاهرين الذين لا يتعدون الـ10% من الشعب» وزاد «حينها لقالت المعارضة (يأيها النمل أدخلوا مساكنكم حتى لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون)”
واستلهاما لدروس وعبر شعب مصر في ميدان التحرير نتساءل إذا كانت المعارضة بغضها وغضيضها لاتمثل إلا عشرة في المئة ،لماذا ينزعج الحزب الحاكم من خروجها للتعبير عن آرائها طالما أن هناك 90 في المئة من المواطنين المخلصين يمثلون قواعد النظام ؟
وذلك رغم أن الشرطة لم تقصر في قمع وتحطيم نمل المتظاهرين حسبما نقلت ذلك وسائل الاعلام بالصورة والصوت ، ورغم أن المسؤولين مانفكوا يرددون حق المعارضين في التعبير والتظاهر وفق القانون الذي لم يسجل في أي سابقة أنه أعطى لأي جهة معارضة إذنا بالتظاهر.
وبعيدا عن الحزن المخيم على السودانيين لضياع ثلث تراب الوطن بتسهيلات كبيرة من قبل الحكومة لنيل رضاء واشنطن إلا تصريحات السيد الرئيس لم تكن موفقة وعلى حكامنا الاستفادة من الدروس والعبر ،فالحزب الحاكم في مصر على سبيل المثال كان يدعي أنه يمثل 100 في المئة من الشعب المصري ، ورغم مايملكه من أدوات القمع لم تتمكن هذه القواعد الهادرة من الدفاع عنه بل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون وسيق بعضهم زمرا إلى منصات التحقيق.
وأحسب ان مايجري في مصر من تحولات أدعى ان يكون محل إهتمام الحزب الحاكم عندنا حيث يتشابه الحزبان الحاكمان في كل من مصر والسودان ” كأنهما توأمان يتحاكيان في كل شيء وإن كان أحدهما يكبر الآخر بعشرة سنوات .
ففي مصر لم يكن أحد يتوقع أن ينفجر الشارع بكل هذا الزخم رغم أن عدد قوات الأمن المركزي مليون ونصف مجند ، ومئات الآلاف من قوات الأمن المتخصصة بكل تاريخها السلطوي الذي سجلت بعض صوره مواقع الانترنت ، لم يجد منهم النظام الحاكم في مصر مايحمي دوره الحزبية التي احترقت في وضح النهار. بل اختفى كل هذا الزخم بصورة دراماتيكية لاتزال مثار استغراب .
فقط عشرات من الشباب تتماثل ظروفهم مع ظروف أشقائهم من الشباب في السودان كانوا سببا مباشرا فيما نشهده اليوم من تحولات لم يكن أي مراقب ليتخيلها في ظل الدولة المركزية القوية في مصر .
إن ما أدلى به السيد الرئيس يحتاج إلى مراجعة في ظل مايدعو له من حكومة عريضة وماتدعو له معارضة العشرة في المئة حسب تقديره من حكومة قومية أو تعديلات دستورية تكفل الحريات العامة ورتق النسيج الوطني ولملمة الجراح بعد ذهاب الجنوب إلى الأبد إلى حيث يريد .
فلم تعد قضية الحريات والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وكفالة حقوق الانسان في عالم اليوم قضية محلية بعد أضحت ضمن قوانين دولية يحرسها المجتمع الدولي والضمير العالمي “وللنظام الحالي تجربة في ذلك بدليل كل سعيه الآن وبشتى الطرق لكسب تطبيع علاقاته مع واشنطن رغم أن الأدعى أن يطبع علاقاته أولا مع مواطنيه وان كانوا عشرة في المئة .
ويكفي ان شخص واحد في تونس أحرق بناره نظام بأكمله ، ويكفي ان مجموعة من شباب فيسبوك يلتقون افتراضيا عبر الأثير يغيرون الآن التاريخ في ميادين مصر وشوارعها .
مانطلبه من السيد الرئيس أن يكفل حق التظاهر للمؤيدين من قواعد الحزب الحاكم وللمعارضين له .ولوكانت الحكومة تملك حقا 90 في المئة من المؤيدين مالمانع أن يخصص والي ولاية الخرطوم وسائر الولاة ميدانا أو يوما لحق المعارضين في التظاهر خاصة وأن من سياتي من العشرة في المئة ربما لايتجاوز خمسة في المئة
وبذلك تبدو الحكوم اكثر ديمقراطية حسبما تصف نفسها.
ماذا لو لعب الحزب الحاكم لعبة الديمقراطية مع معارضيه الضعفاء الذين يخشون أقدام سليمان وجنوده بدلا من القمع الذي يجلب للنظام الحاكم المتاعب في عصر تكنلوجيا المعلومات وآدواتها من الفيسبوك وتويتر وسموات قوقل المفتوحة وغير ذلك لغة العلم والمعلومات .
ولعل مايجري الآن من دروس وعبر في الشارع المصري الذي عانى ماعانى طوال عقود من الكبت السياسي لهو أحق ان يستفاد منها ، ومصر الأقرب في كل التفاصيل والأكثر تأثيرا في المشاعر .
فالتحية لمصر وشعبها وشبابها وهي ترسخ قيمة قرآنية وإيمانية سطرها ثلاثون شابا شهيدا بدمائهم الذكية وهي “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله وإن الله مع الصابرين ” حقا كانت فئة قليلة جدا لكنها غلبت فئة كثيرة باذن الله .
ولعل فيما ساقه السيد الرئيس من مثال بعض الاضاءات التي علي حزبه الاستعانة بها والتأمل فيها وهي :
أن سليمان عليه السلام كان يعرف لغة النمل ويحترمها لذلك تبسم ضاحكا شاكرا فضل الله عليه لماسخره له . لذا على الحاكم أن يفهم لغة المحكومين ويتعامل معهم ويشكر الله على ذلك لما آتاه من فضله.
وأنه لم يكن هناك قصد جنائي لدى سليمان تجاه النمل باطلاق جنوده أو قواعده لتحطيم النمل لو لا عاصم المسؤولية كما يقول السيد الرئيس .
وأخيرا أن النمل كان يقدر على ضعفه أن سليمان وجنوده لايرونه فاتخذ تدابيره الاحترازية بالدخول في أجحاره “وهم لايشعرون ” ولم يستهين سليمان بالنمل وبقدرته وقوته حتى أن مثلنا السوداني يقول ” النملة بي قرصتا”
وأهمس في اذن القائمين على أمر النظام الحاكم بأن منطق القهر والتعالي والإملاءات وإلغاء الاخرين في ظل الظروف التي تعيشها بلادنا الآن لايجلب الى بلادنا إلا المصائب التي هي في غنى عنها ، ولحسن حظ السودان أن به معارضة عاقلة ومخضرمة ومدركة لحجم الأخطار التي تواجهها البلاد وهو وعي يستوجب التعامل معه بجدية ،لأن الخيار الآخر لن يكون في مصلحة الوطن .
ومعارضة مدركة وعاقلة متاحة اليوم خير من خيار مجهول غدا ،ولندع لغة الأحجام والأوزان إلى انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة رغم أن تحقيق الأغلبية لأي طرف لايلغي حق الأقلية في التعبير عن مطالبها وممارسة حقوقها المدنية .