الدورة المدرسية وسقوط الخطاب الإعلامي للنظام

تعتبر الدورة المدرسية , محطة مهمة من محطات تلاقي  ثقافات السودان المتباينة في لوحة فريدة من التلاقح والتفاعل , (لا الانصهار كما يريده البعض بغية إلغاء الآخر) ,وهي فرصة مهمة لغرس قيمة مهمة لدى جيل الشباب الذي يجتمع في هذه التظاهرة التي ساهمت في سني عمرها  المديد من اكتشاف مواهب كبيرة , أصبحت الآن من القامات التي يشار إليها بالبنان في مجالات  مختلفة,  فالهدف الأهم والأسمى ,هو ترسيخ قيم التسامح والإخاء بين بنات وأبناء الوطن , باعتبارهم مشعل الغد المشرق, بعيداً عن التوظيف السياسي والحزبي الذي يجعل من المادة السياسية , عنصراً مفسداً لفعاليات الأنشطة الأخرى , فضلا عن إحجام الكثيرين من أبناء وبنات الوطن من المشاركة , خوفاً من تسويق مشاركاتهم  لجهة نوايا ذات أهداف سيئة , وهو الأمر الذي تحقق في دورة السيد عثمان كبر الذي يجري الآن في فاشر السلطان.
نعم قد أكون قاسياً بعض الشيء أن اصف الدورة المدرسية  القومية بهذا ولكن قد يجد المنصفون لي العذر فيما ذهبت إليه ,فالمعطيات والنوايا والرسائل التي أراد النظام أن يحققه من هذه الدورة هي ليست لصالح  هدف الدورة المدرسية التي خط من قبل لعكس الثقافات المتمثلة في ولايات السودان المختلفة وإحياء للدور التربوي في العملية التعليمية لخلق أجيال مترابطة يدركون معنى الوطنية وحب الوطن , مستصحبين قيم العدالة بين مكونات السودان المختلفة , ولكن غاب عن الدورة المدرسية  أبنائنا وبناتنا من أقاليم جنوب السودان , وهو أمر فيه كثير من الرسائل الغير مبشرة بالخير , ولعل عنصر التوظيف السياسي للدورة من الأسباب القوية لإحجام أبناء الجنوب من المشاركة.والانتقائية في اختيار المشاركات ساهم بشكل او بآخر في عدم حضور أبناء الجنوب
كما ان هناك محافظات كثيرة في دارفور نفسها لم تشارك في هذه الدورة  , وهذا يعكس جانب مهم من الأثر الأمني على الوضع في دارفور.

الدورة المدرسية الحادية والعشرون بالفاشر الهدف منه وكما ورد على لسان السيد كبر أنها رسالة للعالم بنهاية الماسي في دارفور , وان الوضع الآن أصبح طبيعياً  والأمن قد تحقق بكل جوانبه !!
ولكن بقراءة موضوعية للوضع., هل الواقع يصدق ما ذهب إليه السيد الوالي ؟
• الدورة المدرسية تحرسه أكثر من مائة وخمسين سيارة من اليوناميد ومئات الجنود فضلا عن الجيش السوداني وقوات حرس الحدود (الجنجويد سابقاً) وقوات المعارضة التشادية من على مداخل المدينة خاصة من ناحية الشمال.
• مقتل أكثر من ثلاثة أشخاص  داخل مدينة الفاشر بإطلاق نار منذ بداية فعاليات الدورة حتى الآن فقط.
• مقتل طالب مشترك بالدورة على يد زميله ! والسبب فوز المجني عليه على الجاني في سباق من المفترض أن يكون الروح فيه رياضياً أكثر من الرياضة نفسها , لأنها تقام في وقت ومكان استثنائيين وهدف أكبر, ولكن كما يقولون (الناس على أديان ملوكهم ), فالنظام هوايته القتل وجيل كامل تربى في كنف هذه العقلية المتطرفة , لا يعرف الحوار حواره القتل والضرب.
•  يضاف الى هذا المشهد حقيقة أخرى وهي سيطرة الحكومة على المدن الكبرى فقط وكل دارفور أراضي محررة لقوى الثورة في دارفور.
• قوات المعارضة التشادية تعيث قتلا واغتصاباً في مدن الصياح ومليط وغيرها من القرى في شمال شمال ولاية شمال دارفور.و إعادة انتشار لهذه القوات في عملية خداع مكشوفة  لإتمام عملية (الانبراش )الكبير للنظام أمام الحكومة التشادية لايجاد مخرج له كما يظن النظام.
• استمرار القصف الجوي من قبل النظام لفرقان ومضارب أهلنا من القبائل العربية في غرب دارفور.

• الحرب ما زالت دائرة رحاها حتى لحظة كتابة هذه السطور ,حرق قرى نقيعة  وكرتلك وام دازي بغرابش وغيرها في محافظة شعيرية بولاية جنوب دارفور ,بين المؤتمر الوطني وحركة كبير مساعدي البشير وهو حرب وظف بشكل سيء جداً وباستغلال بشع للسلطة فهي حرب لا ناقة ولا جمل لأهلنا البرقد و الزغاوة  لهم فيه , فقط صراع يقوده  السيد الناظر موسى جالس الذي اساء توظيف التنوع الموجود في نطاق نزارته  للتعايش كما كان قبل مجيئه , سخر المنطقة لاهواء المؤتمر الحاكم لتنفيذ وتصفية حسابات بعيدة كل البعد عن المنطقة واهلها, والسيد مني  بعد انتكاسته الثورية , وقع في فخ النظام لينحاز لطرف ما. رسالتنا للسيد مني وبقدر النفس اللوامة التي تبقت توقظه أحيانا ليقول ما يجب قوله منذ ابوجا انه  لا يملك حتى صلاحية مساعد الحلة , عليه ان يربأ بنفسه عن هذا وان يجعل من هذا الواقع فرصة للالتفاف حوله. , وان يعلن وبشجاعة عن مبادرة للم الصف , فهؤلاء الناس جميعاً وفقوا معه في بداية الثورة وما زالوا ,وهذه فرصة تاريخية لسحب البساط من المؤتمر الحاكم .وانا اعلم جيدا مواقف جيش الحركة وقد زرت مواقع الحركة في 2007م في كولقي وشنقل طوبايا وتابت وابوحمرة  ومناطق أخرى وسجلت مشاهدات من داخل هذه المعسكرات نشرتها في حينه ووجدت التنوع الذي بداخله فمن المؤسف ان تجعل هذا التنوع يتفكك الى فوضى.
مع كل هذه الوقائع يصر النظام  على ان يقنع العالم بحقيقة مفقودة وبواقع وأرض مفتوح من كافة الجوانب , قوات دولية تجوب الإقليم بل السودان كله  طولا وعرضاً , وسماء مفتوح لأقمار اصطناعية لدول أجنبية ونظام عاجز حتى رصد أي حركة في سماء الوطن , وغير قادر على اكتشاف قصف  وتدمير آليات داخل أراضيه إلا بإيعاز من دولة مجاورة وبعد مضي شهر على العملية.

فالخطاب الإعلامي للنظام قد سقط سقوطاً مريعاً , وهي ليست المرة الأولى فهي ساقطة في كل مراحله وجوانبه , خطاب ينتقد صرف مليارات يفترض انها دفعت للجنوب ويحاسبه على التقصير في إحداث تنمية في الأرض , ويغض الطرف عن حقيقة مهمة هي إذا كان  هناك مليارات من الدولارات ذهبت للجنوب ولم يحدث تنمية , يجب ان يقابله سؤال محوري , هذه المليارات ستة أضعافه او يزيد هي في الشمال وتحديدا في خزينة حكومة المؤتمر الحاكم اين التنمية في هذه الولايات ؟؟
علمونا في (ألف  باء) الإعلام أن  على المرسل أن يضع في الحسبان الناقد الكبير والمهم لرسالته  الإعلامية أمام عينيه في أي رسالة إعلامية يرسلها وهذا الناقد هو المتلقي للرسالة ويمثله بصدق هنا هذا المواطن الذي  يكتشف كل يوم خداع كبير وينتظر الفرصة للحساب  , وان تفترض الغباء ولكن أنت مرسل الرسالة الوحيد الغبي.

فالاعتدال فيما نرسله من رسائل يجب ان تكون عقلانية , فطلاب الولايات الشمالية اذا شاركوا اخوانهم في معسكرات النزوح فتقديم الهدايا يجب ان تقدم  من قبل الطلاب القادمين من الولايات الأكثر أمنا واستقرارا وليس العكس , كما يورده اعلام النظام
*** طلاب معسكر ابو شوك يقدمون هدايا لطلاب الولاية الشمالية !!!
نعم أهل دارفور كرماء, يقسمون حتى النبقة ولكن احترام عقل المتلقي مهم , نعم مصدر هذه الهدايا وهي كلها من خزينة الدولة ومن أموال هؤلاء الغلابة القابعين في المعسكرات , لكن الخداع يجب ان ينبغي ان يكون  في حدود العقل واحترام المفترى عليه , فمعلوم بالضرورة إنسان لا يجد حتى ثمن لتر ماء من أين له (ببرتال) سعره في موقع الإنتاج بمنواشي فوق 50 الخمسين دولار.

الجدير بالإشارة أن المواطن السوداني هو أزكى مما يتخيله أي متاجر بصوته ومشاعره , مواطن له قدرة فائقة في التحليل والنقد , فأي خطاب سطحي عاطفي لا يعتمد على الحقائق الموضوعية سيسقط أمام هذا الوعي المتقدم.

حسن إبراهيم فضل
[email protected]

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *