بقلم: أحمد عبدالرحمن ويتشي.
[email protected]
في الحياة بشكل عام هنالك الكثير من القصص والمواقف تمر علي المرء سواء كانت جميلة وطريفة او حزينة وكئيبة
وقد يحتفظ بهم الذاكرة او يمحيهم احيانا
وشخصي يحتفظ ببعض من القصص والزكريات
منذ اكثر من ست سنوات ظلت باقية في الخاطر رغم ايقاع الحياة الذي يجبرك علي نسيان الكثير ولكن هذه القصة التي ساسطرها هنا رفضت الزوال بتاتا
وهي القصة التي جمعتني
بالسيدات الثلاث المذكورات في العنوان اعلاه وهن الخالات (كلتوما واجوك ومريوما )
اللائي يكابدن المشاق وظروف القهر (المفروضة) منذ القدم وذلك لتوفير لقمة العيش الحلال لابنائهن والذين بدورهم يعملون في مهن (غسيل السيارات والورنيش) بعد انقضا يومهم الدراسي
وقصتي معهن بداءت عندما كنت طالبا وعاملا ب(الليل) حيث كنت اعمل في احدي المخابز (الراقية) في تلك الحي (الراقي) الواقع شرق مطار الخرطوم الدولي الذي يحسسك وكأنك في (استوكهلم) او (اوساكا)
ولطبيعة عمل المخبز الذي يتطلب مني القيام باكرا عند الرابعة فجرا تقريبا لان اصحاب المطاعم (الشامية) المنتشرة هناك ياتون باكرا وبالتالي مسئوليتي هي تسليمهم حصصهم من الخبز وغالبا انتهي من عملي عند السادسة صباحا وعند انتهائي من العمل وتسليم زميلي في (الوردية)التالية اجلس بعض الوقت خارج المخبز الذي يطل علي الشارع الرئيسي والمحطة مباشرة واثناء جلوسي هناك كثيرا ما لاحظت السيدات الثلاث ينزلن من البص امام المخبز يوميا ويتوزعن علي (الفلل) المجاورة ولمدة خمسة اشهر تقريبا وهن علي هذا النسق وكنت لا ادري عنهن شيئا ولكن بعد ان انهيت الفصل الدراسي وجاءت الاجازة وتم تحويلي الي الوردية{النهارية} ومن اول يوم في ورديتي الجديدة عند الساعة الثانية ظهرا جاءني السيدات اللائي ينزلن امام المخبز وتعرفت بهن لاحقا وهن الخالات (كلتوما ومريوما واجوك)وبعد التحية طلبا مني ان اعطيهن (الامانة ) فسالتهم اي امانة تقصدون؟؟ ردت لي خالتي (كلتوما ) قائلا (القرقوش) واضافت قائلا (صحبك ما كلمك ولا شنو )؟؟ فقلت لها لا لم يبلغني !!!و{القرقوش} هذه للذين لا يعرفونه انه {الخبز الجاف} التي ردت الي المخبز من الاسواق والتي نسميها احيانا ب (العيش البايت) وللاسف لقد قمت ببيعها لاحد الجيران بعد ان ابلغني بانه (زبون) زميلي السابق والتي لاحقا اكتشفت بانه ضللني واخذها لاغنامه (الاردنية ) وبالتالي اعتذرت لخالاتي وابلغتهن بانني ساجهز لهن الكمية التي يريدنها واتفقنا علي ذلك واوفيت لهم بوعدي واستمرينا علي هذا المنوال وتوتدت علاقتنا وتعارفنا اكثر فاكثر
**و عرفتني الخالة (كلتوما) بنفسها بطلب مني وهي تقول (انا من قرية جمب الدلنج وجيت الخرطوم سنة 1983مع زوجي واتوفي في الجنوب بعد ودوهو وهو كان عسكري جيش )واضافت (عندي ولدين وبت وولدي برضو عسكري كتلو في دارفور وولدي التاني ما عارفو مشي وين حسي؟؟ والبت كمان شغالة معاي سواء ذي ما شايف تغسل في البيوت وتكوي وتطبخ مرات ومرات بكون في البيت ) وسالتها اين تسكن فقالت جميعهن يقطنن في منطقة {ود البشير} او كما يسمي بالحزام الاسود واحيانا ب(هارلم ) علي قرار حي (الزنوج)التاريخي في مدينة نيوبورك الامريكية!!!!
**اما الثانية هي الخالة (اجوك) قليلة الكلام ولا تتحدث كثيرا والتي قالت بانها من منطقة (فارينق)في جنوب السودان واتت الي الخرطوم بعد اتفاقية {نيفاشا} وقطنت في منطقة ود البشير مع اولادها الستة وزوجها توفي وكان من ضمن قوات (الجيش الشعبي)وتركت لها بنتين واربعة اولاد وسالتها عن ابناءها فردت قائلا (عند اتنين بقرو مدرسة وعندي بنات اتنين اتزوجو اما اولادي الاتنين ما عارفهم مشو وين؟ وهم لسه صغار )!!!وسالتها عن نوع عملها والتفاصيل الاخري كالراتب وغيرها فاجابت (انا بغسل ملابس وبحمم الاولاد في البيت الجمبك دا ومرات كتير بشتغل بغسل عدة المناسبات ) وقالت ان راتبها ما بين (عشرة الي خمسة عشر جنية في اليوم ) وتستطيع تدبيرها لصرفها علي اولادها
**و الثالثة هي الخالة (مريوما) عرفتني بنفسها قائلا(انا من منطقة كلبس في غرب دارفور والحرب دمرنا هناك اشان كدا جيت الخرطوم ) وسألتها عن التفاصيل الكثيرة كون ان الحرب في دارفور ماتزال مشتعلا وقد صدمتني فعلا من ما سمعته منها وهي تقول(انا زوجي مفقود من ضربة كلبس حتي ما معروف ميت ولا حي وامي ماتت هناك ) !!! وسألتها عن اولادها اجابت بسرعة(عندي ولدين وبت وحسي كلهم بقرو وانا بجازف اشان يقرو جامعة ويتخرجو يشيلو اسم ابوهم )!! وبعدها طلبوا مني ان اعرفهم بشخصي فاخبرتهم بانني من دارفور واتيت هنا لادرس فهنا تدخلت الخالة (كلتوما) وقالت (صحيح انتو اولاد دارفور ناس كويسين ومؤدبين وبحترمو الزول الكبير )فشكرتها بحرارة ولامانة لم اسألهن عن قبائلهم ولا هن فكرن في ذلك فقط قلت في نفسي كيف لامراة وحيدة تتحمل كل هذه المأسي فقدان الزوج وابن والديار والكرامة وتجدها متفائلة بشدة واتضح ذلك من خلال سؤال وجهته للخالة (تكلتوما) وكنت مازحا سألتها عن رأيها في الحكومة ورأس النظام شخصيا وكنت متنظرا لاجابة مختلفة عن التي اتت بحيث قالت الخالة كلتوما (عمر بشير من زمان قايد لكن ما جاب لينا كهربا في ود البشير )
فقط اقول انها الارادة والمصابرة كون ان نساء مقهورات بهذه الدرجة ولم يياسن من الحياة ولم يصيبهن الغبن الذي امتلاءت في النفوس الاخري
وتفاديت الكثير من الاسئلة لكي لا ازرع فيها الغبن بعدما رسمن لوحة فنية رائعة باجتماعهن الثلاثي في لفتة وطنية نادرة من الشرق والغرب والجنوب وشخصي تذكرت خالاتي بعد ان انقطعت عنهم الاخبار نسبة لسفري وتنقلي كثيرا ولا ادري ماذا حدث لهن في ظل الغلا الفاحش وسوء الوضع الذي عم ربوع الوطن وتقسيمه والابادة المستمرة و ينتظر الوطن الكثير سواء كانت تقسيم او ما شابه كون ان في قديم الزمان كان البعض من افراد العائلة يشكون من اهتمامي بالسياسة وحجتهم كانت ان النظام الذي يقصف القري بالكيميائي {ليل نهار} قد لا يتواني في قتل اي طالب ولكن المفاجاة هي تحول المجتمع باسره جاهرا بالشكوي بما فيهم (العجزة وكبار السن) بحيث اصوات بداءت تعلوا علي ان التغيير ضروري وواجب و الا غدآ سنصبح علي كف عفريت !!! وانا برسل سلامي واشواقي لخالاتي (كلتوما واجوك ومريوما) وخاصة الخالة {اجوك} التي اصبحت {اجنبية} بقدر قادر ولا ادري اين موقعها الان بعد احتراق {الجثتين} الجنوبية والشمالية
**وثبة**
مقال قديم كتبته بعنوان موسي.هلال ما هو الا مجرد صديد نازف من جرح دارفور
وتناولت فيه المؤامرة التي يجري لتسليمه منطقة شمال دارفور لاعلانه كامارة خاصة به
وقد تمت بالفعل والايامي ستخبرنا بالمذيد ؟؟