عرمان يروي قصة إحتجازه :الاعتقالات تمت بعلم الرئيس..ورئيس البرلمان المحرض الأول والبلاد تحت الطوارئ
حملت الحركة الشعبية الرئيس السوداني عمر البشير مسؤولية الأحداث التي وقعت أول من أمس، خلال المسيرة التي اعترضتها قوات الشرطة واعتقلت فيها قيادات الحركة الشعبية الشريكة في الحكم. وطالبت بإقالة وزيري العدل والداخلية، ومدير عام الشرطة، قبل أن تتهم رئيس المجلس الوطني (البرلمان) أحمد إبراهيم الطاهر بأنه المحرض الأول على اعتداء الشرطة.
وساد الهدوء الحذر العاصمة السودانية الخرطوم، بعد يوم من اشتباك وقع بين الشرطة ومتظاهرين من أحزاب المعارضة والحركة الشعبية عندما تدخلت الشرطة لمنع مسيرة لتسليم مذكرة إلى البرلمان تطالبه والحكومة بالإسراع في إجازة جملة من قوانين «التحول الديمقراطي» في البلاد. وعاد دولاب العمل كالمعتاد في دواوين الحكومة والقطاع الخاص والأسواق، غير أن متاريس الشرطة في مدن العاصمة لا تزال قائمة، كما يلاحظ تحرك دوريات من شرطة مكافحة الشغب طوال اليوم من مكان إلى آخر. وقال مصدر في الشرطة إن جميع من اعتقلوا أول من أمس تم الإفراج عنهم، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الشرطة تتحسب لأي طارئ. وفيما أعلن منظمو المسيرة أنهم قرروا الاستمرار في المسيرات، فإنه حتى مساء أمس لم يتحدد زمان أو مكان المسيرات المرتقبة، غير أن مصادر في المعارضة قالت لـ«الشرق الأوسط» إن اجتماعا للمعارضة في الليل سيحدد الزمان والمكان، وقالت المصادر إن المسيرات هذه المرة لن تكون في الخرطوم فحسب وإنما في عدد من المدن السودانية. وأعلن أن رئاسة الجمهورية المكونة من الرئيس البشير ونائبيه؛ سلفا كير رئيس الحركة الشعبية، وعلي عثمان محمد طه، ستعقد اليوم اجتماعا لبحث تداعيات التوترات التي حدثت مع مسيرة الاثنين، وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الرئاسة ستبحث المخرج من الأزمة، وقال إنه ربما يصدر توجيه بالعودة إلى طاولة المفاوضات المشتركة عبر اللجان المشتركة لتنفيذ اتفاق السلام. وقال نائب الأمين العام للحركة ورئيس كتلتها في البرلمان ياسر عرمان في مؤتمر صحافي أمس إن البشير يتحمل مسؤولية ما حدث من اعتقالات لقيادات الحركة الشعبية من برلمانيين ووزراء، مشيرا إلى أن أوامر الاعتقال تمت من داخل مباني البرلمان وبعلم البشير. وأضاف أن «اتفاقية السلام الشامل بها ضمانات داخلية تتمثل في الشعب السوداني الذي قال كلمته، وضمانات دولية تتمثل في الأمم المتحدة، ودول (الإيقاد)، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي». وقال إن قوى مؤتمر جوبا والحركة الشعبية ستخاطب تلك الجهات وتطلعها على ما جرى.
وشدد على أن المؤتمر الوطني يعتمد على الشرطة والأجهزة الأمنية في الانتخابات المقبلة وليس على أصوات الناخبين من الشعب، واصفا المسيرة التي دعت لها القوى السياسية أول من أمس وما جرى فيها من اعتقالات بأنها مؤشر خطير على الانتخابات القادمة. وقال عرمان إن ما ظلت تردده الحركة الشعبية حول ضرورة تعديل قانون الأمن ليواكب الدستور أثبت صحته، مشيرا إلى أن حركته ستطور علاقتها مع القوى السياسية في الجنوب وستمضي معها إلى الانتخابات والاستفتاء على تقرير المصير لجنوب السودان في عام 2011 وتشكيل موقف مشترك. وقال إن «كتلتي الحركة الشعبية والأحزاب الجنوبية التي ما زالت تقاطع البرلمان سيدرسون الخطوات التالية حول القوانين التي يجب أن يتم تمريرها في البرلمان خاصة الاستفتاء لجنوب السودان وأبيي والمشورة الشعبية لجنوب كردفان والنيل الأزرق»، وتابع: «لن يذهب البرلمان من دون إجازة هذه القوانين لأنها ليست منحة من أحد». وجدد عرمان مطالبة قوى مؤتمر جوبا بإقالة وزيري الداخلية إبراهيم محمود، والعدل عبد الباسط سبدرات، ورئيس المجلس الوطني أحمد إبراهيم الطاهر، ومدير عام شرطة السودان، ووالي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر، باعتبارهم مسؤولين مسؤولية مباشرة عن الاعتقالات التي جرت من داخل البرلمان لأعضاء لديهم حصانات. وقال إن مسيرة أول من أمس أوضحت أن البلاد تقع تحت حالة طوارئ غير معلنة تخص المؤتمر الوطني ويجب رفعها فورا. وأضاف أن قيادة الأجهزة الأمنية والشرطة تابعة للمؤتمر الوطني وقد رفضوا الاستماع إلى وزير الدولة للداخلية عباس جمعة (حركة شعبية). وقال إن ما حدث في المسيرة تعدٍ فاضح للدستور والقانون وحقوق النواب وحصاناتهم، ووصفها بالمهزلة التي لا يمكن أن تحدث في أي بلد يسود فيه القانون والنظام، وقال: «أحداث الاثنين كشفت الطبيعة الحقيقية لقيادة المؤتمر الوطني والسياسات التي يقوم بها بضرب النائبين ياسر جعفر وسلوى آدم بنية ضربا مبرحا»، مؤكدا التزام الحركة باتفاقية السلام وأن المؤتمر الوطني يريد أن يكون شريك نفسه. وأضاف: «ليست هي الأزمة الأولى أو الأخيرة، وعلى القوى السياسية أن تعيده إلى جادة الصواب، وهي يمكن أن تفعل ذلك لأنه ظل يفقد صوابه»، وأضاف أن اللجنة السياسية المشتركة بين الشريكين فشلت في حل القضايا وأن رئيس الحركة سلفا كير سيصل الخرطوم في أي وقت وسيجتمع مع البشير لحل تلك القضايا كما سيلتقي بقوى إجماع جوبا.
وسرد عرمان الاعتداء الذي وقع عليه من قبل الشرطة والأمن، وقال إن «الشرطة اقتادته دفعا عندما اعترض اعتداءها على النواب الذين لديهم حصانات»، وأضاف أنه أودع في زنزانة وعندما كانت الفضائيات والصحافيون يجرون اتصالاتهم طلب رجال الأمن منه تسليم هاتفه الجوال ومن آخرين وأن يصطفوا لتفتيشهم طوعا واختيارا، وأضاف: «نحن رفضنا ذلك وجرت محاولات بالقوة لسحب الموبايلات، وكان هناك ضابط برتبة الملازم ثان واسمه أسامة قام بإدخالي إلى حمام وكان برفقته 12 من العساكر قاموا بضربي ضربا مبرحا والاعتداء عليّ في مساحة ضيقة بالبوت وعصي بلاستيكية لمدة خمس عشرة دقيقة»، مشيرا إلى أن الشرطة ماطلت في إعطائه «أورنيك طبي» لإجراء الكشف. وقال إن أفراد الأمن رفضوا مغادرة غرفة الطبيب عندما كان يسعى لإجراء الكشف لمعرفة ما جرى كما أنهم رفضوا إعادة البزة التي تخصه بعد تمزيقها خلال الاعتداء عليه. وأضاف: «هذه جريمة كبيرة لن تمر بشكل عادي، وإن الاعتداء على نواب الحركة والقوى السياسية الأخرى يتحمل مسؤوليته رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر الذي أعطى الإذن للأجهزة الأمنية باحتلال البرلمان ويعتبر هو المحرض الأول». وقال إن مبنى البرلمان تم استلامه بالكامل من قبل قوات الأمن التي كانت تقوم بتفتيش هويات النواب، ورفض اتهام الحركة بأنها كانت تسعى لأعمال تخريبية ووصفه بأنه نوع من التخويف للشعب، وإنه تم الاعتداء على الصحافيين. من جهته، قال نائب رئيس المجلس الوطني القيادي في الحركة الشعبية اتيم قرنق إن ما شهدته العاصمة الخرطوم يعتبر مهزلة سياسية وفيه نوع من الإهانة للحركة الشعبية لدفعها لاتخاذ قرارات خاطئة تنسف الاستقرار. وأضاف أن ذلك لم يتم لأن الحركة الشعبية مدركة لمسؤولياتها القومية تجاه البلاد، وتابع: «المؤتمر الوطني أرسل لنا رسالة فحواها: ماذا ستفعل الحركة وقد اعتقل الأمين العام باقان أموم ونائبه ياسر عرمان ونواب الحركة؟ وأنها أيضا تقول: أتينا بكم باتفاقية السلام لإهانتكم». وقال: «سندرس الرسالة وسنفك شفرتها وسنرد عليها بالطريقة التي نريدها»، وأضاف أن الشرطة في السودان أصبحت إثنية، مشيرا إلى أنها جاءت من ولاية شمالية ولا تمثل السودانيين، وأضاف أن المؤتمر الوطني لا يحترم الدستور ولا يحترم المرأة، وقال: «لقد تم ضرب النساء اللائي شاركن في المسيرة بشكل عنيف، وعند سؤال المؤتمر الوطني قالوا إنهن من الحزب الشيوعي السوداني»، وزاد قائلا: «المؤتمر الوطني له علاقة مع الحزب الشيوعي الصيني والأسلحة التي تستخدمها الشرطة جاءت من الشيوعيين الصينيين».
ودخلت هيئة علماء السودان، وهي هيئة دينية معروفة بموالاتها لحكم الرئيس البشير، على خط التوترات بين حزب المؤتمر الوطني من جهة، والمعارضة والحركة الشعبية من الجهة الأخرى. وحرضت الهيئة، في بيان لها، الحكومة على منع قيام أية «مسيرة»، باعتبارها محاولة «لنشر الفتنة والفوضى بين أهل السودان». وأفتت الهيئة بعدم جواز خروج المسلم في مظاهرات ينظمها من وصفتهم بـ«أعداء الإسلام من العنصريين ودعاة الفتنة والشقاق والنفاق والطامعين في السلطة». وحرمت على المسلمين التظاهر معهم باعتبار أن ذلك «إثما» شرعا.
لندن : مصطفى سري الخرطوم: إسماعيل آدم
الشرق الأوسط