تأسف القيادي الإسلامي التجاني عبدالقادر لتخلي الحركة الإسلامية السودانية عن
شعارات الحرية والديمقراطية بعد قفزها إلى سدة الحكم، وبرّأها من تجربة تطبيق
الشريعة «قوانين سبتمبر» إبان حكم النميري، وأكد فشلها في إرساء نموذج نظري
للبنوك الإسلامية. وأبدى عبدالقادر في حديث لبرنامج «مقاربات» بفضائية الشروق،
استغرابه لـ «الصورة القاهرة بعض الشيء» في خلافات وانشقاقات الحركة
الإسلامية، رغم أنها كانت منفتحة ونشأت في المجتمع السوداني المتسامح على عكس
الحركات الإسلامية في بقية البلدان العربية. وقال عبدالقادر وعلامات الأسف
تقفز من تعابير وجهه: إن الحركة الإسلامية كانت تعبر عن قضايا الحرية والعدل
والديمقراطية حينما كانت في المعارضة، وظلت سنوات طويلة إبان عهد جعفر النميري
تتحدث عن الحريات والعدالة، ولكن بكل أسف حينما تحولت من المعارضة إلى الحكم
«توارت هذه الشعارات وضعفت بعض الشيء وطغت قضايا أخرى».
وبرأ التجاني عبدالقادر الإسلاميين من مسؤولية تطبيق الشريعة الإسلامية في عهد
النميري أو ما عرف بـ «قوانين سبتمبر»، وقال »إن تطبيق الشريعة لم يكن هدفاً
للحركة من خلال نظام النميري، ولكنها »حشرت» في زاوية ضيقة وحاولت الاعتراض
على بعض الأشياء ولم يكن ميسوراً الاعتراض الكامل على الشريعة، لأن ذلك كان
سيكون مضحكاً والحركة تنادي بالمشروع الإسلامي. وأقر بأن الحركة قبلت «مسايرة
النظام على مضض» في تطبيق الشريعة على أمل الإصلاح وتلافي القصور. ورأى أن ذلك
كان «تقديراً سياسياً غير صائب ولم يكن في صالحها ولا في صالح البرنامج
الإسلامي نفسه؛ لأن هذا التطبيق وما صاحبته من بعض المثالب، أثّر على صورة
البرنامج الإسلامي، وأصبح كل ما تحدث الناس عن إمكانية تطبيق مشروع إسلامي
تقفز إلى الأذهان تجربة تطبيق التشريعات الإسلامية في عهد نميري». وأشار إلى
أن النميري كان لديه معاونوه وأقر تشريعات دون المرور بالحركة الإسلامية
وأمينها العام حسن الترابي، وذكر: «لم تكن هناك شورى كاملة وثقة متبادلة»،
وزاد: «قوانين سبتمبر كانت مباغتة للحركة والسودانيين على الطريقة العسكرية».
ونصح التجاني الحركة الإسلامية بأن تؤكد لعضويتها وقيادتها أن قضية الهامش
والمركز «محورية» «وينبغي أن تكون محورية في برنامجها ومشروعها «إذا كان تبقى
شيء من هذا المشروع». وأكد أن الحركة إذا أخرجت قضية الهامش والمركز لن يبقى
لها شيء لأنه مربط الفرس في فكرتها، كما أن العمل الإسلامي يقوم على العدالة
الاجتماعية، وأضاف: «يجب أن يكون للقضية مكان مركزي في برنامج الحركة
الإسلامية، وطبعاً هناك فرق بين ما ينبغي وما هو كائن». وذكّر بأن غالبية
عناصر الحركة الإسلامية نفسها جاءت من الهامش، قائلاً: «نحن أبناء الهامش
وأبناء المهمشين وأبناء أبناء المهمشين»، وأوضح أن قضيتهم كانت الوصول إلى
المركز لإعادة تشكيل الأحزاب السياسية والدولة السودانية «لكن الذي حدث أننا
شيئاً فشيئاً تحولنا نحن إلى المركز ولم يتغير الهامش بالصورة المطلوبة».
واعترف عبدالقادر بأن الحركة الإسلامية فشلت في إرساء نموذج للمصارف الإسلامية
كان يمكن أن تستفيد منه الحركة والمجتمع السوداني وذلك لانشغالها بالتمويل
والأموال والتخديم أكثر من توطيد التجربة والتنظير لها. وأبان أن البنوك
الإسلامية في السودان أصبحت تبعاً لذلك مؤسسات ومصارف ملحقة بالنظام الرأسمالي
الإقليمي والعالمي بصورة عادية وبالتالي لم يكن لها مردود .
وبرّر عبدالقادر لبقاء حسن الترابي لفترة طويلة على رأس الحركة الإسلامية
بالسودان وقال إن شأنه كشأن الآباء التأسيسيين للحركات لكنه في ذات الوقت حذّر
من أنه إذا طال جيل التأسيس فإن ذلك سيضر بتطور الحركة الطبيعي لأنها لن تبلغ
النضج إلا بتنحي الآباء التأسيسيين وإتاحة الفرصة لأجيال أخرى.
لكن الرجل عاد وأكد أنه ليس من الحكمة تغيير زعيم الحركة في ظل عدم وجود قيادة
موازية للترابي الذي ظل حصان الحركة الرابح لفترة طويلة عطاء فكرياً وقدرة
تنظيمية. وأوضح أن الترابي لم يكن العامل الوحيد في منع ظهور قيادات جديدة،
ولكن الظروف السياسية حالت دون إبراز قائد مثل الترابي
المصدر: صحيفة “الأحداث” السودانية: