الاستعلاء في الثقافة العربية محدداته وما نتج عنه من ممارسات

الاستعلاء في الثقافة العربية
محدداته وما نتج عنه من ممارسات

بقلم : اسامة ادم
Mail; osamaadam1975@gmail .com

ظل الأستعلاء الذي تمارسه الكيانات المستعربة في السودان يشكل عامل جوهري  في النزاعات والصراعات الاجتماعية والسياسية حول مؤسسات الدولة، وذلك نتيجة لانحيازها لذلك الكيان ، ويتجلي ذلك الصراع في الحرب الاهلية التي يخوضها السودان مع ذاته منذ قبل استقلاله الي اليوم  . والتي حتما سوف تؤدي الي فشل التعايش السلمي بين كياناته وسوف يشكل عائقا امام أرساء مقومات الديمقراطية وفشل عملية بناء الدولة الوطنية علي أسس العدل والحرية وتكافؤ فرص المشاركة لكل مكونات المجتمع في مؤسسات الدولة  . الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف الي تقسيم السودان الي الدويلات منفصلة ومستقلة عن بعضها البعض .
نحاول في هذه الورقة ان نجري عملية استقراء لمحددات الاستعلاء في الثقافة العربية والتصورات والأراء التي تأسست عليها ، ونتطرق لنماذج من السلوك الاستعلائي الذي مارسه أبناء تلك الثقافة علي الأخر المخالف عرقيا وثقافيا ، ونتناول نموذج لذلك السلوك في الواقع السوداني المعاش اليوم .
مـدخـل
ان اللاشعور الجمعي عبارة  عن رواسب …. في النفس البشرية ترجع الي تجارب وخبرات النوع الانساني التي تمتد الي الماضي السحيق ، وما ورثته النفس البشرية من تجربة الانسان الاول البدائي ،وما ورثه الناس من أصلهم الحيواني وما تركته حياتهم الاجتماعية في الاسرة والعشيرة والقبيلة … ان ما ترسب في نفوس البشرية من خلال تجاربهم الخاصة اضافة الي مخايلهم المتعلقة بالمستقبل تتحكم بصورة او بأخرى في سلوك الفرد وسلوك الجماعة .
ريجس دوبري
مفهوم الثقافة
نتعامل هنا مع مفهوم الثقافة بحسب ما هو مستخدم في علم دارسة الانسان (علم الانثربولوجيا) الذي يعرف الثقافة بانها تعني الكل المركب من العادات والتقاليد والاعراف والمعتقدات ووسائل كسب العيش .
وعند حديثنا عن الثقافة العربية نعني مجمل العادات والتقاليد والاعراف التي تنتجها الثقافة  لحامليها . وما يهم موضوعنا ما يصاحب ذلك من أراء وتصورات  تحدد نظرة الانسان العربي لنفسه وتحدد نظرته الي الآخرين  وتصوره في اطار تصنيفي تقيمي عام علي سياق ( نحن وهم  ) ، أي المكون الذاتي الذي يعبر عن شخصية الاعرابي ومحاميله الثقافية وانماط سلوكه الاجتماعي والاخلاقي وانعكاساتها في تعامله مع الاخر المخالف ، والتي تعبر بشكل من الاشكال عن خصوصية واسلوب في التعاطي مع الاخرين . والتي ساهمت في تشكيلها جملة معطيات ناتجة عن المحيط الجغرافي و الاجتماعي والارث الثقافي وتزداد اهميتها اذا نظرنا اليها بوصفها محمول تاريخي يحمل عبر الزمن تصورات وأراء وطرائق في التفكير وأساليب في التعامل

الآخـر في ثقافة الاعـرابي

نقصد به التقيم الذي يتم للآخر المخالف بواسطة محددات ومعايير وقيم الثقافة العربية وإحداثياتها الاساسية ومكوناتها الداخلية وتراتبيتها الاجتماعية وما تخلقه في ذهنية ونفسية الاعرابي من شعور بالاستعلاء تجاه الاخر
الاعراب : مجموعة بشرية تتنمي الي عرق واحد ، مترابطه ببعض الاواصر الاجتماعية كالسلالة و السلف والقرابة . ذات طابع يميزها عن المجموعات الاخري، ينطلق من المشاركة في  العرق والسمات الاثنية والثقافية ، وذات نمط حياتي متشابه ومتداخل ومرجع الانتماء اليها يقوم علي الانحدار من اصل مشترك قابل للوصف والتميز الذاتي . تشعبت وتفرقت الي كيانات قبلية تحت مسميات مختلفة . وفي هذا الصدد يذكر علماء الاجناس ان القبيلة تمثل قسمة اجتماعية لسكان تقوم علي اساس القرابة والاعتقاد بالتحدر من سلف واحد . ولهذه القبيلة  زعيم ، وتطلق علي نفسها اسما واحد وتتحدث لغة واحدة . فاذا استلفنا هذه المقولة وأجرينا علي أساسها مقاربة فوقية للمجموعة موضوع حديثنا نجد ان المجموعة العربية تنسب نفسها الي أصل واحد يتمثل في النبي أسماعيل ابن ابراهيم الخليل وتحمل الاعتقاد علي انها تفرعت من  بطون وأفخاذ شكلت مجموع القبائل العربية علي امتدادها وانتشارها . وتعتبر  الجزيرة العربية  البؤرة الجغرافية التي انتشرت منها الي بقية اجزاء اسيا وافريقيا
فماذا نعني بالاستعلاء في الثقافة العربية ، وهل الاستعلاء سلوك وشعور فردي ام جزء من بنية الثقافة . نعني بالاستعلاء هنا المفاهيم والتصورات التي تقدمها الثقافة الي حامليها عن الآخر المخالف والمحددات التي تقوي في مخيال الاعرابي الشعور بالتميز والتفوق العرقي والثقافي عن الآخرين

مفهوم الاستعلاء

يتأسس الاستعلاء علي شعور فرد او جماعة بالتميز والتفوق في مقابل فرد اخر او جماعة أخري ، لحيازة المستعلي علي صفات شخصية او لتفاوت ثقافي او معرفي او تمييز  عرقي متوهم تغذي نفسيته  وذهنيته بالعزة والرفعة والاحساس بالافضلية . وان الاختلافات العرقية والاثنية وما يصاحبها من اختلاف في اللون والسمات والملامح العامة تجعل عملية تولد شعور داخلي لدي الفرد بالتفوق والتميز شعور فطري طبيعي ، لا يرقي الي التفاوت الحاد الذي يؤدي الي الصراع . ولكن الشعور بالتفوق والتميز يتحول الي اشكال عندما يكون المستعلي في موقع السلطة بغض النظر عن نوعية السلطة سياسية او إجتماعية ، حيث يتخذ طابع أيديولوجي ينعكس علي المحيط الخارجي للفرد في شكل ممارسات ضد الآخر يهدف الي إصباغ المجتمع بتراتبية داخلية تحمل مضامنين وتصورات المستعلي ، وبالتالي تتحول من محيط الشعور الفردي الي اشكال اجتماعي ويخلق حالة تضاد وتناقض بين الاطراف
فعلي هذا فالاستعلاء ظل كشعور وسلوك صفة ملازمة تاريخيا  لحملة الثقافة العربية  منذ فترة الغزو الاسلامي الاول الي اليوم  لم تتاثر بالانهيار والانحطاط الذي تعرضت له كحضارة رائده ومتفوقة . وللاجابة علي مسببات استمرار الشعور بالاستعلاء لحملة الثقافة العربية تجاه كل الاثينيات والاعراق حتي اليوم ، والمسبب  الذي يجعل هذا الشعور بالاستعلاء مسيطر علي مخيلة الاعراب  ونمط سلوكهم حتي بعد انهيار الامبراطورية الاسلامية وتراجع الحضارة الاسلامية  وظهور الحضارة الأوربية كمرجعية انسانية لغالبية الشعوب حيث اصبح العرب انفسهم مجموعة متاخرة من ناحية التطور الانساني . للاجابة علي هذا التسؤلات  نذهب الي استقراء ما اشار اليه  دكتور محمد عابد الجابري  ورؤيته حول الثقافة العربية حيث اشار الي ” هنالك ان اشياء لم تتغير في الثقافة العربية الي اليوم تشكل في مجموعها ثوابت لهذه الثقافة وتؤسس بينة العقل الذي ينتمي اليها . وعندما نتحدث عن بنية العقل العربي فاننا نتحدث عن ثوابت ومتغيرات الثقافة العربية . بالاشارة الي ان الزمن الثقافي يختلف جوهريا عن التوقيت الزمني بمعناه الطبيعي والاجتماعي والسياسي ، وذلك لانه لايخضع لمقاييس الوقت والتوقيت فله مقايسه الخاصة . وما يميز الثقافة هو زمنها فاذا حفرنا في الثقافة العربية بمعيارها الزمني نجدها ثقافة راكدة لم يحدث لها بعد الحراك الثقافي والاجتماعي لتتحرر من الثوابت التي تحكم الرؤي وتصورات التي  تقدمها الي حامليها ” (1). ذلك بالاعتماد علي التعريف المختصر للثقافة ، بان الثقافة هي ما يبقي عندما يتم نسيان كل شيء وهكذا فان … العقل العربي … هو ما تخلفه الثقافة العربية في الانسان العربي بعد ما ينسي كل ما تعلمه من هذه الثقافة ان ما يبقي هو الثابت وما ينسي هو المتغير ان مايبقي هو ثوابت الثقافية
ثم يتسال “ما الذي تغير في الثقافة العربية منذ فترة الجاهلية الي اليوم ، حيث اننا نشعر جميعا بان امريء القيس وعمربن كلثوم وعنترة ولبيد …. والجاحظ والاشعري والاصمعي …. والفارابي وابن سيناء وابن رشد وابن خلدون …. والافغاني ومحمد عبده يعيشون حولنا نحن ابناء الثقافة العربية نتعلم القراءة والفهم والاستماع والخطاب والمنطق منذ طفولتنا وخلال جميع مراحل دراستنا من أبطال هذه الثقافة .  فمن من المثقفين العرب لايشعر بانه من عالم غير عالم هؤلاء وانه لم تعد له صلة مع ابطال هذه الثقافة ” (2).اذن هنالك اشياء لم تتغير في الثقافة العربية منذ الجاهلية الي اليوم تشكل ثوابتها وتؤسس بالتالي عقلية من ينتمي اليها . هذا ما يهم موضوعنا

محددات الاستعلاء في الثقافة العربية

هنالك محددات  موروثه يستند اليها الفرد العربي وتغذي شعوره بالاستعلاء تجاه الآخر وتشعره بالتفوق والتميز  وسمو المكانة في سلم التراتبية الاجتماعية ، في الحالة التي يخالط فيها أعراق واثنيات مخالفة . ولنستكشف ذلك دعونا نجري عملية تفكيك لبعض محددات ومعتقدات المجموعات العربية الموروثة تاريخيا والتي ظلت مهيمنة علي ذهنية الانسان العربي ومتعايشة معه وجدانيا وشعوريا حتي اليوم هذه المحددات نجملها في :
–    نقاء العرق ونسميها … سيوبرتارية العرق
–    أصحاب وحاملي الدين الاسلامي
–    أصحاب اللغة العربية لغة الدين
اولا : نقاء العرق : حيث ينسب العرب أصل سلالتهم الي النبي اسماعيل ابن ابراهيم الخليل بعد ميثولوجيا هجرته الشهيرة الي الجزيرة العربية واستقراره بضواحي مكة ، و بحسب ما رسخ في اذهانهم ان ابراهيم الخليل هو ابو انبياء الديانات التوحيديه ، فان ذلك يحمل دلالة الاصتفاء للمجموعات العربية بان نسلهم ينطلق من سلالة نبوية . ويربط النسابون العرب سلالة نسلهم بعدنان وقحطان وعدنان هو جد عرب الشمال حيث يمتد نسبهم عبر قصي الجد الرابع للرسول (محمد) فهو قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركه بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الي اسماعيل بن ابراهيم الخليل  مما يمحنهم ميزة علي بقية الشعوب بان الله  قد اصتفاهم عن الآخرين : ويزيد من عمق هذه الاصتفاء ان النبي (محمد ) منهم وبالتالي ذلك منحهم ان يكونوا من سلالة الانبياء وان آخر الانبياء منهم وتتمثل دلالة نبوة محمد وما نتجت عنها من غزوات سيطرة العرب علي شعوب اخري ، منحهم ذلك شعور اضافي بالتميز  وسمو المكانة. ونجد ان هذا الاعتداد بالنسب كان مسيطرا حتي علي عقلية الخلفاء الراشيدين في أدارة الدول ، فعمر بن الخطاب عندما اقتبس نظام الديوان من الفرس لتحديد اسماء الذين يوزع عليهم العطاء من غنائم الحرب اعتمد في هذا الديوان (السجل) علي إنزال الناس منازلهم علي حسب القرب من النبي والقبيلة ولم يعتمد الاسلام  او معيار المواطنة كآلية للتوزيع . والعطاء في ذلك الزمن كان يمثل الثورة القومية للدولة بمعيار اليوم . فتشير الرواية الي انه استشار اصحابه …. اي الصحابة بالمدينة اهل الحل والعقد …. في انه قرر احداث الديوان ، ” فدعا عقيل بن ابي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم وكانوا من علماء الانساب فقال اكتبوا الناس علي منازلهم فكتبوا . فقيدوا بني هاشم ثم اتبعهم ابابكر وقومه ثم عمر وقومه علي الخلافة ، ثم بعد زعماء العرب حسب الانساب المتداولة في مخيال العرب من القرب من عدنان وقحطان ، فلما عرض علي عمر قال وددت والله ان يكون هكذا ” (3) .
ثانيا حملة الدين : ان نزول الدين الاسلامي عبر النبي (محمد ) جعل العرب  اول المؤمنين بتلك الدعوة وحامليها الي الشعوب الاخري والمرجعية في صحيح الدين وتفسيره وتأويله ولغته . وقد نتج عن عمليات غزو الشعوب الاخري بهدف نشر الدعوة ان اصبحو مسيطرين علي السلطة والحكم في البلدان التي فتحوها . وان هذه الفتوحات والغنائم المتحصل عليها هبة من الله بالوعد الذي قطعه  للمؤمنين بان لهم ملك الفرس والروم . عملية الفتح هذه وضعت الشعوب الاخري تحت سيطرة العرب وغذت الشعور بالتميز والاصتفاء بان الله وضعهم فوق الشعوب الاخري . ونجد هذا الشعور في قول معاوية بن ابي سفيان في استقباله لوفد من اهل الكوفة بقوله : مرحبا يامعشر العرب اما والله لئن فرقت بكم الدعوة (الدعوة الي علي والدعوة الي معاوية ) فقد جمعتكم الرحم … ان الله اختاركم من الناس ليختارنا منكم … اي بمعني ان الله فضلكم علي الشعوب الاخري وفضلنا نحن قبيلة قريش عليكم (4).
وعلي الرغم من ان هذا الحديث ورد في سياق ذو  دلاله سياسية  متعلقة بالصراع بين علي ومعاوية حول الخلافة الا انه يؤكد المكنيزمات التي تغذي الاعتقاد بالاصتفاء ، ومن ثم الشعور بالاستعلاء في مخيال حاملي الثقافة العربية فقوله ان الله اختاركم من الناس أي من بقية الشعوب أي اصتفاكم وميزتكم عن بقية المجموعات البشرية ، ومن جهة اخرى يدل علي ان صفوية العرب هي هبة واختيار من الله خالق البشر وليس نتيجة لعوامل موضوعية متعلقة بشخصية الاعرابي . وهذا الاصتفاء غير محدد بحدود جغرافية ولا بفترة تاريخية
ثالثا قدسية اللغة : ان انزال القران باللغة العربية تشمل عملية منطقية وموضوعية في سياق التخاطب بين المتعالي الذات الالهيه والبشر . فالطبيعي ان يخاطب الله أي قوم نزلت فيهم الرسالة باللغة التي يتحدثونها حتي يتمكنوا من فهم مضامين الخاطب والتفاعل مع متطلباته ومحتوياته الروحية والعقائدية  ، الا ان هذه الجزئية تاخذ بعد تقديسيا عند المجموعات العربية ، يتمحور حول ان اختيار اللغة دلالة علي صفوية حامليها والمتحدثين بها . وبالتالي نجد ان علماء اصول الفقه الاسلامي درجوا علي اشتراط قراءة القران بالغة العربية وتفسيره وتاويله من خلالها  . فاذا قاربنا ذلك مع ما ان اللغة ليست وسيلة تواصل فقط ولكنها محمول ثقافي وآلية تفكير ، يصبح  هذه الاشتراط  تكريس لعملية هيمنة وفرض اللغة العربية  علي لغات المجموعات الاخري . ونقل لقدسية النص الديني الي اللغة حاملة النص ، وهذا التقديس له دلالة كبير في مخيلة الاعرابي المتحدث بها تجاه الشعوب الاخري .
ومن النقاط السابقة نصل الي ان ذهنية الاعرابي ما قبل الخروج من الجزيرة العربية تحمل مكنيزمات التميز والتقدير وان هذه الميزة نتاج لاصتفاء الهي ، بان جعل من سلالتهم النبوة ، وشرفهم بخاتم الانبياء والرسل ، واختيار لغتهم لتكون لغة خاتم الديانات السماوية . وهذا خلق الشعورلدي العرب  بانهم حملة الرسالة لاخراج الشعوب الاخري من الظلمات الي النور وهدايتهم الي الطريق المستقيم .

الاخر في المخلية الأعرابي .

نقصد بالاخر الشعوب التي لاتنتمي الي السلالات العربية والمجموعات التي استعربت وتبنت الثقافة العربية كنمط لحياتها واللغة العربية كوسيلة للتواصل فيما بينها ومع الغير ، فالآخر ينقسم الي قسمين عجم وسود (زنوج) ، وهو تقسيم قائم علي اللون والملامح الجسدية والعرق الذي ينحدرون منه . فالاعاجم هم مجموعات الشعوب ذات اللون الابيض الذي يقارب ألوان العرب مع اختلافات طفيفة في الملامح الجسدية ولكن يفتقرون الي الاصل الشريف الذي يربطهم بسلالات الرسل والانبياء ولا يتحدثون اللغة العربية بتعبير بياني فصيح والاعجمي هو  الذي لايفصح ولا يبين كلامه وهو في نظر العرب بمرتبة الحيوان . اما السود فيختلفون اختلاف تام عن الاعراب في الوانهم وملامحهم الجسدية ، وهم محتقرون من قبل الاعراب بسبب سواد بشرتهم وهم ليس موضوع مقارنة مع أي اعرابي فعملية المقارنة او التشبيه تعتبر إساءة لذلك الاعرابي وسوف نتناول موضوع السود واللون الاسود في المخيلة  العربية   بشكل اكثر تفصيل في السطور الفقرات القادمة

انماط من سلوك الاستعلاء للعرب تجاه الشعوب الاخري

تتأسس نظرة الاعرابي تجاه  الآخر من خلال نظرته الي نفسه ، باعتباره كائن مميز الهي وحامل رسالة ألهيه الي  البشر . فقد بدء احتكاك العرب بالشعوب الاخري منذ فجر التاريخ ، الا ان ممارسة سلوك الاستعلاء لم تأخذ طابعها السافر ، حيث ان الاعراب كانوا في وضع اجتماعي اضعف من الشعوب الاخري ، وكانت حوجتهم الي تلك الشعوب اكبر،باعتبار ان تلك الشعوب  كانت لها ممالك وإمبراطوريات قوية (الفرس .. الروم ) وحضارة ومدنية متقدمة ومتطورة عن حياة الاعراب البدو بقدر كبير . كما ان الاعراب رغم وعيهم بذاتهم السلالي الا انهم كانوا يفتقدون الي القوة والسلطة لممارسة استغلالهم علي الاخرين . ويتضح صحة ما ذهبنا اليه الممارسات التي سيطرت علي الواقع الاجتماعي و السياسي  بعد ان فتح العرب بلاد الفرس والروم وحالة الاستعباد والاضطهاد والاستعلاء التي مارسها العرب علي شعوب تلك البلاد . وكمثال لذلك حالة الموالي في العصر الاموي ، ويطلق كلمة الموالي علي كل الذين اسلموا من غير العرب . فبعد ان آلت  الثروة والسلطة للعرب بفضل الفتوحات نتج سلوك اجتماعي قوامه النظر باستعلاء الي هولاء  الموالي الذين جاءهم العرب بالاسلام . ان وضعية الموالي من الناحية الدينية وضعية اناس مسلمين من المفترض ان يتمتعوا بكل حقوق المسلم المنصوص عليها دينيا . ولكنهم من الناحية الفعلية لم يعتبروا في مرتبة واحدة مع العرب . لقد كان هنالك تمييز اجتماعي من قبل السلطة الرسمية والعامة من ابناء القبائل العربية ، فكان البعض منهم يدفعون الجزية بعد اسلامهم ، في وضعية اشبه بوضعية العبيد في عصور الاقطاع القرون الوسطي . فالعرب لم يكن يزوجون بناتهم للموالي . كما ان السلطة الاموية لم تكن تعينهم في المناصب العامة للدولة
هذا النوع  من السلوك الاستعلائي وضع الموالي في مرتبة محتقرة علي مستوي المعاملات الاجتماعية . حيث كان الموالي … لا يكنون ولا يدعونهم الا بالاسماء والالقاب … ولا يمشون في الصف مع العرب … ولا يتقدمون امامهم في الموكب … وان حضروا طعاما قاموا علي رؤوسهم ، اي قاموا علي خدمة ساداتهم العرب  … وان اطعموا المولي لسنة وفضلوه اجلسوه في طرف الخوان (الصيوان) لئلا يخفي علي الناظر انه ليس من العرب … ولا يدعونهم يصلون علي الجنائز اذا حضر واحد من العرب … (5)
ويحكي ان  احد من العرب قدم رجلا من الموالي يصلي به ، ولما تعجب بقية الاعراب من ذلك قال انما اردت ان اتواضع لله بالصلاة خلفه …
ويقال انه اذا مرت جنازة قالوا من هذا فان اتضح انه  قريشي قالوا وا قوماه ،  واذا اتضح انه عربي قالوا وا بلدتاه ، واذا اتضح انه من الموالي قالوا انه مال الله يأخذ ما يشاء ويدع ما يشاء … ولم يقتصر هذا السلوك علي الاشراف من العرب بل حتي اهل الزهد والتقوي ، فيروى ان قال احد الزهاد للمولي … اكثر الله فينا من امثالكم  وكان هذا المولي قد قال له قبل ذلك لا اكثر الله من امثالك ، فلما سال احدهم ذلك الزاهد وقال له ايدعوا عليك وتدعوا له ، قال الزاهد نعم …  يكسحون طرقنا ويخرزون حفافنا ويحوكون ثيابنا …
وكان العرب يحتقرون الحرف والمهن والصناعات اليدوية ويعدوها من عمل الموالي ال(عبيد) وكانوا يقولون ان الحمق يوجد في الخياطة والمعلمين والغزالين لانها من صناعة اهل الزمة … كانوا يقولون ان العلم والتفقه في الدين ليس مما يليق بالقرشي وهو من اشراف الناس ويؤكدون ان ليس للقرشي ان يتعمق في شيء من العلم الا علم الاخبار ، اخبار العرب وحكاياتهم
كان الموالي محرومون من اي نصيب من الغنيمة او الفيء  في الانصبة  المحددة للمقاتلين بموجب القران الكريم  حتي لو شاركوا في القتال والفتح وتتم هذه الممارسات الاستعلائية حتي في عهد عمر بن الخطاب اعدل الناس .
فعمليات الغزو كانت تؤدي الي دخول اقوام جدد في الاسلام ، بحيث اصبحت اعداد  الموالي كبيرة ويزاحمون العرب في الصفوف الاولي في المسجد والتي تعتبر حكرا للعرب فقط  ، ويحكي في ذلك ان الموالي شغلوا الصفوف الاولي ولما دخل علي بن ابي طالب ليصلي بالناس  صاح رجل من اشراف العرب قائلا … لقد غلبتنا هذه الحمراء (يقصد الموالي) عن القرب منك يا امير المؤمنين … ولم يكن رد علي علي الرجل بقدر الاهانة والاستحقار الذين وجه للمصلين من الموالي (6)
ويذكر ان بعض الموالي خرجوا علي الخليفة الاموي في جيش الاشعث وعبدالله بن الجارد فألتقي بهم الحجاج وقال لهم … انتم علوج وعجم وقراكم أولي بكم … ففرقهم وفض جمعهم كيف ما احب وسيرهم كيف شاء … ونقش علي يد كل رجل منهم اسم البلاد الذي وجهه اليه (7)
ويذكر ان عدد المسلمين من الموالي قد زاد في الشام مركز الخلافة ففكر معاوية في قتل بعضهم ، اذ انه دعا الاحنف بن قيس وسمرة بن …. وهم من زعماء العرب فقال لهم اني رأيت ان الحمراء قد كثرت …. وكاني انظر الي وثبة منهم علي العرب والسلطة فقد رايت … ان اقتل شطر وادع شطر لاقامة الاسواق وعمارة الطريق فما ترون (8).
ومن هذه الجزئية وما سبقها من ذكر يتضح لنا التقسيم الداخلي للمجتمع المسلم في عهد الخلافة الراشدة وما تلاها فهو تقسيم قائم علي سيادة العرب باعتبارهم اشرف الشعوب وحملة لواء الدين والنبوة وهم بالتالي سياد المجتمع في السلطة وفي الجامع وكل من اسلم بعد ذلك من الناس فهم في المرتبة الثانية مهامه الاساسية نظافة الطرقات و حياكة الثياب وخرازة الاحذية ، فاذا وضعنا حال مجتمعاتنا اليوم فما الذي اختلف حول الاحتقار والاستعلاء تجاه الاخر المخالف .

الاسود في مخيلة الاعراب

من خلال الارث الثقافي والاجتماعي اثبتت الممارسة الفعلية احتقار العرب للون الاسود حيث يطلقون علي الشعوب الزنوجية ذات البشرة السوداء اسم الغربان اي تشبيههم بطائر الغراب والذي يعتبر سواده نذير للشؤم . ويذكر لنا الاستاذ الباقر عفيف في ورقتة بعنوان … وجه خلف الحرب – الهوية والنزاعات الاهلية في السودان … ان كراهية اللون الاسود نشأت منذ تجارة العرب مع الافارقة فالصورة النمطية للافريقي الاسود في الثقافة انه … كريهة الرائحة ناقص (مشوه) جسد عقل … ومنحرف عاطفيا  ، والمثل العربي القائل ان الاسود اذا جاع سرق واذا شبع زنا (9)  وقول المتنبي في كافور الاخشيدي النوبي الاصل … لا تشتري العبد الا والعصا معه ان العبيد لانجاس مناكيد … وفي راينا ان هذا يحمل دلالة تشبيه سلوك الانسان الاسود بالحيوان حيث تحركه غرائزه الحيوانيه المتمحورة اساسا حول حفظ النوع من الانقراض بالحصول علي الاكل بكل السبل وممارسة الجنس للتوالد . ويذكر المعاناة التي كان يعيشها الشعراء السود في المجتمع العربي حيث كانو فئة مضطهدة وتعيسة وكانوا يستبعدون بقسوة من دخول النسيج الاجتماعي للقبيلة ( اي التفاعل مع الممارسة الحياتية والترابط العلاقي داخل مجتمع القبيلة وروابط القبيلة مع القبائل الاخري ) ، وهكذا عاشوا علي هامش المجتمع كفئة فقيرة وبائسة لا يتم الاعتراف بهم الا في الظروف الضرورية القصوي اي شكل من اشكال السلوك  إنتهازي  لا أخلاقي . وان الاحتقار الذي كان يشعر به هولاء تجاه العناصر غير العربية وتجاه السود علي وجه الخصوص عبرت عنه الوثائق والاداب والفنون المنقولة من العصور الوسطي وخاصة الشعبية منها . حيث تصور الرجل الاسود في صورة نمطية عدوانية … كشيطان في الاساطير …  وكجنس متوحش في القصص والرحلات والمغامرات او …كعبد كسول كريهة الرائحة ابرص (10).
وكثير ما يظهر السود كشخصيات اسطورية شريره او كبدائيين يقومون باعمال حقيرة او كمخصيين يعملون في القصور او البيوت
واذا استقرئنا بعض المسودات والكتابات العربية في عصر ازدهارها وايام مجدهم نجدهم يصفون السود … بالهزل والطيش والعاطفية الزائدة …. وانهم يتصفون بالغباء اينما وجدوا . وبفسرون هذا السلوك المتصف  بالغباء وحب الملزات بارجاعه الي تمدد وشيوع الروح الحيوانية فيهم .
وكان ابن خلدون يشير الي ان الافارقة اقرب الي الحيوانات  منهم الي البشر … وانهم ياكلون لحوم البشر . ويقول ان خصائص شخصيات الاسود اقرب الي الحيوانات البكماء … انهم يسكنون الكهوف وياكلون الاعشاب … ويعيشون في عزلة وحشية ولايجتمعون اي لايعرفون الحياة الاجتماعية التي تتميز بها المجتمعات الانسانية (11). وذلك في اعتقادنا يوضح لماذا لم يهتم الاعراب في  بدايات الغزو الاسلامي بنشر الاسلام في افريقيا السوداء ، حيث نجد ان عبدالله بن ابي السرح توقف عن غزو بلاد النوبة والاكتفاء بالحصول علي (360 ) من الرقيق يوردون كعبيد الي خزينة الدولة . وفي اعتقادنا ان مخيلته كانت تشير اليه بان السود من صنف الحيوان لافائدة من اسلامهم
هذه النظر الاستعلائية الاحتقارية الدالة علي حيوانية الانسان الاسود توضحها تتدافع المستعربين في السودان الي التحالف مع الاتراك في عملية تجارة الرقيق ، الذي كان يتم اصطيادهم من داخل الغابات واقتيادهم مقيدين بالحبال وحصرهم في زرائب من الشوك … ليتم بيعهم في سوق النخاسة
ونجد ان هذا العقلية مازالت مستمرة في دلالات حديث دكتور حسن مكي حول ان ” الخرطوم اصبحت محاطة بالاحزمة السوداء ” (11) في وصفه للسود السودانيين من … الجنوبيين والنوبة واهل الغرب … الذين نزحوا بسبب الحرب الحرب الاهلية والمجاعات واحتموا بعاصمة بلادهم فهو يستنكر عليهم ذلك ويتجرد من الاخلاق الانسانية ويتقاضى عن :
–    نزوحهم بحثا عن الامن والاستقرار لنساءهم واطفالهم
–    انهم احتموا بالخرطوم والتي تمثلهم كما تمثل الاخرين
–    انهم ايضا بشر كرمهم إله حسن مكي واستخلفهم في الارض
–    ان الاخلاق تفرض علي الاخرين التعاطف معهم ومساعدتهم للخروج من كربتهم
الا ان عقلية حسن مكي نظرت اليهم من خلال تصورات ومفاهيم الاقوام الذين يدعي الانتماء اليهم وموروثهم الاجتماعي والثقافي الذي يصور هؤلاء السود بانهم من صنف الحيوانات همجيين رائحتهم كريه يسكنون الغابات والكهوف ، والمضحك ان حسن مكي نفسه اسود اللون فانظروا كيف للمرء ان يزدري نفسه لا لشئ سوي انه مستلب ثقافيا .

ومن جهة أخري ، اذا تاملنا النكتة في الثقافة السودانية فهي تنزع الي توصيف الاسود بالسزاجة والغباء وضعف القدارات العقلية والفكرية . فالنكات التي تتحدث عن انسان دارفور والجنوب وجبال النوبة تعبر عن الاستعلاء الثقافي علي هذه الفئات في طريقة تفكيرها وتفاعلها مع الحياة والاشياء من حولها . مثال لذلك النكتة حول الاسماء في ثقافة ابناء الجنوب ، والتي تتداولها فرقة الهيلاهوب بعنوان مدرسة الشاغبين ، حيث ان الاستاذ سأل الطالب الجنوبي عن اسمه ، وكان رده اسمي … دينق لونج ونج جا … فاستنكر الطالب ذو الاصول المستعربةالاسم وسأل سؤال استنكاري دي اسم دا ، دا اسم ولا جري كلب في اللوبا(11)
الفقرات المذكورة اعلاه توضح لنا التصورات والمفاهيم التي تقدمها الثقافة  الي حامليها عن السود عموما والميراث الثقافي الذي يغذي مخيلة الاعرابي حاملها وبما ان الثقافة العربية ثقافة راكدة لم تتحرر بعد من قيمها وتصوراتها في العصور الغابره ، وان عقلية الاعرابي مازلت تتغذي  مفاهيميا  من ثوابتها النظرية والاسطورية بالقفز الزمني علي واقعها الحالي والتعايش مع عصر الغزو والفتوحات . فنصل الي نتيجة ان مخيلة الاعرابي الحالية تتكون من تصورات ومفاهيم منتقاة من التاريخ العربي الاسلامي في عصر امجاده الغابره .
في خاتمة هذه الورقة نشير الي ان ما تحمله الثقافة العربية من اراء وتصورات عن الاخر المخالف تمثل ازمة عانت منها نظم ثقافية اخري مثل حملة الثقافة الآرية واليهودية . وتتوقف المعالجة ابتداءا علي وعي حملتها بضرورة اخراج ثقافتهم من حالة الانغلاق علي الموروث التاريخي التقيمي والتصنيفي، بعمل فكري ومعرفي علي اسس العقل المستقل ، يمحص ويفكك ثوابت ومقدسات  ماضيهم المجيد وبناء مقومات  نظرية وفكرية تتأسس على الواقع العربي اليوم لاحداث تغيرات جوهرية في بنية الثقافة العربية تمكنها من القدرة علي التفاعل مع الآخر بشكل من اشكال المساواة والإحترام المتبادل
وما يعنينا بشكل اكبر وضعية الثقافة العربية في السودان والذي تعتبر المساهم الاكبر في الازمات والصرعات التي ظل يعاني منها سياسيا واجتماعيا لسيطرة الاراء والتصورات المؤسسة علي اسطورة الرجل الاسود في مخيلة مستعربي السودان ، وكانت الحاجز الأول امام التعايش الاجتماعي السلمي بين كياناته المختلفة وفي مشاركة ابناء الكيانات المهمشة مشاركة فاعلة في مؤسسات الدولة الحيوية والمحفز الاساسي لسياسيات القهر ومناهج اعادة الانتاج الثقافي
فاعراب السودان حتي اليوم يفكرون بعقلية المتنبي ( الذي كان يسخر من سواد كافور ويتملقه لينال من عطايا سلطته) ، ويتفاعلون مع الآخر المخالف بعقلية الغزو ونشر الدعوة الاسلامية باستخدام آليات العنف المادي والمعنوي و السلطة القمعية مما يعيق اي عملية للتعايش السلمي بين كياناته علي اسس الحرية والعدل والسلام والديمقراطية ، فهل وعي ابناء الثقافة العربية بالدور التاريخي الذي يفترض ان يقوموا به علي المستوي الفكري والمعرفي

المـراجـــع :

1- محمد عابد الجابري نقد العقل العربي الجزء الاول – ص (42)
2- نفس المرجع – ص (38)
3- ابن جرير الطبري ، تاريخ الامم والملوك الجزء الثاني – ص (570)
4- احمد زكي صفوت ن جمهرة خطب العرب الجزء الثاني – ص (365)
5- ابن عبد ربه ، العقد الفريد الجزء الثالث – ص (326)
6- نقس الرجع – ص (327)
7- نفس المرجع ، “حيث يذكر ان الموالي خرجو في جيش الخوارج فارسل أليهم الهلب بن صفرة لقتالهم ، فخطب في جنوده قائلا : فانما هم مهنتكم وعبيدكم وعار عليكم ونقص في احسابكم (سلالتكم) واديانكم ان يغلبكم هؤلاء علي فيئكم (ما حصلتم عليه من مغانم بعد الفتح ) ويطأوا حريمكم ”
8- نفس الرجع
9- ” مثل عربي متداول قلت الان شهرته ”
10- الباقر عفيف ، كتابه وجو خلف الحرب : الهوية والنزاعات الاهلية في السودان – ص (46)
11-  اختارنا عن قصد دكتور حسن مكي وذلك للدرجة العلمية المتوفره لدية كمثال للمستنير العروبي الاسلاموي ونظرته تجاه الانسان الافريقي السوداني
12-  ” نشيرفي هذه الجزئية الخاصة بالنكية الي اننا لا نقلل من الدور الذي تؤديه النكتة في الثقافة الشعبية في عملية التداخل والتواصل الثقافي ، لكن تنشأ لنا تحفظات حولها عندما تتاسس علي احتقار وتبخيس المحمول الثقافي للاخر  ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *