الإسلامويون في ذكراهم العشرين ونظرية الحاج مضوي لإبادتهم

الإسلامويون في ذكراهم العشرين ونظرية الحاج مضوي لإبادتهم


بحلول الثلاثين من يونيو حزيران الجاري تكون الحركة الإسلامية قد أكملت خُمس قرنٍ من الزمان في حكم السودان وهي مدة تقترب قليلاً من نسبة “40 % ” من جملة ثلاث وخمسين عاماً من سنوات الحكم الوطني ـ ما بعد الاستقلال ـ , ولا شك في أنَّ عقدين من الجلوس المتصل لحزبٍ واحد على كرسي السلطة يجب أن يمنحه الكثير من الاستقرار لاستجماع القوى وترتيب الأفكار لتنفيذ برامجه التي من أجلها قفز إلى السلطة , وهنا في حالتنا هذه : هل كان حكم الإسلاميين خصمٌ أم إضافة في مسيرة تطور الحياة السودانية بجميع الأوجه ؛ السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ؟ سؤال كبير حقيقةً والإجابة عليه تتطلب غرفة عملياتٍ كاملة مؤلفة من اختصاصيين في جميع المجالات التي عددناها , لكن الأمر الثابت والذي لاشك فيه هو ” حدوث التغير ” بحكم سُنة الحياة التي لا تؤمن بالثبات , فالحياة في صيرورتها مرتهنة إلى ديناميكية دائبة , لكن ليس بالضرورة أن تكون هذه الديناميكية محكمة وصارمة في شقها الأنثروبولتيكي وإن كانت عكس ذلك في الظواهر الكونية الطبيعية ـ كتعاقب الليل والنهار ـ أو ما يُعرف بالتغيرات الفلكية على سبيل المثال , ومن الثوابت التي يستطيع الإنسان ” العادي ” ـ غير المختص ـ الحكم عليها هي ” الأخطاء ” أو أوجه القصور , في هذا الأمر أو ذاك , وكذا الحال إمكانية الحكم على السلبيات و الإيجابيات التي يمكن تصنيفها بأنها أمراً كمياً يمكن قياسه وهي غالباً ما ترتبط بسلوك الأشخاص أو الحكومات , في مناظرة تلفزيونية أجريت بتلفزيون السودان في العام 2002 م , وكانت بين المرحوم الدكتور إبراهيم عبيد الله والدكتور فاروق كدودة وكان السؤال المحوري هو : ” خلال 13 سنة من حكم الإنقاذ : هل تقدم الاقتصاد السوداني أم تأخر ؟ ” , وحينما أبتدر د . كدودة حديثه : قال : لأن يُحكم على الاقتصاد السوداني في هذه الفترة ـ بالتقدم أو التأخر طبعاً ـ هذه مسألة لا تحتاج إلى شخص متخصص مثلي أو مثل صديقي دكتور عبيد الله , لكنني احتراما للمشاهد سأحاول أن أجيب على السؤال بالشكل الذي يليق بذلك , لا نود بكل تأكيد أن نعيد أو نسترجع ما قيل في تلك المناظرة البعيدة التي يمتد تاريخها إلى سبع سنوات والتي حكم خلالها دكتور كدودة بفشل المشروع الاقتصادي الإنقاذي بحججٍ لا ترد , الأمر الذي جعل زميله المرحوم عبيد الله يخرج عن طوره , لكننا بكل تأكيد نود أن نلفت الأنظار لما يعيشه المواطن السوداني اليوم من واقع اقتصادي أليم وبيئة أمنية متردية وانحطاط ثقافي مزري ومستقبل سياسي مجهول وأمراض اجتماعية ونفسية وعضوية خرجت عن السيطرة في كثير من جوانبها , فالسودان في خلال عشرين عاماً من حكم الإسلامويين أصبح يحتل المركز الأخير في كل إبداع ويحجز المركز الأول بلا منازع في كل الأوبئة الفتاكة , فحسب تقارير منظمة الصحة العالمية نجد أن السودان يتصدر القائمة دوماً  في أمراض التخلف و المجاعة مثل السل وشلل  الأطفال والملاريا والحميات الموسمية الأخرى التي تفتك بالمئات من البشر دون أن يجد أحدهم من الدولة متابعة أو أدنى رعاية , وربما قال أحدهم إنَّ هذه الأمراض والوبائيات قديمة في السودان قِدم السلطنة الزرقاء , فإننا نقول نعم هي ليست جديدة , ولكنها ليست بهذا الانتشار , وأن إنسان السودان قبل الإنقاذ ” الهلاك ” كان يجد من الغذاء المناسب ما يجعله قادراً على مقاومة المرض بل إنَّ هذه الأوبئة هي نتاجاً طبيعياً للجوع وللتلوث الَّذينْ أصبحا آفتين أليفتين تنامان وتصحوان مع إنسان السودان ” أتحدى وزارة الصحة الاتحادية أن تجري فحصاً إكلينيكياً شاملاً لطلاب الجامعات السودانية وتعلن نتيجته للملأ ” , لن تستطيع , ولماذا طلاب الجامعات ؟ اخترناهم بوصفهم يمثلون الشريحة المثقفة في المجتمع , الواعية بقواعد الصحة الشخصية والبيئية , ولأنهم القطاع الشاب المنتج في المدى القريب والذي تقوم على أكتافه التنمية البشرية في جميع ضروبها , ولذا يلزم أن يكونوا أصحاء أشداء أقوياء , فهل هم فعلاً كذلك ؟ حقائق مذهلة يعيشها الشارع السوداني ويرفض حزب المؤتمر الوطني الاعتراف بها أو التعاطي معها بجدية والسعي لحلها , ورئيس الجمهورية يعبر عن فرحه وارتياحه الشديدين عندما سأله غسان بن جدو في ” حِوار مفتوح ” عن رأيه : ” بأن السودان يحتل المرتبة السادسة عالمياً من بين أفضل عشرة دول تحقق وتيرة نمو اقتصادي ” , وهذه يمكن أن تكون حقيقة من حيث الأرقام ومن حيث قراءة المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين بل هذه إرادتهما من حيث سعيهما إلى السيطرة على اقتصاديات الدول الأقل نمواً والتحكم في مداخيلها , ويمكن أن يكون النمو حقيقياً لو أن ” تم استبعاد نسبة التضخم عند احتساب أسعار السلع والخدمات ” , وأيٍ كان الحال إذا كان النمو حقيقياً أم غير حقيقي فإن السؤال هو: على حساب من ؟و على أي أساس ” يربو ” حساب البنك المركزي ؟ ومن هم المستفيدين من هذا النمو ؟ وما انعكاسات ذلك على حياة المواطن البسيط : العامل , الحرفي , المهني , المقيم داخل البلد أو المغترب , وهل كانت هذه المرتبة المميزة في النمو برداً وسلاماً على إنسان السودان ؟ كل هذه التساؤلات لا يستطيع الإنسان العادي الإجابة عليها بشكل دقيق , لكن كل الذي يعرفه من ذلك أن حياته قد ازدادت سوءاً , وهنا بيت القصيد , وهنا تكمن الإجابة , ومن جانبنا سنحاول أن نقرب الصورة فقط وليس بالضرورة إعطاء الإجابة الكاملة , فلكي تسيطر الدولة على العملات الصعبة وعلى حركة السوق فإنها ببساطة سترفع الدعم عن جميع الخدمات التي تهم الم

واطن : على سبيل المثال ” إلغاء مجانية التعليم , إلغاء مجانية العلاج , ما فيش سكر تموين , ما فيش دقيق مدعوم , وأكثر من ذلك ضرائب في ضرائب على كل شيء , وهذه هي لغة الرأسمال الغربي , ألم يكن هنالك مشردين في الولايات المتحدة الأمريكية ؟ هل سألتم أنفسكم ما السبب في ذلك ؟ للأسباب الآنف ذكرها يتشرد المواطن الأمريكي والبريطاني والسوداني فكلهم دافع ضرائب وكلهم مغلوب على أمره وعلى حسابهم تزداد وتيرة النمو الاقتصادي ! , إلا أن الحال عندنا هو الأكثر سوءاً بسبب ضعف الموارد أو بشكل أدق لعدم استنطاق الموارد , والآن فلندع كل هذا جانباً , هل كان هذا هو مشروع دولة الصحابة ورسالة التمكين ؟ أم هل في الشرع يجوز البيع ” الصاع بصاعين ” ؟ , إن ما يحدث محض هيمنة ظالمة على موارد البلد وإيداعها في حساب فئة قليلة وصبغها بشعارات دينية مزيفة , فالدين في وادٍ وما تتم ممارسته باسمه من عصابة الإسلامويين الحاكمة في وادٍ آخر , وإلا فليأتونا بدليل واحد على المعاملات المصرفية والضريبية ومبررات للتشريد والقتل والإبادة الجماعية , واقع الأمر إن الإبادة التي تمت ممارستها ليست تلك التي كانت في دارفور وحدها بل إن الشعب السوداني بأسره قد أبيد  , وأمر آخر أبتهج الريس لتنامي الاقتصاد فهل أستاء لتفشي  الفساد ؟ وهل سأله الإعلامي المخضرم بن جدو عن هذا الملف ؟ مرة أخرى نذكر بأن السودان يحتل وبلا منازع واحداً من أسوء خمسة مراكز ” عالمياً ” في الفساد وهذا حسب آخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية صادر في يونيو الحالي , ومن المعروف أن الفساد هو الوجه الآخر للفقر ” آفتان متلازمتان ” لا تنفصم عراهما إلى يوم الدين , وأخيراً نعود في نهاية هذه البانوراما خمس القرنية إلى نظرية الحاج مضوي لإبادة الجماعة : في لقاء صحفي أجراه المرحوم محمد طه معه في عام 93 م , سأل محمد طه : الحاج مضوي عن رأيه في الانتفاضة ؟ فأجابه باقتضاب : ” وددت لو أن تأخرت شهرين ” , طبعاً للأمانة والتاريخ لم يقل الحاج مضوي بإبادة أحد لكن ما تبقى من إجابته تركه لذكاء القارئ , حيث أنه عند اندلاع الانتفاضة كان الشيخ الترابي وجميع حوارييه ممن يفسدون الآن داخل السجون وبالتالي بتأخر الانتفاضة سيعود نميري ويقضي على الجميع ويريح القوم من شرورهم , وأياً كانت الرؤى والأفكار إلا أننا نرى أن الشعب السوداني ـ الآن ـ قد أستيقن من فشل المشروع الإسلاموي أو بالأحرى من فساد ممن يقومون عليه وهذه هي الإبادة الحقيقية برغم فداحة الثمن الذي قدمه الشعب …
حاج علي ـ Sunday, July 05, 2009
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *