الإستخدام غير السليم للأدوية البيطرية وأثره على صحة

بسم الله الرحمن الرحيم
حركة العدل والمساواة
أمانة الشئون الصحية
الإستخدام غير السليم للأدوية البيطرية وأثره على صحة الإنسان
بقلم: د/ الواثق بالله علي الحمدابي
إختصاصي طب المجتمع – عضو القيادة التنفيذية- أمين الشئون الصحية
يتمتع السودان بثروة حيوانية هي الأكبر في أفريقيا والمحيط العربي ويحتل المرتبة السادسة عالميا من حيث الثروة الحيوانية وتساهم الثروة الحيوانية بنسبة 20% من إجمالي الناتج القومي بما يعادل 4.5 مليار دولار سنويا وذلك على الرغم من إنفصال الجنوب في 2011 إذ فقد السودان أكثر من 40 مليون رأس من الماشية ولا شك أن الخسارة الأكبر في فقدان جزء عزيز من الوطن وفقدان المواطن أكبر بكثير ولا تساوي شيئا مقابل فقدان الماشية . توجد في السودان جميع أنواع المواشي وتتنوع حسب الأقاليم المناخية إذ تنتشر الإبل في الحزام الصحراوي وشبه الصحراوي والذي يمتد من البحر الأحمر شرقا مرورا بشمال ولاية كسلا ونهر النيل وشمال وغرب كردفان وغربا الى المناطق الشمالية لولاية شمال دارفور. ويمتد حزام البقارة في مناطق السافنا الفقيرة تقريبا في جميع الولايات التي تحد دولة جنوب السودان. إضافة الى تربية الضأن والماعز أما تربية الدواجن فتوجد عادة في المزارع حول المدن الكبرى. هذا يجعل الرعي حرفة السواد الأعظم من الشعب السوداني.
ولكن على الرغم من حجم هذه الثروة القومية الهائلة الا إن دور الدولة مازال ضعيفا أو معدوما في كثير من الأحيان وتنظر الدولة لهذه الثروة فقط كمصدر للدخل يتم فيه فرض رسوم القطعان والزكاة وغيرها كثير دون أن ينعكس ذلك على آي نوع من الخدمات البيطرية التي تحتاج لها هذه الثروة . وحيث أن الماشية تمثل الثروة الحقيقية والوحيدة لنسبة كبيرة من السكان فإن المحافظة عليها وتأمينها من الأخطار العديدة والماثلة يقع بصورة اساسية على أصحابها رغم أن ذلك واجب أصيل للدولة. فالمواطن مسئول عن توفير الحماية لثروته من أخطار السرقة والنهب والضياع وتوفير الكلأ والماء وتحسين سلالاتها وهذا في مجمله من الأنشطة التي يجب أن يشارك فيها المالك حتى وإن قامت الدولة بواجبها وهي عنه غافلة ولكن أن يكون المواطن مسئولا عن علاج ثروته الحيوانية , والمقصود بالعلاج هنا ليس السعي بها الى حيث الخدمة البيطرية ودفع جزء من قيمة الدواء وإنما المقصود أن يقوم الراعي بنفسه بتشخيص المرض وتحديد العلاج ثم إعطائه فإن ذلك بالطبع شئ خطير لابد أن له إنعكاسات سالبة على صحة الإنسان والحيوان معا وهذا هو موضوع هذا المقال.
يعلم الجميع أن الثروة الحيوانية خصوصا في إقليم دارفور يتم سعيها في المناطق النائية والبعيدة وذلك لسببين الأول وهو السعي وراء الكلأ (القش) والثاني تجنب الإحتكاك مع المزارعين. والسعي بحثا عن الكلأ يشكل الهاجس الأكبر والهم الأعظم للرعاة ويعتقد الكثيرون أن الجفاف والتصحر وهي من الكوارث الطبيعية والتي تحدث بصورة دورية تعني نضوب المياه وإنعدامها والحقيقة أن قلة المياه أثره بالطبع كبير ولكن معظم مصادر المياه الأساسية في دارفور والمقصود بها محطات المياه (دوانكي) والآبار لاتنقطع مياهها في حال خريف واحد سئء أما مصادر المياه الإضافية والمتمثلة في تجمعات مياه الأمطار والوديان فهذه لا يعتمد عليها الا لفترة أسابيع قليلة في العام وهذا يؤدي الى إهدار مليارات الامتار المكعبة من المياه كان من الممكن تخزينها والإستفادة منها عن طريق التخزين وهو ما يعرف بحصاد المياه وفي جميع الوديان التي تفيض سنويا في المناطق شبه الصحراوية يوجد عدد محدود من الخزانات (البدائية) في أورشي وكلكل والجنيك . قلة المياه والأمطار تؤدي الى عدم نمؤ الاعشاب (القش) وهذا هو الجفاف الحقيقي والذي إذا تكرر لمدة عامين أوثلاثة يؤدي الى النزوح كما حدث في ثمانينيات القرن الماضي.
هذه المعلومات البسيطة قصد بها الوصول الى نتيجة واحدة وهي أن الرعاة منتشرون في مناطق شاسعة ونائية وهي مناطق تنعدم فيها تماما الخدمات البيطرية لذا فالخوف من حدوث وباء او مرض يصيب الماشية يجعل الرعاة متوجسين من اى اعراض تصيب المواشي وغياب التوعية البيطرية سواء عبر أجهزة الإعلام أو عن طريق الزيارات والمخاطبة المباشرة يدفع بالرعاة في كثير من الأحيان الى إستخدام الأدوية البيطرية للوقاية من الأمراض وذلك بصورة مستمرة.
الأدوية البيطرية منتشرة بصورة كبيرة في دارفور وفي جميع مدن وقرى دارفور بدون أي إستثناء يتم بيع الأدوية البيطرية في جميع المحلات التجارية والأسواق بدون آي رقابة رسمية ولهذه الظاهرة السلبية إنعكاسات خطيرة ففي كثير من الأحيان لا يحتاج الحيوان لذلك الدواء وإنما يتم إعطاءه للوقاية وكذلك سواء كانت الماشية مريضة أو سليمة لا يتم حساب الجرعة بصورة صحيحة وفي حالات كثيرة (جدا) يتم حقن المواشي بإستخدام سرنجات (طعانات) تم حقن الإنسان بها لذا إعتاد العاملون في الحقل الصحي الرسمي وغير الرسمي خصوصا في المناطق التي بها محطات مياه على طلب الواطنين إعطائهم السرنجات المستعملة . كذلك لا يتم حساب الجرعات بصورة صحيحة إذ أن بعض أصناف الأدوية يتم صبها في أحواض المياه عند سقيها مما ينتج عنه تغيير تدريجي في تركيز الدواء هذا بالطبع يتسبب في مضاعفات خطيرة للإنسان والحيوان.
غياب الخدمات البيطرية المتكاملة يعني بالطبع غياب التوعية للرعاة بالمخاطر والأعراض الجانبية المحتملة لهذه الأدوية على الحيوان والفترة الزمنية التي يجب ان يمتنع فيها الإنسان من تناول منتجات الحيوان فجميع الأدوية البيطرية تقريبا تتطلب الإمتناع عن إستخدام منتجاتها لفترة معينة فعلى سبيل المثال عقار مثل أوكسي تتراسيكلين Oxytetracycline وهو من مجموعة التتراسيكلين وإستعماله شائع بصورة كبيرة يتطلب عدم تناول بيض الدواجن لمدة ثلاثة أيام والألبان لمدة اسبوع واللحوم لمدة اسبوعين . هذه الفترة للأمتناع عن تناول منتجات الماشية بعد إستخدامها للأدوية البيطرية يختلف من دواء لآخر ولكن في مجملها فهنالك فترة توقف عن إستخدام منتجاتها وبالطبع لا أعتقد أن أحدا قد قام بتطبيق تلك التوجيهات من قبل. هنالك عدم معرفة عام بهذه المسائل حتى الكوادر الطبية (البشرية) ليس لديها الدراية الكافية بهذه المسائل الحيوية وهم في ذلك معذورون فالمنهج الدراسي لكليات الطب يكاد يخلو من بيان وتعليم هذه الأشياء ويقتصر على عدد محدود من المحاضرات عن الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان ولا نطلب بالطبع إضافة العلوم البيطرية لمنهج الطب البشري فإن ذلك سيجعل الدراسة تمتد في كليات الطب من ستة سنوات الى ضعفها ولكن في بلد مثل السودان يتمتع بهذه الثروة الحيوانية الهائلة يتطلب أن يلم الكادر الطبي (والذي يلجأ إليه المواطن البسيط لمعرفة المعلومة ويتوقع منه التوجيه السليم ) بالمعلومة العلمية. إلا أنه في بعض الأحيان يكون اللجوء الى الطبيب لإستقاء المعلومة الصحيحة يضعه أحيانا في موقف حرج قانونيا وشرعيا فعلى سبيل المثال أذكر أنه وبعد معركة أم سدر يوم 11 سبتمبر 2006 وقبل معركة كارياري في نفس الشهر كان هنالك قصف جوي عنيف تقوم به بصورة اساسية طائرة الأنتونوف التابعة لسلاح الجو السوداني وقد تسبب ذلك في نفوق أعداد كبيرة من الماشية وحدث قد تم إستدعائي بواسطة القيادة العليا لجيش جبهة الخلاص الوطني (حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان والحركة الفيدرالية) للفتوى في أمر حوالي 20 جملا أصيبت بجراح جراء القصف الجوي لمحطة المياه في دونكي حوش. وكان علي الإجابة إن كان من الممكن ذبحها والإنتفاع بلحومها والحرج يتمثل في أن هذه مبادرة من جبهة الخلاص لمساعدة مالكي تلك الإبل بتعويضهم جزئيا وذلك بدفع جزء مهما كان صغيرا من القيمة الحقيقية لهذه الإبل وذبحها لتناولها بواسطة مقاتلي الجبهة. ما قمت به لا يهم كثيرا ويذكر في حينه في مكان آخر ولكن لاشك أنه لا توجد دراسة جادة عن الأضرار المحتملة لتناول لحوم الماشية التي تتعرض بصورة يومية للقصف الجوي ويتم ذبحها (تحليلها) مباشرة عقب إنتهاء الغارة الجوية فالإعتقاد الشائع أن الطائرات الحكومية تقوم بقصف المواطنين بقنابل تحتوي على مواد سامة له مايبرره من إنتشار أنواع غريبة من الحساسية وغيرها من الظواهر الصحية الأخرى.
وبعد فكل ماذكر لا يمثل سوى جزء بسيط من المشكلة ولعل البداية لا بد أن تكون بالتوعية البيطرية والخدمات البيطرية المتكاملة ومرة أخرى لابد من الإستفادة من المنابر الإعلامية المتاحة فالرعاة (وهذا جزء من الظلم الواقع عليهم) لا يعرفون التلفاز او الإنترنت لذا يظل الراديو من الوسائل الفعالة في نشر المعلومات البيطرية ويفضل أن تكون باللغات المحلية وندعو الإخوة في راديو دبنقا ان تكون لهم إطلالة ولو إسبوعية وذلك بإستضافة الأطباء البيطريين والعاملين في حقل صحة الحيوان عموما والمهتمين بالامراض المشتركة بين الإنسان والحيوان للحديث في هذه المواضيع
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *