اغراق دارفور بالأسلحة ……تجسيدا لسياسة (اقتل العبد بالعبد)!!
بقلم : اندوشو مصطفى
اعتمدت الامم المتحدة تعريف محدد و منضبط للأسلحة الصغيرة و الخفيفة , الأسلحة الصغيرة هي تلك الأسلحة المصممة للاستخدام الشخصي ، (مسدسات ,الرشاشات الصغيرة) والأسلحة الخفيفة هي تلك المصممة للاستخدام بواسطة عدد من الأشخاص يعملون على هيئة طاقم و تشمل (الرشاشات الثقيلة، والمدافع المحمولة المضادة للدبابات، و انظمة مكافحة الطائرات ومدافع الهاون من عيار أقل من 100مم), UNCASA ,”برنامج الامم المتحدة لتنسيق جهود السيطرة على الاسلحة الصغيرة” ,جاء هذا التعريف لتوحيد الرؤى و الجهود المبذولة للسيطرة على الاسلحة الصغيرة و الخفيفة (Small Arms & Light weapons) التى تكلف العالم سنويا خسائر كبيرة فى الارواح و الممتلكات , و لقد تبنت الامم المتحدة , الاتحاد الأوروبي , مجموعة غرب افريقيا الاقتصادية ECOWAS, دول اقليم البحيرات , اتفاقيات و برامج للحد من انتشار الاسلحة و السيطرة عليها , بتفعيل اجهزة الرقابة و القوانين مع طائفة من التدابير و الاجراءات اللازمة لتحقيق هذه الغاية.
فى العقود الاربعة الماضية و قبل ان تشتعل الحرب الدائرة الان فى دارفور نشبت كثير من الصراعات القبيلة فى الاقليم, بسبب طبيعية الانشطة الاقتصادية و الاجتماعية التى يمارسها السكان (زراعة ,رعى ) او بسبب اجراءات حيازة الأراضي (الحواكير),او سرقات المواشي و ضعف الخدمات الامنية وعجز الحكومة فى بسط الامن للمواطنين, او بسبب التنافس السياسي على الاقليم من قبل الاحزاب السياسية فى الخرطوم, بالإضافة الى الاثار المدمرة لثلاث مجاعات كبيرة قضت على الاخضر و اليابس, كل هذه العوامل كانت كافية لانفراط الامن المنتج للاحتراب , و لسد فراغ العجز الأمني المقصود من قبل الحكومات,تولت القبائل الدفاع عن نفسها ,وصارت تنظم افرادها فى مليشيات قبلية مسلحة, فتنامت قدراتها العسكرية و امتلكت اسلحة حديثة,و باتت افضل تنظيما و فى حوزتها وسائل نقل قتالية سريعة.
ان اسباب و موارد انتشار السلاح فى دارفور عديدة منها , كان المورد الرئيسي الجارة المضطربة تشاد التى خاضت حرب بسبب الخلافات الحدودية مع ليبيا حول(مثلث اوزو) ,و كذلك بسبب الانقلابات التي حدثت فى دولة تشاد و التى تم دعمها من الحكومات السودانية ,و كانت دارفور نقطة انطلاق القوات المنفذة لهذه الانقلابات , علاوة على التداخل القبلي بين البلدين ,و هناك سلاح ورد من اقليم جنوب السودان المجاور و الذى شهد حرب عصابات و مليشيات لمدة 21 عام, بالإضافة الى طول الحدود المفتوحة مع تشاد ,افريقيا الوسطى و ليبيا , فكل هذه العوامل شكلت اسباب و موارد استراتيجية لتوريد السلاح و الذخائر, استفادت منه القبائل و من ابنائها المتقاعدين عن الجيش و الدفاع الشعبي و الاجهزة الامنية الاخرى فى عمليات التدريب العسكري ,لإعداد قوات الدفاع الذاتي (Self-Defines Forces), بعد ان فرضت الرسوم على رعاياها و اجبرت الاغنياء منهم على اقتناء السلاح .
تقول بعض السجلات ,ان دارفور شهدت فى العقود الاربعة الماضية ,اكثر من اربعين نزاع قبلي مسلح , كانت فى بداياتها تقليدية و بسيطة ,الا انها صارت اكثر ضراوة فى ظل وجود السلاح الكثير و الفتاك فى أيدى القبائل , خاصة بعد اشتعال الحرب الدائرة و تسليح القبائل العربية بواسطة الحكومة , كان السلاح سبب مباشر فى تنامى ظاهرة النهب المسلح و اللصوصية المنظمة فى الثمانينيات , وبسببه تعوقت حركة التجارة و المواطنين و ترحال الرعاة , و لقد سجلت الشرطة 6958 بلاغ نهب مسلح بولايات السودان الشمالية ,فى الفترة (1978-2000) فكان نصيب دارفور منها 5325 بلاغا , أي ما يعادل 77% من إجمالي عدد البلاغات المسجلة “مجلة العلوم الجنائية”, ويقدر البعض كمية السلاح الموجودة بدارفور حالياً بأكثر من مليون قطعة سلاح من النوع المتطور “تقرير لجنة دفع الله الحاج يوسف “مما سهل مساعي الحصول علي السلاح، وازدهار تجارته بين مواطني المنطقة فضلا عن أن حمل السلاح بدارفور يعتبر سمة اجتماعية وثقافة شعبية.
ان افتتاح جبهة قتال اضافية لجنوب السودان ,شكلت عبء ثقيل علي الحكومة , من حيث عدد القوات و الامكانيات اللوجستية المطلوبة , و لقد صنفت الحكومة قيادات الحركات الدارفورية , بانها منحدرة من قبائل ذات اصول غير عربية و بالإضافة الى اسباب تتعلق بعدم قومية الجيش السودانى ,كان لابد من التفكير فى بديل يعالج الخوف و الشكوك حول ولاء الجنود المنحدرين من دارفور , و التغطية على المشاكل الهيكلية التى يعانى منها الجيش السودانى , فتم تجيش الأهالي من بعض القبائل العربية مكونين قوات مساندة للجيش النظامي عرفوا بالجنجويد او قوات حرس الحدود ,و ان حشد الحكومة للميليشيات القبلية سياسة مجربة ومختبرة، فهي في جزء منها انعكاس لضعف الجيش المحترف, و كذلك هي استراتيجية لمواجهة تكتيكات حربية جديدة وغير مألوفة، استعانت بهم الحكومة , بعد ان تمكنت من غسل ادمغتهم لصالح مشروع الابادة , هناك مقولة يتداولها بعض العسكرين العنصرين (لا نخسر الا الذخيرة ) أي بمعنى اخرى اضرب العبد بالعبد , هذا ليس جزافا ,انها سياسة تؤكدها سلوكيات الحكومة فى واقعة اذلالها للسيد مسار المقال او المستقيل جراء مواجهته لبعض متنفذي المركز و ايضا ما تعرضت له العزيزة سمية هندوسة من اهانات عنصرية بواسطة جلادها ابان فترة اعتقالها المعروفة, هاتين الحادثتين تدعمان فرضية ان الدارفورين بمختلف قبائلهم يعتبرون عبيد بحسب عقلية المركز فلا افضلية لموسى هلال على عبد الواحد الا بقدر كفاءة الاول فى اتقانه للعب دور وكيل السيد ،على اى حال دخول وكلاء الاسياد الحرب بالوكالة مكن الحكومة من تصوير النزاع بوصفه نزاعا قبليا , بعد ان اجترت ماضي خبثها المعهود فى الاستعانة بالقوات القبلية فى صد قوات بولاد
كذلك لعب الجيش السودانى دور بالغ الاهمية فى انتشار الاسلحة الخفيفة و الصغيرة بين المدنيين و القبائل, فتبنى الجيش لاستراتيجية استخدام القبائل لمساعدته فى حروبه الاهلية, كان اكبر مدخل لتسرب السلاح الى أيادي فئة كبيرة من السودانيين المدنيين, بدأت بتجربة المراحيل , الذين قاتلوا مع الجيش فى جنوب السودان , و تجربة الدفاع الشعبي التى سلحت عدد كبير من الموظفين و الطلاب و اعضاء القبائل كقوات احتياطية , مرورا بتجربة الجنجويد و تجدر الاشارة الى ان اول اكبر حملة لتسليح القبائل فى دارفور حدثت ابان الحرب القبلية, التى نشبت بين الفور و مجموعة من القبائل العربية خلال الثمانينيات فى عهد حكومة الديمقراطية الثالثة , فرجح كثير من المحللين ان حزب الامة قام بتسليح انصاره و المواليين له من القبائل العربية فى دارفور ضد قومية الفور , اما فى جنوب السودان كان الحصول على قطعة سلاح اسهل من الحصول على وجبة طعام, لقد قدم بعضه الجيش السودانى للمليشيات الموالية له مثل الجيش الابيض الذى تكون من بعض قبائل النوير و مليشيات المورلى المناهضة للجيش الشعبي فى الاستوائية و الفصائل المنشقة عن الجيش الشعبي مثل مجموعة الناصر الموقعة على اتفاقية الخرطوم للسلام سنة 1997 و قوات دفاع جنوب السودان التى كانت متمركزة فى غرب النوير بقيادة فاولينو ماتيب , قوات بيتر قديت……الخ , و لعبت دول مثل اريتريا و اثيوبيا و يوغندا دور المورد الأساسي لاحتياجات الجيش الشعبي من الاسلحة, فكان من السهل ان يتسرب هذا السلاح المتاح و الرخيص من جنوب السودان الى دارفور عبر مهربين و تجار تقليدين يبدلونه مقابل السلع التى يوردونها الى الجنوب.
و هناك رواية تقول ان أول دفعة من السلاح دخلت دارفور بكميات كبيرة كانت بواسطة الجبهة الوطنية (التي اتخذت في الخطاب الإعلامي لنظام نميري مصطلح المرتزقة) التي قادت المعارضة ضد حكومة مايو , أدخلت كمية كبيرة من السلاح عندما كانت تعد لإسقاط نظام نميرى فى 1976م وقد خزنت هذا السلاح بوادي فى شمال دارفور و عندما توصلت المعارضة لاتفاق مع الحكومة و لإبداء حسن نيتها وجديتها أهدت هذا السلاح للجيش وأرشدت على مكانه , ذهبت قوة من الجيش لإحضار ذلك السلاح، ولكنها وجدت بعض منه مفقود و يرجح انه ذهب لأيادي المواطنين فى دارفور وكانت هذه هي من اكبر بدايات انتشار السلاح في دارفور, ينسبها محمد جمال عرفة الى جبر الله خمسين فضيلي “صحيفة الحياة” السودانية”.
يصعب تحديد مصدر دخول قطع سلاح معينة الى السودان ، فإنه من الممكن تعقب مصدر العديد من هذه القطع إلى مخزونات البلدان المجاورة, فقد تضافرت منذ الستينات سياسات السودان و جغرافيته , لجعله قاعدة انطلاق للقوات المتمردة ضد دول الجوار , إن طول حدود السودان ونأيها و تجاور المجالات الجوية، سمح بحركة جماعات المتمردين السودانيين عبور الحدود إلى تشاد وإثيوبيا وإريتريا وأوغندا, كما يسرت هذه الظروف توريد الأسلحة والمعدات للجماعات المتمردة من حكومات دول الجوار , ومن طائفة متنوعة من مصادر شبه رسمية, تتراوح بين جهود مخططة بمد الأسلحة تقوم بها عناصر شبه مستقلة من أجهزة أمن الدولة, إلى سرقات بدوافع مالية من مخزونات دول تتسم بهزال الرقابة, او عن طريق ما يعرف ب(درب النمل) قوافل الحيوانات و الحمالين و ذكرت تقارير دولية ان اسلحة متطورة وزعها او تخلص منها الرئيس الليبي السابق القذافي, حتى لا تقع فى أيدى الثوار الجامحين , فرجح ان العديد منها تسرب الى الدولة المجاورة من بينها السودان , و يرجع سجل بعض الاسلحة التى تم ضبطها فى انجمينا بعد محاولة الاطاحة بدبى سنة 2008 , الى المخزون او الانتاج الحكومي في ليبيا و السودان ,كذلك , جاء فى “مسح الاسلحة الصغيرة “حتى عام 2010 تلقى جيش الرب للمقاومة مساعدات عسكرية من الخرطوم عبر الاسقاط الجوي على الحدود الجنوبية الكونغولية .
و في سنة 2006 اظهرت الجمارك السودانية انها ضبطت في تلك السنة وحدها 4249 مسدساً و 533 بندقية كلاشينكوف و 16851 طلقة ذخيرة, فمنذ ذلك العام و حتى الان تمكنت الاجهزة الرسمية كما تقول ضبط عشرات من محاولات تهريب او تخزين الاسلحة، و ثبت أن التدفقات الصغرى للأسلحة الصغيرة والذخيرة تنتقل إلى خارج السودان بدرجة كبيرة إلى المجتمعات المحلية في شمال كل من كينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ,و مؤخرا صار السودان معبرا او موردا للسلاح الى الضفة الغربية فى فلسطين, كان هذا جليا بعدان تزايدت اغتيالات بعض المتهمين بتنظيم تجارة الاسلحة بين السودان و الضفة الغربية ,حسب تحليل المراقبين لحوادث التصفيات التى استهدفت بعض الشخصيات فى مدينة بورتسودان اخرها حادثة العربة (البرادو) ,و قبلها دمرت غارات جوية قافلة من العربات المحملة بالأسلحة فى اعلى شمال ولاية البحر الاحمر , الى ان وصل الامر حد تدمير مصنع اليرموك بالعاصمة الخرطوم 2012 ,المصنع المنتج للسلاح التقليدي السودانى ,و يرجح ان اسرائيل كانت وراء هذه الغارات .
لقد اجرت منظمة انقاذ الطفولة السويدية, دراسة فى دارفور عام 2002 كان من ضمن نتائجها ان 35% من الاطفال فى الريف استخدموا او يعرفون استخدام السلاح ,و 10% من اطفال الحضر يعرفون استخدام السلاح , و 50 % يعتقدون ان من السهل الحصول على سلاح, و 70% يعتقدون بان الذكور يجب عليهم استخدام السلاح, هذه الارقام و الحقائق كانت قبل اندلاع الصراع بصورته الحالية , الجرائم الوحشية الانتهاكات المنظمة , تجيش المجتمع الذى اوجد انقسام اثنى حاد فى دارفور , قد تمنحنا صورة واضحة الى مالات الاوضاع فى ظل هذه الفوضى العارمة ,لا محالة ان الارقام تصاعدت اكثر من قبل, بسبب تزايد رغبات الانتقام او عدم الاحساس بالأمان .
اشعال الانقاذ حروب عنصرية في مناطق مختلفة من السودان ,جعلت من الموازنة العامة , موازنة لوزارة واحدة تعنى ببند الامن , كل اموال البلاد بما يزيد عن 70% استخدمت و لازالت لصالح الحرب , كانت هذه الميزانيات تشمل مليارات الدولارات حصلت عليها الحكومة من عائدات النفط ,و يظهر هذا جليا فى سجل توريد الاسلحة لدى الامم المتحدة , فمنذ العام 2001 -2008 وردت الحكومة اسلحة صغير و خفيفة بقيمة 61 مليون دولار من دولة الصين ,و ما قيمته 18 مليون دولار من جمهورية ايران لتبلغ الجملة 95 مليون دولار, بالإضافة الى الانتاج المحلى , و إجمالي الاسلحة الصغيرة و الخفيفة داخل السودان, فى أيدى القوات الرسمية و جماعات المتمردين , المليشيات الموالية للحكومة بالإضافة الى الجيش الشعبي ,تقدر ب 2.7 مليون قطعة سلاح ديسمبر 2009 . “التقييم الأساسي للأمن البشرى فى السودان HSBA” , هذه الاحصائيات لا تشمل الأسلحة الثقيلة مثل (المدافع الثقيلة , الطائرات , المدرعات, المركبات و المتفجرات ……الخ) فقط تشمل الاسلحة الأتوماتكية التقليدية مثل الكلاش و الجيم و المسدسات و الرشاشات و المدافع الصغيرة , كل هذا الكم الهائل يذهب الى أيدى المدنيين فى نهاية المطاف ,سواء كان بسبب سياسات رسمية تتبناها الحكومة او بسبب هزالة اجهزتها الرقابية , و غياب نظام سجلات دقيقة تحدد وجهة و نوعية و مستخدمي هذه الاسلحة , ففي بعض الاحيان تسنفر القوات الرسمية افراد مدنيين للقتال بعد ان تسلحهم من غير أي اجراءات توثيقة, فى طريقة اشبه بأسلوب القبائل .
يحظر اتفاق وقف إطلاق النار الذي يشكل جزءا من اتفاق السلام الشامل (نيفاشا 2005) إعادة الإمداد بالذخائر والمعدات القتالية العسكرية للجيشين ضمن نطاق منطقة وقف إطلاق النار(الجنوب , مناطق البرتوكولات الثلاثة) , و فرض مجلس الامن فى قراره رقم 1556 يوليو 2004م حظر على توريد الأسلحة إلى دارفور و طالب بنزع سلاح المليشيات ، توسع هذا الضغط في قرار مجلس الامن رقم 1564 سبتمبر 2004م, ليشمل منع الحكومة السودانية من الطلعات الجوية العسكرية فوق سماء الاقليم ….الخ , و نصت اتفاقية ابوجا على ان تلتزم الحكومة وشركائها بتحييد و نزع سلاح الجنجويد و المليشيات “اتفاقية ابوجا المادة 22 البند 214″، و على نفس الطريق ذهبت اتفاقية الدوحة “المادة 60 البند342” , اما الحظر الذى فرضه الاتحاد الأوروبي على توريد الاسلحة الى السودان يشمل جميع الاطراف ابتداء من 16 مارس 1994 و تم تعزيزه فى 2004 ليشمل الجوانب التقنية و المالية و السمسرة و غيرها من المساعدات و المعدات العسكرية, لكن الخرطوم تنقل بانتظام أسلحتها ومعداتها العسكرية الى دارفور في انتهاك واضح لحظر توريد الأسلحة , و عدم اعتبار او تقيد بالقرارات الدولية او الايفاء بتعهداتها فى اتفاقيات السلام , وان بعثة الأمم المتحدة و الاتحاد الأفريقي المشتركة في دارفور، تفتقر إلى القدرة والأمن والهياكل لرصد حركة الأسلحة الجديدة إلى دارفور والتحقق منها، كما تقتضي ولايتهما, و كذلك بسبب عراقيل تفتعلها السلطات السودانية , اما مفوضية نزع السلاح و التسريح و اعادة الدمج التى تم تأسيسها بناء لاتفاقية نيفاشا لم تتوافر لها الارادة السياسة التى تمكنها من دعم جهود تعزيز الثقة و فق برامج عملية تساهم فى خلق تغيرات جزرية لصالح الجنود القدامة و جمع السلاح من العسكريين و المدنيين , ففي احيان كثيرة و بحكم العلاقات التى انشاتها مع الجنود المسرحين لعبة هذه المفوضية دور التعبئة و حشد الجنود القدامة للقتال مرة اخرى فى جنوب كردفان و النيل الازرق , و ان برنامج نزع السلاح و التسريح لم يتطبق على الطريقة العالمية المتعارف عليها حيث لم يجمع و يدمر اى سلاح من الجنود المسرحين من الجيش و الدفاع الشعبي , و فى نظرى كان عبارة عن برنامج لإعانة و دعم للجنود السابقين المواليين للحكومة اكثر من انه برنامج لفترة ما بعد الحرب Post Conflict يعمل على تعزيز السلام و نقل هؤلاء المسرحين الى الحياة المدنية.
هذا الانتشار ادى الى ارتفاع نسبة الجرائم (قتل او سرقات )راجع التقرير الجنائي السنوي , ايضا ازدادت حدة الدمار و القتل فى الحروب القبلية , تنامى الجرائم المنظمة مثل الاتجار بالبشر خاصة فى شرق السودان و تهريب المخدرات و البضائع من و الى السودان , و اهتز النظام العام و ساد الافلات من العقاب , فلا احد يثق فى النظام طالما المجرمون يفرج عنهم باقتحام المحاكم تحت تهديد السلاح, و متوقع ان يكون القادم اكثر فظاعة لا محالة , بعد ان اعلن تنظيم جهادى عن نفسه فى الايام الفائتة , فسوف نترقب احداث مماثلة لحادثة الدبلوماسي غرانفيل و مجزرة مسجد الحواتة …..غيره , فتنامى المد الأصولي المتطرف قد يتمكن من اغواء عدد كبير من السودانيين الناقمين على المجتمع و سياسات الانظمة الفاشلة , فسجلات السودان منخفضة فى مستوى المعيشة , التعليم , العدالة و الحكم الرشيد مقابل سجلات مرتفعة فى التعذيب و العنصرية , ضحايا الحرب , المشردين , الغبن و الاحتقان السياسي و مصادرة الحريات ……. كلها عوامل توجد بيئة خصبة يتوالد فيها التطرف.
يجب الاشارة الى الجهود التى بذلت لجمع السلاح او تقنين حيازته فى عهد الطيب (سيخة) عندما كان حاكم للإقليم فى بداية التسعينيات , الا انها تعثرت من ثم توقفت لتصير سياسة معاكسة و مناقضة لتلك الجهود ,ولإيجاد حل جذري لهذه الظاهرة يلزم ان توفر الحكومة خدمات امنية متكاملة تنتفى معها الاسباب التى تؤدى الى اقتناء السلاح , مع انشاء مؤسسات و توافر ارادة سياسة جادة لجمع و ادارة السلاح ,من أيادي المواطنين و المليشيات الموالية للحكومة ,و هنا قد تواجه صعوبة لان بعض هذه المليشيات خرجت عن سيطرتها , و يلزم الامر توفير الخدمات الاساسية بالمناطق النائية , خاصة التعليم ,الاستثمار الافضل لأمان الشعوب , مع اخراج القبيلة من الاضواء السياسية , و ان تعود الى دورها كمؤسسة اجتماعية كما كانت قبل ان يطالها عبث الانقاذ , اعادة تفعيل و تعزيز دور الادارات الاهلية, و ارساء دعائم سيادة القانون و عدم الافلات من العقاب , وفوق كل ذلك العمل على احلال السلام وفق ارادة سياسية صادقة و ليس بالعقلية التكتيكية الامنية السابقة, و التنسيق مع جيراننا فى الاقليم للسيطرة على الحدود و التجارة المنظمة العابرة , و ايقاف تغذية صراعات دول الجوار و تبنى سياسة جوار امن تحكمها المصلحة و المنفعة المشتركة, لكن السؤال المهم هل هذه الحكومة مؤهلة و لها ارادة سياسية لتحقق هذه المطالب ؟ اظن الاجابة على هذا السؤال لا يحتاج الى جدال , فبداية الحل يكمن فى ازالة المسبب الاول لهذه السياسات الكارثية.
اندوشو مصطفى
يناير 2013
[email protected]