اصطفوا وتراصوا وهنيئا لبعضكم البعض واعلموا ان هذا النظام يستمد سوءه من سوئكم !

محمد بشير ابونمو
[email protected]
استقيت العنوان اعلاه من اجابة للاستاذ ابراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السودانى ، عندما سُئل فى لقاء صحفى قبل اكثر من اسبوعين السؤال التالى : اعلان الشعبى التحاور مع الوطنى اُعتبر خروجا من المعارضة … وقبله مواقف حزب الامة … كيف ستقوم للمعارضة قائمة بعد خروج الكبار ؟
تحدث الاستاذ ابراهيم متجاوزا سطحية السؤال ، باجابة تنم عن العارف والمتابع لابعاد الصراع الحالى فى السودان وادوار قواه السياسية الفاعلة منها والهشة ، ولكن لاهمية الاجابة نورد ادناه كامل النص ، حيث قال :
(سؤالك هذا اثبات لما تفكر فيه دول اقليمية وغربية وتحديدًا قطر وامريكا، وهو الظن أن جمع الترابي والوطني والمهدي في حكومة واحدة..! من شأنه ان يفضي الى تغيير في البلد.. وهذا بكل تأكيد قراءة خاطئة مع الأخذ ان ما يحدث الآن من تطلع للتغيير لا ينهض به الترابي ولا الصادق، لأن المشروع القائم افقر البلاد وجفف مواردها وفصل الجنوب، وربما يكون من تراتيب القدر الغريبة أن تجتمع كل هذه الأحزاب في ثلة واحدة،وفي حكومة واحدة..! وستبين غدًا أو بعد غدٍ عورات هذه المجموعة.. و لا أتصور أن ذلك سيضعف المعارضة، بل العكس أقول بشكل واضح وصريح، وقد لا يعجب ذلك الكثيرين ان هذا الاصطفاف الجديد من شأنه أن ينقي الصفوف ويفلترها.. ويتواصل مشروع المعارضة نحو فجر جديد، والبديل الديمقراطي سوف يحقق مكاسبه، وبالتالي أنا لا أرى أن خروج حزب الأمة أو المؤتمر الشعبي من المعارضة سيضعفها، بل من الممكن أن ترفد المعارضة بوجوه جديدة، وبحركات شبابية، كانت متحفظة على وجود هذه الكيانات داخل المعارضة.. وبسببها كانت لا ترى الانفتاح على قوى الاجماع الوطني. والآن الباب واسع نحو افق جديد، ومستقبل جديد.) ….. انتهى اجابة الاستاذ ابراهيم ، ولكن اجابته قد ذكرنى ايضا بسؤال قد طرحه علـى احد الاخوة قبل فترة ، وهو لماذا يقبل الاخوة فى الاجماع الوطنى بحزب كحزب الترابى فى المعارضة التى تسعى الى اقامة حكم ديمقراطى ، وهو المعروف – اى الحزب – بلاديمقراطيته ، واهم من ذلك ان رئيسه (الترابى ) يعتبر المسئول الاول عما يعانيه السودان من كوارث ؟ ، فكانت اجابتى له كالاتى :
اذا شب حريق هائل بالقرية بفعل فاعل معروف ، واثناء انهماك الناس فى اطفاء الحريق ظهر الجانى وانشغل مع الاخرين بهمة ونشاط باحضار الماء والتراب لاطفاء الحريق ماذا تفعل ؟ الاولوية هنا لاطفاء الحريق وانقاذ الناس والممتلكات ، وبالتالى يُستفاد من جهود الجانى لاطفاء الحريق ونأتى لاحقا لمحاسبته ، فهذا هو حال المعارضة بشكل عام مع حزب المؤتمر الشعبى ، ولكنى اعترف الان ان اجابتى كانت قاصرة ، لان القبول بجهد الجانى موقتا لاطفاء الحريق قد لا يضمن حسن نواياه ، وقد يتسلل سرا فى زحمة الناس الى طرف آخر من القرية ويشعل نارا اخرى ويشتت بذلك جهود اطفاء الحريق ويزيد من فرص انتشاره وعدم السيطرة عليه ، فكان من الاجدى الا يتم قبول حزب الترابى من المبتدأ فى قوى الاجماع الوطنى لانه لا يؤمن بالتغيير وغرضه فقط الاحلال منفردا او الاندماج فى النظام القائم ، لان الرجل – اى الترابى – يغلب عليه اشواق العودة الى تلاميذه السابقين ووضح الان ان شرطه الوحيد هو ازاحة من غدروا به وازاحوه عن السلطة فى التسعينات ، وقد تكلف البشير الان بالمهمة (مشكورا) ، وذلك بازاحة الرباعى (على عثمان /نافع /الجاز / اسامة عبدالله ) . ولكن المؤسف فى هذا الموضوع ان الشعب السودانى شعب متسامح لدرجة فقدان الذاكرة ، والا كيف ينسى الناس شخصا ابتدر عهده بكذبة كبرى بسجن نفسه بعد الانقلاب لتضليل الشعب وكل الشعب ، ثم يأتى بعد ازاحته من السلطة ويعترف بلا ادنى حياء بهذه الكذبة ؟ الكارثة ليست بالكذبة والاعتراف بها لاحقا ، وخاصة والاعتراف بالذنب فضيلة ، ولكن الكارثة هى ان الترابى مصر ان يلعب دورا سياسيا جديدا حتى بعد هذه الكذبة وبعد الجرائم التى ُارتكبت فى عهده ! فى الوقت الذى فى بلاد اخرى (كافرة ) ُيعتبر كذب السياسى سببا كافيا لانهاء حياته السياسية ، وبهذه المناسبة ربما يتذكر القراء حادثة مشهورة فى بريطانيا ، وهى ان نائب رئيس حزب معروف ومرشح لزعامة نفس الحزب ، انهى حياته السياسية لمجرد انه كذب فى حادث مرورى عادى لانه نسب المخالفة المرورية التى ارتكبها لزوجته والتى كانت ترافقه ، وبرضاء الزوجة ، ولكن ظهور الكذبة فى الاعلام كانت كافية للقضاء عليه سياسيا وللابد ، مع سجن زوجته لجناية تعطيل العدالة ، فكيف لمن كذب على الشعب مع سبق الاصرار والترصد ، وفى موضوع خطير كالانقلاب على نظام حكم شرعى فى البلاد ؟! وثم ينسى الشعب السودانى مرة اخرى ان الترابى كان على رأس النظام الذى اشتهر “ببيوت الاشباه ” وضحاياه الاحياء الان منتشرون فى ارجاء مختلفة من العالم بعد ان تمكنوا من الهرب من طغيان نظامه وجبروته ، هذا غير من تبقوا بالداخل وما زالوا يعانون ؟ ، وخلافه مع البشير ليس لانه يطالبه بالتغيير كالاخرين فى المعارضة ، خلافه فقط لان مجموعة من تلاميذه تآمروا عليه واشاروا على البشير لازاحته من السلطة ، وبعد ذلك كون حزبه الحالى كحزب معارض لتلاميذه السابقين !
هذا كان من امر الترابى عندما كان فى السلطة ، ولكن ماذا افاد الترابى المعارضة بعد الاختلاف مع تلاميذه وتكوين حزبه (المعارض ) الحالى ؟
لا ننكر ان امينه السياسى (كمال عمر ) كان اعلاهم صوتا فى تحالف احزاب “الاجماع الوطنى ” المعارض ، ولكن كما قال القائد مناوى انه كلما علا صوت كمال عمر كان ذلك يعنى انهم اقتربوا اكثر الى بعضهم البعض ، ويعنى حزبى المؤتمر الوطنى والشعبى ، والا ماذا يعنى قول كمال عمر قبل فترة وجيزة من (وثبة ) البشير ، انهم فى المؤتمر الشعبى سوف لن يتفاوضوا مع حزب المؤتمر الوطنى حتى ولو كون الاخير خمسمائة لجنة بدل لجنة واحدة ، وكان يرد بذلك على تقارير تحدثت عن لجنة تم تكوينها من حزب المؤتمر الوطنى للحوار مع الاحزاب !!
لذلك اتفق تماما مع الاخ الاستاذ ابراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السودانى من ان تحالف الثلاثى (البشير / الترابى / الصادق ) لا يمكن ان يفضي الى اى نوع من التغيير فى البلاد ، لاسباب منها ان كل الشواهد تشير الى ان الصادق المهدى مثلا ، لا يسعى بشكل جاد للتغيير ، لان بقاء نظام الانقاذ ستعود عليه بمنفعة شخصية واسرية ، لانه يعمل كمقاول من الباطن فى نظام الانقاذ ، الامر الذى مكنه من توظيف ابنائه فى مواقع قيادية فى السلطة ، هذا غير “عطايا الترويض ” التى يتلقاها من هذا النظام من وقت الى آخر ! . وحتى لا يتهمنى (انصاره) وكأنى اتجنى على السيد الامام الصادق المهدى من ايراد لفظ ” عطايا الترويض ” وهو لفظ اشبه بالرشوة فى هذه الحالة ، فانى ابرئ نفسى وانسب اللفظ مباشرة الى صاحبه وهو اقرب الناس الى الامام وابن عمه (اللزم ) الاستاذ / مبارك الفاضل المهدى حيث اصدر قبل اسابيع بيانا اسماه (الإنقاذ والصادق المهدي وحديث الإفك)، حيث لم يتهمه فقط باستلام العطايا من نظام الانقاذ وبل وصفه بالمتسول من اموال الشعب المنهوبة مقابل بيع قضية الوطن ، وادناه نص منقول من بيان الفاضل المهدى : (….يبدو ان استقلاليتي المالية وابتعادي عن عطايا الانقاذ لترويض القادة السياسيين قد وحدت بين الانقاذ والعاجزين من مستلمي عطاياها ، في محاولة هدم كسبي من عرق جبيني ،حتي أتساوي معهم في التسول من أموال الشعب المنهوبة وابيع قضية الوطن . ولكن هيهات.) !!
خلاصة الامر، ما هى مواقف الترابى والصادق فى قضايا الوطن الماثلة الان ؟ ما دورهما فى ايقاف او مناهضة الحروب المشتعلة فى ارجاء الوطن ، بدءَ بدارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق ؟ ما مواقفهما من جرائم الجنجويد المستمرة منذ اكثر من عشرة سنوات على المواطنين العزل فى دار فور واخيرا فى كردفان ؟ ما مواقفهما من اوضاع الملايين من المواطنين الذين تكدسوا فى مخيمات النازحين واللاجئين فى دار فور والدول المجاورة ، لمدة تجاوزت العشرة سنوات وذلك بفعل غياب الامن المتسبب فيه القوات الحكومية ومليشياتها (الجنجويد ) ؟ ما مواقفهما من القذف المستمر بطائرات السلاح الجو السودانى على قرى الآمنيين فى دار فور وجنوب كردفان والنيل الازرق ، والتى تتسبب يوميا فى تقطيع اوصال الاطفال والشيوخ والنساء ، تلك المناظر التى تبثها المواقع الالكترونية من وقت لاخر حسب توفر ظروف التصوير على الارض ؟ ما مواقفهما من التدهور المعيشى المخيف والذى يعيشه غالب الشعب السودانى والذى لا يستطيع معه رب البيت العادى من توفير حاجيات اطفاله الحياتية الملحة ؟ ما مواقفهما من التدهور الاقتصادى المريع الذى يعيشه البلاد والذى يزداد سوءا بعد بزوغ كل فجر جديد ؟ ما مواقفهما من المجزرة البشرية التى ارتكبها النظام فى المتظاهرين العزل فى سبتمبر الماضى ؟
كل واحدة من هذه القضايا لوحدها كافية للمناداة باسقاط حكومة المؤتمر الوطنى ، ورغم تنامى سوء حكم الانقاذ والذى يزداد يوميا بزيادة سوء الاحوال فى كل القضايا المذكورة اعلاه ، ومع ذلك يهرول الترابى والصادق نحو هذا النظام الهاوى نحو القاع ، فماذا ترجو المعارضة من هولاء غير قول : اصطفوا وتراصوا وهنيئا لبعضكم البعض واعلموا ان هذا النظام يستمد سوءه من سوئكم !
محمد بشير ابونمو
لندن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *