إلي متي ستظل البقرُ مصدراً للتخلف والإحتراب بيننا؟

 إلي متي ستظل البقرُ مصدراً للتخلف والإحتراب بيننا؟
( موضوع محلي نشرته من قبل صحيفة المصير الصادرة من جوبا)
 
بقلم:شول طون ملوال بورجوك
حتي لا يفهم قراءُنا مضمون كلامِنا خطاءاً فإننا  نوضح لهم ومنذ البداية  أن الحديث عن  البقر هنا ليس عن تلك الأبقار المفيدة  من بلاد الامريكان ولا عن سلالة  الفريزين والنيوجرسي الشهيرتين اللتين يعلم حلوهما ونفعمها كل مَنْ يشرب لبنها ويأكل لحمها وهما  بالطبع  من موارد  بلاد الطواحين الهوائية(نيزرلاند او هولندا) بل أتحدث أنا عن بقري وبقرك وبقرهم ولكن في المقابل  مَنْ تري أكون (أنا) ومَنْ تكون (أنت) ومَنْ يكونون ( هم)؟.
أنا  سادتي دينكاويٌ مَنْ أعْبُدُ بعد ربي أو كنجوري بقري وأما أنْتَ فإننا نعرفك طبعاً  فلا تظنن أننا لا نعرفُك بل نعرفُك بكل تفاصيلك !  فأنت من  أسارير وجهِك  مَنْ تموت فداءاً للبقرِ، قرونِها وصوفِها ،أنت ملامحُك ملامحُ أخي وشقيقي قلواك ( قات مار- ود أمي بكلام النوير-) حفيد لاتجور قوانديت “أي الجد الأكبر بطوك  نيْي تِي ناث( الجد الاكبر بلغة النوير)” وأما هم فهم أكيد أهلي  المورلي و والمونداري و التبويسا و البويا والديدينقا وكل رعاة  بقر وغنم ببلادي!! ولا نعتقد أن هناك  عاقلاً  بيننا سيذكرُ بعد  أي من الواوات العاطفية المكتوبة  ،مهما كثرت،إسم  أحبابي  الزاندي اللذين نصحهم ملكهم الحكيم والعظيم الراحل المقيم الكينق”بودوي  باسينجبي” منذ عهد ليس بقريب قال لهم بحرفٍ واحدٍ: اجتنبوا البقر وقرونها القاتلة! فقال احفاده له: سمعاً وطاعةً وتحيي حكمتك يا جلالة  الملك!! فكانت الجفوة القائمة حتي الآن بينهم وبينها( الزاندي والبقر)  وكادا يكونان خطين متوازين اللذين عمرهما ما إلتقيا ولو مرة  لولا استدراك  الأول أن بقرةً واحدةً مذبوحةً خيرٌ من ألفِ بقرةٍ حيّةٍ تدوسُ عشباً أرجلُها !!
تمسكُ رجالِ تلكَ القبائلِ ونساءِها ،وتلك التي لم نذكر عناوينها ومسمياتها، تشبثُها وإصرارُها علي تربيةِ أبقارِها علي التقليدِ الذي توارثوه من أجدادِهم القدماءِ فيه شئٌ مِنْ اللا عقلانية  ، تقليدٌ لا يراعي جديداً ما استجدَ في معاشِهم اليومي،نهجٌ لم يقرأْ منتهجوه مسبقاً ما قد يحتملُ أن سيستجدَ في مستقبلِ حياتِهم من متغييرات تستدعي مراجعةَ الفكرِ واعمالَ العقلِ ..
و الغريبُ في الأمر أن  دولتَنا الوليدةَ تقدمُ  مواعظَ  رصينةً حسنةً كل ساعةٍ ويومٍ وتدعوُ مواطنيها الي بذلِ مزيدٍ من الجهد لإحراز مزيدٍ من النجاحات والانتصارات والتقدم في جبهة القتال ضد جند الجهل والأمية التي ما نسبتها بين مواطنيا تقترب من ال90%، في نفس الوقت  يلاحظ أن أعداد الأبقار في مراحات الدينكا والنوير والمورلي والتوبويسا…الخ تزداد يوماً بعد يومٍ وشهراً بعد شهرٍ، بقرٌ يشتريها  مقتدِروها حكوميون (مدنيون ،عسكريون) مهاجروها وتجارُها  من سكان المدن علي أساسٍ يومي ويقومون بإرسالها  بعد ذلك الي ذويهم أهل الفيامات(وحدة إدارية اصغر من محلية) والبومات(قري) في المحافظات.. يبتهج الرأعي  المستلم ،قريبُ المالكِ الراسلِ الغنيِ المشتريِ ، لحظة  تسلمِه  السرب الصادي من أبقار أخيه المدير أو الوزير أو الكمندر ظناً منه أن شقيقه أو أخاه أو نسيبه  قد وضع علي رأسه تاجاً آخر من تياجان الفخار والتكريم وما دري المسكينُ أن هذه التيجان  ليستْ إلا طواقي فقر لا فخر( تيجان مواسير بلغة العصر!!!) !! ..وحتي لا تقولوا  إن حديثنا هذا قد حاد عن قول الحقيقة أو ربما  تصفونه بالخواءٍ والهراء  أو ربما ترونه أنه  قد خرج من النص والمنطق والمضمون  دعونا نبيّن أو نقول لكم الآتي وخذوه مني بجدية،أرجوكم، بكل ما تعنيه مفردة الجدية لأننا ، أيها الناس ، خبراءُ مجربون أي لنا مع هذا الحيوان ذي القرنين والخوار خبرةٌ، قصصٌ ورواياتٌ تفاصيلُها كلها  مآسي … شرائي وإرسالي خمسين بقرةً وثوراً الي شيقيقي البومي(من سكان بومات) أخي الأصغر أو الأكبر  كي يعتني بها ويديرها  يعني ببساطة أنني أقول له بطريقةٍ ملتويةٍ ماكرةٍ خادعةٍ ظالمةٍ  لا ترسلْ إبناً وبنتاً لك الي مدرسةٍ كي لا يتعلما !! فإذا ذهب أو دخل صغاره المدارس فمنذا الذي بعدهم سيعتني ويرعي أبقاركم يا أغنياء الحضر ؟ ولعلمكم فإن الخمسين بقرة المشتراة اليوم  سيزداد تعدادها العام المقبل ليصبح ستينا أوما فوق، وهذا العدد يحتاج  بالطبع الي عدد مقدر من الخدامين(ولا أقول عبيد) مَنْ لا يقل عددهم عن خمسة افراد ،مَنْ علي مدار 24 ساعة  نهاراً ليلاً يعملون ، مَنْ لا يتعبون فلا يتضجرون، مَنْ لا يمرضون فلا يموتون كي لا  ينقصوا ،مَنْ بجوار المدارس لا يمرون ،مَنْ علي نحو الأمية يسرعون !!! يراعي قبل تشغيل هؤلاء(عمال البقر) التوازن النوعي أو الجندري مراعاةً  لاختلافِ الطقوس والمراسيم والتقاليد القبلية  البقرية التي يؤديها ويتشرف بها كلُ إثنيةٍ رعويةٍ في محاريب البقر،أقصد مراحاتها! فحلب البقر مثلاً عند قبيلتي الدينكا والنوير مهمةٌ يؤديها صبيانُها ونساؤها  فقط لا رجال في الظرف العادي ،مثال آخر جمع روث البقر وتحضيرها للنار(محرق روث البقر لطرد الحشرات) يحبذا أن يقوم به أولاد لا بنات..
لدينا سؤالان بسيطان وهما حقيقة جد خطيران ومخجلان وبين يدي الآن جائزة غالية (بسعر كيلو معدن الماس) لمَنْ سيجيب عليهما بأمانةٍ لا بأونطةٍ أو لا بتحايلٍ وهما: لماذا يُهدِي أهلُ المدنِ أبقارَهم المشتراةَ  للفايماتِ والبوماتِ؟ لماذا  هم في الاتجاهِ المعاكسِ يبعثون أولادَهم وبناتِهم  إلي هناك، إلي أرقي مدارس نائية بعيدة التي  قيلت إن مواقعها  علي  تخوم جزر واق واق؟
أكيد سيبرز  بين السؤالين  والإجابتين النموذجتين الصادقتين كلامٌ كثيرٌ قد يلفُ لدي عاقلٍ  دماغَه في جمجمته  فكيف يستقيم عقلاً أن تدعو أنْتَ الناسَ هناكَ ، سكانَ المدنِ و الحضرِ، الي  محو الأمية والتمدن وفي نفس الوقت تجبر أخاك الريفي  البومي وبناته وأبناءه البوميين الصغار اليوافع علي اسراع خطاهم نحو الأمية والتبقر(تبقرَ فلانٌ  تبقراً أي صار متبقراً فهو متبقرٌ والتبقرُ هو التفاني في خدمة البقر حتي الممات من أجلِ قرونِها وعيونِها وخوارِها والتباهي بها إجتماعيا لا إقتصاديا)
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *