إبعاد المتهمين بمحاولة اغتيال حسني مبارك خطوة استباقية ضد الابتزاز المصري القادم؟

صلاح شعيب
كثرت التحليلات، والتكهنات، والأماني، حول التعديل الوزاري الذي أجراه البشير في تكوين طاقمه الوزاري، مع وعد قادة حزبه بأن يشمل هذا الإجراء مؤسسات أخرى، وأيضا سياسات، وهياكل الحزب الحاكم نفسه. وكانت هناك تأويلات مكثفة أنتجها بعض الكتاب، والقراء، على حد سواء، أثناء تفسيرهم لهذه الخطوة، والتي أتت في مرحلة مفصلية حرجة من تاريخ القطر من جهة عامة، وتاريخ السلطة الحاكمة من الجهة الأخرى. ولعل كثرة هذه التحليلات، وشطحاتها، تمثل أمرا طبيعيا، وليس غريبا بالنظر إلى المحيط الذي تمخر في عبابه سفينة الإنقاذ، وبالنظر كذلك لتعدد الغبائن تجاه الإنقاذ نفسها. غبائن تتوسط ضحايا النظام المنتمين إلى اتجاهات أيدولوجية، وسياسية، وجهوية، وعرقية، وثقافية، وكذلك ضحايا الحركة الإسلامية من جانب، وضحايا الحكومة الذين تخلت عنهم بعد استنفاد نفعهم، من جانب آخر. ونتيجة لهذا الغبن المستفحل تعددت زوايا النظر لموضوع التغيير الوزاري الذي أقدم عليه البشير بتدخلات من نائبه السابق نفسه، على حد تعبيره في حواره لقناة الشروق.
غير أن الحقيقة الباقية هي أن ما حدث يندرج ضمن تفاصيل انهيار مشروع تديين الدولة، أو تدويل الدين. ومهما صدقت هذه التحليلات، أم أخفقت، فإنها لن تغني شيئا عن حقيقة تعثر الإسلاميين بجدارة في إدارة دفة البلاد. ولعل المهم ليس هو صدق هذه الإجراءات لمعالجة أزمة البلاد، أو القراءة الصحيحة للمحللين لمعناها الظاهر والمستبطن، أو كُمون انقلاب في الخطوة الرئاسية. ولكن المهم هو أن تفكير قادة النظام وصل إلى منتهى فشله في التعامل مع التدهور المتسارع في الأحوال السياسية الداخلية، والاقتصادية، والأمنية للبلاد، وكذلك تدهور العلاقات في المحيط الإقليمي.  
في الواقع أن ثقل الأعباء الملقاة على عاتق المسؤولين في هذه الأحوال الأربعة ستظل متزايدة في ظل عدم وجود بدائل داخل ذلك التفكير السلطوي. فنحن ندرك أن تغييرات كثيرة أجرتها رئاسة البشير منذ استيلائها على السلطة في البلاد، ولكن ظلت الأسئلة الملحة، بلا إجابة شافية عن كيفية تهدئة هيجان المشهد السياسي، وعجز الاقتصاد عن تحقيق الاستقرار، وضياع الأمن في مناطق واسعة من القطر. والمضحك أن السلطة ما تزال بمواقفها السياسية تهدم أي جهد قد يبذله الوزراء التنفيذيون، وتتناسى في نفس الوقت أن هناك فاتورة لا بد أن تدفع نتيجة للمرجعية الايدلوجية التي يتبناها النظام، والتصريحات الرعناء، والموقف من التحالفات الإقليمية، والسياسات الداخلية الاستبدادية، والفساد الذي ينعكس على الناتج العام للدولة. وهنك غيرها من المثبطات الوطنية التي خلقتها عملية تمكين الإسلاميين في السلطة، وتوجيههم لها بناء على ما سموه المشروع الحضاري. وكلنا ندرك أن حصاد هذا المشروع لم يثمر شيئا غير إراقة الدماء، وانشطار القطر، وفجور قادة الحركة الإسلامية في الخصومة، ودون ذلك من كوارث دفع المواطنون ثمنها الباهظ. ومع ذلك تقول السلطة بوجود تآمر على البلاد.
فالبشير، وأركان حزبه، يريدون للساحة السياسية أن تهدأ دون تقديم تنازلات حقيقية، ويتمنون لو أن مارد الاقتصاد ينهض من تدهوره دون اتخاذ خطوات ضرورية، وعملية، لتحسين العلاقات الإقليمية، والدولية، وإجراء تسوية عادلة مع المكون المحلي. ويرغب المسؤولون عن الدفاع، والأمن، في ألا يصحى المواطنون في الخرطوم، أو الأقاليم، على صوت مركبات فصائل الجبهة الثورية بينما هم يستهدفونها في مناطقها التي تسيطر عليها بقدرات عسكرية متآكلة. ويريد الإسلاميون النافذون أيضا ألا تنتفض العاصمة بينما ظروف المعيشة، والأوضاع الأخرى تطبق على واقع سكانها.
إن الاقتصاد ليس أمرا معزولا عن شأن، ونوع، السلطة التي تحكم أيما بلد. فهو في عالم الأمس، واليوم، يزدهر بوجود محفزات للبيئة المحلية المنتجة، وعلاقات مضطردة التحسن مع دول الإقليم، والعالم. واستتباب الأمن يتطلب إجراءات أكبر من تغيير الوزراء المختصين به. وهذا الاستتباب المأمول إنما هو نتيجة لتصالح داخلي بين مكونات المجتمع الفاعلة. كما أن عدم استقرار الساحة السياسية، وتعزيز ما يسمى الإجماع الوطني، يتطلب مستحقات لا بد من دفعها طوعا، أو كرها. ولكن في كل هذه المجالات لم يملك النظام شيئا ليقدمه حتى يهدئ، أو يشفي بالمرة، صداع قادته المزمن تجاه الخوف من فقدان السلطة، أو تجاه الموت، أو تجاه المحاكمة. وشاهدنا أنه كلما ارتفعت المطالبات بضرورة أن تتعقل النخبة الحاكمة، سواء من عضويتها أو الأحزاب التقليدية، ازداد تجاهل السلطة للاحتكام إلى صوت العقل، وإجراء عملية جراحية قيصرية في النظام. وذلك بهدف أن تكون هذه العملية بمثابة محفز للراغبين في حل سلمي، أقل شروطه قيام حكومة انتقالية عريضة تورث النظام، وتؤسس لنظام جديد يغني الناس مغبة التغيير العنيف، أو الانتفاض السلمي الذي يطيح بالسلطة نفسها.
هذا الطموح في التغيير السلمي الذي تجدد الأحزاب التقليدية دائما التعبير عنه، وكثير من الحريصين على وحدة البلد، مفهوم بدوافعه التي تقلل حجم الدم المسفوح. بيد أنه طموح قاصر عن معرفة تفكير النخبة الحاكمة، وبالتالي لا يبقى أمرا عمليا، أو موضوعيا في ظل وعينا الكافي بطبيعة هذا النظام الفريد في خططه السياسية، وفي تلاعبه بمكون البلاد السياسي، والاجتماعي. فأهل النظام يدركون موضوعية هذا الطموح الوطني، ولكنهم حين ينظرون إلى المخاطر التي تواجههم عبر أي تغيير يأتي يرون أنه الفناء الأكيد لأرواحهم، أو السجن الأبدي داخليا، أم خارجيا. ولعل هذا الخوف من هذا المصير هو الذي صبغ بدائل التغيير الوزاري الذي عزز سلطة رجال الأمن، والدفاع، خصما على أصحاب السياسة داخل المنظومة الحاكمة. ولكن لا يعني هذا التغيير بالضرورة أن الذين تمت إقالتهم، وهم لديهم مصلحة في استمرارية السلطة، سيكونون خارج دائرة التأثير على سياسة الحزب الحاكم راهنا، ومستقبلا. إنهم سيحكمون من وراء حجاب في إطار الصفقة التي ربما حتمت إزاحتهم على أمل الاستعانة بهم في السطح متى ما تطلب الأمر. ولو صحت هذه الفرضية فما الذي أجبر علي عثمان ونافع، وهما من هما داخل الحزب الحاكم، على التخلي ظاهريا عن الحكم على أن يكون تأثيرهما من وراء حجاب فقط، ما دام أن سقوط النظام لن يعفيهم عن مواجهة المحاكم المحلية، أو الدولية في حال حدوث التغيير؟ هذا برغم أن تخلي البشير عنهما هكذا دون الاعتماد على واحد منهما باعتبار أنهما متشاكسان من خلال معسكرين مهمين في الحزب الحاكم يطرح الكثير من التساؤلات؟ هذا بخلاف أنهما يمثلان أيدي البشير التي بها يبطش لفظياً، وعسكريا، ويقعدان له السياسة الاستراتيجية العليا للتعامل مع الحزب، والحكومة، والدولة، وللقسم المتبقي من الحركة الإسلامية في السلطة. هناك عدّة حيثيات يجب الوقوف عندها:
أولا، تنهض فرضية الحكم من وراء حجاب بالنسبة لنافع، وعلي عثمان، وكمال عبد اللطيف، وأسامة عبدالله، باعتبار أنها السبب الأساسي للتغيير الوزاري. وإن لم تكن كذلك فتظل واحدة من الفرضيات الكثيرة التي حاول بها المحللون تفسير ذلك التعديل الذي بدأت فكرته بعد تلاشي حكم مرسي في مصر، وهو تفكير سابق لانتفاضة سبتمبر الأخيرة. وربما تتضامن فرضيتنا مع فرضيات محللين آخرين حول جوهر سبب ابتعاد ذلك الطاقم المؤثر عن سدة التوزير ظاهريا، أو قد تبدو لوحدها السبب الأساس للتغيير الوزاري ثم تأتي الاسباب الأخرى تبعا لاهميتها بالنسبة للسلطة الحاكمة. ولب الفرضية أن البشير لوحده، أو بمشاركة طه، ونافع، وهم الثلاثي المؤثر في الحزب الحاكم، رأى، أو رأوا، بعد مشاورة قد تكون شملت آخرين ضرورة التحسب جيدا للمرحلة المقبلة التي ستشتد فيها المواجهات الإقليمية ضد نظامهم، والتي بدأت بوادرها خليجيا، وكذلك من مصر التي تملك مفاتيح التأثير الإقليمي والدولي. بل إن مصر لديها ـ بعد ما رآه المراقبون انتصارا لصالح ما سمي الدولة العميقة على الإخوان المسلمين ـ ما تستطيع أن تبتز به نظام الخرطوم في موقفه المعلن المساند للسد الإثيوبي، وترهيبه من مغبة التعاون السري مع جماعات من الإسلاميين لخلق القلاقل أمام الوضع الداخلي المصري. فضلا عن أن مصر بعد الإطاحة بمرسي ظلت تنظر بعين الريبة نحو نظام الخرطوم والعكس هو صحيحٌ أيضاً. ولعل أقوى ملفات الضغط التي تمتلكها مصر ملف محاولة اغتيال حسني مبارك، إذ اتهم نظام مبارك آنذاك المؤتمر الوطني بتدبير محاولة اغتيال الرئيس المصري. ولاحقا لوح الدكتور الترابي، وكذلك إبراهيم السنوسي، بأن علي عثمان، ونافع علي نافع، قادا تلك العملية دون مشورة البشير، كما أن أسامة عبدالله، وكمال عبد اللطيف، وصلاح قوش، من ضمن الذين وجهت لهم الاتهامات بالمشاركة في تلك المحاولة، وقد أورد الأستاذ فتحي الضو تفاصيل ووثائق مهمة عن تورط هذا الخماسي في محاولة اغتيال حسني مبارك في كتابه “الخندق”.
وقناعتنا أن جهر البشير بقراره الأخيرة تضامنا مع إثيوبيا في سد الألفية ستكون له تبعات سالبة في العلاقة مع مصر، ودائرة العلاقات العربية رغم أن هذه الخطوة تمثل استباقا لأي ابتزاز مصري قد يتصوره النظام. ويمثل ذلك القرار محاولة من النظام للبدء في الضغط على المصريين في ظل فشله في مقايضة الوقوف مع الدولة المصرية في موضوع السد الإثيوبي بعد أن حاول الابتزاز بموضوع حلايب، وقد أشار الخبير الدولي في شؤون المياه د. سلمان محمد أحمد سلمان إلى فرص الابتزاز السياسي بين النظامين السوداني والمصري. وها قد بدأ رد الفعل المصري يضرب خفيضا من خلال المقالات التي ظلت تنشرها باستمرار صحف “الأهرام، والوفد، وأخبار اليوم” والندوات الساخنة التي ظلت الفضائيات المصرية تبتدرها بشأن الموقف من حكومة السودان. وقرأنا آخير توقعات وزير الري المصري الأسبق بأن تتحرك مصر منفردة خلال الفترة القادمة ضد سد النهضة. وقد أشار إلى وجوب تحرك السلطة الحاكمة في مصر تجاه مجلس الأمن، والتقدم بطلب رسمي للرد على عدوان اثيوبيا على الحياة في مصر كما فعلت الولايات المتحدة تجاه العراق. ولا شك أن هذا الإجراء ربما استتبع بابتزاز مصري لإحياء شكوى رفعها نظام مبارك لمجلس الأمن حينذاك ضد من دبروا إجراء محاولة اغتيال الرئيس المصري عام 1995 في مشارف العاصمة الإثيوبية.
ومن المؤكد أن البشير يدرك أن لدى نظامه “كروت” للابتزاز السياسي إزاء مصر عندما يحين الوقت. وهو يدرك تماما أن كرت اغتيال حسني مبارك ستستخدمه مصر في آن عاجلا أم آجلا نتيجة لموقف حكومته من سد النهضة. ولذلك سعى لإبطال الكرت المصري بخصوص تجديد موضوع اغتيال حسني مبارك حتى لا يتحرج موقفه بأركان حزبه الذين أقالهم، وحتى لا يتحمل نظامه وزرهم. والبشير يدرك أن وجود الطاقم المتهم والذي عهد إليه اغتيال الرئيس حسني مبارك في اديس ابابا داخل منظومته الحاكمة سيتيح للجانب المصري فرصة كبيرة للضغط على الحكومة. ولذلك لا بد من التخلص من كامل الطاقم إلى حين اشعار آخر، على أن تكون له مساهماته من خلال سياسة وراء الحجاب. وحتى إن اشتدت عليه الضغوط في هذا الجانب ربما يسعى إلى إنهاء تأثيرهم كلية ليعلن أنهم لم يعودوا جزء من الحزب. وبالتالي يدافع عنهم في حال طلبهم للمحكمة الجنائية الدولية، ويرفض تسليمهم كما فعل مع مواطنيه المتهمين بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، في ما يتعلق بجرائم دارفور. وإن حدث ذلك فإن مصر التي وفرت مظلة حماية للبشير من المحكمة الجنائية الدولية وساعدته عربيا، وأفريقيا، وإسلاميا، ودوليا، سوف تجد أمامها متسعا من المجال للسعي إلى سحب المظلة عبر استخدام نفوذها.
ونذكر هنا أن علي عثمان قال في مقابلته لقناة الجزيرة قبل التعديل الوزراي، وتغيير سياسات المؤتمر الوطني وهياكله، إنهم سيجرون حوارات مع القوى السياسية لتأمين موقف الحكومة من التهديدات التي تواجه السودان من مصر. وبدا علي عثمان في إجابته واثقا من القدرة على مواجهة كل ما يأتي من الخارج. والملاحظ أنه لم يصحح، أو يتحفظ، على صيغة سؤال محاوره أحمد منصور الذي اشار إلى النظام القائم في مصر بوصفه انقلابا. بل إن أجابة طه بنعم ردا على سؤال الإنقلاب تعني أنه لا يختلف عن أحمد منصور في توصيفه لطبيعة ما لحق بنظام مرسي، ذلك رغم أن حكومته قالت إن ما جرى في مصر يعتبر شأنا داخليا، ولم تصف إزاحة مرسي عن السلطة بالمحاولة الإنقلابية. وهذا جانب من نص المقابلة دون تحرير في الجزء الخاص بالتهديد الخارجي:
*الانقلاب الذي قام في مصر قام ضد النظام الإسلامي والإخوان المسلمين؟
(ـ) نعم
أما تخشون من أنهم كما انقلبوا على الإخوان في مصر ينقلبوا عليكم هنا؟
(ـ) نحن نرى أن قضية الاسلام وتطوروا ليصبح هو الموجه وهو البوصلة لحركة الشعوب في هذه المنطقة هذا أمر حتمي..هذا أمر تسنده حركة التاريخ التي تؤكد عمق الانتماء الاسلامي في هذه الامة .. أي محاولة لاقصاء الاسلام في تأثيره في الحياة والتي جرت من دول كثيرة ومن قوى كثيرة كلها باءت بالفشل.. واي محاولة الآن لإقصاء الإسلام من تأثيره في الحياة العامة لن يكتب لها النجاح.
*مش حنشك في كلامك..ده ينطبق على مصر وعلى السودان والدول العربية وغيرها؟
(ـ) في كل مكان..
* أنتم كده لستم بعيدين يعني..المخابرات المصرية ايديها طايلة زي ما بقولوا يعني..وافريقيا ملعب بالنسبة لها..وانتو بهذا الكلام يعتبر مهدد للانقلابيين في مصر ولمن يدعمونهم في الخليج؟
 
(ـ) نحن .. نحن.. هذه قناعتنا..وهذا هو الذي جعلنا ندفع فاتورة سياسية ضخمة خلال عقدين من الزمان بسبب تمسكنا وقناعتنا بأن الإسلام هو المخرج لشعوب هذه المنطقة..ولا نخشى من أي تهديد يأتينا من أي طرف..نحن الآن نراقب الموقف ونتعامل وفق مصالحنا ووفق قناعاتنا.
* أما تعتقد أن هذه التهديدات تستدعي منكم في هذه اللحظة التاريخية أن تستندوا أو تسندوا ظهوركم إلى الشعب السوداني الذي هو الوحيد الذي يمكن أن يحافظ على نظامكم في ظل الثورة أو ارهاصات الثورة أو الغضب الذي حدث من الناس حتى يكون سندكم الاساسي ضد اي محاولات داخلية او اقليمية وان تستوعبوا القوى السياسية التي هي على صراع دائم معكم في ظل خلافاتكم مع الجنوب ودارفور وابيي والدنيا الحواليكم كلها تؤمنوا نفسكم بالشعب؟
(-) هذا هو بالتحديد ما نسعى ونعمل الآن له.. نحن الان ندير حوارا واسعا مع القوى السياسية. نحن الآن نسعى إلى توثيق علاقتنا مع الجيران بشكل واسع خصوصا مع جنوب السودان ومع دول الجوار..وعلاقة السودان الآن في احسن احوالها مع معظم دول الجوار التي ترتبط معنا بمصالح حيوية ويرتبط أمننا القومي بها.. نحن نسعى لفتح آفاق المستقبل للاجيال الجديدة..نحن ندرك ان شعبنا يستحق ويتطلع إلى حياة افضل ونحن نجتهد في المنافذ التي يمكن ان تجعل تحقيق ذلك ممكنا. انتهى الاقتباس
ذلك اللقاء يبرهن بالضرورة، وكما جاء في كلمات علي عثمان، أن هناك مهددات خارجية استوجبت تغيير وزراء، وسياسات، الحكومة، وذلك يمهد دخولها في حوار مع مكونها الداخلي. ولقد شاهدنا المدخل لذلك عبر تغيير اللهجة الحادة التي كان يتبعها نافع مع المعارضة. وقد بدأ إبراهيم غندور مساعد الرئيس في إطلاق تصريحات يدعو فيها الأحزاب إلى الحوار، ونذكر إشادته بالترابي، والصادق المهدي، ودعوته للحركات المسلحة للحوار. كما أن نائب الرئيس بكري حسن صالح قام في إطار تمهيد المجال لمهمته الجديدة بالاتصال مع القادة الجنوبيين، ثم التقى بقادة الاجهزة الإعلامية وشدد على أن إستراتيجية المرحلة بالنسبة للحكومة هي تحقيق السلام عبر الحوار، وأشار إلى أن الحرب أضرت باقتصاد البلاد.
الواضح أن أبعاد علي عثمان، ونافع، وكمال عبد اللطيف، وأسامة عبد الله، من حكومة البشير، سواء بإرادته وحده أو باتفاق بينه وبين المقربين إليه من هذه المجموعة لا يعني انقلابا بقدر ما هو إعادة ترتيب أملتها الظروف الخارجية التي تواجه النظام. ونذكر أن طه قال في حواره مع الشروق إن ابعاد كمال عبد اللطيف، واسامة عبدالله، لا يعني إخفاقهما في مجال عملهما الوزاري، وإنما لتجديد دماء الحكومة، وقال إن لهما إنجازات لا تحصى. إذن فما الذي يحمل الحكومة على إعفاء وزراء ترى أنهم قدموا جهدا ولم يكونوا فاشلين حتى يكون تغييرهم سببا لتعيين وزراء آخرين هم أفضل منهم كما يتصورون؟.
عموما ربما تصح الفرضيات الأخرى الداخلية التي أشار إليها المحللون حول التعديل الوزراي، وخصوصا القول بتهيئة علي عثمان للرئاسة في حال تجاوز المطب المصري. ونعتقد أن ذلك يتم مكافأة لدوره في مساعدة البشير في تجاوز الكثير من المطبات التي واجهها بعد انسحاب الترابي من المشهد الحكومي. ولهذا يحاول النظام الآن تسويق استراتيجيته السلمية الحوارية التي شدد عليها نائب الرئيس بكري حسن صالح من أجل الاستناد على الشعب السوداني كما نصح الإسلاموي أحمد منصور النائب الأول السابق علي عثمان، وهو قريب من دوائر المعلومات القطرية، والأخوانية الخليجية، وكذلك معلومات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. والأوضح أن النظام لا يريد أن يتحمل لوحده مسؤولية المواجهة مع مصر في الايام المقبلة، وإنما يريد، بتسويق استراتيجيته الجديدة، أن تتحمل معه القوى السياسية والشعب السوداني هذه الأعباء الجسيمة دون أن يقدم تنازلات حقيقية. ونعتقد أن محاولة إبعاد نافع، وعلي عثمان، مغازلة أيضا للقوى السياسية التي ترى أنهما لعبا دورا سلبيا في تأجيج الساحة السياسية، وهي كذلك مغازلة أيضا للقوى الدولية، إذ توحي أن تيار الحركة الإسلامية قد تقلص في السلطة، على أن تكون تلك هي المغازلة الحقيقية لمصر، ودول الخليج، على اعتبار أن التغيير الوزاري الأخير انقلاب قاده البشير للتخلص من الإخوان المسلمين، مثلما تخلص من قبل عن شيخه الترابي وبلع المصريون الطعم للمرة الثانية. والسؤال هو إذا قنعت بعض القوى السياسية بأن التعديل الوزاري يمثل تخلصا من طه، ونافع، ولم تعمل على استغلال هذا الضعف الحكومي للضغط على النظام، فهل تقتنع مصر ودول الخليج؟
لا نعتقد أن النظام سينجح في مواجهته المقبلة مع مصر. والإجابة غير المبطنة لعلي عثمان حول الموقف مما يجري في مصر هي الاستراتيجية الأساسية التي تكمن في ذهنية القائمين على السلطة. وسيظل علي عثمان، ونافع، مشاركين للبشير في تنفيذ هذه الاستراتيجية خصوصا، وأنهما نجحا في رسم السياسة الداخلية، والخارجية، التي حمت نظام البشير حتى الآن من السقوط، والواقع أن بكري حسن صالح، وهو ذو الخلفية العسكرية والأمنية، لا يملك القدرات التنظيمية، والسياسية، والاستراتيجية، التي يستطيع بها حماية النظام في مواجهته القادمة مع مصر ومع كل المكونات الداخلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *