أيهما تفضل بأن يحكم السودان آل بوربون القدامى أم آل بوربون الجدد ؟
( إخراج : دكتور كمال عبيد ) / بقلم حاج علي
[email protected]
[ 1 ]
كُراع البقر جيابة
حقاً ” كُراع البقر جيابة ” , كُراع يعني رِجل كما هو معروف في عاميتنا السودانية , وفي المصباح المنير في غريب الشرح : ” كُراع كل شيءٍ طرفه , والكُراع من الدواب ما دون الكعب ومن الإنسان ما دون الرٌكبة ” و هذا دليل على غِني المفردة السودانية وفصاحتها , وجيابة من جاء يجيء كما هو معروف , والمثل يُضرب للإنسان الذي لا يحفل بالآخرين حينما يكون هو في لحظة أو حالة معينة لا يُشركهم فيها الرأي أو يحيطهم علماً أو حتى يمكن أن يبخسهم أشياءهم , أو يُقدَمُ له الجميل وهو ناكِرٌ لذلك , وعندئذٍ يقال له ذاك المثل الذي ينتشر بين قبائل أهلنا البقارة , طبعاً من السخافة بمكان أن تتنكر لأبيك أو عفواً هذه ليست سخافة بقدر ما أنها معصية صريحة لأمرٍ من أوامر الله تعالى التي من تعداها فقد ظلم نفسه , إذ ارتبط شكر المولى عز وجل بالشكر إليهما , والوطن وأرضه الخصبة الولود وإن لم تكن قد أنبتتنا كما يخُرج من بين طياتها الفول السوداني واللوبيا والسمسم وكل زوجٍ آخر بهيج , تظل هي أُمنا والثدي الذي أرضعنا وسقانا من ماء قُراحٍ فانطفأ ظمأنا ومن جوعٍ أطعمنا , وتظل هي ذلك المستودع الكبير الذي هو أصلنا والذي يحتمل كل آثامنا وذنوبنا ومن كل شرٍ يحفظنا , فيا لها من قوة احتمال منها الخلق وإليها العود ثم منها الخروج تارة أخرى , والرجال اللذين قد صنعوا التاريخ وسقت دماءهم الزكية تلك الأم الرءوم وأولئك اللذين قد سهروا الليالي الطوال ليسهموا ولو بكلمةٍ لرفعة هذا الوطن والحفاظ على ترابه وإن لم يكونوا آباءنا المباشرين اللذين لفظوا بنا إلى الحياة إلا أنه وجب علينا إجلالهم والحفاظ على تاريخهم وتخليدهم وتكريهم ولو بكلمةٍ طيبة , الدكتور كمال عبيد مواطن سوداني في منتصف العقد الخامس من العمر على وجه التقريب , يشغل منصب الأمين الإعلامي للحزب الوطني الحاكم ويعمل وزير دولة بوزارة الإعلام والاتصالات الاتحادية , أعطى درساً ” نموذجياً ” لأطفال السودان في التربية الوطنية وكيفية التعامل مع الكبار ـ آباء وأمهات ـ وكانت وسيلته المستخدمة جهازاً تقنياً متطوراً أو متطور تقنياً ـ تلفزيون السودان القومي بطبيعة الحال ـ وكان الدرس : ” إن ما يدور من حوارٍ في جوبا بين الأحزاب بأنه حوار الطرشان ؟؟ ” , فأسرها أولئك النشء في أنفسهم ولم ينبئوا أحدا …. فسبحان ربي الخلاق الذي جعل أطفالنا من الكاظمين الغيظ والكاظمات … وحوَّل وزارة الإعلام والاتصالات إلى منبر حزبي للمهاترات .!!
[2 ]
السفيه نبَّز الباشا :
مثل سوداني سمعتُ أهلنا في الريف السوداني يستخدمونه , وغالباً ما يُقال حينما يتطاول أحد الناس على شخص آخر أتصف بالكرم ونبل المعدن , والرأي الراجح أن نشأة هذا المثل لم تكن مرتبطة بهذا المعنى النبيل الذي أشرنا إليه بقدر ما أن الظَّن الأكثر قرباً هو أنه مرتبطٌ بفهم استعماري أو تسلطي يعود إلى حقبة الحكم التركي الذي تربع على حكم بلادنا لأكثر من نصف قرن أذاق شعبنا خلالها مرارات لم تزل آثارها عالقةً بالأذهان إلى يومنا هذا , ومرد ذلك لعبارة أو كلمة ” الباشا ” الواردة في المثل إذ أن الشعب السوداني لم يتعرف عليها وعلى مفردات أخرى مثل المأمور والبيه والبك وما شابه ذلك إلا في ذاك العهد , ومهما يكن من معنى لذاك المثل أو القول ” المأثور ” إلا أننا نحيط أطفالنا علماً بأن ليس هنالك بيننا سفيه وباشا ولكن هنالك كبير وصغير والمسافةُ بينهم عطفٌ وتوقير وإن دعا الداعي فإننا : ” كُلنا في الشدة بأس يتجلى.. ليس في شِرعتنا عبدٌ ومولى ” .
[3 ]
آل بوربون :
آل بوربون أو البوربونيين عائلة ملكية لها تاريخ مهم في كثير من الأقطار الأوربية يقال أنها حكمت فرنسا في القرن السادس عشر , وامتد حكم سلالاتٍ منها إلى حكم نابولي وصقلية والسويد وغيرها من الأقطار الأوربية الأخرى , ” ولمزيد من المعلومات عن هذه الأسرة راجع الموسوعة الحرة ـ الويكيبيديا ” , عند التئام شتات الأحزاب المعارضة في جوبا في الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي لمناقشة ومدارسة قضايا هذا الوطن الذي اكتنفته الهواجس من كل الجهات , وصفها المذكور أعلاه ذلك الوزير ” الهمام ” كمال عبيد بأنها : ” مثل آل بوربون لا يتعلمون شيئاً ” , ثم إنه لم ينسى أن يسمهم بالتعيس وخائب الرجاء , هذا الدرس بلا شك قد تلقته آذان أكثر من عشرين مليون من الطلاب السودانيين أي ما يعادل أربعين مليون أُذناً بالتمام والكمال بالإضافة إلى ملايين أخرى خارج قاعات الدرس النظامي وهم من نطلق عليهم مستمعين كانوا ينتظرون جميعاً أن يرون في آبائهم أمثلة يحتذون ومنهم يتعلمون فكانت الصدمة كبرى عندما علموا أنَّ الأمر كله زيفٌ وسباب وتنابز بالألقاب , وأن ما فعلته الأجداد لا تسلم منه الأعقاب حتى إن كان مُنكراً وأن لا يمكن أن تصبح حاكماً حتى تُشهرَ سيف الإرهاب وأن يكون لديك عيوناً تتسلل من خلف الأبواب …. فيا للهباب … ردد أحد الأطفال الطلاب ممازحاً أحد زملائه عندما سمع بيان الوزير : ” نجا بك لؤمك منجا الذباب … إلى قوله : حمته مقاذيره أن ينالا ….
[4 ]
الحلقة الأخيرة :
عرفت بلادنا قياداتٍ ورمزٍ تاريخية يعدون من الأفذاذ الخالدين , منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا , حفظ التاريخ لأولئك النفر من القادة والرموز كل صفحة جميلة وناصعة , عملوا لخدمة هذا الوطن ومنهم من تنازل عن أن يتقاضى أجراً من خزينة الدولة العامة , عرفهم العالم أجمع فكرمهم بأكثر مما كرمناهم , وأستمع إليهم بأكثر مما استمعنا نحن إليهم , يصح القول في إنهم قد أخفقوا في بعضٍ من جوانب الحكم وإدارة البلاد , وأنهم قد أدخلوها في نواحٍ أخرى في أزماتٍ لم تزل تعاني فظائعها حتى اليوم , لكن مهما يكن من تلك الإخفاقات والأزمات التي اكتنفت تاريخهم , إلا أنهم قد تميزوا بعفتي اليد واللسان ولعمرك إنه منتهى الإسلام ” المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ” , سمهم بعد ذلك بما شئت وليسمهم آخر ما شاء له أن يسمي آل بوربون .. آل يعقوب أو آل فرعون , لا نريد أن نتحدث عن الخلفِ من الحكام فإنهم خلفْ وليكونوا مجازاً بآل بوربون الجدد بحسبان أن المشار إليهم آنفاً هم القدامى , فقط فلتكن هنالك شفافية وآلية نظيفة للاقتراع وقانون يحترم الجميع وكلٌ يدعو ناديه ونسألهم جميعاً أيهما تفضل بأن يحكم السودان آل بوربون الجدد أم القدامى ؟ .. ونلتقي …
حاج علي ـ Friday, October 02, 2009