بسم الله الرحمن الرحيم
أنا السودان في شهر التوبة والغفران
علي أبو زيد علي
الأحداث الكبيرة التي مرّ بها السودان منذ فجر الاستقلال من حرب أهلية لأكثر من نصف قرن في الجنوب وحروب ونزاعات في الأطراف البعيدة عن المركز دارفور والشرق أفرزت هذه النزاعات ظواهر سالبة عديدة في مختلف الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من بين تلك الظواهر الاجتماعية التي تصاعدت نتيجة النزوح والهجرات من الريف إلى المدن وإلى المعسكرات وإلى العاصمة القومية والتي أحدثت تفككاً أسرياً وغيبت المسئولية المجتمعية المحلية والأسرية للشباب إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الضاغطة في العاصمة ومدن السودان الكبرى وانتشار المخدرات والتعاطي وضعف الرقابة الأسرية ولعدد من الأسباب فإن ظاهرة تصاعد أعداد الأطفال مجهولي الأبوين تنذر بكارثة اجتماعية وتحولات سلبية في المستقبل القريب .
إن الإحصائيات والتقارير ومحاضر الشرطة ومراكز الإيواء تشير إلى حجم المأساة وحجم التحدي للدولة والمجتمع في إدارة الأزمة ومواجهة تنامي وتعقيدات الظاهرة والبحث عن الوسائل العملية التي تكبح تدفق المواليد مجهولي الأبوين ومعالجة مشكلة المتواجدون بمراكز الإيواء، والعمل على تنفيذ التوصيات والقرارات التي صدرت من ورش العمل ودراسات العلماء والمتخصصين .
إن ظاهرة الأطفال مجهولي الأبوين تحتاج في معالجتها إلى مؤسسات رسالية تؤمن بقيم الإنسانية وتتمتع بالجرأة والمبادأة وتمثل منظمة أنا السودان الوطنية والتي سودنت العمل في أكبر مركز لإيواء مجهولي الأبوين بالسودان – دار المايقوما، تقف هذه المنظمة في مقدمة الجهد الأهلي الخيري في القيام بالدور الرسالي والوطني وتمثل من خلال أدائها مفخرة للعمل الطوعي السوداني، فهي إلى جانب اهتماماتها بالعمل التراثي والإغاثي برزت في مجال الأطفال مجهولي الأبوين، وهو مجال متعدد الأنشطة والمحاور في قوس قزح العمل الإنساني، يتمثل في مجالات الحماية وحقوق الإنسان وحقوق الطفل والأسر الفقيرة ومحاربة العادات والمعتقدات الضارة وتمكين المرأة ومناصرة الفئات المستضعفة وإيواء ذوي الحاجات الخاصة والعمل الصحي العلاجي والنفسي وتحقيق مقاصد أمن المجتمع والمسئولية المجتمعية ..ألخ .
من بين تفرد منظمة أنا السودان في مجال الأطفال مجهولي الأبوين أنها ولجت طريقاً محفوف بالمخاطر والتحدي وتحدثت بالمسكوت عنه والمختلف عليه بين الغلاة المنكفئين الذين يخطئون ثمرة الخطيئة، وبين المؤمنين بالتوبة والرحمة وأبحرت أنا السودان في الموروثات من التراث بين الشرف والحفاظ على السمعة وبين ارتكاب الكبائر بقتل النفس الزكية بغير حق فقد ظلت منظمة أنا السودان تطرق كل الأبواب وبشدة داعية الدولة ممثلة في رئيس الجمهورية الذي قام بزيارة تاريخية للدار ووزارة الشئون الإجتماعية المسئولة عن الرعاية وطرقت على باب الضمير الإنساني لتحمل المسئولية الدينية والوطنية تجاه ثمرات الخطايا من خلال الدعوة الطوعية وتأهيل الشباب بمشروعات الزواج المبكر .
لم تتوقف مجهودات منظمتنا الوطنية عند مجهولي الأبوين بعد أن جعلت عيونها مفتوحة في مخافر الشرطة للأطفال الذين يتم التقاطهم من الطرقات وعيونهم مفتوحة على بوابات المشرحة وبراميل القمامة وأطراف المدن والمجاري، امتدت يد المنظمة لرعاية الأطفال فاقدي الأبوين والأيتام من المواليد وأطفال المشردات وفاقدي العقل وأطفال المحبوسات والسجينات ومصابي الإيدز.
وفي المعالجات فإلى جانب الإيواء والتغذية والرعاية فإن المنظمة ظلت تطرق أبواب المحسنين للكفالة وتبني هؤلاء الأطفال وذهبت أنا السودان إلى تأصيل رؤية التبني والاستفادة من المخترعات العلمية الحديثة وابتعثت من بين ملائكة الرحمة العاملات بالدار للتدريب على أحدث الأجهزة التي تقوم بإدرار لبن المرأة المتبنية للطفل وتمكنها من إرضاع الوليد أكثر من خمسة رضعات مشبعات ليصبح ابنها بالرضاعة حفاظاً على مستقبل الأنساب وتعمل منظمة أنا السودان إلى الأسر البديلة لخلق ظروف أسرية مكتملة للأطفال مجهولي الأبوين وإلى الإيجارة في رعاية هؤلاء الأطفال بمساعدة الجهات الرسمية.
إن خلف هذا العمل الكبير كوكبة من المتطوعين السودانيين رجال ونساء آمنوا بالرسالة التي يقومون بها حادي ركبهم الدكتور الإنسان محمد محي الدين الجميعابي الذي يترآى لي كلما شاهدته كمن يحمل في يده ماسحة يزيل عن وجه المجتمع البثور والدمامل ويغسل أطراف ثوبنا من الخطايا وقد استغرق في مهامه يتبتل في أداء الواجب مؤمناً أن الأمر ليس أمر دنيا إنما أمر دين وكأني به على لسان ذي القرنين قال ما مكني فيه ربي خيرٌ فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً، صدق الله العظيم .
ففي هذا الشهر الفضيل تعالوا نعين الرجل على غسل ثوبنا وتطهير أنفسنا ورمضان كريم .
ولله الحمد
[email protected]