أمين العلاقات الخارجية بحركة العدل والمساواة د. جبريل إبراهيم لـ (الأحداث):
لن نستعصم بدارفور ونترك الحكومة تهنأ بالنوم في الخرطوم
حركة العدل لم تُولد في الدوحة.. وما تخرج به لن يؤثر علينا
مساحات عدم الثقة بيننا و الحكومة شاسعة، ولن نتفاوض بالداخل
استراتيجية دارفور وضعت العربة أمام الحصان، وهي تكريسٌ للعنف
اذا انفصل الجنوب فلن ينتقل أهله إلى كوكب آخر، وسيعودون للوحدة
أبوجا ماتت لأنها بلا ضمانات.. ولا نستبعد التحالف مع عبد الواحد
الحركات “الإسفيرية” تعوق جهود التوحيد.. ونحن الأحرص على السلام
حوار: جمال ادريس
OOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOOO
في الوقت الذي تقترب فيه مفاوضات الدوحة بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة من الوصول إلى محطتها النهائية عقب تجاوز معظم النقاط الخلافية بين الطرفين، تتمسك حركة العدل والمساواة – الحركة الأكبر والأقوى تأثيراً بين كل الحركات – تتمسك بموقفها المقاطع للتفاوض مع الحكومة، وتجميد مشاركتها في منبر الدوحة، الذي ظلت تصفه بالإنحياز وعدم الحيادية.. بالرغم من الجهود المتواصلة من قِبل الوساطة المشتركة لإعادتها لطاولة التفاوض مرة أخرى، وهي جهود لا تنفيها الحركة، ولكن تربط موافقتها على العودة بإجراء اصلاحات على المنبر.
في هذا الحوار يكشف لنا القيادي بالحركة، وأمين العلاقات الخارجية والتعاون الدولي د. جبريل ابراهيم محمد مستقبل الحركة في ظل التغيرات الحالية، سواء انضمت الحركة إلى التفاوض أم تجاوزها المنبر بتوقيع اتفاق بدونها. كما يتحدث لنا عن قضايا الراهن السياسي الساخنة، الاستفتاء وتوقعات ما بعده، وأيضاً علاقة حركته بجنوب السودان في المستقبل، وامكانية عقدهم لتحالف مع حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور..
د. جبريل تحمل أسئلتنا بصبر و”طولة بال”، وجاءت إجاباته واضحة، وموجزة، وحادة في بعض الأحيان، وتابع معنا بحرص بالغ تنقلها في الفضاء “الإسفيري”، وهي تقطع مسافات و بحار، حرصاً على وصول آرائه للجميع هنا، وحتى يعرف الناس موقف الحركة من مجمل قضايا الساحة السياسية..
*بدأت مؤخراً جولة جديدة من مفاوضات الدوحة بدون حركة العدل والمساواة، هل هناك امكانية للحاقكم بهذه الجولة؟
* جمّدت حركة العدل و المساواة السودانية مشاركتها في منبر الدوحة لعيوب أساسية فيه تحول دون تحقيق السلام العادل الشامل عبره، و ستعود الحركة إلى المنبر إذا أدخلت فيه الإصلاحات الجذرية المطلوبة.
*يتحدث البعض عن مساعٍ ليبية لإعادتكم لمنبر الدوحة، ما صحة ذلك؟
* تشكر الحركة مساعي كل الحادبين على مصلحة السودان و تحقيق السلام فيه من دول الجوار و غيرها، ولكن قرار تجميد المشاركة في المفاوضات أو العودة إليها قرار يخصّ الحركة و لن يتخذه سواها.
*الحكومة أعلنت أن منبر الدوحة سيكون آخر منبر خارجي للتفاوض، كيف تنظرون لهذا الأمر؟
* مواقع التفاوض تتحدد بتوافق أطراف النزاع، و لا يملك طرف إملاءها على الآخر إلا إذا انتصر عليه نصراً عسكرياً كاسحاً يستطيع به إملاء شروطه، و هذا ما لم يحدث لأي من أطراف النزاع في قضية السودان في دارفور. و مع ذلك تستطيع الحكومة أن تجعل من منبر الدوحة آخر منبر للتفاوض خارج الحدود إن قررت الإستجابة الفورية لكل مطالب المقاومة و أهل الهامش و في مقدمتهم الأهل في دارفور.
* ما هي اعتراضاتكم تحديداً على إستراتيجية الحكومة في دارفور، أم أنكم ترفضونها إجمالاً؟
* أصدرت الحركة تقييماً مفصلاً لإستراتيجية الحكومة الجديدة لإحلال “السلام” في دارفور يوضّح موقفنا منها. وإجمالاً يمكنني لبعض النقاط منها…
أولاً: الإستراتيجية تقوم على فصل جديد من العنف و سفك الدماء بسعيها لفرض “الأمن” ونزع السلاح من كل القوى المسلحة بالقوة.
ثانياً: تسعى الإستراتيجية بصورة سافرة إلى تصفية معسكرات النزوح بالقوة، و ما حدث في معسكري كلما و الحميدية بعد اعلان الإستراتيجية مباشرة لأبلغ دليل على أن مقصد الإستراتيجية الحقيقي وهو تصفية معسكرات النزوح بكل الوسائل بما في ذلك استخدام القوة و إرعاب النازح.
ثالثاً: يعاب على الإستراتيجية وضعها للعربة أمام الحصان بحديثها عن التنمية قبل تحقيق السلام، فعهد الناس أن تأتي التنمية بعد تحقيق السلام و ليس العكس.
رابعاً: من عيوب الإستراتيجية أيضاً سعي الحزب الحاكم لإدارة الحوار مع ذاته بدلاً من الحوار مع المعارضة أو المقاومة، و ذلك بسعيه لتحويل وجهة الحوار إلى أعضاء المؤتمر الوطني الذين وصلوا إلى المؤسسات التشريعية و التنفيذية بممارسات مشينة ما رضي بها أحد غيرهم.
خامساً: من المآخذ البارزة على الإستراتيجية عزوفها البائن عن المفاوضات الجادة و السلام المتفاوض عليه، و اعتمادها على فرض السلام.
سادساً: الإستراتيجية تجريب للمجرّب، و تكرار لعملية “السلام من الداخل” التي ثبت فشلها من قبل، فما الداعي لإهدار وقت الوطن الثمين و موارده العزيزة فيما لا طائل منه.
* هل اطّلعتم على وثيقة الوساطة المشتركة التي أعدتها مؤخراً توطئة لتوقيع الأطراف عليها؟ وهل ستوافقون عليها إذا انضممتم للمفاوضات؟
* تسعى الوساطة لتسليمنا نسخة الوثيقة، حسب وعدها، في الميدان، إلاّ أن ذلك لم يتحقق حتى الآن. و لكن الأهم أن اتفاقات السلام تنتج عبر مباحثات السلام و لا يملك أحد فرضها على طرف للتوقيع عليها كنسخة معدّة من طرف خارجي. و أرجو ألا تسعى الوساطة لتكرار تجربة أبوجا، فالسعيد من اتّعظ بغيره.
*إذا عادت الحركة لمنبر الدوحة، من أين ستبدأ التفاوض، من الاتفاق الإطاري الموقع بينها والحكومة، أم من البداية؟
* العبرة ليست في الشكليات و الإجرائيات، ولكن في صدق النوايا و توفّر الإرادة لدى الأطراف لتحقيق السلام و دفع استحقاقاته. و على كل ليست هنالك حاجة لسبق الحوادث، فلكل حدث حديث.
*مطالب الحركة بخصوص قسمة السلطة – تحديداً منصب نائب الرئيس – لاقت انتقاداً ومعارضة من قِبل الحكومة، هل ستدخلون الجولة بذات المطالب خاصه فيما يتعلق بالتعويضات؟
* من الطبيعي ألاّ ترضى الحكومة بأي من مطالب المقاومة، كما أنه ليست من مهام الحركة ارضاء الحكومة أو المحافظة على كراسي الحكّام. و من حقّ أبناء الوطن جميعاً أن تكون كل المواقع مفتوحة لهم جميعاً بمعايير الكفاءة دون احتكارها لفرد أو إقليم. أما أمر التعويضات فهو مطلب شرعي و أخلاقي و مكوّن أساسي في حلّ النزاعات في الإرث السوداني عموماً وفي عرف أهل دارفور بصورة خاصة. و ما عادت الحكومة نفسها تجادل في المبدأ، و لكن الخلاف في الآليات و الأرقام.
*تواجد خليل بالأراضي الليبية كاد أن يعصف بالعلاقة بين طرابلس والخرطوم، هل طالبتكم القيادة الليبية بالمغادرة؟
* لا علم لي بأي طلب من هذا القبيل. و الجماهيرية دولة ذات سيادة وتقرر بحرّ إرادتها من تستضيف و متى. و الأوفق ألاّ ترهن الخرطوم علاقتها مع أي من العواصم بوجود معارض فيها من عدمه، فلن يأتي اليوم الذي تعدم الخرطوم فيه معارضاً خارج حدود السودان.
*هل غادر خليل ليبيا طوال فترة اقامته بها لأي جهة ما؟
* لست معنياً بالإجابة على هذا السؤال. المهم أنه موجود بالجماهيرية الآن.
* إلى أين وصلت مساعي الوساطة معكم حتى الآن للحاق بالتفاوض؟ وهل تلقيتم رداً من الامم المتحدة حول خطابكم إليها بخصوص ضمانات المشاركة؟
* الحوار مع الوساطة متواصل و لم نصل فيه إلى اتفاق على العودة إلى الدوحة بعد. أمّا فيما يلي الأمم المتحدة، فليس من الضروري أن يكون ردّها على خطاباتنا إليها ردّاً مباشراً، و يكفينا أن تدفع الأطراف المعنيّة بما فيها الوساطة لإدخال الإصلاحات المطلوبة في المنبر، و هذا مدار حوارنا مع الوساطة.
* طالبتم من قبل بمنبر داخلي للتفاوض تأميناً لتحركات قادة الحركة من أي قرصنة خارجية، ألا يتفق ذلك مع اعلان البشير بأن الدوحة ستكون آخر منبر خارجي؟ وهل انتفت الخطورة على تحركات خليل؟
* لا علاقة لهذا بذاك. فمساحات عدم الثقة بيننا و الحكومة ما زالت شاسعة جداً، و بالتالي من الصعب أن تفاوضنا هي في مواقعنا أو نفاوضها نحن في عقر دارها. عليه، لا شكّ أن الوساطة التي يطمئن إليها الطرفان لا غنى عنها في هذه المرحلة، كما أن البيئة الآمنة مهمّة لإجراء المفاوضات. أما عن انتفاء الخطر عن سفر رئيس الحركة، فلم يعزف رئيس الحركة يوماً عن السفر خوفاً من أحد، و لكن من حق الدول استضافته أو السماح له بالعبور عبر أراضيها و من حقّها أيضاً الضنّ بذلك.
*القمة الاستثنائية التي انعقدت بطرابلس مؤخراً، ما الذي قدمته لدعم مفاوضات دارفور؟
* انعقدت القمّة و كانت مأخوذة بهول ما ينتظر السودان بعد الاستفتاء أكثر من بقية قضايا السودان.
*بمشاركتكم أو بعدمها، هل ترى بأنه يمكن الوصول لاتفاق نهائي قبل حلول موعد الاستفتاء؟
* الوصول إلى اتفاق سلام يحقق السلام على الأرض يستدعي وجود الطرف الأساسي من جانب المقاومة. و لا تنتطح عنزتان في أن هذا الطرف هو حركة العدل و المساواة السودانية. أما بالنسبة لعامل الوقت، فليس من المستحيل الوصول إلى اتفاق في القضايا الأساسية التي تنهي الحرب إن توفّرت الإرادة السياسية لدى أطراف النزاع.
*ماهو مستقبل حركة العدل والمساواة إذا تجاوزها منبر الدوحة وتم التوقيع على اتفاق نهائي بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة؟
* حركة العدل و المساواة السودانية جاءت إلى الساحة السودانية لتبقى، و هي التي بادرت إلى منبر الدوحة و أرست دعائمه و لم تستولد في الدوحة. و سبق أن قيل من قبل أن نهاية الحركة قد أزفت بعيد التوقيع على اتفاقية أبوجا، فخرجت الحركة من تلك الظروف أصلب عوداً و أقوى شكيمة. و لا أخال أن ما سيتمخّض عن الدوحة في غياب الحركة سيكون أبعد أثراً أو يحظى بدعم دولي أكبر مما حصل عليه اتفاق أبوجا. عليه لا تخشى الحركة من أي اتفاق لا تكون هي طرفاً فيه.
*أعني هل سيكون الخيار العسكري هو الخيار الوحيد أمامكم؟
* الخيار العسكري خيار مستقبح عند حركة العدل و المساواة السودانية، و لا تلجأ إليه إلا مضطرة، و فقط عندما تنسدّ السبل و تخرس الحكومة عن سماع أي صوت خلا دوي المدافع. و حركة العدل و المساواة حركة سياسية في المقام الأول، و إن أثبتت أنها تحسن الالتفاف في ساحات الوغى، فهي أكثر اتقاناً و مراساً في الفضاءات السياسية. وواهم من يظن أنه يستطيع محاصرة الحركة في زاوية ضيقة، أو يسلبها إرادة الفعل السياسي.
*فقدت الحركة السند الدائم لها – تشاد – من هو الحليف الجديد الذي يمكن أن تحتمي به؟
* نشأت حركة العدل و المساواة السودانية و اشتدّ ساعدها و الحكومة التشادية في سرج واحد مع الحكومة السودانية، بل و سبق للحكومة التشادية أن أرسلت قواتها مئات الكيلومترات إلى عمق دارفور لقتالنا، و لم يثنِ ذلك الحركة عن مواصلة نضالها. فحليف الحركة الحقيقي، بعد توفيق الله و رعايته، هو الشعب الذي نشأت في حضنه و الذي يدعمها بأغلى ما عنده. و ما دامت هناك قضية عادلة، و مطالب مشروعة، و شعب يلتفّ حول هذه القضية، فلا خوف على الحركة. أما من ستسعى الحركة لإقامة حلف معه من القوى الخارجية، فالحركة حريصة على بناء علاقات طيبة مع الكل دون التفريط في حرية قرارها.
*الحركة الشعبية حاولت لعب دور في قضية دارفور لكنها لم تنجح فيه، هل يمكن أن يكون هناك تحالف بينكما إذا وقع الانفصال؟
* نحن حركة وحدوية، و أملنا ألا يصوّت أهلنا من جنوب السودان لصالح الانفصال. ولكن إن قدّر الله أن يحدث ذلك، فمن المؤكّد أن شعب جنوب السودان لن ينتقل إلى كوكب آخر، ويلزمنا أن نتعايش معه في جيرة متآزرة يمكن أن تفضي إلى لمّ الشمل مرة أخرى. و هذا يستدعى أن يتحاور الإخوان في الوطن بغير الوعيد و لغة “الحقنة” و جالون البنزين. أمّا ما بين الجنوب ودارفور من عرى ووشائج، فلن تنقطع بقرار سياسي أو بحدود مصطنعة، و سيبقى التواصل ما دامت الحياة.
*تردد أن تشاد رفضت طلباً من حركة العدل لاعادة العلاقات بينهما، ما صحة ذلك؟ وبماذا تفسّر موقف تشاد الأخير تجاهكم؟
* أنا لا علم لي البتّة بطلب تقدّمت به الحركة، بصورة مباشرة أو عبر وسيط، إلى السلطات التشادية لتغيير مواقفها تجاه الحركة. و إن لم يكن هنالك طلب، فالحديث عن الرفض لا مكان له. أما عن موقف تشاد في الحيلولة دون مرور رئيس الحركة عبر أراضيها، فهذا شأن يخصّها، و مصلحة هي أقدر على تقديرها.
*حركتكم خسرت ميدانياً، وفي طريقها لتفقد الكثير أيضاً سياساً بغيابها عن طاولة التفاوض، ألا يعد ذلك تراجعاً وهزيمة لأهدافها؟
* معلوماتكم عن قدرات الحركة العسكرية مغلوطة تماماً و لا علاقة لها بالواقع. فقد هزمت الحركة الحكومة في المعارك التسع التي التقتا فيها منذ مايو الماضي، و خرجت الحركة منها بالكثير من الغنائم و العتاد العسكري مما جعلها في موقف أقوى خلافاً لما تروّج له الحكومة. و الأسرى الذين سلّمتهم الحركة إلى الحكومة و الإدارات الأهلية عبر الصليب الأحمر الدولي أبلغ دليل على أن الحركة هي المنتصرة في هذه المعارك، و ستثبت الأيام خطأ معلوماتكم عن الحركة وواقعها السياسي و العسكري. أما بالنسبة لمحادثات الدوحة، فالحركة على ثقة، و الجميع يعلم حق اليقين، أنه لا سلام حقيقي على الأرض من غير الاتفاق مع حركة العدل و المساواة السودانية. و أي اتفاق من دونها لا يحرك شعرة في أحد.
*حركة التحرير والعدالة نجحت في استغلال غيابكم وستوقع اتفاقاً مع الحكومة، هل تعتقد بأن ذلك سيقوّي من موقفها؟
* السياسة أخذ مقابل عطاء. و القوة تُكْتَسب انطلاقاً من مقومات فعلية لا عبر الأحلام و الأماني. و الحكومة تعلم ما إن كان الطرف الذي تتفاوض معه الآن يستطيع أن يقدم المطلوب منه مقابل ما يطلب منها.
*طالبتم من قبل بفتح منبر جديد للتفاوض في مصر، ثم في ليبيا، ألا توافقني بأن العلة تكمن في المتفاوضين وليست في المنابر؟
* ليس صحيحاً أننا طالبنا بمنبر للتفاوض في مصر أو الجماهيرية، كما أنه من الأمانة أن نؤكد أن أي من مصر العربية أو الجماهيرية لم تطلب منا ذلك. وكل الذي قلناه و ما زلنا عليه، أننا لن نعود للتفاوض في منبر الدوحة ما لم تُدخل عليه إصلاحات تجعله قادراً على تحقيق السلام.
*الوضع في الجنوب في طريقه للإنفجار فيما يتعلق بترسيم حدود أبيي، ما هو موقف الحركة تجاه هذه القضية؟
* نرجو أن تتحلّى الأطراف بالحكمة و ضبط النفس، و ألاّ يسمحوا بانزلاق الأمر إلى ما لا يحمد عقباه. و السبيل الأوحد إلى تجنب انفجار الوضع هو الالتزام الصارم بالاتفاقات المبرمة رغم ما تنطوي عليه من مرارات لهذا الطرف أو ذاك.
*مطالبتكم بمنح دارفور حق تقرير المصير، هل كانت جدّية، أم هي نوع من التكتيك السياسي؟
* حديث الناس عن حق تقرير المصير ينبعث عادة من إصرار المركز على ظلم الأطراف و غمطهم حقوقهم المشروعة. و يكتسب هذا النوع من النداءات قوته بتطاول النزاعات دون حلول عادلة. و ليتذكّر الناس كيف تحولّ إختيار أهل الجنوب الحر للوحدة في مؤتمر جوبا عام 1947 إلى المحنة التي تعيشها البلاد الآن، لأن قادتنا السياسيون عجزوا عن تقدير مشكلات الهامش حق قدرها، و آثروا ألا تعالج القضايا الوطنية الكبيرة قبل أن تستفحل، و حسبوا أن السياسة فهلوة و تسجيل نقاط على خصم سياسي.
* إذا شاركت الحركة ووقعّت اتفاقاً مع الحكومة، ما هي خططكم المستقبلية للمشاركة في الحكم، وتحولكم من حركة عسكرية إلى حركة أو حزب سياسي؟
* أعلنت الحركة عزمها على التحوّل إلى حزب سياسي فور الوصول إلى اتفاق سلام حقيقي تنتفي معه الحاجة إلى العمل العسكري، لقناعنتها المطلقة بأهمية و حتمية التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع إذا ما أردنا لبلادنا أن تستقر و تزدهر. و يمكنكم الرجوع إلى أدبيات الحركة المنشورة في موقعها الإلكتروني في هذا الخصوص للتعرّف على رؤآها.
*هل تخلت الحركة إذاً عن مطلب الاقليم الواحد؟
* تطالب الحركة ببناء النظام الاتحادي في السودان على أساس الأقاليم السبعة، و ترك تحديدعدد الولايات المطلوبة في كل إقليم لأهل ذلك الإقليم. و في هذا الترتيب تقوية للمواقف التفاوضية للأقاليم في مواجهة المركز، وفرصة أكبر لأهل الأقاليم لإدارة أنفسهم وقضايا ولاياتهم المتشابكة مع التحكّم في الصرف الإداري.
*إذا كانت الحكومة تهاجم المدنيين في دارفور وتقتلهم كما تقولون دائماً، ماذا قدمتم أنتم لحمايتهم وتقديم العون لهم؟
* الحكومة هي المنوطة بها حماية المواطن، و لكنها فعلت عكس ذلك تماماً بسوء قصد أو سوء تقدير. و هذا ليس قول قوى المقاومة، و لكنها شهادة الأطفال و النساء و الشيوخ و العجزة الذين أخرجتهم طائرات الأنتنوف من قراهم و هجروها إلى معسكرات النزوح و اللجوء. وقد أفلحت الحركة مع قوى المقاومة الأخرى في تعرية سلوك الحكومة المخزي و كشفه للاعلام الدولي مما اضطرها إلى التقليل منه دون الاقلاع عنه بالكامل. كما ان الحركة ساهمت مع آخرين في إيقاظ الضمير الإنساني العالمي و مسئولياته تجاه مأساة الأهل في دارفور مما عجّل بإغاثتهم. كما أننا نحول دون هجوم الحكومة أو مليشياتها في المناطق التي تنتشر فيها قواتنا. و لكن ستكون الحكومة واهمة إن ظنّت أننا سنتحوّل إلى قوة لحراسة خمسمائة ألف كيلومتر مربع و نتركها وشأنها تنام قريرة العين. فمهمتنا أن نجعل بيننا و بينها ما صنع الحداد الروسي أو الصيني حتى تقلع عن قتل المواطنين و تردّ إليهم حقوقهم المشروعة و ترفع الظلم عنهم.
* تردد أن هناك تنسيق بينكم وبعض الفصائل التشادية المعارضة، ما مدى صحة ذلك؟
* هذه من بنات خيال الأجهزة الأمنية في السودان و خطرفاتها، و لا علاقة لها بالواقع.
*هل يمكن أن تتحالف حركتكم مع حركة عبد الواحد نور، أم أنكما تسيران في خطين متوازيين؟
* حركة العدل و المساواة السودانية منفتحة على كل القوى السياسية السودانية. و من باب أولى أن تكون منفتحة على قوى المقاومة التي يجمع بينها الكثير من القضايا. و دعوتنا للتحالف العريض بين قوى المقاومة وصلت الجميع. كما أن الاتصال بيننا و الأخ عبد الواحد لم و لن ينقطع، و ليس في قاموسنا السياسي خطوط متوازية تحول دون اللقاء و التشاور و إن عزّت الوحدة.
* ابوجا تحتضر الآن، ومناوي يعاني.. كيف يمكن أن تتفادوا سلبيات ابوجا عند التوقيع مع الحكومة؟
* موت أبوجا السريري دليل قاطع إضافي على أن المؤتمر الوطني لا يحترم ما يبرم من عقود و اتفاقات. و هذا يجعل الذين يتفاوضون معه أكثر حرصاً و تمسكاً بضمانات التنفيذ بما فيها الاحتفاظ بالقوات خلال الفترة الانتقالية. ثم أنه لن يكون أي اتفاق سلام نافذاً و فاعلاً ما لم يكن عادلاً يلتفّ حوله أهل القضية و ينافحون عنه، و هذا بالضبط ما يعوز اتفاق أبوجا الذي عجز موقعوه عن التبشير به.
*لماذ فشلت كل الجهود لتوحيد الحركات المسلحة، وهل ترى أن ذلك كان سيسهّل الوصول إلى اتفاق سلام شامل؟
* لا شك في أن الوحدة أكبر عناصر النصر و انتزاع الحقوق، و غيابها مشجب كبير تُعلق عليه إخفاقات كل أطراف النزاع بما فيها فقدانها لإرادة السلام. و العوامل التي تعمل على تفتيت الأحزاب في الداخل هي نفسها متوفرة في قوى المقاومة، علاوة على عوامل خارجية أخرى بما في ذلك اعتراف المجتمع الدولي و الوسطاء بكل من نشر بياناً في الصحف الإسفيرية دون النظر إلى معايير موضوعية لما يمكن أن يسمى حركة مقاومة حقيقية، بجانب سعي الحكومة الدؤوب لاضعاف المقاومة بتفتيتها من الداخل، كلها عوامل ساهمت في تعقيد مشروعات الوحدة. ولكن رغم كل المعوقات، أفلحت الحركة في توحيد قطاعات عريضة من القوى المسلحة على الأرض تحت مظلة واحدة، و ما زالت عازمة على مواصلة الجهد للمّ شمل المقاومة، و ما التوفيق إلا بالله.
*اشتراطاتكم المتواصلة للاستمرار في منبر الدوحة، وتشكيككم في حيادية الوساطة، يُظهر حركتكم وكـأنها تتلكأ في الوصول إلى اتفاق؟
* الحركة هي التي سبقت إلى منبر الدوحة و افتتحته في ظرف غير مواتٍ، حتى اتهمتها أطراف المقاومة الأخرى بالسعي لتخليص رأس النظام من ورطته مع المحكمة الجنائية الدولية. و أبرمت الحركة في الدوحة اتّفاقين نفذت بالتمام ما يليها من كل منهما. و بقيت في الدوحة بأعلى مستويات التمثيل من شهر يناير و حتى شهر مايو 2010 تنتظر الحكومة التي تركتها في المنبر لتتفرغ لتزوير انتخاباتها، ثم لتشنّ حرباً شاملة على كل مواقعها، متوهّمة بأنها تستطيع سحق الحركة عسكرياً حتى تتمكن من إملاء شروطها عليها في طاولة المفاوضات، فكان حصادها الهزيمة و الهشيم. إذن الحركة لا تتلكأ في السعي نحو السلام، و لكنها لم تجد شريكاً جاداً اتخذ قراراً إستراتيجياً بتحقيق السلام و دفع استحقاقاته. و لم يقف أمر الشريك المماطل عند هذا الحد، بل سعى لإفساد المنبر بكل الوسائل و استخدامه للعلاقات العلامة. فالحركة أحرص من غيرها على تحقيق السلام العادل الشامل لأنها تعيش وسط أهلها الذين يكتوون بنيران الحرب و يعانون أشد المعاناة من تبعاتها. و سَتُهرع الحركة إلى السلام متى ما توفرت إرادة السلام شكلاً و موضوعاُ لدى الطرف الحكومي و متى ما تهيأ المنبر لذلك.
*نعود بك قليلاً للوراء.. ألا تتفق معي بأن هجومكم على امدرمان كان خطأً سياسياً وعسكرياً، خسّر الحركة أكثر مما أفادها؟
* ليس في الدنيا شرٌ محض أو خيرٌ محض. و للحرب حساباتها الخاصة للربح و الخسارة. و أكون مكابراً لو قلت لك إن الحركة لم تخسر شيئاً في هجومها على العاصمة، و لكن المحصّلة السياسية و العسكرية الكليّة في حسابات الحركة و في تقدير الكثير من الجهات المراقبة عن كثب لعملية الذراع الطويل كانت موجبة، و لا أرى داعياً للتفصيل أكثر من ذلك في هذا المقام.
*كيف تتواصلون الآن مع رئيس الحركة، ومعظمكم يتوزع بين عواصم العالم المختلفة؟
* ذكرت لك سابقاً أنه لا أحد يستطيع فرض عزلة أو حصار سياسي على الحركة، فالحركة بدأت عملها و غالب قياداتها السياسية في الشتات، و ما استجدّ جديد يثير قلقاً في التواصل.