أرملة الشهيدإبراهيم أبو رنات(1): حاول (ناس) التجمع الوطني المعارض استقطابه.. وحاول (ناس) دكتور خليل إبراهيم ضمه اليهم
سمية مختار : أرملة الراحل العميد «م» إبراهيم أبو رنات
رغماً عن الصبغة السياسية الطاغية التي وصم بها هذا الحوار، إلا أن العاطفة الإنسانية تملكتني من الوريد الى الوريد وأنا أتلمس مساحات الوجع المر في كل عبارات السيدة سمية مختار ضيفة هذا الحوار وهي زوجة الراحل العميد «م» إبراهيم محمد الحسن أبو رنات وهي تنم عن ألم خرافي يغالب قلب وكبد وروح وعقل هذه المرأة التي جعلتها إرادة الله تكتوي بنيران السياسة وتمشي في طريق لم يكن في أجندتها ولكنها وجدت نفسها أرملة لرجل اختار طريق أن يحيا مقاتلاً ويموت في ميادين العسكرية تاركاً لها مصطفى وهو يتلمس طريقه في الجامعة ولكنه هم يعجز عن تحمله الرجال في هذا الزمان، وعلى ذات السياق ترك لها محمد الحسن ومختار وبنتاً ترفض حتى ذكر اسمها بالصحيفة لعزة نفسها، وجميعهم يمشون على عتبات سلالم التعليم وهي تمشي بكفاح ونضال من أجل أن توفر لهم (اللقمة) الحلال والكراس والقلم والملبس واحتياجات المسكن ورسوم الدراسة وهي تقاتل في كافة الجبهات في صمود وصبر وثبات.. قلت لها الفرصة أمامك لتناشدي من تعتقدين أنه سوف يساعدك، لتفاجئني بإجابتها بـ (لا وألف لا)، كرامتي وأولادي فوق الشبهات ولكنها تحدثت عن الوجع العام والأسباب التي جعلتها في هذه الظروف حتى لا تحدث لغيرها قمعاً.. نقرأ ونشاهد هذا السيناريو الحزين:
حوار:زين العابدين العجب -آخر لحظة
*مدخل: من هي أرملة الراحل إبراهيم أبو رنات؟
– سمية مختار زوجة المرحوم الشهير إبراهيم أبو رنات، «ربة منزل» وفي الأصل تعود جذوري للولاية الشمالية ولكني عشت كل حياتي في بورتسودان.
*من هو الراحل العقيد «م» إبراهيم أبو رنات؟
– هو إبراهيم محمد الحسن أبو رنات كان ضابطاً بقوات الشعب المسلحة، أحيل برتبة العميد في عام 1998م وقد عمل في عدد من المواقع العسكرية كان آخرها عمله كقائد لحامية منطقة زالنجي. وقد ولد بمدينة النهود بكردفان وتعود أصوله لقبيلة الشايقية في جزيرة أبو رنات بالولاية الشمالية والقاضي الشهير والمعروف محمد أحمد اأبو رنات هو عمه، شقيق والده. وهو أب لبنت وثلاثة أبناء، هم مصطفى وهو طالب في كلية الاقتصاد جامعة النيلين، ومحمد الحسن وهو يدرس بالصف الثالث الثانوي، ومختار بالصف السادس الأساس والبنت تدرس في كلية الزراعة جامعة الخرطوم.
*كيف تزوجت الراحل إبراهيم وكيف التقيت به؟
– تزوجته وهو برتبة النقيب وفي الأصل أنا لا تجمعني به صلة قرابة ولكن «القسمة»، وبعد زواجنا مباشرة تمت ترقيته الى رتبة الرائد وقد التقيت به مصادفة في مناسبة اجتماعية بالخرطوم رغماً عن أني عشت وتربيت ببورتسودان وقد كانت القسمة.
*لماذا خرج الراحل من السودان وكيف؟
– في الأصل خروجه من السودان جاء نتيجة للإحباط بسبب إحالته للمعاش وهو في قمة عطائه وقد كان على استعداد للعمل من أجل هذا البلد بقدر ما أعطاه وأكثر. وقد سافرنا للقاهرة برفقته في العام 2002م ومكثنا بها عامين ونسبة لارتباط الأبناء بالدراسة عدت للسودان وعاد هو بعد ذلك بعام وخلال هذه الفترة لم يفكر في الإلتحاق بأي مجموعة سياسية معارضة، خاصة خلال فترة تواجدي معه بالقاهرة.
*ألم يلتقِ بأي من قيادات المعارضة بالقاهرة خلال فترة تواجدكم بها؟
– حاول (ناس) التجمع الوطني المعارض استقطابه ولكنه كان يرفض ذلك.
*كيف تمت إحالته للتقاعد.. هل كان ذلك بسبب أم لا؟
– أنا لا أتذكر شيئاً عن هذا، ولكن ما أعرفه هو أنه كان يشعر بمرارة وكان هناك شيء، ولكنه كان بطبيعته لا يحكي أشياءه ولكنه قال إنه أحيل للتقاعد و(خلاص). واذكر أنه بعد عودتنا من زالنجي للخرطوم قيل له أذهب لمدني لأنه أصلاً كان يتبع للحدود وقد كانت رئاسة الحدود في مدني، وكان هو من أوائل الضباط الذين أسسوا حامية الحدود بود مدني وهو الذي تحمل كل أعباء تأسيس رئاسة قوات الحدود بود مدني ولكن بعد أن طلبوا منه الذهاب لمدني قيل له أنت سوف تذهب لجبيت، وهذا الوضع جعله يشعر كأنه (ألعوبة) وكان يشعر بأن زالنجي سوف تكون آخر محطة له في الجيش وأنه سوف يترك العمل بالقوات المسلحة، وذلك بسبب أنه ينقل خلال ستة أشهر من منطقة إلى أخرى، ولذلك سوف يتقدم باستقالته، ولكن قبل أن يتحرك الى جبيت صدر قرار بإحالته للتقاعد.
*لماذا رفض الإنضمام للتجمع المعارض بالقاهرة؟
– لأنه لم يكن مقتنعاً بالإنضمام للمعارضة.
*ماذا كان ينوي أن يعمل؟
– كان يريد أن يهاجر إلى أمريكا من القاهرة.
*لماذا لم يهاجر الى أمريكا؟
– بالنسبة له لم تكن هناك مشكلة لأنه بمجرد ما ذهب للسفارة تمت الموافقة على دخوله، ولكن العقبة كانت بالنسبة لي ولأبنائه.
*لماذا وافق على دخوله ولم يوافق لكم على ذلك؟
– الموضوع كان (ساهل) بالنسبة له، لأنه قد تلقى بعض الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية وقد وجد (ناس) السفارة الأمريكية تأشيرات على جوازه بأنه دخل أمريكا وخرج أكثر من مرة، ولذلك لم تكن لديه مشكلة ولكن رفضوا إعطائي أنا وأبنائه تأشيرة لدخول أمريكا، ولذلك قرر عدم الذهاب وحده، لأنه كان يريدنا أن نذهب معه. وكما ذكرت لك بعد ذلك جاءوه (ناس) التجمع وحاولوا استقطابه كما أخبرني هو، وقالوا له إن الميرغني سوف يتصل عليك ولكنني لا أعرف ماذا حدث بعد ذلك.
*هل رفض فكرة الإنضمام للتجمع منذ البداية أم أنه كان ينتظر اتصال السيد محمد عثمان الميرغني به؟
– هو لم يتقبل الفكرة منذ البداية.
*من هو الشخص الذي عرض عليه فكرة الإنضمام للتجمع المعارض؟
– الاتصال تم به من قبل ابن عمه هاشم أبو رنات الذي كان عضواً في التجمع ولكنه لم يتقبل الفكرة.
*ماذا حدث بعد ذلك؟.. وكيف انضم لحركة العدل والمساواة؟
– بعد عامين من بقائنا بالقاهرة عدت مع أبنائي للسودان كما ذكرت لك وتركناه هناك، وما عرفته أنه خلال فترة بقائه بالقاهرة بعد مغادرتنا حاول (ناس) دكتور خليل إبراهيم ضمه اليهم ولكني لا أجزم بأن تمت مشاورات بينه وبينهم، ولكن بعد عودته كنت ألاحظ أنه كانت تأتيه مكالمات لا يحب أن نسمعها وكان يتحرك ويبتعد عننا رغماً عن أنه في المكالمات عادة كان يتحدث أمامنا بصورة عادية.
*هل كانت هذه المكالمات تأتيه من قيادات حركة العدل والمساواة؟
– لم أكن أفهم الحاصل، واحتمال أن تكون منهم ولكنه لم يقل لنا أي شيء.
أرملة العميد(م) إبراهيم أبو رنات(2): لم نشعر ان الراحل كان ينتمي لأي حركة معارضة
سمية مختار : أرملة الراحل العميد «م» إبراهيم أبو رنات
حوار:زين العابدين العجب -آخر لحظة
بحسب ما انتهينا في الحلقة الماضية قلت إن الراحل العقيد (م) إبراهيم أبو رنات عاد للخرطوم بعد أن مكث ثلاثة أعوام بالقاهرة، ماذا حدث بعد ذلك؟
– بعدها بقيّ معنا مدة عام ولم نكن نشعر بأنه يرتب للإنضمام لأي حركة معارضة أو غيرها وكانت الحياة تسير بصورة طبيعية، بل بالعكس كان يحاول أن يبدأ عمله في الحياة المدنية بعد إحالته للتقاعد.
ما هي طبيعة العمل الذي بدأ فيه؟
– بدأ يعمل في مجال تجارة الموبيليا.
هل حصل على كل حقوقه ومستحقاته من القوات المسلحة بعد إحالته للتقاعد؟
– لا أعرف شيئاً عن هذا..!!
ألم تسألوا الجهات المختصة عما إذا استلم حقوقه أم لا ؟
– لم نسأل حتى الأن.. ولم أفكر مطلقاً في السؤال عن شيء مثل هذا.
هل عدم سؤالك هذا مرتبط بمسألة فقدان الراحل؟
– والله (خالص) لم أفكر في هذا الموضوع بعد صدمة وفاته.
كيف غادر العميد (م) أبو رنات السودان ليلتحق بحركة العدل والمساواة؟
– أذكر أنه أخبرنا على مشارف رمضان بأنه سوف يذهب لكي يحضر عيد الفطر مع والدته في النهود وسافر على هذا الأساس، وفعلاً ذهب الى هناك.
هل كانت هناك اتصالات بينكم خلال هذه الفترة؟
– كان يتصل علينا بصورة عادية حتى تجاوز رمضان العشرين يوماً ونحن نعرف أنه كان بالنهود، ولكن فيما بعد عرفت أنه غادر النهود وقال لأهله هناك إنه ذاهب الى منطقة (غبيش) وسيعود بعد يومين أو ثلاثة على الأكثر، وخلال هذه الفترة انقطعت أخباره تماماً وكان أهله في النهود يسألونني عنه وهل اتصل علينا أم لا وقد استمر هذا الوضع لمدة شهرين.
ماذا حدث بعد هذين الشهرين؟
– بعد انقضاء الشهرين اتصل بي وقال لي إنه انضم لحركة العدل والمساواة بقيادة خليل.
متى كان ذلك؟
– قبل حوالي عامين.
ما هي ردة فعلك على حديثه بانضمامه للحركة؟
– أنا صراحة لو كنت أعرف منذ البداية وبكل أمانة، لما قبلت بهذا الوضع.
لماذا لا تقبلين بهذا الوضع؟
– لأنني بكل أمانة غير مقتنعة بالعمل المسلح وهذه الأشياء وما الذي سيحصل اذا كان قد انضم لهذه الحركات مع تقديري جداً لرأيه الشخصي.
هل ناقشته في هذه الخـطوة؟
– نعم سألته عن لماذا انضم للحركة.
ما هي إجابته على سؤالك؟
– قال لي إنه سوف يأتي يوم وستعرفين فيه لماذا انضممت.
هل كان هذا الحوار منذ أول اتصال؟
– لا.. لأنه في أول اتصال قال لي إنه انضم للمعارضة ولم يعطنا أي تفاصيل ولكن ما ذكرته لك تم في اتصالات لاحقة.
هل كان يحدد لكم مكان تواجده؟
– لا.. وقال لي ليس بالضرورة أن تعرفي أين أنا ولكن أعرفي أني بخير فقط. وقد علمت أيضاً من إحدى الصحف لاحقاً انضمام أو تحالف حركة أبناء كردفان مع حركة العدل والمساواة.
هل كانت حركة أبناء كردفان بقيادته؟
– كان هو القائد الميداني للحركة وقد أخبرته في أحد الاتصالات أني قرأت الخبر بالصحيفة وأكد لي أنه حقيقة، وقلت له إنه ما كان له أن يذهب في هذا الإتجاه، لأن أبناءه يحتاجون له والتربية بالنسبة لي وحدي صعبة.
إذن فقد تعاملت بفهم الأم وعاطفتها؟
– نعم كان هذا دافعي.
ما هو تعليقه على حديثك؟
– قال لي ما يقدره الله سيكون وسارت الأوضاع على هذا النحو.
هل توالت اتصالاته بعد ذلك أم انقطعت؟
– بعد ذلك كانت تأتينا منه اتصالات متباعدة وأحياناً كان يتصل على يومين متتاليين ويقول لنا اذا تأخرت في الاتصال كم يوم لا تقلقوا واعلموا أني بخير.
هل كان طيلة فترة بقائه مع الحركة في العمليات؟
– لم يكن ثابتاً في مكان واحد، ولكن لم يوضح لي أين يكون.
بماذا كنت تشعرين خلال اتصالاته، هل هو في موقع قتال أم في أماكن هادئة؟
– الاتصالات كانت تتم عبر جهاز الثريا ولا تستطيع أن تعرف أين هو ولكن عموماً ما أعرفه عنه أنه سيكون مشاركاً في كل العمليات.
هل عرفتم الطريقة التي توفي بها؟
– أذكر أنه عندما اتصل دكتور خليل بعد وفاته سألته ابنة أخ زوجي رحمه الله عن كيفية وفاته، خاصة وأنه رتبة كبيرة فقال لها إن الجنود لا يقبلون أن يتحركوا في أي عملية ما لم يخرج فيها أبو رنات، ولذلك لابد أن يكون معهم.
لماذا من وجهة نظرك يحدث هذا؟
– لا يتجادل اثنان في شجاعة الراحل، فهو شجاع جداً ولا يخاف وهو يواجه كل شيء أمامه ويخوض أي حاجة.
هل هذا يعني أنه متهور؟
– رغماً عن أنه لا يخشى شيئاً ويواجه الصعاب، ولكن مع ذلك فهو غير متهور وما لم يثق من فعل شيء فهو لا يقوم به وهو شجاع جداً واذا سألت أي ضابط في الجيش سيقول لك ذلك.
هل نال أوسمة؟
– نال العديد من الأوسمة والشهادات، وقد نال وسام الصمود والشجاعة.
هل كانت هذه الأوسمة قبل أم بعد الإنقاذ؟
– قبل وبعد الإنقاذ.
هل عرف عن الراحل أي انتماء سياسي؟
– قبل انضمامه لحركة العدل والمساواة لم يكن لديه أي انتماء تنظيمي.
ماذا عن علاقته بالإنقاذ، هل عرف بعدائه لها؟
– لا أعرف أن له عداء.
هل كل ما حصل كان ردة فعل لإحالته للتقاعد؟
– نعم.. ربما يكون نوعاً من الإحباط، لأنه كان في قمة عطائه عندما أحيل للتقاعد.