في يوم 12 سبتمبر 2017، شهدت منطقة الجريف غرب بالخرطوم، يوماً دامياً، حركة احتجاجية عنيفة ضد قرار محكمة أدان بعض أبناء الحي بقتل المدير الأسبق لشركة الأقطان، هاشم سيد أحمد، وسيرة الأقطان تورد سيرة الفساد، فالشركة المعنية اشتهرت بأبرز ملفات الفساد التي عرفتها الساحة، وكانت (التيار) بدأت فتح هذا الملف الشائك والمعقد.
لكن القضية الآن، ليست في حجم الفساد أو ما جرى داخل هذه الشركة الحكومية والمليارات التي تبددت.. لأن الذي جرى عقب صدور الإدانة أخطر بكثير من الفساد نفسه، وإن كان هو أحد إفرازاته.. القضية، عدم الاعتراف بالقضاء، بل ومقاومة أحكامه.
القصة بدأت، باقتحام ذوي المدانين المحكمة قبل يومين، في
جلسة النطق بالحكم، واشتبكوا مع عناصر التأمين والحراسة، عقب صدور الإدانة.. ثم تطور الأمر بعدها إلى مساندة شعبية من سكان الحي، احتجاجات في الشارع ضد الحُكم القضائي، وتدخلت الشرطة لفض الاحتجاجات، وجرى ما جرى.
يقين كثيرين من الذين يرفضون صدور أحكام إعدام أو مؤبد، أن الجناة الحقيقيين لا زالوا بعيداً عن قبضة العدالة، وأن الذين سوف يُنفذ فيهم حكم الإعدام ما هم إلا كباش فداء.
إن أخطر مرحلة يُمكن أن تصلها المجتمعات، هي رفض القانون ومقاومة أحكام القضاء، لكن، السؤال الأهم من كل ذلك، لماذا يرفضون حكم القضاء، هل لأنهم يرفضون سير القانون والعدالة، أم أن الثقة تبددت بالكامل في هذه السُلطة شديدة الحساسية.
قبل أيام، اتهم شقيق الصحفي المغدور محمد طه محمد أحمد، حزبي المؤتمر الوطني والشعبي بتصفية شقيقه، واستفاض في الحديث عن قناعة الأسرة بأن الذي قتل محمد طه لم يظهر بعد، وهم يقصدون القاتل الحقيقي وفقاً لتعبيره.
وقبل ذلك، احتشد المئات حول المحكمة التي تنظر في قضية الطالب عاصم عمر المتهم بقتل شرطي في أحداث جامعة الخرطوم، والتحشيد المضاد يصاحب كل جلسة محكمة، مع التأكيد على براءة عاصم وإيراد عشرات الأدلة، وفقاً لما يراه مناصروه.
وغير ذلك الكثير، محاولة انتزاع أحكام البراءة قبل أن ينطق القاضي بحكمه، مؤشر كارثي بكل المقاييس، وليس من خطورة أكثر من ذلك.. بصراحة، هذا الأمر يحتاج إلى توقف والنظر بجدية وشجاعة في هذا الوضع الذي أصبح شبه عام.
بكل وضوح، هذا مؤشر جلي على انعدام وتلاشي الثقة في كل الأجهزة العدلية.. واللوم لا يقع هنا على عاتق الذين يقاومون أحكام القضاء، فهؤلاء لا أظنّ أنهم ضد سير القانون وأخذ الحقوق، بل هم يرون بأعينهم أن القانون على الضعيف يُطبق، وعلى القوي يُداس