بسم الله الرحمن الرحيم
وثيقة البديل الديمقراطي دعوة صريحة لإقصاء الهامش !
عبدالغني بريش اليمى … الولايات المتحدة الأمريكية..
وقعت الأحزاب التي تسمى نفسها بقوى الإجماع الوطني في يوليو من العام 2012 على وثيقة عرفت بوثيقة البديل الديمقراطي ، بعد بدء التظاهرات والإحتجاجات الشعبية في السودان . والأحزاب الموقعة عليها هي ( حزب الأمة القومي برئاسة الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق والحزب الشيوعي السوداني وحزب المؤتمر الشعبي برئاسة حسن الترابي والحزب الوطني وحزب المؤتمر السوداني وحركة القوى الجديدة (حق) وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الناصري ) . ولم تكن الجبهة الثورية السودانية والتي تضم تحالف ” كاودا ” والحركات الدارفورية الأخرى ، وجبهة تحرير كوش جزءاً من هذه الأكذوبة الكبيرة .
ودعت الأحزاب الموقعة على الوثيقة إلى فترة انتقالية “يحكمها إعلان دستوري تبدأ بتشكيل الحكومة الانتقالية وتنتهي بإجراء انتخابات حرة ونزيهة ” . كما دعت الوثيقة إلى عدم استغلال الدين في الصراع السياسي أو الحزبي لضمان الاستقرار والسلام الاجتماعي .
وحددت الوثيقة الوسائل التي ستتخذ لتحقيق أهدافها في “الإضراب، التظاهر السلمي، الاعتصام، العصيان المدني، الانتفاضة والثورة الشعبية .
لم تكن في نيتي أبدا الكتابة عن هذا الموضوع لإعتبارات عدة ، أهمها أن الأحزاب الموقعة على وثيقة البديل الديمقراطي عبارة عن كيانات حزبية غوغائية غير ديمقراطية ، بل مجرد تكتلات بشرية تتخبط يمينا وشمالا في الساحة السياسية السودانية لأكثر من نصف قرن ، تنقصها الرؤية السياسية الواضحة والبرنامج والأجندة الوطنية الشاملة .. ومع ذلك لم أعد قادرا على الصمت أمام فداحة ما تقوم بها تلك التكتلات ضد أهل الهامش في هذه الأيام من مؤامرات وخيانات … أهمها عدم دعوة هذا التكتل للجبهة الثورية السودانية وتحالف كاودا والحركات الدارفورية المسلحة لمناقشة هذه الوثيقة . وبعضها أن هذا الجسم الذي يطلق على نفسه اسم ” الإجماع الوطني ” ، يتصرف وكأنه منتخب من قبل الشعوب السودانية ، وله شرعية انتخابية ودستورية . ومنها أنه سريع الغضب ، ويتهم الآخرين فى نياتهم ، ويرفض أى مبادرة جاء بها الآخر ، لأنه يتشكك دوما فى أفعال ومواقف الآخرين ، ويرى نفسه أحق وأولى بالعمل من غيره ، بل اعتبار الآخرين تجار سياسية يبحثون عن مصالحهم الذاتية والشخصية ، ويهدرون المصالح العامة للبلاد والعباد في السودان .. ومنها أن أفراد هذه الجماعة يتشكلون وفق ثقافة الاستعداء والتشويه والإقصاء مما يعزز من مساحة الإختلاف الاقصائى بديلا عن الإختلاف الإثرائى الضروري الذي يحتاجه السودان لمناقشة القضايا المختلفة .
يقول هذا الجسم السوداني ذات الإسم العريض وغير المجمع عليه في ديباجته : نحن قوى الإجماع الوطني إذ نؤكد حرصنا علي التغيير السلمي الديمقراطي الذي يستلهم تقاليد شعبنا المجربة في مواجهة الدكتاتوريات ومن موقع المسئولية الوطنية نتقدم بهذا البرنامج الي كافة جماهير شعبنا وقواه السياسية والمدنية والاجتماعية بكافة قطاعاته التقليدية والحديثة، في الريف والحضر الملتزمة بالنضال من اجل التغيير، وفك الارتباط بين الدولة والحزب الحاكم، وضمان استقلال القضاء وسيادة حكم القانون، وذلك لضمان الحفاظ علي كيان الدولة السودانية من شر التمزق والتفتت، ولا ينقذ البلاد من حالة التردي والفشل والخضوع للوصاية الدولية الا عزيمة اهلها وكافة قواها الوطنية بارادتهم الحرة وتكاتفهم من اجل اقامة بديل ديمقراطي يرتكز علي مشروع وطني مجمع عليه .
هذا وقد وردت في وثيقة هذا الجسم مبادئ عدة .. نكتفي بذكر بعضها فقط ، ومن ثم التعليق على وجه القصور والإستهبال فيها .
وهذه هي بعضاً من مبادئ وثيقة البديل الديمقراطي :
أولاً : الفترة الإنتقالية : يحكمها إعلان دستوري تبدأ بتشكيل الحكومة الإنتقالية وتنتهي بإجراء إنتخابات حرة ونزيهة .
ثانياً : تدير البلاد خلال الفترة الانتقالية حكومةإنتقالية تشارك فيها كل القوى السياسية والفصائل الملتزمة والموقعة على برنامج ووثيقة البديل الديمقراطي مع مراعاة تمثيل النساء والمجتمع المدني والحـركات الشبابية والشخصيات الديمقراطية المستقلة وتلتزم الحكومة الإنتقالية بالآتي :
1/ إعلان وقف اطلاق النار في كل جبهات القتال واطلاق سراح المعتقلين والمحكومين سياسياً، واعتماد الحوار والتفاوض لحل النزاعات القائمة
3/ كفالـة حرية الاديان والعبادة مع الالتزام بعدم استغلال الدين في الصراع السياسي او الحزبي لضمان الاستقرار والسلام الاجتماعي .
5/ اعادة توطين النازحين واللاجئين في مناطقهم وضمان تعويضهم العادل، وتوفير مقومات العيش الكريم لهم .
12/ محاكمة كل منتهكي حقوق الانسان والفاسدين ومبددي المال العام،وتعويض الضحايـا مادياً ومعنوياً، مع اعلاء قيم الحقيقة والمصالحة وفق مبادي ونظم العدالة الانتقالية .
14/ تمكين النساء سياسياً وإقتصادياً وفي كافة مجالات الحياة , ومراجعة كافة القوانين وعلى رأسها قانوني النظام العام والاحوال الشخصية بما يحقق كرامة المرأة ويدعم دورها في الحياة ، مع ضمان مساواة النساء بالرجال في الكرامة الانسانية والحقوق .
23/ قضية جنوب كردفان والنيل الأزرق: الإستجابة لمطالب مواطني جنوب كردفان والنيل الازرق المشروعة , السياسية والخدمية والتنموية والتوافق على مشاركتهم في الحكم ، وعلي اساس اتفاق سياسي وأمني يضع حداً للاقتتال .
أولاً – يجدر الإشارة إلى أن هذا الجسم صاحب الإسم العريض والكبير ” أحزاب الإجماع الوطني ” ليس محل إجماع وطني سوداني ، أو حتى محل اتفاق بين السودانيين ليقرر نيابة عن أكثر من ثلاثين مليون سوداني في أمور مصيرية كالتي وردت في وثقيته ذات الثقوب الكثيرة ؟ وإلآ ليقول لنا صراحةً دون كذب – كيف ومتى حصل عليه إجماع وطني ، حتى يتصرف ويتكلم ، وكأنه جسم منتخب ديمقراطياً ؟ .
ثانياً/ اشارت الوثيقة إلى إعلان وقف اطلاق للنار في كل جبهات القتال السودانية ، وهذا الكلام بعمومياته يقوله أي سوداني بسيط . فمنذ خروج الإنجليز والمطالبة مستمرة بوقف اطلاق للنار ، حتى المتسببين في تلك الحروبات اللعينة دائما ما ينادون بوقفها . إنما كانت المشكلة دائما وأبدا هي في كيفية وقفها ، وعلى أي أُسس ومبادئ ؟ . الوثيقة لم تقدم حلولا حقيقية أو تلمس الأسباب التي أدت إلى قيام تلك الحروبات في السودان .. وعليه من الغباء أن يطالب ناس الإجماع الوطني وغيرهم اليوم بالقاء السلاح دون تقديم حلول حقيقية وجذرية لمشاكل من حملوا السلاح ! .
ثالثاً/ كفالـة حرية الاديان والعبادة مع الالتزام بعدم استغلال الدين في الصراع السياسي او الحزبي لضمان الاستقرار والسلام الاجتماعي .
الغريب في هذا الإلتزام ، أنه التزام قديم جديد ، ففي عام 1985 مثلا ، عندما اطاحت الإنتفاضة الشعبية بنظام جعفر النميري ، التزمت الأحزاب التي وقعت اليوم على وثيقة البديل الديمقراطي بإلغاء ما سميت وقتها ب” قوانين سبتمبر” ، لكنها نكثت عهدها والتزامها ، بل عددا من هذه الأحزاب وفي فترة لاحقة دافعت عن قوانين نميري ، واعتبرتها قوانين اسلامية مائة المائة يجب الإحتفاظ بها ( حزب الترابي وحزب الأمة ) .. وها هي نفس الأحزاب وبعد مرور ثماني وعشرين عاما على التزامها الأول بعدم استغلال الدين في الصراع السياسي توعدنا بإلتزام آخر حول نفس الموضوع وكأن السودانيون أغبياء لهذه الدرجة حتى يصدقوا نفس الاسطوانة القديمة الجديدة مرات ومرات ؟ . وهل يعرف أعضاء أحزاب ” الإجماع الوطني ” المحترمون جداً أن نصوص قوانين سبتمبر التي وعدوا هم الشعوب السودانية بإلغائها قبل أكثر من عشرين عاما ما زالت مطبقة في المحاكم السودانية ، أي ما زالت أطراف الفقراء تبتر عبثا ؟ .
رابعاً/ اعادة توطين النازحين واللاجئين في مناطقهم وضمان تعويضهم العادل، وتوفير مقومات العيش الكريم لهم .
الوثيقة تطالب بإعادة توطين النازحين واللأجئين .. لكن دون ان تحدد هنا المقصود بالنازحين . وهل المقصود بالنازحين هؤلاء السودانيون الذين نزحوا إلى العاصمة الخرطوم وام درمان ، وغيرها من مدن الشمال منذ خروج الإنجليز بحثا عن حياة أفضل ، لكنهم وجدوا أنفسهم في أطراف هذه المدن ، يسكنون في مساكن من كراتين وجوالات وغيرها ، دون تعليم وحياة كريمة .. أم المقصود بالنازحين هؤلاء الذين شردتهم الحرب في كل من دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وعاشوا حول مدينة الفاشر ونيالا والأبيض والدمازين وكادقلي والدلينج وغيرها !؟ . الوثيقة تتحدث عن عموميات دون الدخول في التفاصيل ، فهذه العموميات جعلت من هذه الوثيقة مجرد ورقة لا قيمة لها .
تحدثت الوثيقة أيضا عن اللأجئين السودانيين .. فمرة أخرى لم تحدد الوثيقة عن أي لاجئين تتكلم .. هل تقصد بهم اللأجئين الشماليين الذين هربوا من ظلم نظام الأنقاذ ولجأوا إلى مختلف دول العالم طمعا في الإستقرار والهدوء .. أم تقصد بهم اللأجئين من جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور الذين شردتهم الحرب العنصرية المفروضة عليهم منذ عقود ؟ .. وما المقصود بالتعويض العادل ؟ هل يقصد به التعويض المادي أم المعنوي ؟ فما هي الآلية التي يتم بها هذا التعويض ؟ وهل التعويض يتم من أموال الدولة السودانية ؟ أم للسادة رؤساء أحزاب الإجماع الوطني أموالاً مخزنة لهذا الغرض ؟ .
مرة أخرى تحدثت الوثيقة عن عموميات ، وكلام عاطفي ، ربما لدغدغة مشاعر البسطاء ، وهذه العموميات عادةً ما تؤدي إلى التراجعات والإرتدات المستقبلية ، الشيء الذي لم ولن تقبله الشعوب السودانية هذه المرة .
خامساً/ محاكمة كل منتهكي حقوق الانسان والفاسدين ومبددي المال العام،وتعويض الضحايـا مادياً ومعنوياً، مع اعلاء قيم الحقيقة والمصالحة وفق مبادي ونظم العدالة الانتقالية .
كُنت أعتقد ان أي نظام أو حكومة قادمة ستلتزم صراحة بمحاكمة من قاموا بارتكاب أفظع الجرائم في تاريخ البشرية جمعاء ، وهؤلاء المتهمون معروفون لدى السودانيين والعالم أجمع ، على رأسهم الرئيس عمر البشير . لكن المفاجأة العظيمة هي ان الوثيقة تجنبت ذكر اسماءهم ، وتحدثت عن مجرد منتهكين لحقوق الإنسان ، مما يعني أن أصحاب وثيقة البديل الديمقراطي إذا حلوا بديلاً للأنقاذ قد يوفروا الحماية لــ ( عمر البشير واحمد هارون وكشيب ونافع وعبدالرحيم وغيرهم ) ، الأمر الذي لم ولن تقبله الشعوب السودانية ابدا ابدا – خاصة أهل الهامش والقوى السودانية المضطهدة وأهل الضحايا .
سادساً/ تمكين النساء سياسياً وإقتصادياً وفي كافة مجالات الحياة ، ومراجعة كافة القوانين وعلى رأسها قانوني النظام العام والاحوال الشخصية بما يحقق كرامة المرأة ويدعم دورها في الحياة ، مع ضمان مساواة النساء بالرجال في الكرامة الانسانية والحقوق .
هذا الإلتزام الوارد في وثيقة البديل الديمقراطي بدعة من بدعات هذا الجسم المسماة بالإجماع الوطني ، بل ماركة مسجلة له ، ولا جديد بخصوص هذا الإلتزام . ستظل المرأة مرأة ، والرجل رجل ، في عقلية هذا الجسم ذات التفكير الذكوري ، لا مساواة بينهما ( المرأة ناقصة عقل ودين ) ، ولا تصح قيادة المرأة للمجتمع ، وووووووووو ، فهذا الجسم اتيحت له فرص عديدة لسن قوانين بهذا الخصوص ، لكنه فشل مرة ومرتين ، بل ثلاث مرات لتحقيق ذلك .
العنصر النسائي ضروري جدا في الشأن العام والسياسي عموما ، ويجب أن تتاح للنساء الفرصة الكاملة في كل المجالات لتقديم نفسها ، وذلك من خلال سن قوانين واضحة تساوي بينها وبين الرجال في كل المواقع والوظائف . والأحزاب الموقعة على الوثيقة كانت لها الفرصة لعمل ذلك ، لكنها فشلت ولأكثر من نصف قرن ، وليس هناك جديد حتى يصدق السودانيين تلك الأحزاب وإلتزاماتها هذه المرة .
سابعاً/ قضية جنوب كردفان والنيل الأزرق: الإستجابة لمطالب مواطني جنوب كردفان والنيل الازرق المشروعة ، السياسية والخدمية والتنموية والتوافق على مشاركتهم في الحكم ، وعلي اساس اتفاق سياسي وأمني يضع حداً للاقتتال .
الوثيقة تحدثت عن جبال النوبة والنيل الأزرق بإستهتار واستخفاف شديدين ، وكأن قضية المنطقتين مجرد قضية سياسية حلها سهل وبسيط ، متناسين أن قضية المنطقتين من أعقد القضايا التي تواجه السودان الشمالي في الوقت الراهن ، لإرتباطها باتفاقية نيفاشا التي اعطت الجنوب حق تقرير المصير الذي أدى إلى إعلان استقلاله ، وكان المنطق يقتضي من الأحزاب الموقعة على هذه الوثيقة مخاطبة المنطقتين من خلال اتفاقية نيفاشا 2005 ، أما وقد تركت نيفاشا جانبا ، وتحدثت عن المنطقتين بهذ الاقتضاب ، فهذا دليل على أن هذه الوثيقة مجرد دعاية سياسية غرضها مزيدا من تمزيق وتقطيع وتمييع قضايا الهامش في المرحلة القادمة وليس حلها .
إن هذه الهيئة السودانية ذات الاسم الطويل والعريض ، ولأنها هيئة تفتقد إلى الإجماع الوطني والشرعية الانتخابية والجماهيرية ، تريد أن تقرر للشعوب السودانية التزامات وهمية ، ظاهرها الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الناس ، وباطنها هيكلة المركز ليبدو ديمقراطيا في المرحلة ما بعد نظام الأنقاذ ، وذلك من خلال مبادئ والتزامات مضحكة مسخة .. الأمر الذي لا يمكن لأهل الهامش والقوى الثورية السودانية القبول به . والوثيقة إذاً تأصيل لمبدأ الإقصاء ضد كفاءات وقوى وطنية كثيرة كــ ( الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال – العدل والمساواة – حركة تحرير السودان ” مناوي ” – حركة تحرير السودان ” عبدالواحد محمد نور ” – حركة تحرير الكوش ، وغيرها من التنظيمات والقوى السودانية الحرة ) ، ويعجبني ادعاء موقعي هذه الوثيقة العصمة والبراءة والكمال ، والحل السحري لكل مشكلات السودان ، والويل كل الويل للجبهة الثورية وتحالف كاودا والتنظيمات التقدمية الحرة الأخرى .. وهي بالتالي -أي الوثيقة ، مرفوضة جملةً وتفصيلا من أغلبية أهل السودان وأهل الهامش خاصة .
الوثيقة طالبت بفترة انتقالية يحكمها إعلان دستوري تبدأ بتشكيل الحكومة الانتقالية وتنتهي بإجراء انتخابات حرة ونزيهة ، الآ أنها لم تتحدث عن شكل الدستور الجديد للبلاد ، هل هو اسلامي أم دستور وضعي – أم ماذا !!؟ ، بل استخدمت كلمتا ” إعلان دستوري ” للتلاعب بالكلمات والتملص من هذا الإلتزام مستقبلاً .
الأحزاب الموقعة على وثيقة البديل الديمقراطي يجب عليها أن تفهم أنه لا يمكن اعادة الإعتبار للهوية الوطنية السودانية ، وإحلال دولة القانون والمواطنة في ظل وجود أحزاب وتنظيمات وكيانات ( دينية طائفية قبلية عشائرية ..الخ ) ضعيفة مستفيدة من ابقاء الوضع على ما هو عليه ، لذا فان اسقاط نظام الأنقاذ يعتبر استحقاق أولي وضروري لإنجاز ما يجب ان تتبعه استحقاقات أخرى ، وهي كثيرة ، منها ضرورة أن تحل تلك الأحزاب الدينية والطائفية والتقليدية والديناصورية السودانية نفسها ، وتقبل بسودان جديد وبمفهوم جديد يسع للجميع .
المطالبة بإسقاط نظام البشير تعبر عن رسالة غضب على كل الأنظمة المركزية القمعية الإقصائية التي حكمت السودان منذ عقود ، وأنه من غير العدالة ان نحمل كل ما يجري في السودان اليوم لأهل الأنقاذ ، ونحملهم وحدهم المسؤولية في الخراب الذي لحق بالسودان ومواطنيه ، بل يجب ان نحمل الجميع مسئولية هذا الخراب والدمار ، سيما الأحزاب التي وقعت على وثيقة البديل الديمقراطي ، وهي ” الأمة – الشعبي – الشيوعي – البعثي – الناصري ” التي أدخلت السودان منذ وقتٍ طويل بأفكارها العقائدية والفكرية والدينية والقومية في نفق مظلم .
لقد كبر السودان والسودانيين معا ، واتسع وعي الجميع ، خاصة أهل الهامش ، ولن يرتضوا بعد اليوم ان يتلقوا ضربة الغدر والخيانة في خشوع ، ولن يكونوا بعد اليوم مثل المسيح يديرون خدهم الأيمن لمن يضربهم على خدهم الأيسر ، فزمن عبادة الأشخاص قد ولى وللأبد ، والعاصفة تجرف الآن من كانوا يعتبرون أنفسهم آلهة مقدسة وأصنام معبودة .
إن أهل الهامش على درجة كبيرة من الوعي والفهم بحيث لا يمكن لأحد خداعهم . فبناء سودان يسع الجميع يستلزم إحداث تغيير جذري في السياسة المتبعة اليوم ، إضافة إلى تغيير الأنماط والبنى الفكرية ، وهذا لا يتحقق إلآ بتبني مفهوم جديد لسودان جديد أساسه العدل والمساواة والمواطنة .. ومن يقول بانه يستطيع تحقيق أي سلام أو استقرار في السودان دون تغيير البُنى الفكرية والعقلية والسياسية والإجتماعية ودون اشراك الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال والجبهة الثورية وتحالف كاودا وبقية القوى الثورية فهو وآهم وغبي .
والسلام عليكم..