نائب رئيس حكومة جنوب السودان: السلام بين دولتين خير من الوحدة مع القتال
د. رياك مشار لـ «الشرق الأوسط» : هناك حوار لاختيار اسم الدولة الجديدة.. رسالتي للشمال: التعاون أهم لنا
عيدروس عبد العزيز
صوّت السودانيون الجنوبيون بغالبية ساحقة، تصل إلى نحو 99 في المائة، من أجل إقامة دولتهم الجديدة، وقالت مفوضية استفتاء جنوب السودان على موقعها على الإنترنت، أمس، إن النتائج الأولية للاستفتاء أظهرت أن نحو 99 في المائة من الناخبين اختاروا الانفصال، وذلك بعد فرز 98.7 في المائة من الأصوات. وبات من المؤكد الآن إعلان دولة جنوب السودان في التاسع من يوليو (تموز) المقبل. وفي حوار نادر أجرته «الشرق الأوسط»، مع نائب رئيس حكومة الجنوب (نائب رئيس الدولة الجديدة) الدكتور رياك مشار، عبر الهاتف من لندن، قال إن النتيجة الساحقة لصالح الانفصال «لم تكن مفاجئة لهم»، وهي أمر طبيعي بعد فشل الفترة الانتقالية التي امتدت لمدة 6 سنوات، بعد توقيع اتفاقية السلام عام 2005. وقال إن الجنوبيين، رأوا أن الوحدة لم تكن خيارا مقنعا. لكن مشار، وهو من قبيلة النوير، ثاني أكبر قبيلة في الجنوب بعد الدينكا، رأى أن السلام بين دولتين تتعاونان، خير من الوحدة مع القتال، وقال إن رسالته إلى الشماليين الآن، هي العمل من أجل التواصل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، من أجل خير الشعبين.
ولم يتحدد بعد كيف سيفصل الشمال والجنوب بين اقتصاديهما ويقتسمان ثروتهما النفطية ويرسمان حدودهما. ولم تحسم قضية منطقة أبيي المتنازع عليها، لأن الجانبين يزعمان أحقيتهما بها، وقد شهدت اشتباكات عنيفة بين القبائل خلال الاستفتاء الذي استمر أسبوعا هذا الشهر.
* الانفصال بات واقعا.. والجنوبيون صوتوا بنحو 99 في المائة لصالح إقامة دولة جديدة؛ هل هذه النسبة الساحقة مفاجئة لكم؟
– هذه النتيجة كانت متوقعة بالنسبة لنا، ولم تكن مفاجئة إطلاقا؛ كل الجنوبيين هنا كانوا يتوقعون نسبة عالية جدا لصالح الانفصال، لأن السنوات الست الماضية من عمر الفترة الانتقالية، لم تكن جاذبة.. ولم يتم العمل من أجل إقناع الجنوبيين بأن خيار الوحدة هو الأفضل، والتصويت بكثافة للانفصال يعني أن خيار الوحدة لم يكن جاذبا. اتفاقية السلام التي أنهت الحرب الأهلية وتم توقيعها في 9 يناير (كانون الثاني) 2005، صممت من أجل أن تكون الوحدة جاذبة، وتم تحديد مدى زمني من 6 سنوات لتكون عمر الفترة الانتقالية، لإتاحة الفرصة للعمل من أجل هذا الخيار، ولكن ذلك لم يحصل.. ومضت الفترة الانتقالية دون عمل شيء ملموس في هذا الاتجاه. وكان من الطبيعي أن نرى النتيجة التي نراها اليوم. الجنوبيون رفعوا راية تقرير المصير منذ عام 1955، وكنا متأكدين أن هذا مطلبهم عندما قام الاستفتاء.
* هل أنتم راضون بهذه المحصلة النهائية لاتفاقية السلام، التي كانت ترمي للوحدة، وتعتبر الانفصال حلا أخيرا إذا تعذرت الوحدة؟
– نحن سعداء لأن السلام سيعم، ولأننا طوينا صفحة الحرب، ولن يكون هناك قتال بيننا إذا تم تأسيس دولتين تتعايشان في وفاق، وعلاقات طيبة، وإذا قامت دولتان تتعايشان؛ فأعتقد أن ذلك أفضل للجميع. يمكن أن نقيم علاقات متميزة مع الشمال في كل النواحي؛ الاقتصادية والسياسية، والاجتماعية، الآن يمكننا أن نتقدم للأمام. وهذا هو الأهم الآن.
* هل اخترتم اسما للدولة الجديدة؟
– هناك حوار جارٍ لاختيار اسم الدولة الجديدة، وسنتركه لوقته ليختار الشعب ما يريده؛ لا يزال هناك وقت لاختيار الاسم. ولا نعرف كيف ستتطور الأمور، هناك من ينادي باسم «جنوب السودان»، وهناك من يقول «السودان الجديد»، وهو شعار الحركة الشعبية الذي ناضلت من أجله.
* ما هي رسالتك إلى الشمال؟
– أقول لهم: إن السلام والأمن والاستقرار بيننا هو أفضل من الوحدة مع القتال.. سلام بين دولتين تتعايشان في أمن، خير من أن نكون متحدين، ونتقاتل. إذا قمنا بتأسيس دولتين تتعاونان اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، فسيستفيد شعبانا، وسينعمان بالرفاهية، بعد معاناة الحرب التي دامت عقودا.
* هل هناك أمل في إقامة اتحاد بين دولتين، أو الوحدة من جديد مستقبلا؟
– هذا يتوقف على الأفعال خلال الفترة المقبلة، نحن في الحركة الشعبية نعمل منذ سنوات من أجل هدف واحد، وهو إقامة السودان الجديد، الذي يقوم على العدالة الاجتماعية والسياسية، وحقوق المواطنة، والتوزيع العادل للثروات. وبعد اكتمال الانفصال، ستظل الحركة جزءا من التنظيمات السياسية في الشمال، سيقوم قطاع الشمال في الحركة بتكوين حزب سياسي، في الشمال، منفصل عن الجنوب، ولكن يحمل نفس أفكار الحركة في إقامة سودان جديد، وسيكون له فرع تنظيمي في الجنوب، يحمل الراية نفسها لخلق سودان جديد، فإذا تحقق ذلك، فيمكن أن يعود السودان متوحدا، وسيقرر السياسيون وقتها الصيغة الأفضل، باتحاد بين دولتين أو غيره. ولكن المهم الآن أن نخلق علاقات طيبة بين الشمال والجنوب، وألا نقطع حبائل الوصال الموجود حاليا.
* ما هي أولويات حكومة الجنوب بعد تكوين الدولة الجديدة؟
– إقامة سلام مستدام مع الشمال، وتحقيق الأمن في الجنوب. وتقديم الخدمات لمواطن الجنوب الذي عانى عقودا من فقدانها؛ فنحن نحتاج لتوفير أساسيات كثيرة، مثل مياه صالحة للشرب، وإنشاء الطرق والمستشفيات والمدارس، والاهتمام بالزراعة، والاهتمام بالتنمية والازدهار.
* رياك مشار.. نائب رئيس حكومة الجنوب
* رياك مشار، نائب رئيس حكومة الجنوب، من قبيلة النوير، ثاني أكبر قبيلة في الجنوب. انضم إلى الحركة الشعبية عام 1984، بعد عام من تأسيسها. نال الدكتوراه من جامعة برادفورد في المملكة المتحدة في مجال الهندسة.
وفور التحاقه بالجيش الشعبي (الجناح العسكري للحركة الشعبية) بعثه زعيم الحركة الراحل، الدكتور جون قرنق، إلى الزعيم الليبي، معمر القذافي، لتعريفه بالحركة الوليدة، وشرح ميثاقها، وفتح التعاون مع طرابلس، وقد نجح في كسب دعم القذافي للحركة. عمل في ميدان العمليات الحربية في مناطق غرب النوير. في عام 1991 انشق عن الحركة الشعبية، وشكل مع مجموعة أخرى يقودها الدكتور لام أكول (وزير الخارجية السوداني الأسبق)، حركة جديدة تحت اسم «حركة استقلال جنوب السودان». خاضا معارك ضارية ضد زملائهما السابقين في الحركة الشعبية كانت الأعنف في الحرب الأهلية، غير أنه انشق وشكل فصيلا خاصا به، واحتفظ باسم «حركة استقلال جنوب السودان».
في عام 1994 بدأ يتفاوض مع الحكومة في نيروبي إلى أن وقع اتفاق الناصر عام 1996 مع النائب الأول الأسبق للرئيس البشير، الزبير محمد صالح، وتوج الاتفاق بما عرف وقتها باتفاق الخرطوم للسلام في عام 1997، لكنه عاد مرة أخرى إلى صفوف الحركة الشعبية.