استطاعت إدارة مهرجان “المسرح الحر”، وهو مهرجان يقام منذ العام 2011 في الخرطوم، إقامة الدورة الثامنة منه في مدينة كوستي في ولاية النيل الأبيض جنوب السودان. ورغم توسع مساحة الحرب في السودان، وخاصة الخرطوم، منذ 15 أبريل (نيسان) الماضي، قُدِّمت خلال الفترة من 17 وحتى 22 يونيو(حزيران) الماضي، أربع مسرحيات خلال المهرجان عُرضت في أحد مراكز إيواء النازحين القادمين من الخرطوم.
يقول الممثل شاكر حامد وهو نائب مدير المهرجان، في حديث لـ”اندبندنت عربية”: “إن كانت لحرب الخرطوم من فضيلة، فهي تتمثل في انتقال النشاطات والمهرجانات الثقافية والفنية من العاصمة إلى حواضر البلاد الأخرى، والقضاء على استحواذها على معظم الفعاليات”.
قُدِّمت في المهرجان أربعة عروض مسرحية: “درب الخلاص” من تأليف صلاح اسكندر وإخراج فايز عوض، مسرحية “كومبليتا” من ورشة فرقة المحبة، ومسرحية “وطنّا ما بتهان” لفرقة لمسة إبداع من أمدرمان، ومسرحية “الغراب الأبيض” من مركز الإلفة للممثل محمد حسن طيارة (ميلو دراما).
يقول مدير المهرجان الناقد المسرحي علي أحمد سعيد، إن قيام المهرجان في هذه الظروف، يؤكد دور الفنان المسرحي تجاه مجتمعه في مختلف الأوضاع، ويضيف في حديث لـ”إندبندنت عربية”: “واجهنا مضايقات من السلطات في مدني، إذ منعتنا من إقامة المهرجان، بحجة أن البلاد في حالة حرب، وليس بإمكانهم السماح بقيام المهرجان، مما زاد من إصرارنا على قيامه، لتأكيد أن الفن ليس ترفاً، لكنه يمارس دوراً أصيلاً في المجتمع”. ويؤكد سعيد أن أحد أهداف هذه الدورة تعزيز ثقافة السلام وإيقاف الحرب.
البحث عن مكان
يقول شاكر حامد إن هذه الدورة كان مخططاً لقيامها في مدينة ود مدني في وسط السودان، لكن معوقات إدارية ولوجستية، إضافة إلى عدم سماح السلطات بإقامة المهرجان، حالت دون قيامها، ويضيف: “تواصلنا مع منظمة بحر أبيض للثقافة والفنون وتنمية المجتمع، في مدينة كوستي، وأبدت ترحيبها باستضافة المهرجان”. ويقول حامد: “أقيمت هذه الدورة بجهود شعبية من أبناء المدينة التي تزدحم بالنازحين القادمين من الخرطوم جراء الحرب. وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة، ضحى كثيرون بوقتهم ومالهم”. ويضيف: “قُدمت أربعة عروض مسرحية، إضافة إلى مسرحيات مصاحبة وأقيمت في مركز القوز لإيواء النازحين، وهناك مسرحيات مصاحبة غير مشاركة في التنافس، تعرض في عدد من مراكز الإيواء الأخرى”.
مهرجان مسرحي سوداني يتوجه إلى الهاربين من حرب الخرطوم (اندبندنت عربية)
ونالت العروض جوائز في التمثيل والإخراج وجوائز لجودة العروض. وتم تكوين لجان ومن ضمنها لجنة تحكيم المهرجان التي تشكل قوامها من أبناء المدينة من ذوي التخصص في النقد المسرحي: أحمد فكاك، وأحمد مضوي، ومحمد عصامي عوض، وصلاح عوض الله النعمان والشاعر هيثم الفادني.
مدير منظمة بحر أبيض للثقافة والفنون وتنمية المجتمع، هارون شلتوت، يقول إنهم في غاية السعادة رغم المعاناة التي خاضوها لقيام المهرجان، ويرى أن المهرجان استطاع تقديم الرسالة المنوطة بالمسرح. ويقول: “في ظل هذه الظروف، نريد أن نقدم مدينتنا كمركز للإشعاع الثقافي، في ظل استحواذ العاصمة على النشاطات الثقافية والمهرجانات في أوقات سابقة. ونحن موعودون بكثير من المهرجانات والليالي الثقافية”.
تفاعل كبير ودعم نفسي
يصف هارون شلتوت، التفاعل الشعبي مع المهرجان في الكبير، ويقول: “اختارت إدارة المهرجان مدينة كوستي وتواصلت معنا حول إمكان إقامة المهرجان فرحبنا بالفكرة، رغم الوضع الذي تعيشه مدينة كوستي جراء النزوح إليها نتيجة للحرب”. ويضيف شلتوت في حديث مع “اندبندنت عربية”: “نحن نعتقد أن للفنون دوراً مهماً في مختلف الأوضاع، ولا سيما في الوضع الذي نعانيه جراء الحرب، إذ تقدم الفنون التوعية والدعم النفسي، وكوستي هي إحدى المدن التي استقبلت كثيراً من الوافدين من الذين تأثروا بالحرب وأصبح في المدينة 25 مركزاً للإيواء، وهم في حاجة ماسة للدعم النفسي لتجاوز المحنة التي ألمت بهم”.
يقول شلتوت: “رغم وجود المسارح في المدينة قررت إدارة المهرجان، أن يُقدَّم داخل مراكز الإيواء، لكي يكون المهرجان قريباً من أوضاع النازحين، وهذا هو الدور الذي نستنطيع تقديمه. وقررنا أن تكون العروض الرئيسة في مركز القوز للإيواء ثم تقدم العروض نفسها في بقية مراكز الإيواء في المدينة”.
وعن تمويل المهرجان يقول شلتوت إنه استند إلى الدعم الأهلي، ويضيف: “هناك كثير من المجموعات والفرق كان يفترض أن تأتي للمشاركة في المهرجان لكنها لم تستطع نسبة لظروف البلاد”.
ويرى شلتوت أن العروض وجدت التجاوب والاستحسان وقدمت الرسالة المنوطة بها، ويضيف: “هذا ما رأيناه في عيون الحضور من تجاوب، والمهرجان على الرغم من أنّ أحد أهدافه الدعم النفسي، كان تنافسياً لأن هناك لجنة تحكيم من متخصصين مشهود لهم بالكفاءة، وقيموا العروض وخرجوا بالنتيجة”.
نتيجة المهرجان
في التأليف فازت مسرحية “درب الخلاص” للكاتب والمسرحي والممثل صلاح اسكندر، أما جائزة الإخراج فحازها المخرج صالح حنين عن مسرحية “كومبيليتا”، وجائزة التمثيل- 1 فاز بها الممثل محمد حسن طيارة عن مسرحية “الغراب الأبيض”، وجائزة التمثيل -2 فازت بها الممثلة مثاني آدم عن مسرحية “كومبليتا”، وجائزة إخراج – 2 فاز بها فايز عوض عن مسرحية “درب الخلاص”، ورأت اللجنة منح جائزة التحكيم لعرض “وطنّا ما بِتْهَان” لفرقة لمسة إبداع من مدينة أمدرمان.
القتلى يخرجون من المشارح في مسرحية “آيس دريم” السودانية
اختير المسرحي المخضرم صلاح الدين اسكندر شخصية للمهرجان هذا العام، وهو أحد رواد الحركة المسرحية في مدينة كوستي، وهو كاتب شاعر وممثل بدأ مسيرته منذ مطلع الثمانينيات، واختيرت للتكريم الكاتبة هالة محمود والمسرحي الرائد سيد سنوسي. وأعلنت إدارة المهرجان إقامته سنوياً في كوستي وستتخذها مقراً دائماً. وكان مهرجان المسرح الحر قد أسس في العام 2011، على خلفية مبادرة ملف صحيفة “الأيام” الثقافي (متوقفة الصدور)، مع عدد من الجماعات المسرحية ومراكز دراسات المسرح إضافة إلى مساهمة اتحاد المهن الدرامية، وكلية الفنون والموسيقى في جامعة بحري.
وبحسب مدير المهرجان، قدم المهرجان منذ قيامه وحتى توقفه في 2019 وقيامه مرة أخرى في 2023، أكثر من مئة عرض مسرحي من السودان وخارجه. وشاركت فيه طوال عقد كامل فرق مسرحية من مصر وليبيا وجنوب السودان والسعودية.
يعد المهرجان الأول من نوعه في السودان، إذ إن العروض المسرحية المتقدمة للمشاركة فيه، لا تخضع لأي نوع من الشروط سوى أن تلتزم باحترام التنوع الثقافي.
وتقوم سياسة مهرجان المسرح الحر على توسيع فضاءات العمل المسرحي، وإيجاد أطر ومنابر جديدة للنشاط المسرحي. ويتيح المهرجان الحرية الكاملة للعروض، على ان تلتزم بتعزيز الثقافات المتنوعة شكلاً وفكراً بما لا يتعارض مع القيم الاجتماعية والأعراف المسرحية. ويسعى المهرجان إلى أن يكون منبراً يطرح من خلاله المبدعون رؤاهم وأفكارهم ويعرضون تجاربهم وفق الإمكانات المتاحة وأن يجد ما يطرحونه حظه من التقييم. ويهتم المهرجان بتطوير أدوات المبدعين في مجالات المسرح المختلفة عبر ورش التطوير الحرفية.