مسيرة رئيس طائر… من يقود السودان حقيقةً!!؟
أبوذر على الأمين ياسين
توضح أوضاع صحيفة ألوان التي اشيع أن الرئيس أطلق قراراً بإعادتها للصدور ورفض قائد جهاز الأمن الوطني للقرار وتنفيذه، أن الذي يحكم حقيقة ليس الرئيس ولكن جهاز الأمن!!. وهذا الوضع ظل يلازم الرئيس البشير منذ فجر قدوم الانقاذ للسلطة. فقط جئ به من أقصى هامش الحركة الاسلامية وسط العسكريين لتنفيذ وتمرير حركة استلامها المسلح للسلطة. لكنه بقي دائماً وطوال العشرين عاماً رئيساً رسمياً على المقعد بلا دور حقيقي في رئاسة وادارة شأن السلطة فقط كان دوره الأول هو التمويه بأن أحرار المؤسسة العسكرية هم من قاد الانقلاب على الديمقراطية خارج المؤسسة العسكرية، أما داخلها فقد نجح الانقلاب لان الاعتقاد الذي ساد وقتها بين العسكريين أنه انقلاب القيادة الشرعية ضمن أجواء مذكرة الجيش الشهيرة لمجلس رئاسة الدولة ورئيس وزرائها وقتها السيد الصادق المهدي. وعالمياً انطلى الانطباع بأن التغيير اضطلعت به القوات المسلحة فكان مرحب به كونه المخرج من فوضي الاحزاب التي لم تحسن حتى ادارة الصراع فيما بينها. وهكذا حقق قائد الانقلاب أهداف حركة ادارت كل تفاصيل الاعداد والتنفيذ لانقلاب عسكري وبقوة ينتمي فقط (بعض) قادتها للقوات المسلحة ولا أحد من الذين نفذوا وقادوا عملية الانقلاب واستلام السلطة كان من بين ضباطها أو حتى جنودها. وقبول الرئيس لهذا الدور الصوري لازم مقعده على سدة الحكم حتى وهو يتعرض للإتهام والمحاكمة الدولية!!!؟. ولكن كيف ذلك؟.
ظلت مهمة الرئيس هي توفير الغطاء وتنفيذ جملة مشروعات لصالح الحزب الوليد (المؤتمر الوطني) بلا تخطيط منه أو حتى وقوف على التفاصيل أو المآلات وما يمكن أن تقود له من أفرازات غير محسوبة أو منظورة قد تعود عليه شخصياً أو بصفته الرئيس المسؤول الرسمي عن كل كبيرة أو صغيرة تجري ضمن مملكته وحكمه.
وجاءت أولاً تصفية القوات المسلحة لصالح الحركة والحزب الوليد أيضاً على ذات النهج يقوده من هو أحد أبنائها والمنتمين لها بعد أن آلت له قيادتها بحكم نجاح الانقلاب ولكن بترتيب وتنفيذ آخرين هو بعيد عنهم وعن ما يفعلون ضمن المؤسسة العسكرية التي تحولت بفعل ذلك السند الداعم والحامي للنظام الجديد وللقائد الجديد لكن مفاتيحها ليست بيده تماماً.
وتولى وتبنى الرئيس أيضاً الحملة والصراع ضمن الحركة الاسلامية داعماً مجموعة ضد أخرى، وكان في ذلك الأداة الاساسية التي ادت لقسمة الحركة الاسلامية لشقين وطني وشعبي، وأيضاً بترتيب وتنفيذ بعيداً عنه رغم تصديه وتوليه لكل ذلك وكأنه من بنات تفكيره وترتيبه.
وبعد توقيع اتفاقية السلام تولي أيضاً الرئيس وبصورة علنية قيادة الحملة ضد ثوار دارفور برغم من أنه لم يكن المخطط ولم يحيط بتفاصيل الترتيب الجاري والفعل على الارض، لكنه رغم ذلك ظل مطيعاً وأفضل من يوفر الساتر ويدعم التنفيذ ويتولى كل ما يصاحب ذلك من مسؤولية كبرت أو صغرت وعلناً على رؤس الاشهاد.
انتهت تفاصيل هذا المسير باتهامات محكمة الجنايات الدولية. التي هي الاخرى تحولت من 52 متهم ليتولى الرئيس وعلى ذات المنوال والمنهج الذي ظل عليه منذ قدوم الانقاذ، ليتولى كبرها ويفدي الآخرين ضمن لائحة الاتهام ويحمل هو كل (الشيل)، ويتحول رمزاً مرة أخرى لإنفاذ عدم الافلات من العقاب، بينما الآخرين (الذين هم كل شئ وكل ما دار وصار) يرتبون لما بعده كون كل الطرق والمآلات الآن تفصح عن أن الرئيس البشير رهان خسار وحائط مسدود أمام أي طموح أو حلول ولو مؤقته يكون هو مصدرها أو رهانها. والاسوأ من ذلك أن الرئيس البشير بات بعد العمر الطويل على رأس الدولة السودانية لايملك خياراً ولا مجال له للدفاع عن نفسه لا داخلياً ولا خارجياً كونه قد تصدي (وعلناً) لكل ما قام به الآخرون بعيداً عنه.
واذا كان ما وقع على صحيفة الوان ليس مثالاً كافياً، فإن ما حدث العام 1995م من محاولة لاغتيال الرئيس حسني مبارك بأثيوبيا يؤكد ذلك فقد عاد قادتها ومدبيرها ومنفذيها بعد ابعادهم عن موقع السلطة ليكونوا هم السلطة التي هي ما تزال فوق البشير ولكن هو الذي يدفع ثمن كل ما يأتون.
وهكذا أضحت صورة الرئيس البشير (ماركة عالمية مسجلة له) حصرياً. حيث بات هو رمز كل ما يجب تغييره وبداية كل عملية تغيير واجبة. كونه أصبح يمثل العقبة التي ترفض وتأبى أي حل أو تسوية، بل يمثل الرئيس البشير عالمياً الآن كل سوءات نظامه الذي لا يقبل بحلول داخلية ويرفض كل حلول دولية، وهو فوق ذلك أكبر وأول المتصدين للدفاع والتمترس خلف كل سياسة جرت وتجري وتضر بالداخل السوداني قبل أن تلحق الاضرار بالاقليم من حول السودان والعالم. بل أصبح البشير عنوان الاصرار على استمرار كل السياسات والتجاوزات وترسيخ عدم المحاسبة والمسائلة حتى فيما يصدره من قرارات لا تنفذ وهو الرئيس.
والآن يتصدى النظام وربما على ذات المنوال والقاعدة التي سارت وسادت منذ قدوم الانقاذ للإطلاع بذات الدور عالمياً. نقصد توفير الغطاء لتمرير وتنفيذ شئ بأدوات وتحكم بعيداً عن السلطة ولكن بعلمها. فقد أشار المبعوث الامريكي قرايشن ضمن مرافعته أمام الكونغرس أن السودان سمح لاسرائيل بضرب وملاحقة مهربي الاسلحة الايرانية ضمن اراضيه. وهذا يفسر لماذا سكتت حكومة السودان ولم تشر لما جرى بشرق السودان ولو تلميحاً، في الوقت الذي كان كل العالم يتداول ما حدث بشرق السودان من غارة جوية وقعت هناك، بل منعت الرقابة الامنية أي ايراد له ولو على سبيل الاخبار ضمن الصحافة المحلية. لتعود بعد مرور أكثر من ثلاث شهور على الحدث، لتتحدث عن لجان تحقيق وتدفع بالامر لتداول داخلي محدود ضمن منهج (التقية) بأكثر مما هو تعاطي جاد تجاه ما حدث بشرق السودان، كون التصريحات الرسمية والمتصدية بعد كل هذه المده كانت هي المادة الاعلامية بامتياز.
فعدم مقابلة المبعوث الأمريكي قرايشن منذ بداية مهمته للرئيس البشير، وما كشف عنه حول الغارة الاسرائيلية على شرق السودان وحول التنسيق والخدمات التي وفرها ويوفرها جهاز الامن السوداني ضمن الحملة (الامريكية على الارهاب) تستدعي وقفه نضع فيها يدنا على من يحكم حقيقة هل هو الرئيس أم سياسي سلطة المؤتمر الوطني، أم هو جهاز الأمن منفرداً. كون خلاصات ما قدم قرايشن للكونغرس الامريكي تشير وبقوة أن المدخل والاداة للتغيير والتعامل مع السودان ليست هي السلطة التنفيذية والرئيس البشير، ولا هو حزب المؤتمر الوطني، بل هو جهاز الأمن السوداني. فجهاز الأمن هو الجهة الوحيدة التي تفعل كل شئ لأمريكا لدرجة تستحق رفع اسم السودان عن لائحة الدول الداعمة للإرهاب كونها داعمة لمحاربته ووفقاً لأولويات وخطط أمريكا وليس لأولويات ومصالح وخطط جهاز الامن السوداني أو دولة السودان، بل وليس داخل حدود صلاحيات جهاز الامن نعني داخل السودان، بل حتى خارج السودان اقليماً وضمن العالم العربي والاسلامي. ولكن كيف ينظر ويقيم الامريكان تعاملهم مع جهاز الامن السوداني من جهة؟، وكيف ينظر الامريكان ويقيمون الرئيس البشير الذي يمثل البعد السياسي والتنفيذي للسلطة القائمة بالسودان؟. وهل ستنجح أمريكا في قيادة التغيير عبر جهاز الامن؟ ذلك ما سنأتي عليه ضمن مقال آخر قريباً.
ولكن تبقى محصلة هذا المسير أن الرئيس المهمش لا ينتج إلا مجتمعاً من المهمشين وقوى سياسية تقتات وتعيش على التهميش وتغرق فيه.