كيف نعلم أبناءنا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد؟(3) هارون سليمان [email protected]
منظمات المجتمع المدني
تطور مفهوم المجتمع المدني ومكوناته
شهدت سنوات العقد المنصرم توسعاً مذهلاً في حجم ونطاق وقدرات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم، مدعوماً بعملية العولمة واتساع نطاق نظم الحكم الديمقراطية، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والتكامل الاقتصادي. ووفقاً لحولية المنظمات الدولية، فقد زاد عدد المنظمات غير الحكومية الدولية من 6000 عام 1990 إلى ما يزيد على 70 ألفاً عام 2010. وأصبح لمنظمات المجتمع المدني دور بارز في تقديم المساعدات الإنمائية علي مستوى العالم؛ حيث يشير تقرير منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إلى أن هذه المنظمات قدمت مساعدات تقدر بحوالي 25 مليار دولار أمريكي من المساعدات الدولية .
أصبحت منظمات المجتمع المدني أيضاً جهات مهمة لتقديم الخدمات الاجتماعية وتنفيذ برامج التنمية الأخرى كمكمّل للعمل الحكومي، لا سيما في المناطق التي يضعف فيها التواجد الحكومي كما في أوضاع ما بعد انتهاء الصراعات وعند حدوث كوارث طبيعية أو من صنع الإنسان.
اتضح تأثير منظمات المجتمع المدني في تشكيل السياسات العامة على مستوى العالم خلال العقدين الماضيين. ويبدو هذا النشاط جلياً من خلال الحملات الدعائية الناجحة التي تدور حول قضايا بعينها مثل حظر زراعة الألغام الأرضية وإلغاء الديون وحماية البيئة وحماية حقوق الإنسان وتمكين المرأة وحمايتها من العنف، والتي نجحت في حشد آلاف المساندين في شتى أنحاء المعمورة. وثمة مظهر حديث من مظاهر حيوية المجتمع المدني العالمي هو المنتدى الاجتماعي العالمي الذي يعقد سنوياً منذ عام 2001 في قارات مختلفة وشهده عشرات الآلاف من ناشطي منظمات المجتمع المدني لمناقشة قضايا التنمية العالمية. ويعد النداء العالمي لمكافحة الفقر وهو حملة دولية للمجتمع المدني تدعو إلى الإعفاء من الديون وزيادة المعونات للبلدان الفقيرة، مثالاً آخر على حيوية المجتمع المدني وأهميته. وتشير تقديرات إلى أن هذه الحملة حشدت في عام 2008 أكثر من 116 مليون مواطن للمشاركة في أحداث وأنشطة الوقفة احتجاجاً على الفقر والتي نُظمت في مختلف مدن العالم.
إن قطاع المجتمع المدني لا يبرز فقط كجهة فاعلة واضحة على المستوى المجتمعي في أجزاء كثيرة من العالم، لكنه يتسم كذلك بتنوع ثري في طبيعته وتركيبته. ولهذا السبب، تتفاوت تعريفات المجتمع المدني بدرجة كبيرة استناداً إلى اختلاف النماذج التصورية والأصول التاريخية والسياق القطري العام.
تعريف المجتمع المدني
بدأ مصطلح المجتمع المدني بشكله المحدد بالظهور في أوروبا في القرن السابع عشر ، وارتبط بواقع وتاريخ المجتمعات الغربية وبالشكل الذي يناسب ظروف النشأة وفلسفتها النظرية ، فالمعروف أن أوروبا كانت تعيش في عصر الظلام والاضطهاد السياسي والفكري الذي تمارسه الكنيسة والإقطاع والنبلاء والملوك والأباطرة ، وكانت المجـتمعات حينها تخضع لإرادة الحاكم المُسـتبدّ ، وإرادته هي القانون في المجتمع والسّلطة في ذلك الحيز التاريخي ، لا ينظم سلوكهما قانون، وإن وجد فلا سيادة له ، وهو تعبير عن إرادة الحاكم، والإنسان خاضع لإرادة هذا الطاغوت ، ولا حرية ولا حقوق إلا ما تفضل بها الحاكم عليه .
عندما بدأت النهضة السياسية والمناداة بحقوق الإنسان في أوروبا التي كانت تصادرها الكنيسة، وتضع حضراً على الفكر والتفكير، ونشاط الفرد والجماعة، حينذاك تقدّم روّاد الفكر والنهضة الأوربية الحديثة بنظرية المجتمع المدني، ونشأ هذا المصطلح، فكتب في ذلك هوبز وروسو ولوك وهيغل وماركس، وآخرون غيرهم من مفكِّري أوروبا وروّاد نهضتها الحديثة، كلّ في مرحلته، ونظّروا لهذا المجتمع .
كان الحديث عن المجتمع المدني قد اختفى بعد قيام الحضارة الأوربية الحديثة ، ثم نشط الحديث عنه كما نشط التنظير له وتطوير المفهوم في الحقبة الأخيرة ، وقد تعدّدت الآراء والتعاريف لهذا المصطلح، وتباينت منذ نشأته، لا سيما في إطار المدرسـتين الماركسية والرأسمالية، وقد تقاطعت المدرستان الغربية والشرقية في عناصر وأسس مشتركة لبناء المجتمع المدني، مثل سيادة القانون ، واحترام إرادة الإنسان وحقوقه في حقول الفكر والسياسة والإنتاج، وتحديد دور السلطة ، وإعطاء المجتمع الدور الكبير في بناء الحياة وصنع القرار السياسي، وإرساء الحياة على أساس التعاون المؤسسي والتسامح، وقبول الرأي والرأي الآخر .
اختلف المفكرون وأصحاب النظريات في وضع تعريف محدد للمجتمع المدني ، كما اختلفوا في تحديد مفهومه وطبيعته ودوره ، فقد بدأ المفهوم في القرن السابع عشر والثامن عشر على يد عدد من المنظرين أشهرهم جون لوك ( 1621 – 1704 ) الفيلسوف الانجليزي الذي رسم العلاقة بين الدولة والمواطن في كتابه الشهير العقد الاجتماعي ، ثم جاء جان جاك روسو ( 1712-1778 ) ليطور في عقده الاجتماعي بإدخال مفاهيم جديدة أصبحت فيما بعد قيما متداولة وشائعة ، مثل الدستور ، الأمة ، المساواة ، الحرية ، القوانين، المواطنة ، ثم كان هيجل في القرن التسع عشر الذي اعتبر المجتمع المدني هو الوسيط بين العائلة والدولة .
إن مفهوم المجتمع المدني فكرة وممارسة تم أحياؤها في عصر التنوير وقد استعمل أول مرة في سنة 1594 مرادفاً لكلمة مجتمع محلي ، حيث كان يشير إلى مجموعة من الناس الذين يسكنون المدن. ونتيجة التحولات والتطورات التاريخية التي مر بها مفهوم المجتمع المدني ظهرت تعاريف عدة منها تعريف **الفلاسفة الأخلاقيين الذين جعلوه مؤشرا رئيسا للتطور من حالة الطبيعة إلى حالة الحضارة . فوصف بأنه ” كل تجمع بشري أنتقل وخرج من حالة الطبيعة الفطرية إلى حالة المدنية التي تتمثل بوجود هيئة سياسية قائمة على أتفاق تعاقدي”.
تعريف البنك الدولي
يشير مصطلح المجتمع المدني إلى المجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجودٌ في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية. ومن ثم يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى مجموعة عريضة من المنظمات، تضم: الجماعات المجتمعية المحلية، والمنظمات غير الحكومية ، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري”.
أنها تلك الجمعيات الأهلية الطوعية التي تهدف إلى النهوض بالمجتمع ومساعدة الدولة وإيصال صوت المواطن العادي للأجهزة الرسمية دون تبني أجندة حزبية سياسية أو جهوية أو فئوية أو مهنية مطلبية مسبقة وهذه المنظمات ينشئها أفراد من المجتمع بمحض إرادتهم الخاصة وينفقون عليها من مواردهم الشخصية أو التبرعات من عامة الشعب والشركات … يتفق أعضاؤها على دستور ولائحة لتنظيم عمل المنظمة وصلاحيات قادتها وكوادرها المنتخبين لمدد محدودة .بعد توفر شروط تسجيلها وتعترف بها الدولة . وأن تلتزم بتقديم ونشر بيانات مالية مدققة عن مصادر التمويل والنفقات عقب عقد اجتماع دوري سنوي مرة واحدة على الأقل لجمعيتها العمومية .
يطلق مسمى المجتمع المدني على مجموعة المنظمات التطوعية, التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة, لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة بذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السليمة والتنوع والاختلاف وتعبر المجتمع المدني عن عدد من القضايا والمفاهيم والآليات السياسية والفكرية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية.
كما يمكن تعريف المجتمع المدني على أنه بلورة أنماط من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وهذه العلاقات تكون محصلة تفاعل بين القوى والتكوينات الاجتماعية المختلفة في المجتمع ، وهي ليست ذات طبيعة واحدة، فقد تكون تعاونية أو تصارعية أو تنافسية وذلك طبقا لدرجة الإتقان العام داخل المجتمع وطبقا لدرجة التباين بين القوى المختلفة من حيث مصالحها أو تصوراتها.
إن مفهوم المجتمع المدني لا يعني فقط مفهوم الرابطة الاجتماعية كأساس للاجتماع، بل إنه يرتبط أيضا بمفهوم القانون والعقد الاجتماعي وهو بذلك يجسد مفهوم السياسة الحديثة بوصفها نابعة من المجتمع البشري، وبالتالي فإن لفظيّ دولة ومجتمع مدني تتطابقان ولا يمكن الفصل بينهما. وهناك عدة تسميات أطلقت على المجتمع المدني في الكثير من “الأدبيات العالمية والمحلية منها المنظمات غير الحكومية ، أو غير الربحية ،أو مؤسسات المجتمع المدني ، القطاع التطوعي ، جمعيات النفع العام ،* القطاع الثالث والجمعيات الأهلية.
شروط تكوين مؤسسات المجتمع المدني
1. أن تكون منظمات مدنية مستقلة وغير حكومية.
2. أن تكون منظمات غير إرثية، أي أن العضوية فيها لا تتوارث عبر العائلة أو العشيرة أو الطائفة أو المذهب أو الدين.
3. أن تكون منظمات طوعية، أي أن الانتساب إليها يتم وفقاً لاختيار واعٍ وحر.
4. أن تكون منظمات غير ربحية، أي لا تستهدف تحقيق الربح، وهو ما يميّزها عن مؤسسات القطاع الخاص الهادف إلى الربح.
5. أن تكون منظمات حداثية، وذلك ما يميزها عن المؤسسات التقليدية.
6. أن تكون منظمات ديمقراطية وهو ما يميزها عن المؤسسات التقليدية وتمارس الديمقراطية في جميع أعمالها وعلاقاتها الداخلية، بين هيئاتها وأفرادها وبينها وبين محيطها الخارجي.
7. أن تكون منظمات تعددية أي تقبل بالاختلاف والتنوّع.
عناصر المجتمع المدني
1. الفعل الإرادي أو التطوع الاختياري في العمل المجتمعي
تختلف منظمات المجتمع المدني عن الجماعات القريبة مثل الأسرة أو العشيرة أو القبيلة التي لا دخل للفرد في اختيار عضويتها، والتي تكون مفروضة عليه بحكم الميلاد أو الإرث.
2. التنظيم والإدارة
المجتمع المدني منظم وهو بذلك مختلف عن المجتمع بشكل عام إذ أنه يجمع ويخلق نسقا من المنظمات أو المؤسسات التي تعمل بصورة منهجية، وبالإذعان لمعايير منطقية ويقبل الأفراد والجماعات عضويتها بمحض إرادتهم، ولكن بشروط وقواعد يتم التراضي بشأنها وقبولها.
3. العنصر الأخلاقي السلوكي
وهو عنصر ينطوي على قبول الاختلاف والتنوع بين الذات والآخرين، وعلى حق الآخرين في أن يكونوا منظمات مدنية تحقق وتحمي وتدافع عن مصالحهم المادية والمعنوية ومصالح الفئات والقضايا التي يؤمنون بها، والالتزام في إدارة الخلاف داخل وبين منظمات المجتمع المدني وبينها وبين الدولة بالوسائل السلمية وفي ضوء قيم الاحترام والتسامح والتنافس والصراع السلمي.
4. الاستقلالية
وهي عنصر أساسي لتمكين منظمات المجتمع المدني من القيام بدورها وتحقيق أهدافها، واستقلالية منظمات المجتمع المدني تتطلب استقلاليتها تنظيميا وإداريا وماليا عن إدارات الدولة الرسمية، وهذا ما يميزها عن إدارات الحكومة والمؤسسات العامة, وفي كل الأحوال يجب أن تكون استقلالية منظمات المجتمع المدني بأبعادها المختلفة حقيقة واقعية وليست مجرد استقلالية شكلية فقط من حيث الأطر التنظيمية والهيكلية والأنظمة الداخلية لتلك المنظمات، بل يجب أن تكون هذه الاستقلالية ممارسة على ارض الواقع.
5. الشفافية
يجب أن تكون رؤية ورسالة وأهداف منظمات المجتمع المدني ومصادر تمويلها وأوجه صرفها واضحة ومشروعة، كما يجب أن تكون هناك آلية واضحة لمساءلة ومحاسبة الهيئات القيادية لتلك المنظمات من قبل هيئاتها العامة.
6. المصداقية
وهي تأتي من ثقة الجمهور بالدور الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني ، وهي التي تبني وتعزز شرعية تلك المنظمات وهو ما يعرف بشرعية الأداء والإنجاز.
مكونات المجتمع المدني
يتفق معظم المهتمين في دراسة المجتمع المدني على أنه يتكون من مجموعة من المكونات، إلا أن هناك بعض المكونات التي لازال الخلاف عليها قائماً، فالمكونات المتفق عليها هي:
1. المنظمات غير الحكومية
2. النقابات والتنظيمات المهنية
3. الاتحادات العمالية
4. النوادي ومراكز الشباب
5. المنظمات الشعبية
6. الحركات الاجتماعية
أما المكونات الخلافية فهي:-
الأحزاب السياسية:-
وقد ثار جدل كبير فيما إذا كان يمكن اعتبار الأحزاب السياسية جزء من منظمات المجتمع المدني أم لا، ومرد هذا الجدل كون أن من أهداف الأحزاب السياسية الوصول الى السلطة أو المشاركة فيها وقد تنقلب الأحزاب على المجتمع المدني لتحقيق وضمان استمرارها في الحكم، إلا أن هذا المنطق وإن كان يستقيم مع الواقع العملي والتجارب العملية للأحزاب في دول العالم الثالث وبالأخص في العالم العربي، إلا أن العديد من
التجارب في العالم أثبتت بأنه يمكن الفصل بين مؤسسة الحزب كحزب وبين الحزب كحزب حاكم.
الصحافة الحرة المستقلة:-
ولعل الجدل حول اعتبارها جزء من منظمات المجتمع المدني جاء من صعوبات عملية أكثر من عدم توفر عناصر وشروط المجتمع المدني للصحافة حيث أن العمل الصحفي يتأثر كثيرا بالعوامل السياسية وأجندات القوى المختلفة.
خصائص ومهام منظمات المجتمع المدني
هناك خصائص عامة لابد أن تتمتع بها منظمات المجتمع المدني بصورة عامة، كما أن هناك خصائص إضافية يستوجب ضمان وجودها لدى المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان بشكل خاص.
أـ الخصائص العامة :
1. البناء المؤسسي الذي يضمن التحقيق الأمثل لأهداف المنظمة.
2. الاستقلالية كشرط أساسي لتمكين المنظمة من تحقيق أهدافها, ويقصد بالاستقلالية استقلال هيئاتها المالية والتنفيذية عن الإدارة الرسمية للدولة.
3. المرونة والقدرة على التكيف مع التطورات في المجتمع أو البيئة التي تعمل بها.
4. العمل التطوعي الذي يساعد على استغلال الدعم والموارد المالية بالشكل الأمثل.
5. عدم السعي إلى جني الأرباح المالية وتوزيعها على المنتسبين إليها أو القائمين عليها.
6. التجانس بين العاملين في هذه المنظمات من حيث التوافق على الأهداف، ولا يعني ذلك عدم الاختلاف أو التعددية.
7. المصداقية، حيث تستمد هذه المنظمات شرعيتها من ثقة الناس بها وبدورها.
8. الشفافية، من حيث وضوح ومشروعية أهداف المنظمة ومصادر تمويلها وطبيعة تنظيمها.
أهداف مؤسسات المجتمع المدني:
1. دعم مشاريع وخطط التنمية الشاملة والمستدامة، بحيث تكون شريكاً للدولة في تنفيذها ومراقبة حسن أدائها ورصد الانتهاكات والخروقات التي تعترضها.
2. اقتراح قوانين وأنظمة ولوائح وتقديمها إلى البرلمانات والجهات التشريعية والحكومات.
3. السعي من أجل بناء مواطنة متساوية وكاملة ومن دون تمييز بسبب الدين أو اللغة أو العرق أو المذهب أو الجنس أو المنحدر الاجتماعي أو غير ذلك.
4. العمل على بناء قدرات الأفراد وتنمية مهاراتهم وتدريبهم، ليسهموا في مجتمعاتهم وفي مؤسساتهم المهنية والنقابية للدفاع عن مصالح منتسبيها وعن مصالح المجتمع ككل.
5. تشجيع الجهود التطوعية والمبادرات الفردية والجماعية، بما يعزز التضامن والتكافل والتعاون والمساندة بين جميع الفعاليات الاجتماعية.
الأسس التي ترتكز عليها مؤسسات المجتمع المدني :
أولاً: الأساس القانوني والمقصود بذلك الدساتير والتشريعات وقوانين الجمعيات والاتحادات والنقابات التي تنظم علاقة هذه المؤسسات بالدولة.
ثانياً: الأساس السياسي، والمقصود به إقرار النظام السياسي بالتعددية وحق تشكيل الجمعيات والمنظمات المدنية.
ثالثاً: الأساس الاقتصادي، والمقصود به تحقيق درجة من التطور الاقتصادي الاجتماعي بإشباع حاجات الأفراد الأساسية بعيداً عن مؤسسات الدولة (الدعم الرسمي للمشروع الخاص والمبادرات الفردية).
رابعاً: الأساس الثقافي، ويقصد به مجموعة الأفكار والتصورات التي يؤمن بها الأفراد وتشكّل محددات لسلوكهم وعلاقاتهم، وتعبّر في مجموعها عن الإطار المعرفي والثقافي للمجتمع المدني الحديث.
التحديات والمعيقات
إن أهم التحديات التي تعترض طريق منظمات المجتمع المدني في سعيها للنهوض بمسؤولياتها تتمثل في الثقافة السائدة التي تحكم نظرة مؤسسات الدولة تجاه المنظمات غير الحكومية.
وبالرغم من أن الدولة قد أخذت تنظر إلى منظمات المجتمع المدني كشريك لها وشرعت في التعامل معه على هذا الأساس ، إلا أنها على الصعيد العملي الواقعي ما تزال تنظر إلى هذه المنظمات نظرة توجس وحذر، وتخضعها للمراقبة ، وتقيد نشاطاتها من خلال فرض تشريعات وإجراءات تهدف إلى ضبط حركتها تحت سقف السياسات الرسمية. من الأمثلة على ذلك تدخل بعض الجهات الحكومية المختصة في نتائج انتخابات الهيئات الإدارية لمنظمات المجتمع المدني ، واتخاذ قرارات بحل منظمات أخرى دون سابق إنذار.
ويواجه المجتمع المدني في العديد من بلدان العالم الثالث عدداً من التحديات والمعيقات التي لابد من إيلائها اهتماماً خاصاً والتي تتلخص بالقضايا التالية: الديمقراطية والحكم الصالح، الاستدامة، ضعف الدور السياسي، التحالفات الوطنية.
1. الديمقراطية والحكم الصالح
بالرغم من كون المجتمع المدني دعامة رئيسية للتحول الديمقراطي والانفتاح السياسي، إلا أن العديد من منظمات المجتمع المدني تفتقر إلى الديمقراطية ولمبادئ الإدارة الرشيدة والحكم الصالح كالمشاركة والمساءلة والشفافية, ويتجلى ذلك في مظاهر عديدة منها غياب الانتخابات الدورية التنافسية واختيار القيادات بالتزكية، ضعف قاعدة العضوية في العديد من منظمات المجتمع المدني بما في ذلك الأحزاب السياسية، إلزامية العضوية في قطاع كبير من قطاعات المجتمع المدني كالنقابات المهنية مقابل مبدأ الطوعية، عدم ممارسة الهيئات العامة للمجتمع المدني الصلاحيات المخولة لها.
2. الاستدامة
تعتبر الاستدامة التحدي الأبرز أمام منظمات المجتمع المدني ، إذ أن أعداداً كبيرة من منظمات المجتمع المدني في بعض البلدان ولاسيما الجمعيات الخيرية والهيئات الاجتماعية والمنتديات الثقافية تظهر وتنشط لفترة قصيرة ثم تذوي وتختفي.
3. ضعف الدور السياسي:
يلاحظ أن منظمات المجتمع المدني يتنازعها تياران مستقلان أولهما مقاومة اتخاذ أي موقف سياسي، والآخر استغلال صفتها المهنية كواجهة لممارسة العمل السياسي, وقد يعزى السبب في ذلك إلى أن الحكومات قد سعت في بعض البلدان إلى منع نشطاء الأحزاب من الحصول على مناصب قيادية في منظمات المجتمع المدني كالنقابات العمالية والجمعيات الخيرية والهيئات الثقافية والرياضية.
4. ضعف التحالفات الوطنية:
بالرغم من انضواء معظم قطاعات في العديد من البلدان تحت شبكات إقليمية أو دولية، الا أن جهودها في إقامة تحالفات وشبكات وطنية كانت أقل نجاحاً, وقد يعود السبب في ذلك إلى هيمنة الأشكال التقليدية من المظلات الوطنية مثل الاتحادات العامة التي تجمع منظمات متشابهة كالنقابات العمالية والجمعيات الخيرية والهيئات المهنية, وعجزت منظمات حقوق الإنسان والتنمية الديمقراطية عن القيام بدورها في بلورة صيغة للعمل المشترك رغم حاجتها إلى ذلك من أجل حماية نفسها أمام الضغوط الحكومية، أو للنهوض بأعباء مراقبة حقوق الإنسان بالتعاون مع المنظمات المشابهة.
معيقات قيام شراكة فاعلة بين منظمات المجتمع المدني والحكومات :
1. تعدد المرجعيات المعنية بتسجيل المنظمات غير الحكومية من هيئات وجمعيات اجتماعية، واختلاف أنماط الرقابة والإشراف الرسمي عليها.
2. قدم التشريعات الناظمة لعمل الجمعيات، وهي بحاجة إلى تعديلات جوهرية استجابة لمتطلبات المعايير الدولية الناظمة لعمل مؤسسات المجتمع المدني .
3. ضعف القدرة على الابتكار والتجديد في صياغة الأهداف ووسائل العمل.
4. ضعف أشكال التنسيق والتعاون بين المنظمات غير الحكومية المحلية والوطنية من جهة، وبينها وبين المنظمات غير الحكومية الدولية والأجنبية من جهة أخرى، مما يشكل عائقاً أمام إمكانية انتشار تلك المنظمات ويقلل من كفاءتها التنفيذية
دور منظمات المجتمع المدني في حماية حقوق الإنسان
من المعلوم أن قضية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية أصبحت في العصر الحاضر من القضايا التي تشغل العالم بأسرة, وذلك نظرا للمركز القانوني الذي أصبح الفرد يتمتع به, وفق منظومة القانون الدولي حيث أصبح الفرد احد أشخاص القانون الدولي ولم تعد القضايا المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم تندرج في إطار السيادة الوطنية لكل دولة على حده, وأصبح الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان مقياس دولة التقدم والديمقراطية. وإذا كان للدولة دور في حماية حقوق الإنسان من خلال أجهزتها المختلفة, فان لمنظمات المجتمع المدني دور لا يقل أهمية عن دور الحكومات .
خصائص بمنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان :
1. الاعتماد على المعلومات الموثوقة والدقيقة والحديثة التي تعكس واقع حقوق الإنسان في الدولة بشكل موضوعي غير مبالغ فيه.
2. التواصل مع الحكومة كأداة أساسية تمكن المنظمات من الحصول على المعلومات وإحداث التغييرات في سبيل تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
3. التمثيل أو انضمام الأعضاء إلى المنظمات لضمان تمثيل أوسع لها في مختلف المجالات.
4. التشبيك والتعاون مع المنظمات الأخرى المشابهة مما يتيح الاستغلال الأمثل للمصادر والحد من الازدواجية في العمل.
5. جذب اهتمام وسائل الإعلام المختلفة وتأكيد دورها في مجال تعزيز الوعي بحقوق الإنسان.
6. احترام سيادة القانون لضمان عدم التعرض إلى أي انتقاد أو تدخل من قبل أي جهة، وضرورة احترام قوانين الدولة التي تعمل بها المنظمة.
7. المرونة، وتعدد وسائل التعبير من الحوار الدبلوماسي الى تشكيل جماعات الضغط وتنظيم المسيرات وإصدار التقارير تبعاً لطبيعة الانتهاك .
8. الموضوعية في تحديد الأهداف على ضوء الظروف العامة.
9. اختيار التوقيت المناسب للدفاع عن قضية محددة واخذ اتجاهات الرأي العام حولها بعين الاعتبار.
المهام الأساسية لمنظمات المجتمع المدني في مجال حقوق الإنسان فهي:
1. تقصي الحقائق من خلال جمع المعلومات وتحليلها.
2. مراقبة تطبيق الدولة لالتزاماتها الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
3. استخدام كافة الوسائل لرصد وتوثيق حالة حقوق الإنسان.
4. العمل على تعزيز مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان من خلال نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعزيزها.
5. تقديم العون والمساعدة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك المساعدة القانونية.
6. حشد الدعم والتأييد لقضايا حقوق الإنسان بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية الأخرى.