أحمد محمود
لعل من سخريات القدر أن جعل شعب السودان من أنحس أمم الأرض قاطبة في كل جوانب الحياة ، ورغم نيل شعب السودان استقلاله من قبضة الإستعمار الخارجي باكراً إلا أن الناظر لحال السودان اليوم يخيل عليه أن- محمد علي باشا – اللص السارق بإسم الدين لا يزال مستحكما في شؤون السودان كدولة موارد (هاملة) بلا سيد أو قيد .
إذ كيف يعقل أن يعاني المواطن السوداني نقصاً في مياه الشرب بينما يعتبر السودان سفينة عملاقة تسبح فوق بحر جوفي من البترول والمياه الصالحة للشرب ، فضلاً عن احتضانه لأطول نيل بالعالم إضافة الي النيل الازرق وعشرات الأنهار والوديان الموسمية التي تجوب البلاد سائمة بلا لجام أو رسن ، ولسان حالها تنادي السلطات بأن خذوا مني كفاية شعوبكم قبل أن تبتلعني أمعاء البحر الأبيض المتوسط !!
وهل بمقدور أمهر جوكية الخيال العلمي تخيل أن ثمة بنوا
آدمين بهذا الكون ما انفكوا يتخذون من كهوف أشجار (التبلدي) والآبار الآسنة خزانات لمياه شربهم !!
وإذا ما حالف بعضهم الحظ بوجود آبار جوفية (الدوانكي)
فإنهم والماشية يقتسمون الأحواض التي غالباً ما تعوم فوقها روث المواشي وشئ من الضفادع والزواحف النافقة !!
أما في مدن السودان المختلفة فليس الحال بأفضل من القري ، إذ لا تزال مشكلة ماء الشرب في المدن السودانية ماثلة أمام المواطن الذي أحني ظهره غلاء السلع وضنك العيش ، فإذا كان متوسط دخل المواطن اليومي 100 جنيه سوداني فإن نصيب ماء الشرب من ذلك 50 جنيها لتانكر الماء ، ليقف ما تبقي من الدخل عاجزا ً عن الصمود أمام أمواج المتطلبات الأساسية العاتية من ملح وزيت ورغيف وساندويتشات أولاد الروضة والمواصلات وحنة المدام وفواتير الكهرباء والنفايات ، وما أكثر نفايات السودان اليوم !!
لينهض المواطن في اليوم التالي بذات الهموم والغموم .
وإذا ما احتظي بعضهم بماسورة مياه فالإنقطاعات المتكررة وشئ من الصرف الصحي أمران لا فكاك منهما ،
ولعل من نافلة القول الحديث عن مواصلة الحكومات المتعاقبة علي ظهر المواطن السوداني إدمان الفشل تجاه توفير حاجة المواطن من مياه الشرب التي بعدمها تنعدم كل شيء .
وكأننا في انتظار نزول عيسى ليحل لنا معضلة توفير ماء شربنا ، فإلي متي هذا الصمت الحكومي المطبق إزاء هلاك المواطن جوعاً وعطشا ؟!
لا أري تعبيراً أكثر شرحاً لواقع حال حاجة السودان لماء الشرب سوي كلمات أمير الشعر السوداني الشاعر / إسحاق عثمان الحلنقي :
عطشان والبحر خطوة
ويمكن أقل من خطوة !!