ضربنا أسوأ مثل لحكم شهده السودان ، وبلغ الفساد المالي والاخلاقي

اسلامي مخضرم : ضربنا أسوأ مثل لحكم شهده السودان ، وبلغ الفساد المالي والاخلاقي مداه في ظل الانقاذ
(حريات)
البروفسير الطيب زين العابدين ، اسلامي مخضرم واستاذ علوم سياسية ، ورغم وصول حركته السياسية ( الجبهة القومية الاسلامية) للسلطة ، لم يستوزر ، وظل محافظاً على مسافة نقدية ومحتفظاً باستقامته ونزاهته ، فلم يتورط في الدفاع عن انتهاكات حقوق الانسان ، ولم ينخرط في زمرة المطبلين وحارقي البخور ، وظل يصدع بالحق ، ولهذا يُحظي باحترام واسع وسط غالبية القوى السياسية والرأي العام السوداني .

كتب البروفسير الطيب في مقاله الراتب بتاريخ 12 مارس شهادة مهمة عن تجربة الانقاذ ، قال فيها : ( … لم يخطر ببالنا طرفة عين، أننا عندما نحكم قبضتنا على مقاليد الدولة والمجتمع، سنضرب أسوأ مثل لحكم ديمقراطي أو عسكري شهده السودان علمانياً كان أم إسلامياً. فقد حدث في عهد الإنقاذ ما لم يحدث في غيرها من الكبائر: حارب أبناء الشمال لأول مرة مع حركة تمرد جنوبية يسارية كراهية في حكم الإنقاذ، وانقلبت الحرب ضد التمرد من حرب وطنية تحفظ وحدة السودان إلى حرب دينية جهادية ضد الكفار في الجنوب أدت إلى مقتل أكثر من عشرين ألفاً من شباب الإسلاميين، وألبت علينا الحرب الدينية عداء دول الجوار والدول الغربية الكبرى، وانتهى بنا الأمر إلى انفصال الجنوب الذي ظل موحداً مع الشمال أكثر من «150» سنة، وقام تمرد آخر في كل من دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان، وارتكبت الحكومة الكثير من الخطايا والموبقات ضد أهل دارفور، مما جر عليها قضايا جنائية دولية طالت حتى رئيس الجمهورية وبعض كبار المسؤولين، واستطاع أحد فصائل تمرد دارفور أن يصل مدججاً بالسلاح إلى قلب العاصمة المثلثة دون أن يتعرض له جيش البلاد المكلف بحراستها وتأمينها، وتبنت سياسة خارجية خرقاء ضد دول الجوار العربي والإفريقي وصلت إلى حد دعم جماعات العنف والاغتيال السياسي، مما أدى إلى عداء مبرر من تلك الدول، وإلى عقوبات دبلوماسية واقتصادية دولية ضد السودان، واستشرى الشعور بالعرقية والقبلية في كل أنحاء السودان بصورة غير مسبوقة، وسعت الحكومة الإسلامية إلى تسييس الخدمة المدنية والقوات النظامية والقضاء والمؤسسات الأكاديمية تحت شعار التمكين، بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان الحديث، وبلغ الفساد المالي والأخلاقي مداه في ظل حكومة الإنقاذ بممارسات لم نسمع بها من قبل في العهود العسكرية السابقة.

ذاك ما كان في الشأن العام الذي يهم كل أهل السودان، ولم يكن شأن الحركة الإسلامية نفسها التي حكموا باسمها أحسن حالاً، فقد فقدت طهارتها الثورية، وكسدت شعاراتها الإسلامية حتى ليستحي المرء من ترديدها أمام الناس، وحلت أجهزتها المنتخبة من قبل قيادتها، وانشقت صفوفها بسبب الصراع العاري على السلطة، ثم جمدت أنشطتها الفكرية والدعوية والتربوية عن قصد بواسطة حكومتها الإسلامية، حتى لا تحشر أنفها في غير ما يخصها من شؤون الحكم، مما فتح المجال واسعاً أمام الجماعات الصوفية والسلفية أن تخترق الجامعات والمعاهد العليا التي كانت شبه محتكرة لفكر الحركة الإسلامية دون كل التيارات الأخرى. واستولت قلة قليلة من الأفراد المتنفذين من كهول الحركة الإسلامية بنفوذ السلطة على مقاليد الدولة وشؤون الحزب الحاكم الذي أصبح خاوياً على عروشه وعلى الحركة الإسلامية المجمدة. وأصبحت معظم كوادر الحركة الإسلامية الفاعلة موظفة للدولة أو منتفعة منها بصورة أو أخرى، ومن ثم تلزم الصمت حيال كل الأخطاء المرتكبة في حق الجماعة أو البلد. وتلك لعمري نهاية محزنة مؤلمة لحركة إسلامية واعدة كانت تتقدم بخطى قوية ثابتة في ظل النظام الديمقراطي التعددي على هشاشته، وكانت تظن أنها ستأتي يوماً بما لم يأتِ به الأوائل، وأنها ستقدم نموذجاً للحكم الإسلامي يتفوق على كل ما عرفه العالم الإسلامي من نماذج في السعودية أو إيران أو باكستان…)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *