+ + ما هو ( الفقه) الذي دفع برلمان تركيا /الاخواني لالغاء ( تجريم الزنا) نزولا عند رغبة الاتحاد الاوروبي ؟!!
+++ اخوان السودان بفهمهم الظلامي المتطرف للاسلام، عجزوا ان يدركوا ان ( وحدة السودان) اهم من تطبيق الجانب العقابي من الشريعة !!
++++ سيشهد التاريخ (للميرغني) انه كان ( فلتة ) حين ابرم اتفاقية ( الميرغني / غرنق) بتجميد قوانين سبتمبر !!
في يوم الاحد الماضي ، الاسبوع الاخير من سبتمبر ٢٠١٦ استوفت دولة تركيا الاسلامية / الاخوانية اخر شروط الاتحاد الاوروبي لبدء مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي ، الا وهو شرط ( الغاء تجريم الزنا ) في قانون العقوبات التركي . لقد حاول البرلمان التركي اقناع الاتحاد الاوروبي باجراء اصلاح في قانون العقوبات التركي يقضي بتخفيف عقوبة ( جريمة الزنا ، من جناية الي ( جنحة ) ، و لكن الاتحاد الاوروبي ، رفض اي مساومة
في هذا الموضوع و اصر علي ( الغاء تجريم الزنا ) .. . و بكل عقلانية تفهم البرلمان التركي ، الذي سبق ان وافق علي الغاء عقوبة الاعدام استجابة لشروط الاتحاد الاوروبي ، وافق برلمان الاخوان المسلمين التركي علي ( عدم تجريم الزنا في قانون العقوبات التركي ، و الذي يعني (تحليل و اباحة الزنا ) في الدولة التركية ، نعم اقدم اخوان تركيا علي خطوة ( عدم تجريم الزنا ) استنادا علي ( فقه المصلحة ) ، بحجة ان ( مصلحة تركيا الاسلامية في الانضمام للاتحاد الاوروبي اكبر من مسالة ( عدم تجريم الزنا ) ، لان الزنا ( خطيئة) في كل الاديان و الثقافات ، و بدليل ان الانسان الاوروبي يستحي ان يقال عليه انه زاني ، ( و الاثم ما حاك في النفس …) .
و نذكر في هذا المقام ، بان من اهم اسباب خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي ، هو تخوفهم من دخول تركيا الاسلامية النادي الاوروبي المسيحي . اردغان ، و حزبه الاخواني يدركان ، ان مصلحة تركيا كدولة ، و مصلحة تركيا بصفتها عاصمة الخلافة الاسلامية في دخول النادي الاوروبي المسيحي اكبر مليار مرة من مسألة ( تجريم او تحليل الزنا ) ، لان دخول تركيا في الاتحاد الاوروبي عمليا يفتح اوروبا كلها للدعوة الاسلامية بالتي هي احسن ، و يفتح المجال لحرية الاعتقاد في كل اوروبا ، و ( الحشاش يملا شبكته ) ، و اي مكسب للاسلام اكبر من ذلك ؟!!
اخوان السودان بفهمهم الظلامي للاسلام ، ( و قلة فقه الدولة و المصلحة ) ، عجزوا ان يفهموا ان ( وحدة السودان ) اهم من ( تطبيق الجانب العقابي من الشريعة) !!
في ذات الوقت الذي اجري فيه البرلمان التركي اصلاحا تشريعيا خلص فيه الي (عدم تجريم الزنا ) نزولا عند رغبة الاتحاد الاوروبي ، كان مجلس الوزراء السوداني يناقش ( عقوبة الزنا ) ، و الجزئية التي يناقشها المشرع السوداني هي ( تخفيف عقوبة الزنا من ( الرجم ) الي ( الاعدام شنقا حتي الموت )، و ذلك نزولا عند رغبة ( حقوق الانسان في سويسرا ) . في هذه الفقرة سوف نقارن بين ( تطبيق الاخوان المسلمين للشريعة في السودان ، الذي اتسم بالغلو و التطرف ، و بين التطبيق المرن لنظرائهم من الاخوان المسلمين في مصر ، و تونس ، و تركيا ، وذلك علي النحو التالي :
اولا : سيشهد التاريخ ( للميرغني ) انه كان ( فلتة) حين ابرم ( اتفاقية الميرغني / غرنق) بتجميد قوانين سبتمبر !!
بعد انتفاضة ابريل ١٩٨٥ اقدم الحزب الاتحادي الديمقراطية بقيادة السيد/ محمد عثمان الميرغني علي خطوة جريئة ، و مستنيرة ، هي وصوله الي اتفاق مع الحركة الشعبية في عام ١٩٨٨ الي الاتفاق التاريخي الشهير الذي عرف ب (اتفاق الميرغني / غرنق ) ، خلص هذا الاتفاق الي ( تجميد / الغاء قوانين سبتمب ١٩٨٣ ) ، التي اصدرها النميري باوامر مؤقته ، و مخالفة للدستور ، و قد وصف موقف حزب الامة القومي بالمتلكيء في اعتماد و اجازة هذه الاتفاقية ، اما موقف ( الجبهة القومية الاسلامية فقد كان رافضا تماما لاتفاقية الميرغني / غرنق ) ، وذلك من منظور ( قلة فقه الدولة) ، و غياب ( الرؤية الوطنية التي تقول : ( اذا كان تطبيق الحدود الشرعية سوف يؤدي الي تقسيم السودان الي جنوب و شمال ، فان ( سعة الفقه ) تقتضي الموافقة علي ( تجميد قوانين سبتمبر ) و منح الاولية ( لوحدة السودان ) علي اعتبار ان و حدة الامة السودانية ، ووحدة ( الوطن / السودان ) مقدمة علي تطبيق الجانب العقابي من الشريعة .
و قد كرر الاخوان المسلمون في السودان ذات الخطأ اثناء مفاوضات نيفاشا ، حين اصروا علي تطبيق قوانين الحدود في كل السودان الشمالي ، و رفضوا حتي استثناء العاصمة القومية ، لتكون عاصمة لكل السودانيين ، و بسبب (قلة فقه الدولة ) لدى (اخوان السودان ) خلصت مفاوضات نيفاسا الي ( دولة سودانية بنظامين ) ، نظام في الشمال يقوم علي تطبيق القوانين العقابية ( الحدود ) ، و نظام في الجنوب ( لا يطبق القوانين العقابية المنسوبة للشريعة ) ، و هذا الوضع جعل من اتفاقية نيفاش (انفصال مع وقف التنفيذ لحين انتهاء الفترة الانتقالية) . غلو الحركة الاسلامية في تطبيق الجانب العقابي من الشريعة ( و لو ادي ذلك الي تقسيم السودان ) يدل علي التطرف و علي (قلة فقه الدولة ) لدي اخوان السودان !!
الاخوان المسلمون في السودان يقراون القرآن ، و قد اطلعوا علي الاية ٩٢ من سورة طه و ما بعدها ( قال يا هارون ما منعك اذ رأيتهم ضلواالا تتبعن * افعصيت امري * قال يا ابن ام لا تاخذ بلحيتي ولا برأسي اني خشيت ان تقول فرقت بيت بني اسرائيل و لم ترقب قولي * ) .
قطعا كل قيادات الحركة الاسلامية من الصف الاول حتي الثالث تدرك تماما مغزي هذه الايات ، و تدرك بصورة خاصة مغزي اجابة هارون عليه السلام ، و هي : ( ان وحدة بني اسرائيل مقدمة علي اتباع الناموس الذي نزل علي موسي ). اشكالية الحركة الاسلامية السودانية انها تاثرت كثرا بادبيات سيد قطب التي هي اقرب الي ذهنية السلفية الجهادية ، و اذكر ان معرض الاتجاه الاسلامي في جامعة الخرطوم عام ١٩٧٧ كان اقرب الي كونه معرض انصار السنة ، و الجناح المسيطر كان بقيادة الاستاذ / ياسر عثمان جاد الله ، و شاهدنا هو ان تنظيم الاخوان المسلمين / الاتجاه الاسلامي قد تربى علي الغلو و التطرف ، يمكن ان يفهم الدولة التي تقوم علي ( مرجعية الاسلام ) ، و لكنه بعيد من ان يفهم الوحدة ( من مرجعية الوطن و المواطنة) ، لذلك لم يكن مستعدا للتنازل عن تطبيق الشريعة في الشمال مقابل ( وحدة تراب الوطن السودان ، ووحدة الشعب السوداني من نملي الي حلفا ) ، باختصا لم تننتج الحركة الاسلامية السودانية فقها يقول ان التفريط في وحدة تراب الوطن ، و الشعب بتنوعه ، (شرك سياسي ) و خيانة عظمى لا يغفرها الجيل الحالي و لا الاجيال القادمة .
ثانيا : دخول تركيا الاتحاد الاوروبي (سلما) سيكون نصرا اهم من دخول محمد الفاتح الغسطنطينة عام ١٤٥٣ م !!
لا يستطيع اخوان السودان ان يدعوا انهم اكثر غيرة علي دين الله من نظرائهم من الاخوان المسلمين غي غزة و في مصر في دولة مرسى ، ومن اخوانهم في تونس و المغرب ، او في تركيا ، لقد حكم مشروع حسن البنا الاخواني في كل هذه الدول الاسلامية انفة الذكر ، و لم يبادروا الي اغلاق البارات ، و اندية القمار ، و لم يفرضوا تشريعات الحدود ، ليس لعيب في ايمانهم ، و انما ادراكا منهم ( بفقه الدولة ) . و للحقيقة ، و للتاريخ ، فقد تبرأت كل الحركات الاسلامية التي وصلت للسلطة من خلال الربيع العربي / الاسلامي ، تبرأت من تجربة الانقاد في السودان . و حين وصل الاخوان المسلمون للسلطة في مصر في عهد مرسي ، جاء اليهم اردغان ، و نصحهم بتطبيق العلمانية ، و لكنهم رفضوا ، و حين اتجهوا ( الي التمكين ) علي طريقة اخوان السودان ثار عليهم الشعب المصري ، و تدخل الجيش المصري ، و انتهي مسلسل الاخوان المسلمين في مصر .
و شاهدنا في هذا المقال ان مرونة اخوان تركيا ( حين وافقوا علي تعديل قانون العقوبات ، و الغاء ( تجريم الزنا ) ، ليس مرده الي رقة دين ، و انما ( سعة في فقه الدولة ) ، ووعي بمقاصد الاسلام ، و ترجيح مصلحة كبري ( هي دخول تركيا في الاتحاد الاوروبي ، مما يعتبر فتحا اعظم من دخول القسطنطينية علي يد محمد الفاتح عام ١٤٥٣م ، و ذلك لان دخول تركيا في الاتحاد الاوروبي سيفتح اوروبا علي مصراعيها لحوار التقافات ، و يجعل الاسلام ديانة اوروبية ، و يفتح افاق التعايش وفقا لقيم التسامح و قبول الاخر ، فالفائدة التي ستعود علي الاسلام و المسلمين ( بدخول تركيا في الاتحاد الاوروبي ) ، اكبر مليار مرة من تجريم الزنا ، فالمسلم يلتزم بالاوامر و النواهي طواعية ، و ليس خوفا من العقاب ، بدليل ان المسلمين يعيشون في اوروبا اليوم ، و هم ملتزمون باوامر الشرع ، دون اجبار من سلطان ، و بالمقابل ، من يريد ان يعصي في عالمنا الاسلامي ، و في السودان خاصة ، لا تمنعه العقوبات الرادعة ، و اطفال المايقوما خير دليل علي ذلك .
ابوبكر القاضي
كاردف / ويلز
٢/اكتوبر/ ٢٠١٦