حوارات صحيفة الاحداث مع د. حامد برقو
هل ترى أن هناك أزمة في فهم الهوية السودانية ما دعا النخب المتعلمة إلى الفشل في إنجاز مشروع الدولة السودانية؟ 1ــ
ما نراه اليوم هو استخدام لإسقاطات التاريخ لقمع الحاضر و تشويه المستقبل. السعي لفرض هيمنة ثقافة ما على شعب يتحدث بأكثر من مائتين لهجة و لغة محلية بغرض اضفاء هوية معينة على الجميع هو ما يقودنا الي الفشل بإستمرار. يمكننا ان نكون افضل مما نحن فيه لو نظرنا الي موروثنا الثقافي بشكل ايجابي لكننا و للاسف ضحايا خلط فاضح بين مفهوم الهوية كنقطة تتقاطع فيها جميع الثقافات المحلية من عادات و تقاليد و عوامل دينية من جهة و مفهوم اللغة او اللسان للتعبير عن تلك الثقافات من جهة اخرى اعني للتعبير عن الهوية- اي ان اللغة مجرد اداة لذا من الخلل بمكان ان توضع موضع الهوية او الثقافة- يمكنني ان اعبر عن هويتي اللاتيتية او الاسبانية باللغة العربية طالما استطيع التعبير بها لكن هذا لا يعني ان هويتي عربية و العكس صحيح . اللغة اداة للاتصال لكن لا يمكن لها ان تمنح الهوية – فالرئيس و الشاعر السنغالي ليوبولد سينجور كان يعتبر من افضل من تحدثوا الفرنسية الا انه لم يدعي العرق او الهوية الفرنسية في يوم من الايام. و اللغة العربية قد اضافت الكثير الي امتنا السودانية – فهي الوسيلة الاولى للتواصل بين معظم السودانيين (لاسباب عقائدية بالدرجة الاولى) لكن هذا لا يعني ان هويتنا عربية . و في المقابل لا نستطيع ان نقول ان هويتنا افريقية صرفة . و النظم ( التي نطلق عليها الوطنية) منذ الاستقلال بشقيها الشمولي العسكري و الديمقراطي الطائفي عملت جاهدة و مازالت لفرض الهوية العروبية –الاسلاموية بالعصا و الجزرة لاسباب بعضها نفسية و اخرى قمعية تسلطية- و هنا اتساءل عندما ارتكب جرم ما بحق أبناء وطني بإسم عرق ما فهل بإمكان ذلك الجرم ان يمنحني بطاقة الانتماء الي ذلك العرق و هويته ؟؟. الامر ليس بهذه البساطة !
كما يقول الروس بانهم ليسوا باسيويين او اوروبيين انما هم روس فنحن كذلك هويتنا ليست عربية او افريقية انما نحن سودانيين و هويتنا سودانوية و التي تنصهر فيها جميع ثقافات الاقليم السوداني ببعديه الافريقي و العربي.
2ــ كيف تقرأ المستقبل السوداني على ضوء مجريات الواقع السياسي، هل هناك ما يدعو إلى التفاؤل في ما يتعلق بالوصول إلى حل للإشكال المجتمعي السوداني التاريخي؟
رغم مرارات الماضي و قتامة الحاضر الا انني متفائل بغد افضل – و التفاؤل اكسير الحياة. كل ما يحتاجه السودانيون هو التحول الي دولة ديمقراطية يحكمها القانون و يتساوى فيها الجميع – فيها يكون الناس الاحزاب و التنظيمات الحرة – و بتلك التنظيمات يمكننا حل معضلتنا التاريخية . لكن ان اردنا اصلاح الحاضر املا في غد اجمل للاجيال القادمة فلابد من مراجعة التاريخ و محاسبته- دولة جنوب افريقيا و التي تخلصت من النظام الفصل العنصري في التسعينيات استطاعت ان تحجز موقعها بين الامم المتقدمة اليوم و ذلك لا لشئ سواء ان شعبها اصحاب عزيمة قابلوا ظلامات تاريخهم بشجاعة و اخلاص. علم من ارتكب منهم الذنب من قبل ان لا احد سيحاسبه ان بات حاكما او محكوما فتخلى عن السلطة لصناديق الاقتراع طواعية و لم يتشبث بالحكم بدافع التسلط او منع الاخر من الاضرار به انتقاما للايام المظلمة. اذا على الناس ان يتخلصوا من فهم (ان لم اظلمك ستظلمني انت) .يمكننا ان نعمل سويا لمحاربة الظلم و تبديد الوهم ليوم افضل.
3ــ ما هي تصوراتكم لحل أزمة دارفور، وكيف يمكن الوصول إلى سلام دائم؟
لازمة دارفور ابعاد ثلاث : سياسي – انساني – و وطني فهي في الاصل المرآة التي عكست الخلل في تركيبتنا السياسية و الانسانية و الوطنية – و الخلل في التركيبة الانسانية و الوطنية في الفرد السوداني يكمن في غياب التعاطف (المفترض) من قبل المواطنيين السودانيين العاديين تجاه اخوتهم من سكان المعسكرات –صحيح ان آلة الاعلامية لحكومة الانقاذ عملت على تشويه وجدان السودانيين منذ ان اخرجت الحرب الاهلية في الجنوب في قالب الحروب الدينية بين الاسلام و المسيحية و حرب بين العرب و الافارقة في دارفور لكن لا يعقل ان يكون تعاطف المواطن السوداني مع الفلسطيني او العراقي اكثر من اخيه السوداني في دارفور – و هذا ليس حبا في الفلسطينيين و العراقيين او كرها في اهل دارفور انما انفصام في التركيبية الانسانية و الوطنية في ذلك نوع من الافراد. و الجانب الانساني هو مدخل المجتمع الدولي – لذا اصبحت قضية عالمية بين يوم وليلة . قضية بتلك الابعاد لا يمكن التعاطي معها بحلول موغلة في المحلية . هنالك خطوات لابد لكل طرف من القيام بها تمهيدا للسلام : اولا على الحكومة ان تطلق سراح ابناء دارفور الذين زج بهم في السجون منذ عام 2000 بدعاوي المحاولات الانقلابية او الانتماء الي حركات دارفور او تحت مسميات اخرى – و اعادة الذين تم فصلهم من الخدمة العسكرية منها و المدنية الي وظائفهم. و على الحركات ان توحد الرؤية المطلبية لشعب دارفور بصرف النظر عن القبائل و الانتماءات الضيقة.عندما تتوفر تلك الاجواء يمكن الجلوس للتفاوض حول المرتكزات الاسياسية للسلام و هي وقف الدائم لاطلاق النار ، اعادة بناء القرى المحروقة على اسس نموذجية تتوفر فيها سبل الحياة ، اعادة الاراضي التي انتزعت الي اصحابها، تعويض المتضررين ، مشاركة ابناء دارفور في الحكومة المركزية بقدر كثافتهم السكانية و عطائهم الوطني. و على المجتمع الدولي( و هنا اعني الدول الغربية ، الامم المتحدة ، الاتحاد الافريقي، مؤتمر العالم الاسلامي و الجامعة العربية) ان يدعو الي مؤتمر دولي للمانحين بغرض اعادة اعمار دارفور على ان يسلم امر صندوق المانحين للاتحاد الاوروبي مع تخصيص نسبة مقدرة من عائدات البترول و التي هي من نصيب الشمال لصندوق الاعمار .
4ــ هل ترى أي غياب في القيادة السياسية الوطنية المجمع عليها والقادرة على وضع التصورات الفكرية لما ينبغي أن يكون عليه واقع الدولة السودانية؟
من المحزن ان قياداتنا السياسية موزعة بين العشائرية الطائفية و الشمولية العسكرية – وكلتاهما تقتات على فتات القبلية و الجهوية الرخيصة و من المؤلم ان تلك القيادات ستستمر لبعض الوقت قياسا على غياب مفهوم القومية في ذهنية فئة الشباب رغم الاتساع الكمي في التعليم اشفق كثيرا على خطب بعض الاكاديميين من قادة الانظمة الشمولية- رغم حصول هؤلاء على شهادات اكاديمية رفيعة من جامعات غربية و تواجدهم بالسلطة لاكثر من عقدين و اخيرا تجاوزهم للعقد الخامس او السادس من العمر الا ان فهمهم السياسي في مستوى عضو اتحاد مدرسة ثانوية – فهم مازالوا يفكرون و يتصرفون بعقلية طلاب المرحلة الثانوية.اما زعماء الاحزاب الطائفية رغم سماحة خطابهم السياسي فهم في حاجة للتخلص من العقلية الاقطاعية . و الامر الجوهري هنا ان القيادة لن تستطيع صنع الشعوب لكن الشعب الواعي هو وحده الذي يصنع القيادات لذا فان استنارة المجتمع اولى من وجود قائد مفكر. لكن يبقى الامل معقودا على القوى اليبرالية. رغم انني لا انتمي اليهم الا ان اطروحات شباب الحزب الليبرالي السوداني تلامس اشواق الناس للمستقبل.
5ــ الانتخابات القادمة في فبراير 2010 ، هل تستطيع أن تحدث تغييرات جوهرية في طبيعة العمل السياسي الحكومي والمعارض، خصوصا إذا دخلت قوى المعارضة في تحالف ضد المؤتمر الوطني؟
اي فوز للمؤتمر الوطني في الانتخابات القادمة يعتبر كارثة على الدولة السودانية لانه سيعجل بإنفصال الجنوب و تفكير اجزاء اخرى في الانفصال لاستحالة العيش مرة اخرة في ظروف العقدين الماضين مع الانقاذ . لذا ليس من المهم فحسب انما الواجب يقتضي تكوين تحالف ديمقراطي عريض لمجابهة المؤتمر الوطني – من الحكمة ان يكون مرشح التحالف من جنوب السودان او جنوب النيل الازرق شريطة ان يكون من ابناء الحركة الشعبية . و لو كان مسلما ( رغم انه ليس ضروريا) سيكون عاملا رادعا امام اي تعبئة خاطئة او استغلال رخيص للدين من قبل المؤتمر الوطني للفئات التي لم تحسم امرها(بحسبان اننا في فترة تمهيدية لصنع الانسان السوداني فلابد من وضع الاعيب الطرف الاخر في الاعتبار و ليس مجاراته) .المهم في هذه المرحلة هو انقاذ السودان لمنفعة اهل السودان (بما فيه المؤتمر الوطني).
لكن قبل هذا و ذاك لابد من اعادة عملية التعداد السكاني بواسطة لجان تكون من قبل جميع الاحزاب السودانية.
اما العملية الانتخابية فلابد ان تكون مراقبة بشكل دقيق من قبل المجتمع الدولي – من المضحك ان يقوم موظفو حكومة شمولية بإعداد و مراقبة الانتخابات. لسنا في حاجة لتكرار التجربة الايرانية لأن العالم مندهش نحو بما فيه الكفاية.
6ــ الإستفتاء على تقرير المصير: إلى أي مدى يمكنك التفاؤل بنتيجته فيما خص وحدة السودان، وإذا قدر للجنوب الإنفصال هل تتوقع أن تموت فكرة (السودان الجديد) التي دعا إليها الزعيم السوداني الراحل جون قرنق؟
للاسف غير متفائل بنتيجة الاستفتاء على حق تقرير المصير و لكن هذا لا يمنعني ان اصلي للوحدة. كما ارجو من اشقائنا و شقيقاتنا في الجنوب ان لا يعاقبوا الوطن على افعال الحاكمين ( المؤتمر الوطني).كل المعطيات توحي بان الانفصال امر حتمي لكن حتى ان حدث ذلك لا سمح الله به سيقبى الكثير من ابناء الجنوب بالشمال والشرق و غرب السودان( تراني اتحاشى اطلاق لفظ الشمال على باقي انحاء السودان دون الجنوب – من الخطأ ان نفعل ذلك) وكذا العكس اذا لماذا لا نمهد للتعامل مع اي من خيارات الشعب في الجنوب ؟اي وحدة واعية تتساوى فيها الحقوق و الواجبات بين جميع السودانيين او انفصالا اخويا جميلا. و هذا لن يحدث ما لم يقوم الناس في الشمال و الغرب و الشرق و الوسط بالاعتذار لاخوتهم الجنوبيين قولا و فعلا.
اما فكرة السودان الجديد فهي كالرصاصة التي انطلقت – لذا لا يمكن النكوص عنها – صحيح ان الراحل الملهم جون قرنق قد دعا اليها بشكل صريح الا انها فكرة كامنة في صدور كل قوى الخير و خاصة اهل الوسطية و اليسار السوداني – فهي امتداد طبيعي للفكرة التي ناضل من اجلها الآباء امثال احمد ابراهيم دريج – جوزيف قرنق- فليب غبوش- وليم نون – هاشم بامكار و اخرون منذ عقود.
بالتأكيد فان رحيل الملهم اثر كثيرا على الفكرة – فهي معرضة لهزة اخرى من قبل الانفصال “القدر” للجنوب الا ان الفكرة باقية . رغم استحواذ قلة من الناس على وسائل الاعلام الوطنية –الرسمية منها و الخاصة و ممانعتها لنشر مفهوم دولة المواطنة و المساواة بين السودانيين الا ان انصار السودان الجديد هم الاغلبية – في الواقع معظم اهل دارفور و كردفان و جبال النوبة و النيل الازرق و الشرق و اقاصي الشمال عوضا عن القوى المحبة للديمقراطية من اهل الوسط والشمال هم من انصار الفكرة بشكل او اخر – اذا قد رحل صاحبها لكن الفكرة لم و لن ترحل.
7ــ هل أضعف بروز التيارات والأفكار (الإثنية أو الجهوية) إلى سطح العمل السياسي الهمة القومية في كل مناحي الحياة، وهل ترون أن هذه التيارات والأفكار ستختفي في حال الوصول إلى سلام دائم في كل أنحاء القطر عبر تسوية قومية؟
قضت ارادة السماء في ان لا يبقى الا ما ينفع الناس – لذا فلابد للافكار الاثنية و الجهوية ان تنحسر و تختفى امام تنامي الوعي القومي للقوى المتسامحة( الليبرالية).
الجهوية نبتة شر في الانسان – قد يصغر حجمها او يكبر الا انها موجودة من قبل . مجئ الانقاذ و تضييقها على الاحزاب و منظمات المجتمع المدني شجع اذدهار تلك النبتة لان الانسان بطبعه كائن اجتماعي يبحث عن الملاذ فان لم يجد حزبا او جماعة فكرية تحتويه لجأ الي عائلته او قبيلته طالما البيئة مشجعة لذلك . ـتأجيج الحس الجهوي كانت و للاسف مازالت اداة من ادوات الانقاذ للكسب السياسي. قبل الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بنظام مايو و (على سؤاته) من الصعب ان تعرف قبيلة اي من زملائك في الدراسة او العمل لكن يمكنك معرفة الاقليم الذي اتى منه من ملامحه(ان اردت ) لأن لا احد في حاجة الي معرفة ذلك. اما اليوم فأمره عجيب. لكن عندما تطلق الحريات العامة و يتحدث الناس في الهواء الطلق تصبح الجهوية مجرد زكرى محزنة لايام مظلمة من تاريخ امتنا السودانية.
8ـ فكر الاحزاب والتنظيمات السياسية: هل يتحمل نتيجة الفشل السياسي، أم أن قواعد هذه الاحزاب تتحمل أسباب ضمور هذه الأحزاب ما أدى إلى فشل قياداتها؟
لا غبار على اي فكر يسعى لاسعاد الانسان الا ان الفشل مسؤولية تضامنية و اخفاق جماعي و تتحمل النخب الجزء الاكبر من ذاك الاخفاق المزمن. الاحزاب السياسية لا تذهب الي الجماهير الا في مواسم الانتخابات بغرض قطف اصوات الناخبين و هي المواسم نفسها قد يطول موعدها الي عقدين او اكثر بسبب انقلابات العسكر. لذا فان انعدام التواصل بين القواعد و النخب سهل على الشموليين خلق بيئات ترتكز على مفاهيم غير اخلاقية مما ادى الي ضمور الاحزاب و تشويه العملية السياسية باسرها – هذا عوضا عن المرجعية العشائرية لقادة الاحزاب و التنظيمات السياسية.ماذا نتوقع من احزاب معظم قياداتها من زعماء القبائل و الادارة الاهلية ؟ في تصوري ان اكبر عائق لاي مشروع وطني نهضوي طموح هو ما يسمى بالادارة الاهلية – و انا لا اتحدث بلسان من تعرض الي الظلم من قبل تلك الادارات المتحجرة بل بلسان احد ابناء الادارة الاهلية و اتفهم مرارات ابناء القبائل خارج منظمومة تلك البيوتات الحاضنة لنظم الاستبداد و الطائفية – يجب تغييب تلك الادارات بشكل تدريجي لانها البؤر التي تغذي مفاهيم القبلية و الجهوية .
9ــ أيهما أقوى تاريخيا في تجربة دولة ما بعد الاستقلال: صراع الهوامش الجغرافية مع الجولة المركزية، أم صراع الآيدلوجيا والدولة؟
من المجحف تجريد حراك الهامش السوداني من الايدلوجيا – ما جرى في الجنوب و جبال النوبة و الشرق منذ الاستقلال و ما يجري الان في دارفور هو حراك هامشي مطلبي الا انه يستند على اسس فكرية قوامها العدالة و المساواة لبناء دولة بعيدة عن اي تفاضل للدين او العرق و في المقابل هنالك ممانعة من المركز. بلغة اخرى تشبث من قبل قلة من الناس بالاخطاء التاريخية امام المد الوطني القادم من الهامش و المدعوم من قبل القوى الليبرالية. المشكلة تكمن في ذهنية المركز و نفسيته تجاه شعوب الهامش – فعندما خرجت قيادات الاحزاب من الامة و الاتحادي الديمقراطي و الحزب الشيوعي الي الخارج و اختارت العمل المسلح ضد حكومة الجبهة الاسلامية اطلق عليها اسم التجمع المعارض و كانت الاجهزة الحكومية تردد لفظ المعارض او المعارضة بجانب نعوت اخرى و هذا اعتراف ضمني باحقية العمل المعارض لتلك الفئة . لكن عندما قام ابناء الجنوب بالشئ نفسه من قبل ثم ابناء دارفور اطلق عليهم لفظ التمرد- و هنا يتضح العامل النفساني في المساواة بين السودانيين. يسمى الاول معارضا لان من حقه ان يفعل بينما الاخر يسمى متمردا لخروجه من ( بيت الطاعة) بحسب ذهنية انسان المركز.لذا تختلف المعالجات باختلاف زوايا تناول المشكل السوداني هنا او هناك.
10ــ المثقف سوداني: ماهي حسناته وعيوبه وهل يتحمل بعض الوزر في فهم كيفية العلاقة بين السلطة والمثقف ما بعد فترة الاستقلال؟
أزمة المثقف السوداني جزء من الازمة التي يعيشها نظيره في العالمين العربي و الافريقي.فهو اما ان يعيش حبيس صومعته الاكاديمية كفرد صفوي ينظر الي اخطاْء المجمتع من حوله من على فوق نظارته مشفقا متحسرا دون ان يقترب من العامة خوف ان يلوث نقاء فكره بعرق المزارعين و العمال و المحرومين و المشردين. و النوع الاخر ان يصبح المثقف واجهة للنظم الشمولية و القمعية من اجل خبز الصباح و ما اكثرهم في هذه الايام و هي الفئة التي يصعب اطلاق اللفظ المثقف عليها لكنها افضل بكثير من الفئة المفروضة على الناس قهرا بفعل ادوات الشموليين و هذا يتضح جليا في الذين يسجلون حضورا راتبا على وسائل الاعلام الرسمية. تسبق اسمائهم القاب علمية فضفاضة و يتصدقون علينا بكلام سمج مكرر لو كلف به اي مواطن عادي في السوق العربي لقاله بشكل افضل- و افضلية حديث المواطن العادي هنا في احترام عقلية المستمع و المشاهد. عمليات تفريخ المهرجين في ثوب المثقفين و التي تمارس بشكل فظيع في هذه الايام يجب ان توقف لان لا احد يطيق تصور امة تنتج من صفوة مهرجة بادعاء الثقافة او الفكر. ليس الغثيان وحده الذي يسيطر عليك عندما تشاهد او تستمع الي ذاك النوع من الحديث – و كسوداني و بصرف النظر عن اللون السياسي اتألم جدا لضحالة اجابات هؤلاء الناس للقنوات الخارجية وخاصة الناطقة بلغات غير العربية وهو امر اكثر من مخجل……… اما النوع الرابع من المثقفين فهو ضمير امته و قلبها النابض لذا تراه صديقا حميما لمعتقلات الشموليين . ان اردتنا بناء امة على المثقفين الابتعاد عن الصفوية و قبلها موائد العسكريين الانقلابيين.