احمد قارديا خميس
يتشغل المجتمع السوداني في العاصمة السودانية الخرطوم بإيجاد مخرج للأزمة السودانية المستمرة منذ ربع القرن, بينما يعاني لاجئون دارفوريون هاربون من قسوة الحرب في بلادهم. يعانون الجوع والفقر والعوز في دول اللجوء وسط اَمال متواضعة وتمنيات يري بعض اللاجئين أن تحقيقها شبه مستحيل, كما حال فاطمة, الشابة الدارفورية التي نزحت من قرية فوراوية بمحلية كرنوي ولاية شمال دارفورالي تشاد عن طريق الطينة بعد اشتداد المعارك وفقدان الأمن والأمان.
تزوجت فاطمة من هارون بعمر 18 سنة, ورغم أن مدخول الأسرة من عمل الزراعة محدود, لكنهم كانوا يكتفون بما رزقهم الله من نعمة حسب قولها. وبعد اندلاع الأزمة السودانية, تغيَرت أحوالهم وبعد مقتل عدد كبير من أقربائها بقصف صاروخي للطيران الحربي السوداني, قرَرت فاطمة الهرب مع زوجها وأولادها الأربعة الي تشاد. فساعدها مقاتلو الحركات المسلحة المتمردة علي العبور من السودان نحو الطينة التشادية عن بوابة الطينة السودانية قبل الحصار.
في الطينة التشادية, تعيش فاطمة في غرفة صغيرة يتشارك فيها الحمام والمطبخ وغرفة النوم والجلوس المساحة نفسها. تفوح من المكان رائحة الرطوبة العفنة, وتردد صوت تلفاز صغير يتوسط الغرفة لمتابعة الأحداث السودانية لحظة بلحظة.
تعلق الشابة العشرينية وهي تستمع الي نشرة الأخبار, علي ما يطرحه المجتمعون في الخرطوم (قاعة الصداقة) أي اَلية الحوار الوطني “7+7″, بالقول: ” زعماء الأحزاب السياسية السودانية سيجتمعون للمتاجرة بدماء الشهداء وقضية النازحين ستكون في صدارة اهتماماتهم إعلاميا ولكن جديا ستوزع الأموال والمساعدات علي جيوب المسؤولين”. وتضيف: ” لجأت الي تشاد منذ عشرة أعوام وقدمت أوراقي الي منظمات الاغاثية للحصول علي مساعدات وحتي اليوم لا زلت اَخذ معونات بسيطة جدا”, متسائلة بمرارة: ” أين الأموال التي تصرف باسم النازحين الدارفوريين في شرق تشاد؟ وأين هي المساعدات التي يخرج بها زعماء الدول علي الإعلام وأمام الرأي العام”.
تعيش أسرة فاطمة ظروفا اجتماعية قاسية دفعتها العمل في المنازل كخادمة, أما زوجها الثلاثيني فهو يعمل في مجال البناء نهارا, وعامل تنظيفات ليلا. تقول: ” نعيش علي وجبة صغيرة في النهار, نتناسي وجبتي الصباح والمساء, وعندما نشعر بالجوع نشرب المياه مع ما تبقي من عصيدة في المنزل, وفي حالات المرض نشخذ المال من هنا وهناك لكي نطبب أولادنا”.
وبرغم معاناة الأسرة, وانشغالها بتأمين لقمة العيش اليومية لأولادها, لكن فاطمة لا تزال تأمل أن تؤدي نتائج الحوار الوطني الي انفراج حال اللاجئين إذا خلص النوايا, وان كانت اَمالها” ضئيلة”, علي حد قولها. تري أن ” العودة الي دارفور باتت مستحيلة”, وتسأل: ” كيف يريدون منا العودة الي بلدنا؟” قبل أن تضيف بلكنة دارفورية ” ليه بعد دا في دارفور؟”, مشيرة الي أنها “أصبحت رمادا وحطاما تكتسها مقابر جماعية وتغطيها دماء الأطفال والنساء”.
حال رقية ابراهيم لا يختلف عن حال فاطمة, لا بل يفوقه فقرا وعوزا. هي أم لخمسة أولاد ولجأت الي تشاد بعد ظروف قاسية سسببها حصار ودمار محلية الطينة الذي فرضه مليشيات النظام علي أهالي المنطقة. تروي قصتها بإرهاق شديد تبرز معالمه علي وجهها النحيف والتعب: ” جئنا لننجو من آلات القتل الحربية التي لا ترحم, فلحق بنا الفقر والجوع الي تشاد”.
تسكن رقية في حي شعبي فقير في الطينة التشادية, استاجر زوجها قطية صغيرة. يقصد الزوج السوق يوميا ويقف علي طرف الشارع في مكان المخصص للعمال, لينتظر أي فرصة للعمل يجني من خلالها بعض المال لشراء الطعام لأولاده.
تتابع حديثها وهي تلبس رضيها كيسا من النايلون كبديل عن الملابس الداخلية, وتسأل بمرارة شديدة: “حاربنا رئيسنا من دمنا وقتّل أطفالنا وهدم أرزاقنا فكيف نثق بحواره”. وتعرب عن اعتقادها بأن الحوار الوطني(وثبة البشير) “لن يفلح في وقف القتال ولا حتي في إعمار ما تبقي من بلدنا الحبيب”, مضيفة: “إنهم يتآمرون علينا ويرسمون لنا مستقبلا مجهولا ويلزموننا به, فلا الأحزاب بقي معارضة ولا النظام سيتغير حاله إذا بقي”.
تقاطعها جارتها أم محمد ضاحكة, وهي أيضا نازحة دارفورية من منطقة فوراوية بمحلية كرنوي, بالقول: ” لا أعرف من يمثلنا من الأحزاب السياسية في “آلية 7+7″ ولا أعرف أسماء القياديين ولا حتي المفاوضين من نظام البشير, أعرف فقط أن هناك أولادا بحاجة الي طعام في دارفور ..”.
جاءت أم محمد الي تشاد قبل أيام بعد أن أقفلت بوجه الأسرة كل السبل لتأمين المال مقابل الطعام الذي ارتفع سعره بشكل جنوني في الأونه الأخيرة, فجاءت لتبيع ما تبقي لديهم من البهائم وتشتري السلع الضرورية لتأخذها معها الي دارفور وتنقذ ما تبقي من أشخاص الأسرة علي قيد الحياة.