ثروت قاسم
[email protected]
الخلفيات والتداعيات والمآلات .
في يوم السبت 7 اكتوبر 2017 ، نشر المفكر والاقتصادي السوداني الدكتور جبريل ابراهيم مقالة محكمة وبنفس هادئ ، وبلغة العجم ، قال فيها كل شئ عن خلفيات وتداعيات ومآلات قرار إدارة ترامب رفع العقوبات عن السودان . اُعجبت المعلمة بورقة الدكتور جبريل العلمية ، كما أبهجها في زمن غابر تغزل الدكتور جبريل في جمالها وأنوثتها وعقلها الراجح . سوف يتم نشر مقالة الدكتور جبريل في صحيفة النيويورك تايمز ، وهي التي لم تنشر اي خبر عن قرار الرفع ، لعدم جدواه وأهميته كونه تحصيلاً للحاصل .
جعلنا الدكتور جبريل اسرى متلازمة ( هل غادر الشعراء من متردم ؟ ) ، إذ لم يترك لنا ما نقوله حول الموضوع ، فقد كانت مقالتة شاملة ومفصلة ومحكمة لا فيها شق ولا فيها طق .
نتوكل على الله ، ونختزل في النقاط ادناه بعض البعض م
ن خلفيات وتداعيات ومآلات قرار إدارة ترامب رفع العقوبات عن السودان .
اولاً :
في يوم الجمعة 6 اكتوبر 2017 ، اعلنت إدارة ترامب قرارها رفع العقوبات الاقتصادية بصفة نهائية عن السودان ، ليصير القرار ساري المفعول من يوم الخميس 12 اكتوبر 2017 .
في يوم الثلاثاء 4 نوفمبر 1997 ، صارت العقوبات الامريكية ضد نظام البشير نافذة المفعول ، بعد إعتمادها من الكونغرس في اكتوبر من نفس العام 1997 . ظلت العقوبات سارية المفعول لنحو 20 عاماً ، وحتى تجميدها بواسطة اوباما في يوم الخميس 12 يناير 2017 ، وشطبها نهائيا بواسطة ترامب في يوم الخميس 12 اكتوبر 2017 .
كانت العقوبات تمومة جرتق لقرار آخر أشد إيلاماً … قرار وضع نظام الانقاذ على القائمة السوداء الامريكية للدول الداعمة للارهاب .
في يوم الخميس 12 اغسطس 1993 ، وضعت الولايات المتحدة نظام البشير – الترابي في قائمة الدول الداعمة للإرهاب ، بسبب تأسيس الشيخ الترابي للمؤتمر الشعبي العربي الاسلامي في عام 1991 . لا يزال نظام البشير على هذه القائمة ، 24 سنة على بدء الحدث ، وحتى بعد هلاك المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي وهلاك مؤسسه .
حالياً توجد على هذه القائمة ثلاثة دول هي السودان وسوريا وايران … حتى كوريا الشمالية خارج القائمة .
كان المبرر الاساسي وراء القرارين المذكورين اعلاه ( القائمة الارهابية + العقوبات ) ضلوع نظام البشير – الترابي في الارهاب الداخلي والخارجي ، وحسب ما هو موضح اعلاه . ولا زال هذا المبرر نافذاً ، بدليل إستمرار وضع نظام البشير على القائمة الارهابية الامريكية ، وعدم رفعه منها .
ثانياً :
بسبب سياسات نظام الانقاذ البئيسة ، والتي تبعزق مداخيل الدولة على الحرب الاهلية ، والاجهزة الامنية والسيادية ، يعيش المواطنون أزمة معيشية خانقة . فلا غرو ، وهم غرقى ، ان تشبثوا بقشة رفع العقوبات ، وصاروا يحلمون بأن ابواب جنات عدن قد فتحها عليهم ترامب ، وأن ايامهم سوف تكون عسلاً وسمناً ولبناً ، وإن غول الغلاء سوف يختفي ، وسوف يفتك الجنيه بالدولار ، ضربة لازب ، فينزله من شاهق 20 الف الحالية ، إلى وادي 12 جنيه الذي كان عليه في يوم الجمعة 30 يونيو 1989 ، قبل نهب الإنقاذ المسلح للديمقراطية الثالثة .
ظن الناس ، وبعضه إثم ، ان رفع العقوبات معناه الخير الوافر والفوري ، فدخل أحدهم إلى سوبرماركت ، وملأ قفته باللحمة والدجاج وما غلى ثمنه وخف وزنه ، ووضع القفة أمام الكاشير . نقر الكاشير على حاسبه ، وقال لصاحبنا ان الحساب بلغ 35 جنيه . مد صاحبنا ورقة من فئة الخمسين جنيه للكاشير ، الذي ارجع له 15 جنيهاً . وهو يغادر السوبرماركت ، كاد صاحبنا يطير من الفرح من بركات ترامب التي فاقت عصا موسى ومائدة يسوع . لم تطل فرحة صاحبنا ، اذا اوقفه احدهم قائلاً انها الكاميرا الخفية لصالح تلفزيون النيل الازرق .
في المقابل ، لم يدق الابالسة الطار لقرار رفع العقوبات ، لأنهم يعرفون إنه تحصيل حاصل ، بل كان شماعة مفيدة يعلقون عليها فسادهم الذي أزكمت روائحه الكريهة الانوف ، وفشلهم ، وخيبتهم وسؤ سياساتهم .
ثالثاً :
في هذا السياق نستدعي ملاحظتين حول رفع العقوبات الامريكية ، كما يلي :
واحد :
+ الملاحظة الاولى إنه وحسب التسلسل المنطقي فإن رفع العقوبات تكون المحطة الاخيرة ، وتاتي ( بعد ) شطب نظام الانقاذ من القائمة الارهابية الامريكية ، وليس ( قبل ) الشطب ، لانك لا يمكن ان ترفع العقوبات عن دولة توصمها بالارهاب ، خصوصاً وإن الارهاب يمثل المبرر الاساسي وراء فرض العقوبات والمقاطعة في عام 1997 .
رفع ترامب نظام البشير من الطوة ( العقوبات ) ، وأبقاه على النار ( القائمة الإرهابية ) .
مثالاً وليس حصراً ، تخضع كوريا الشمالية لعقوبات امريكية ، ولكنها ليست في القائمة الارهابية الامريكية ، التي تحتوي على ايران وسوريا والسودان .
تلاحظ تناقضاً بيناً بين قرار رفع العقوبات من جانب ، وقرار إستمرار وضع نظام الانقاذ على القائمة الارهابية من الجانب المقابل .
تفسر المعلمة هذا التناقض بأن إدارة ترامب لا تستطيع رفع نظام البشير من قائمة وزارة الخارجية الامريكية الارهابية ، طالما رئيس الدولة السودانية يحمل على عنقه امر قبض دولي بسبب اتهامه بارتكاب جرائم ارهابية في دارفور ، منها الابادات الجماعية لشعوب دارفور . لن ينتهي هذا التناقض إلا بعد تنحي الرئيس البشير من السلطة . ولكن الرئيس البشير سوف لن يتنحى ، طواعية ، عن السلطة ، وأمر القبض معلق على جيده كحبل من مسد .
وليس هناك قوة على الارض يمكن ان ترفع امر القبض الثقيل ، فهو ليس في خفة العقوبات ، فهو سيك سيك معلق في جيد الرئيس البشير ، حتى ياخذ صاحب الوديعة وديعته .
حقاً وصدقاً ، صارت بلاد السودان وأهل بلاد السودان رهائن مع الرئيس البشير ، وأمر قبضه اللعين .
يفجر أمر قبض الرئيس البشير منغصات كثيرة ضارة بالاقتصاد السوداني وبسمعة السودان الدولية ، نختزل منها ادناه ، مثالاً وليس حصراً ، سبعة منغصات :
• المنغصة الاولى :
يقف امر القبض حائلاً ضد رفع السودان من القائمة الارهابية الامريكية ، فهما كقرني التور ، يقومان مع بعض ويقعدان مع بعض . كما يقف امر القبض حاجزاً ضد تعامل المتنفذين الامريكيين مع راس الدولة السوداني ، ومنع الرئيس البشير من المشاركة في سوق عكاظ الاممي كل سبتمبر في نيو يورك ، وتقييد أسفار الرئيس البشير الخارجية . صار الرئيس البشير منبوذاُ ، يعافه حتى رئيس البرازيل السابق ، الملاحق في بلده بتهم الفساد المالي .
• المنغصة الثانية :
بسبب وضع نظام البشير في القائمة الارهابية الامريكية ، ساعدت الولايات المتحدة في تمرير 63 قرار من مجلس الامن ضد نظام البشير ، وأغلبها تحت الفصل السابع ، الذي يخول لمجلس الامن التدخل العسكري في السودان .
• المنغصة الثالثة :
في يوم الخميس 6 اغسطس 1998 ، سحبت الولايات المتحدة سفيرها المعتمد في الخرطوم تيم كارني ، ولا يزال الموقع شاغراً 19 سنة بعد الحدث ، بسبب استمرار وضع السودان في القائمة الارهابية الامريكية ، وسياسات نظام البشير الارهابية والابادية ضد شعبه .
• المنغصة الرابعة :
في يوم الخميس 20 اغسطس 1998 ، قصفت الولايات المتحدة مصنع الشفاء للادوية في الخرطوم ، إنتقاماً ضد نظام البشير لتورطه في الارهاب بالتعاون مع اسامة بن لادن ، وابن آوى ، وتورطه في تدمير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام .
• المنغصة الخامسة :
يقف امر القبض حائلاً ضد شطب ديون السودان الخارجية التي تجاوزت 50 مليار دولار .
• المنغصة السادسة :
يقف امر القبض حائلاً ضد إستفادة السودان من منح وهبات اتفاقية كوتونو التي تبلغ 350 مليون ايرو في السنة .
• المنغصة السابعة :
يقف امر القبض حائلاً ضد إستفادة السودان من قروض ومنح البنك الدولي وصندق النقد الدولي ، ومبادرة الهيبك :
Heavily Indebted Poor Countries (HIPC) Initiative
ألا تذكرك هذه الغلوطية بالآية 17 في سورة المدثر :
سأرهقه صعوداً .
التي تجسد متلازمة ملحمة سيزيف في التراجيديا الاغريقية .
قلتم آنى هذا ؟
قل هو من عند الرئيس البشير .
اتنين :
+ الملاحظة الثانية ان البعض قد نسي ان العقوبات مرفوعة منذ يناير 2017 ، ولم يتحسن الوضع الاقتصادي خلال التسعة اشهر المنصرمة ، لاننا نعاني من المرض الهولندي بالمقلوب ، أي ان الصرف على الحرب الاهلية ، والاجهزة الامنية والسيادية ، والفساد والسياسات العويرة ، حولت موارد الدولة في شهر لتغطي تكلفة الحرب الاهلية وحدها في يوم . فلم يبق لقطاعات التعليم والصحة والصناعة والزراعة … إلا الفتات .
وكانت النتيجة تدمير الانتاج في القطاعات الصناعية والزراعية والحيوانية لان كل موارد الدولة تصب في الصرف على الحرب الاهلية والاجهزة السيادية والامنية .
مثالاً وليس حصراً :
أين مشروع الجزيرة والمشاريع الاخرى المروية ؟ قاعاً صفصفاً .
اين الخطوط البحرية والجوية والسكك الحديدية ؟ بئر معطلة وقصر مشيد .
اين المصانع ؟ 85 % منها خرابات ينعق فيها البوم .
الانتاج وليس رفع العقوبات هو الدينمو المحرك لعجلة الاقتصاد . وبدون الإنتاج يصير رفع العقوبات الامريكية تحصيل حاصل ومحاكياً للساقية التي تصب في البحر .
رابعاً :
استفاد من القرار الامريكي قطط الانقاذ السمان ، وليست جماهير الشعب الكادحة .
نحكي ، مثالاً وليس حصراً ، قصة من قصص الف ليلة وليلة التي لا تزال تحكيها شهر زاد ، ولم يهل عليها الصباح بعد .
مجموعة كنتكي الامريكية للدجاج المحمر
Kentucky Fried Chickens KFC
ومقرها في
Louisville, Kentucky, USA
تبيع الدجاج المحمر في اكثر من 29 الف موقع في العالم ، ومبيوعاتها تجاوزت حاجز ال 30 بليون دولار في عام 2016 .
ليس لهذه المجموعة الامريكية توكيل في السودان ، بسبب العقوبات الامريكية .
بعد قرار اوباما تجميد العقوبات الامريكية في يوم الخميس 12 يناير 2017 ، إتصل محامي السيدة الفضلى الثانية وداد بابكر بمجموعة كنتكي ، للسماح بأقامة توكيل ومطاعم في السودان لفراخ الكنتكي المحمر . خصوصا وشركة السيدة الفضلى الثانية وداد بابكر في السودان ( الشركة العربية لأمات الدواجن … امات ) تعمل في مجال توليد الدواجن .
طلبت مجموعة كنتكي امهالها لما بعد رفع العقوبات الامريكية نهائياً عن السودان .
في يوم الجمعة 6 اكتوبر 2017 ، وبعد اعلان ادارة ترامب رفع العقوبات الامريكية نهائياً عن السودان ، أعطت مجموعة كنتكي توكيلها في السودان للسيدة الفضلى الثانية وداد بابكر .
يمكن للمواطن السوداني المقتدر اكل دجاج كنتكي المحمر في مطاعم كنتكي في شارع المطار وشارع النيل بعد يوم الخميس 12 اكتوبر 2017 .