النازحون واللاجئون السودانيون ما بين حلم العودة وخطط التأهيل

بقلم : حسن ابراهيم فضل
[email protected]

ان ظاهرة النزوح واللجوء في السودان , قديمة قدم سنوات تكوين الدولة السودانية الوطنية , وهي ايضا نتاج طبيعي لأخطاء التأسيس و فشل الدولة السودانية ما بعد خروج المستعمر في ادارة التنوع الثقافي والجغرافي والاجتماعي الثر الذي يتمتع به السودان , والذي كان من المؤمل له ان يكون واحدة من دعائم القوة والثراء المجتمعي لولا خطل ادوات التأسيس والبناء الوطني وتغليب بعض الاباء المؤسسون لرغباتهم الذاتية و الايدلوجية والاجتماعية على حساب تماسك الوطن ووحدته.

وبالرغم من ان الساسة السودانيون وبطريقة تبريرية سمجة يتنصلون من مسؤولياتهم عن الصراع من خلال تحميل المستعمر اسباب تلك الحروب الاهلية, باعتبار ان الحرب في جنوب السودان بدأت قبل الاستقلال أي ما اصطلح عليه بالحرب الاولى والتي بدأت في 18 اغسطس 19ِ55 بتمرد حامية توريت , ويحملون سياسة المناطق المقفولة اسباب تلك الحرب , غير ان الحقيقة التي لا تريد هذه النخب مواجهتها بالشجاعة المطلوبة هو فشل تلك النخب من ابتكار وسائل ناجعة للتعاطي مع ما يرونه دواعي لنشوب الحروب , والتغاضي بشكل متعمد من الاعتراف بان الظلم هو القاسم المشترك ما بين تمرد توريت الى اخر الحروب التي ما زالت مشعلة , فضلا عن التنصل وعدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه في منح مزيد من الفدرالية والحكم الذاتي للجنوب هي التي زادت وقود تلك الحرب والتي اندلعت مرة اخرى وبشراسة اكبر والتي خلفت عدد كبير من الضحايا والنازحين واللاجئين والتي اعتبر اعلى نسبة للضحايا المدنيين في العالم منذ الحرب العالمية الثانية , حيث راح ضحية هذه الحرب ما يقارب من مليوني قتيل من المدنيين واكثر من 4 ملايين نازح والالاف من اللاجئين في دول الجوار والعالم.

لم تكن تلك النتيجة المفزعة من الضحايا حاجزا ولم تعرها الحكومات السودانية المتعاقبة أي اهتمام واستمرت في سياساتها ولم تقتصر على الجنوب فحسب بل استمرت سياسة التهميش والاقصاء في كل اطراف السودان الامر الذي افرزت حروب اخرى في شرق السودان وغربها في دارفور والتي وصفت بانها اكبر مأساة انسانية في العالم , حروب الجنوب الجديد فيما يعرف بالمنطقتين جنوب كردفان والنيل الازرق.

هذه الحروب خلفت الملايين من النازحين واللاجئين في السودان قبل وبعد الانفصال وما تزال معانتهم شاخصة في ظل انعدام أي افاق عن قرب انتهاء تلك المعاناة رغم الشعارات البراقة التي يطلقها السياسيون.

ان ظاهرة النزوح واللجوء في كل دول العالم التي تعاني ظروف مشابهة للتي في السودان تكون نتاج للاشتباكات التي تتم بين الحكومات والجماعات التي تناوء تلك الحكومات ومن النادر جدا ان يستهدف المدنيين بشكل مباشر بمعزل عن تلك الجماعات.

غير ان الوضع في السودان وفي كل الجبهات والبؤر التي اشعلتها حكومات السودان المتعاقبة حدث فيها استهداف ممنهج للمدنيين بل ان سلاح الجو السوداني يتعمد بشكل منهجي قصف قرى المدنيين ومصادر المياه وحقول المزارعين المدنيين, حدث ذلك في الجنوب والجنوب الجديد في المنطقتين وايضا بشكل اكثر ضراوة في دارفور.

بالإضافة لأدوات القمع الاخرى كالاغتصاب وحرق القرى و سلاح التجويع وطرد المنظمات الانسانية التي تغيث اولئك الضحايا , الامر الذي دفع المدنيين الى النزوح واللجوء.

رغم ان تقارير الامم المتحدة ومنظمات الاغاثة العاملة في السودان تشير الى ان هناك اكثر 3.5 ثلاثة ملايين وخمسمائة الف نازح داخل السودان , فضلا عما يربو على 480,000 اربعمائة وثمانون الفا من النازحين فيما يعرف بالمجتمعات المستضيفة أي تلك الاسر التي نزحت الى المدن وبعض القرى الامنة مع اقاربهم .

لكن في الواقع لم تكن هناك احصائيات دقيقة لأعداد النازحين و اللاجئين السودانيين في معسكرات النزوح واللجوء , وذلك نسبة لظروف ومعايير تلك الاحصاءات ولطبيعة المجتمع السوداني المضياف.

ببساطة شديدة ان الناظر لمعظم مدن السودان الكبرى محاطة بما يعرف بحزام الفقر وبؤر واكواخ النازحين من جحيم الحرب بطريقة مباشرة او غير مباشرة او تلك التي جاءت نتاج طبيعي لانعدام العدالة والتنمية المتوازنة والتي ساهمت بشكل دراماتيكي في ترييف المدن بشكل فظيع في ظل تجاهل كبير من السلطات رغم انهم اصبحوا اكثر قربا من منطقة صنع القرار ( محل الرئيس بنوم والطيارة بتقوم ) غير انهم لم يسمعوا من الطيارة الا صوتها ومن الرئيس الا غبار الفارهات التي يمتطيها وهي من دمه وحر ماله كان من المنتظر ان تذهب الى مشافي ومدارس تقيهم وعثاء والم هجرة مناطقهم التي الفوها والفتهم.

ان الحروب التي تقودها السودان مع نفسه دفع ايضا الالاف من السودانيين للجوء خارج تراب الوطن الى دول الجوار في تشاد وجنوب السودان وافريقيا الوسطى واثيوبيا وجمهورية مصر العربية فضلا هجرة الالاف من العقول السودانية الى اوروبا وامريكا ودول الخليج وغيرها من دول العالم , والذي دفع فيه البلد فاتورة غالية جدا وخسارة كبيرة علي صعيد القوى البشرية والاقتصادية والاجتماعية.

ولعل من أبرز نتائج عمليات اللجوء الجماعي للعقول والتي افرغت الجامعات السودانية من اميز علماءها ومفكريها ومستشفياتنا من انجح اطبائها وحكمائها فضلا عن المهندسين والمهنيين في تخصصات مختلفة اصبحت نتائجها واضحة للعيان تبرهنها مخرجات مؤسسات التعليم السودانية العامة.

غير ان واحدة من أبرز كوارث هذه الحروب هي هجرة ولجوء الثروة الحيوانية والبشرية بطبيعة الحال الى دول الجوار سواء تلك التي عبرت الحدود الى جنوب السودان وافريقيا الوسطى او تشاد.

اشار تقرير اعدته احدى اللجان التي اوفدتها احدى الحركات الثورية المسلحة الى شرق تشاد , ان هناك اكثر 300الف لاجئ سوداني في مخيمات اللاجئين السودانيين في شرق تشاد يتوزعون على 13 ثلاث عشر مخيما , اشار ذلك التقرير الى انهناك اعداد اخرى من اللاجئين عددهم يقارب نصف عدد اللاجئين السودانيين الذين هربوا مبكرا وبمعيتهم الافا من القطعان الى تشاد وذلك للروابط الاجتماعية بين مكونات البلدين.

واضاف التقرير ان اكبر خسارة اقتصادية وبشرية خسرها دارفور والسودان بعد الضحايا الذين قضوا في تلك الحرب , هذه المجموعات وما يملكونه من ثروات ربما سيخسرها السودان الى الابد, اذا لم تقدم السلطات السودانية حلول حقيقة و وتضع مقومات جازبة ومقنعة للعودة.

وبالرغم ان هذا التقرير لم يقدم تفصيلا دقيقا لاماكن تواجد هؤلاء اللاجئين ولا ظروف تواجدهم الا ان هؤلاء ليسوا الوحيدون في اطار هجرة الثروات السودانية , لكن من المهم جدا على السلطات السودانية والفاعلين في اطار ملفات الحرب والسلام ان يفكروا بجدية وواقعية اكثر في التعاطي مع هذا الملف الشائك, لا يكفي عقد مهرجانات صورية لتمثيل النازحين اللاجئين او ما يعرفوا باهل المصلحة للتعبير عن قضاياهم والتي كانت نتائجها صفرية في كل محطات البحث عن السلام منذ نيفاشا ومحطات البحث عن السلام في ابشي بجولاتها وانجمينا وابوجا والدوحة واديس ابا ابا وجوبا الحالية , من الضرورير مشاركتهم مشاركة حقيقية لانهم يشكلون احد اذرع توطيد عملية السلام خاصة في شقه المجتمعي والذي شابه كثير من التصدعات بفعل تقاطعات هذه الحرب.

هؤلاء الضحايا سواء كانوا نازحين او لاجئين هم بحاجة لاكثر من تمثيل وقتي هم بحاجة لشراكة حقيقية في صنع الفصل التالي من التغيير واعادة الامور الى نصابها ,هناك افرازات اجتماعية كثيرة على صعيد النزوح واللجوء تحتاج لوقفة حقيقية لمعالجتها.

افاد تقرير للمفوضية السامية لشئون اللاجئين ان هناك حوالي (90,000 ) تسعون الف طفل , ولدوا في مخيمات اللاجئين في تشاد لا يحملون شهادات ميلاد ويمثل الاطفال السودانيين النسبة الاكبر بينهم .

وبالضرورة عدم وجود شهادة اثبات سوف لم يستطيع الطفل دخول المدرسة على قلة تلك المدارس وردائة التجهيزات فيها , بالإضافة الى المئات من الاطفال الذين لا يحدثون انفسهم بالمدرسة للظروف المحيطة بهم.

ايضا هناك مشكلات اخرى لا يعيرها المعنيون أي اهتمام وهي التأهيل النفسي لهذه المجموعات خاصة الاطفال والنساء منهم والذين تعرضوا لأبشع انواع التنكيل فضلا الفظائع التي ارتكبت امام اعينهم والظروف القاهرة التي عاشوها طيلة سيني اللجوء والنزوح.

اعتقد المجتمع بكل فئاته والسلطات المعنية في المقدمة معنيون بإعداد خطة ومنهج لتجهيز و تهيئة وتأهيل قرى العودة وازالة كل ما من شانه اعاقة عودة هؤلاء الى قراهم الاصلية التي هجروا منها قسرا وتوفير المقومات التي تكفل لهم حياة كريمة بعيدا عن مساومات الخيارات الثلاث التي تعرض بترف دون وجود أي مدخل او تعاطي حقيقي مع ازمة هؤلاء وتلبية حاجاتهم .

بقي ان نهمس عاليا في اذان الاختصاصيين النفسيين في بلادي ان التفتوا الى شريحة اللاجئين والنازحين ومدوا لهم يد العون النفسي تاهيلا وتوجيها فهم ثروة هذا الوطن وعماد رفعته واستقراره.

حسن ابراهيم فضل

[email protected]



لحرية تنتزع ولا تمنح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *