مبارك أردول
لقد إنتهت الجولة الرابعة من المفاوضات بين وفدي الحركة الشعبية لتحرير السودان / شمال وحكومة السودان (المؤتمر الوطني) دون إحراز أي تقدم يرجع ذلك لتباعد وجهات نظر الوفدين في طاولة المفاوضات، وتمسك كل طرف بوجهة نظره، دعونا في هذه المقالة أن نستعرض وجهة نظر الطرفين بشكل أدق كثيراً وصورة أفضل مما يثأر في الوسائط الإعلامية المختلفة، سوف نستعرض وفد المؤتمر الوطني في الأول لأنه وفد الحكومة والتي يقع عليها مسئولية مقاسمة الأخرين ما إستحوزت عليه طيلة الفترات السابقة ولأنها أيضاً صاحبة الدعوة للتغير والحوار عبر خطاب الوثبة الشهير الذي أطلقه رئيسها ورئيس المؤتمر الوطني في نهاية يناير المنصرم.
في البداية لقد خاطب المؤتمر وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان /شمال بأنه وفد أبناء وبنات المنطقتين، أي إنه حتى لا يعترف بالخصم الذي يتحاور معه ليسميه بأسمه الذي دعي به الي طاولة التفاوض، قد خاطبنا مجلس الأمن والإتحاد الإفريقي والألية الرفيعة بالحركة الشعبية لتحرير السودان /شمال، ولكن ثقل على غندور وحكومته أن ينادونا إلاَ بهذا الإسم الفسوق (أبناء وبنات المنطقتين)، كذلك قسم وفد المؤتمر الوطني أجندة ولجأنها المفاوضات إلي ثلاثة حسب رؤيته للحلول وهي اللجنة الأمنية ثم السياسية وثم الإنسانية، مما يبدوا إن المؤتمر الوطني كما ظهر جلياً هرولته خلف القضايا الأمنية وبالأخص مخاطبة مخاوفه تجاه الجيش الشعبي، فكانت أقوى عنده وأهم من مخاطبة القضايا الإنسانية التي يعاني منها السودانيين المقيمين في المنطقتين والمحاصرين من قبل نظامه، وعلي راي المثل (كل زول بونسه غرضه)، وفي غرضه هذا لخص الوطني رؤيته في الوقف الفوري للعدائيات أولاً ومن ثم نشر للجيش السوداني على طول الحدود مع جنوب السودان، وأيضا ذكر نقاط تفصيلية كثيرة بينها دعوة بعثة اليونسفا الموجودة في أبيي لمراقبة وقف العدائيات وكذلك التحقق من عدم القيام بأي أنشطة عسكرية عبر الحدود، وإحترام سيادة دولة السودان، كذلك تحدثوا عن وجود جيش واحد في السودان دون التطرق الي أي معايير تكوين وتشكيل هذا الجيش، ومن أهم نقاط اللجنة الأمنية التي ذكروها هي عملية تجريد الجيش الشعبي من السلاح خلال 30 يوماً وتسريحهم ودمج الأخرين في الجيش السوداني وسوف يكونوا خاضعين لنفس قوانيين القوات المسلحة.
الملاحظ إن المؤتمر الوطني الذي فشل في تجريد الجيش الشعبي من السلاح وطرده من الحدود خلال ثلاثة أيام (وليس أسبوع) كما قاله الفريق عصمت في إشارته إبان إندلاع الحرب في جنوب كردفان علم 2011م، نجده يسعى الأن الي القيام بذلك عبر طاولة المفاوضات وخلال 30 يوماً (بزيادة صفر)، وبدم بارد دون مخاطبة القضايا التي جعلت الجيش الشعبي يرفع هذا السلاح ضد المركز ويبدي مقاومته الشرسة وروحه القتالية العالية ضد سياسات نظام الخرطوم، وما يؤرق الوطني أيضاً هو عدم مقدرته على السيطرة لحدود الدولة الطويلة مع دولة الجنوب بالرغم من تسخيره لأكثر من 70% من ميزانية الدولة في بنود الأمن والدفاع وبالرغم متحركاته الكثيرة التي أرسلها الي تلكم المناطق الحدودية والتي كان كان أخرها في طروجي و ملكن.
أيضا لم تشمل الورقة الأمنية للوطني رؤية شاملة لنهاية الحرب في السودان بل قالت قالت بعد تطبيق عملية نزع السلام من الجيش الشعبي ودمجه في القوات المسلحة السودانية يحظر على أي عسكري ممارسة أو الإنتماء أو حتى الميول لأي حزب سياسي وأضاف سوف يخضعون لقوانيين القوات المسلحة، هذا يعني بلا شك إستخدام الجيش الشعبي وزجه بشكل مباشر في حروب المؤتمر الوطني الأخري المشتعلة في السودان، وبذلك يكونوا حققوا ثلاثة أشياء هي تجنيح الحركة الشعبية من جيشها الذي بنته طوال ال(30) سنة الماضية وتجريد هذا الجيش من سلاحه وتفكيكه وأخيراً إستخدامه في محاربة حلفاءه الأن أو الثوار الأخرين.
أما في الورقة السياسية تحاشي الوطني تماماً التحدث عن القضايا التي جعلت الجيش الشعبي يحمل السلاح ويقضي طول عمره في الغابة معرضاً حياته للخطر والتعب، فقد قال الوطني إنه (will address the issues related to south kordofan and blue nile) سوف يتحدث عن القضايا المرتبطة بجنوب كردفان والنيل الازرق مما يعني المنطقتين، متجاهلاً بنود برتوكول 28 يونيو الإطاري الذي وقعه د. نافع مع الفريق عقار، والذي نعتبره أباً شرعياً للقرار 2046 لأن القرار نفسه ألزم الطرفين في فقراته بالرجوع الي طاولة التفاوض علي أساسه حيث قال في الفقرة ثلاثة (( يقرر أن تقيم حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال تعاونا كاملا مع فريق الاتحاد الأفريقي ورئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية بغية التوصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات على أساس الاتفاق الإطاري بشأن الشراكة السياسية المبرم في ٢٨ حزيران/يونيه ٢٠١١ بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال والترتيبات السياسية والأمنية المتعلقة بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان؛)) إنتهى نص القرار… أما الإتفاق الإطاري يقول في القسم الأول إن الطرفين سيكونوا لجنة سياسية لمخاطبة القضايا المتعلقة بجنوب كرفان النيل الأزرق وكذلك القضايا القومية المتعلقة بالدستور القومي (فالمؤتمر الوطني نجده يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض)، وقال تحديداً في الفقرة (3) من الإتفاق الإطاري نفسه في الجزئيات (a, b, c ,d … i) عن المبادئ التي سوف يتقيد بها عمل اللجنة السياسية، ففيها يؤكد على الحل السلمي، التنمية المتوزانة في السودان ومراعاة خصوصية المنطقتين، قضايا التنوع والتعدد والحقوق السياسية والإجتماعية، العملية السياسية في المستوى القومي والتعاون بين الطرفين للإستقرار والتنمية والديمقراطية والإصلاح الدستوري، وكذلك تحدث صراحة عن عمل الطرفين معاً في عملية قومية شاملة تهدف الي الإصلاح الدستوري في جمهورية السودان، وأضاف البرتوكول في مبادئه السياسية فتحدث عن مبادئ برتوكول مشاكوس وخاصة الجزئيات المتعلقة بالمبادئ الديمقراطية وسيادة حكم القانون وإحترام التنوع وحقوق الإنسان وأكد على أن يلتزم الطرفين بهذه المبادئ وأيضاً القسم الثاني من إتفاية السلام الشامل التي تحدث عن إقتسام السلطة والفقرة 1.6 التي تحدثت عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية واالفقرة 1.7 التي تحدثت عن المصالحة القومية والفقرة 2.8 التي تحدثت عن اللغات وكذلك القسم الثالث من إتفاقية السلام الشامل التي تحدثت عن قسمة الثروة وكذلك برتوكول المنطقتين.
هذه هي الجزئية التي يتهرب منها المؤتمر الوطني ويزر الرماد في العيون ويقول إنه يريد أن يتحدث الي أبناء وبنات المنطقتين (على قرار وثيقة الدوحة مع السيسي وإتفاقية الشرق)، ويتهمنا بالتنصل عن قضايا المنطقتين، المؤسف حقاً إن هذا التيار قد سبح فيه كثيرون من الناس دون وعي وإدراك لخطورته والذي يعتبر دساً للسم في الدسم، فالسؤال المطروح للسابحين مع التيار بدون وعي، ما هي مشكلة المنطقتين؟ وكيف يمكن حلها دون حلحة المركز المسئول الأساسي عنها؟ النقاط في الفقرة (3) أعلاه كيف يمكننا حلها في الدمازين وكادقلي؟ ومن الذي أعطى الحق للوطني والأمة والشعبي والإتحادي وهما أحزاب، من أعطاءهم الحق لمناقشة القضايا القومية في (جلسة قهوة في ودنوباوي والمنشية والخرطوم) ويحظر علينا نحن المسنودين بقرار إقليمي وقرار أممي مناقشته (في أديس) ويريدون حصارنا في الهامش؟. نحن نؤمن تماماً إن الحركة الشعبية حزب سياسي مسنود بجيش ثوري، ويمثل أغلب عضويته ومقاتليه من المنطقتين ونؤكد تماماً إن الحركة الشعبية إذا لم تجلب خيراً لأهل المنطقتين لن تجلبه لبقية السودانيين، ولكن حل مشاكل أهل المنطقتين وغيرها من المناطق السودانية بما فيها الخرطوم (عاصمتنا) يكون في الحل القومي الشامل عبر مؤتمر دستوري يشارك فيه كل الأطراف.
فإذا أراد الوطني خيراً للمنطقتين فاليمنحه لهم دون الذهاب الي أديس للتفاوض معنا، لأنه ببساطة صاحب المخازن وبيده كل المفاتيح، نحن نعلم تماماً مصير مذكرة الخمسة أحزب (المتوالية) من جبال النوبة الي رئاسة الجمهورية وكيف إنهم لم يردوها وتجاهلوها، وأيضاً ضيق صدرهم الشديد من مبادرة الدكتور فرح العقار عن المنطقتين وما ترتب عليه من مصيره هو صاحب المبادرة داخل حزب المؤتمر الوطني وكذلك تهربهم من مذكرة ال(74) قيادي الأخيرة من أبناء جبال النوبة.
فالمؤتمر الوطني يريد التحدث معنا عن المشورة الشعبية المؤؤدة (رحمة الله عليها) نقول له إن المشورة الشعبية ميتة زماناً ومكاناً، فإنها عندما إقرًت كحل للنزاع في المنطقتين كان السودان تحت وضع دستوري محدد غير الذي نحن عليه الأن، من تكوين مؤسسة الرئاسة، مروراً بالبرلمان ومجلس الولايات والبرلمانات في المنطقتين، فالأن إذا نظرنا الي صورة هذه المؤسسات نجدها هي ليست بالمؤسسات التي كانت عندما إقرًت المشورة الشعبية كحل للنزاع في المنطقتين لا شكلاً ولا تكويناً، فمؤسسة الرئاسة لا يوجد بها سلفاكير ولا البرلمان القومي يوجد به أتيم قرنق وياسر عرمان ولا أحد من أعضاء الحركة الشعبية ولا مجلس الولايات يوجد به أعضاء الحركة ولا برلمانات الولايات كذلك، وحتى عندما ذكرت في الإتفاق الإطاري حدثت بعده متغيرات دستورية كثيرة منها الهجوم على النيل الأزرق وعزل الوالي المنتخب الفريق مالك عقار، وكذلك تقسيم ولاية جنوب كردفان حالياً، فاليوم ليس لنا شئ سوى أن نرفع أكفنا طالبين الرحمة لصديقتنا المشورة الشعبية طيب الله ثراها.
فمحاولات المؤتمر الوطني لتوقيع إتفاق فطير معنا حول المنطقتين يتم بموجبه نزع سلاح الجيش الشعبي وتجنيح الحركة الشعبية وضمها الي معارضة الشعارات والوجاهات داخل الخرطوم، ويعيد بذلك هندسة نفسه وإكتساب مناعة جديدة لمواصلة التشبث بالكراسى لن تجدي نفعاً ولن تجد وقعا، وأي حديث للوطني عن الحوار والتغيير والوثبة دون إيقاف للحرب ومخاطبة قضاياه بجدية وجلب السلام والطمأنينة للسودانيين أجمعين يعتبر حديث خاوي وحوار للطرشان ووثبة في بئر الأوهام.
ونواصل ….
[email protected]