إن كتابات بعض الناشطين التي ظهرت هذه الأيام، وهي تتدثر بثوب العنصرية الفجة، هدفها بجانب عنصريتها، إحداث شرخ في جسد “قوي الهامش السوداني” بغض النظر عن تباين مواقفها السياسية حيال ما يجري من أحداث بالسودان لا سيما بعد إنقلاب 25 إكتوبر.
إن التحولات السياسية الكبري التي حدثت بالسودان خلال العقود الماضية ، والتي أدت إلى صعود قوي سياسية وإجتماعية التي لم يكن لها دوراً في حكومات “ما بعد الإستعمار” ، قد أزعج أقلية القوي السياسية والإجتماعية التي ورثت المحتل الأجنبي واستفادت من تعاونها معه بطرق شتي، فمكنها من السيطرة على مقاليد البلاد ، وبعد ما يسمي ب”السودنة” استأثرت بالسلطة والثروة على حساب الغالبية العظمي من القوي الناهضة ، التي عبرت عن مظالمها التأريخية ومطالبها العادلة عبر إنتهاج المقاومة السلمية تارةً والكفاح المسلح تارةً أخري، ففرضت واقعاً مغايراً وباتت أمراً واقعاً لا يمكن تجاوزه ، بل أضحي لا يمكن تقرير حاضر ومستقبل السودان بدونها.
لابد لهؤلاء الناشطين ومن يقف خلفهم من قوي سياسية استيعاب حقيقة أن السودان قد تغيّر ، وأن عهد “السيد” الذي يأمر فيطاع قد ولي دون رجعة!.
إن السودان مُلكٌ لكل السودانيين على قدم المساواة ، ويجب أن يقرر مصيره الجميع دون إقصاء لأحد سوي النظام البائد وواجهاته ممن كانوا سبباً في دمار السودان ، ويجب أن نحترم بعضنا بعضاً كمواطنين سودانيين أو كقوي سياسية أو إجتماعية، وأن نبتعد عن الممارسة والسلوك العنصري والتقسيمات المناطقية والجغرافية والعشائرية ، لأن هكذا لغة إستعلائية لن تقودنا إلا للشقاق والتباعد ، فالسودان يمر بأخطر مرحلة في تاريخه ، وهو قاب قوسين أو أدني من التفكك والإنهيار، وشبح الحرب الأهلية التي “لا نتمني حدوثها” يلوح في الأفق!.
لا يمكن أن نعتبر خطاب العنصرية المتصاعد في كافة وسائط التواصل الإجتماعي محض آراء شخصية أو تصرفات فردية معزولة ، فهنالك جهات داخلية وخارجية تريد “هد المعبد” على رؤوس الجميع، لأن استمرار سيطرة الأقلية الصفوية “الإسلاموعروبية” قد أصبح ضرباً من المحال.
يجب التسليم بأن السودان لم يعد هو سودان الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات أو التسعينيات، فالسودان قد تغيّر ، فلابد من التعايش مع هذا الواقع ، بدلاً عن إثارة النعرات العنصرية الرخيصة التي تهدم ولا تبني، تفرق ولا تجمع، تباعد ولا تقارب ، ويجب حصر الصراع بين القوي السياسية في إطاره السياسي.
إن عقلية “الزبير باشا” التي أطلت بوجهها الكالح هذه الأيام، هي تعبير عن يأس مستبطن وخوف مكتوم مما هو قادم من متغيرات حتمية في بنية الدولة والمجتمع، وقد أصبح حدوثها مسألة وقت ليس إلا.
ولهؤلاء أقول:
“الفي جعابو عويش ولا بنطي نار”