الفجر الجديد …. الأهمية والدلالة
لا تخطي عين المراقب العادي الجدل الكثيف الذي أحدثه إعلان ميثاق الفجر الجديد الموقع عليه من قبل أطياف من قوي التغيير السودانية السلمية منها والمسلحه. هناك ربما بواعث كثيره محفزة لمسارات هذا الجدل تلخصت في تفسير أو تأويل مضامين بعض النصوص الواردة في متن هذا الميثاق مدحا أو ذما. ومن ناحيه أخري نري كيف أن هذا الميثاق استحوذ على اهتمام نظام البشير بالدرجة التي كانت فيها ردود أفعاله مرتبكه وعنيفة ومحرضه ضد الجبهة الثورية ومهدده بالوعيد للقوي السياسية الموقعه عليه، لإدراكها واستشعارها بخطورة هذا المنحي الموحد لقوي المقاومة بشقيها من اجل إسقاطه وصناعه البديل.
بدءا – جدير بالقول – رغم الزخم الذي صاحب هذه الوثيقة والأثر الكبير الذي أحدثته في الحياه السياسية السودانية، إلا انه لم يجرأ احد من قاده هذه المكونات الموقعه عليها بالقول بانها في درجات الكمال وخاليه من العيوب والنقائص بل قالوا بانها قابله للتنقيح وللمزيد من الحوار حولها. وهذا ما يزيدها اهميه علي أهميتها، في ظني هذه المرونة تجعلها الأكثر قدره علي تحقيق التوافق حول القضايا الكبيرة مثار الخلاف وجذب الاخرين اليها. وهذا ما يجعلنا نبني قراءاتنا لها من هذا الجانب الإيجابي الذي يناي عن التطرف في المواقف واملاء وجهه نظر واحده ايا كانت وجاهتها ونصاعه منطقها، تستعصي معها عمليه الحوار والأخذ والرد.
يمكن تخليص دلالات وأهمية هذه الوثيقة في الآتي:
– أنها بلا شك جهد وطني خالص التقت فيه الإرادة الوطنية الحره، لقاءا هو الثاني تاريخيا بعد مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية ١٩٩٥.
– جسدت وعيا كاملا لهذه الإرادة بالمخاطر والتحديات التي تهدد مستقبل بلادنا.
– دحضت افتراءات النظام القائلة بعنصريه وجهويه الجبهة الثورية وبعدها عن الهم الوطني العام وكذلك عزلتها عن نبض الشارع السوداني.
– إعلان هذا الميثاق أحدث نقله الي حد ما في الخطاب السياسي المبتذل، الذي يستخدمه النظام لوصف خصومه المعارضين خصوصا الجبهة الثورية. فبدلا من لغه التحريض العنصري والآثاره والتخوين واستجداء المشاعر الدينيه، انتقل الي استخدام خطاب يتحدث بلغه وبرغم ما فيها من الاسفاف إلا أنها تتحدث عن أفكار وبرنامج سياسي مطروح من قبل الخصوم في المعارضة.
– هذه الوثيقة أكدت وبشكل قاطع قناعة الأطراف الموقعه بأهمية الحوار بين كل المكونات للوصول لحاله من الوفاق الوطني. وكذلك أكدت علي انه اي الحوار هو الجانب المفقود في المشهد السياسي فم الفترة السابقة بين طرفي المعارضة.
– احداث التغيير بعد الوصول لبرنامج الحد الأدنى للفتره الانتقالية وأعاده هيكله الجبهة الثورية وقوي الإجماع الوطني وقوي التغيير الاخري في إطار مجلس انتقالي أو حكومه انتقالية، ستكون هي المره الأولي التي يتشكل فيها البديل لنظام شمولي ببرنامج سياسي لفتره انتقالية معلن مسبقا.
– لقاء مكونات المعارضة بكل أطيافها سيوحد الجبهة الداخلية ويدفع بالحراك الجماهيري لأحداث التغيير السلمي عبر انتفاضة أو اعتصام مدني. الملاحظ أن هذا الإعلان شكل باعثا بالأمل لجموع الشعب خصوصا بعد انسداد الأفق السياسي أمام المؤتمر الوطني، وفشل حلوله الآمنيه والعسكرية وكل أساليب العسف والقهر والبطش. مع عدم وجود مخرج لازمته الاقتصادية والضايقه المعيشية التي يكابدها المواطن البسيط ، هذا مع تزايد تدهور قيمه العمله الوطنية مقابل الدولار. زد علي ذلك كلفه الحروب في ثلاثه جبهات داخليه ممتده علي نطاق واسع يشمل عده أقاليم بالإضافة الي الأمن العام الذي يستحوذ علي موازنه كبيره.
الوحدة الطوعية، هيكله الدوله والدين والدولة
بعض العبارات التي وردت في متن هذا الميثاق أثير حولها الكثير من الجدل والتأويلات خصوصا من قبل الخصوم والذين يختلفون مع الجبهة ابتداءا وبرنامجها السياسي ثانيه. كمبدأ إقرار الوحدة الطوعية وأعاده هيكله الدوله والدين والدولة. الكثير من ردود الفعل أو المواقف السالبة تجاه هذه القضايا، بنيت علي افتراضات ظنيه او معتمده ومتأثرة برده فعل النظام وتهويشاته وتضلليه للرأي العام، بقصد التحريض ضد الوثيقة والتشكيك في نوايا موقعيها وخلق حاله من عدم الثقه، عندما ربطوا عمدا حق تقرير المصير بإقرار الوحدة الطوعية. وهذا تضليل وتأويل غير صحيح البته. بل العكس هي تأكيد علي وحده تراب السودان وشعبه، في دوله واحده تحمل سماته التي عبر عنها الميثاق بانها “دوله متعدده الثقافات والأثنيات والأديان واللغات، تتأسس هويته السودانية علي رابطه جامعه قائمه علي مكوناته الثقافية وأبعاده الجغرافيه وارثه الحضاري الممتد الي سبعه آلاف سنه”. ديباجته الميثاق نصت وكل مضامينه أكدت الحرص علي هذه الوحدة، بل تأسفت للدواعي التي جعلت من انفصال الجنوب قدرا محتوما. ليس هذا فحسب، بل تحدثت عن إمكانية توافر الظروف و الشروط الموضوعية التي تجعل من العلاقة مع الجنوب ذات خصوصيه، تربطها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وتوحدها علائق القربى والتاريخ والمصير المشترك.
مقاربه فكره إقرار الوحدة الطوعية وربطها بتأكيد وحده السودان وبناء دولته الحديثة أو المدنية، يجسدها واقع الجغرافيا والتاريخ وحقيقه نشوء الدوله السودانية نفسها. إذ أن السودان قبل العام ١٨٨١م كان مجموعه دويلات وممتلكات أو مشيخات وقبائل متناثره يجمع بينها ما يجمع من العلائق. توحدت بقوه المستعمر في ظل دوله مركزيه لتحقيق أطماعه الاقتصادية والعسكريه، المتمثلة في الذهب والعبيد. ما يعنى أن هذه الوحدة لم تكن نتاجا طبيعيا لمسار تطور مجتمعات و مكونات شعوب هذه البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. واستمر وضع الدوله مركزيا قابضا فى عهد الحكم الوطني الأول إبان المهدية و الحكم الانجليزي المصري . ولم يتغير الحال كثيرا في عهود الحكم الوطني الحديث بعد الاستغلال، رغم تطلعات أهل أقاليم السودان ومطالبتهم بحكم أقاليمهم والمشاركة في مستويات الحكم المركزية في نظام فدرالي يضمن تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة. إلا أن كل الأنظمة المتعاقبة ديمقراطية كانت أو عسكرية، ظلت تنكر هذا الحق المشروع لأهل الأقاليم وفي بعض الأحيان اتبعت سياسات أدت إلى الكثير من الأزمات الإنسانية والجرائم البشعة في حق أهل بعض هذه الأقاليم مع مظاهر الظلم الواضحة فيما يخص شراكه السلطة وعداله توزيع التنمية بين الأقاليم. مما خلق قدرا غير يسيرا من أزمه الثقه بين هذه الكتل الجغرافيه والسلطات المركزيه المتعاقبة مع تفاوت فقط في الدرجة. نتاج هذه السياسات إدي الي انفصال الجنوب ويدفع أطرافا أخري دفعا في ذات الاتجاه.
ما لا تخطيه البصيرة أن مستقبل بلادنا مهددا في وحدته وتماسكه الداخلي في حال استمرار هذه النهج في أداره البلاد بفرض رويه أحاديه في واقع سمته التعدد والتنوع. والتعدد والتنوع لا يعنيان التنافر أو التضاد بأي حال من الأحوال وانما عنصر من عناصر القوة. من هنا استشعرت قوي ميثاق الفجر الجديد، هذه المخاطر ورأت بان تقطع عليها الطريق وحتي لا نصار الي ذلك المصير رأت أن أقصر طريق هو التعاقد الاجتماعي الدستوري بين هذه المكونات. تتأسس عليه الدوله السودانية المدنية الحديثة المرجوة عبر مؤتمر دستوري، تحسم فيه خيارات الشعوب والقضايا الخلافية الكبري مره واحده والي الأبد. وبالوصول لهذه المصالحة التاريخية بين كل مكونات الشعب السوداني وإقرارها والنص عليها في الدستور الدائم، نكون قد خلصنا انفسنا وبلادنا من حاله الاحتراب مع الذات وانتقلنا الي مرحله جديده يسود فيها الأمن والسلام الاجتماعي وقيم الديمقراطية والعدالة والمساواة و سيادة حكم القانون واحترام حقوق الإنسان. بعد هذه المصالحة الوطنية التاريخية تستطيع الدوله استخدام القوه لردع أي محاله لتقرير المصير بأي زريعه من الزرايع وسيكون استخدام القوه في هذه الحالة دستوريا ومدعوما شعبيا.
بهذا المعني نستطيع القول بان فكره إقرار مبدأ الوحدة الطوعية متجاوزه ومتقدمه علي ما نص عليه ميثاق اسمرا للقضايا المصيرية إذ انه اقر مبدا تقرير المصير. وأيضاً متقدمة علي اتفاقيه السلام الشامل بخصوص منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إذ أن المشورة الشعبية سوف تنزع نحو الحكم الذاتي في حال اكتمال إجراءاتها. وبالتالي ربما تفتح الباب أمام أعاده سيناريو جنوب السودان بخصوص خلق نظام حكم غير منسجم مع النظام السائد. بنظره موضوعيه وعقلانية للأمور نكون باقرار هذا المبداء، قد خطونا الخطوط الأولي في الاتجاه الصيح لبناء دولتنا الوطنية. وهذا ببساطه لانا فشلنا كدوله طول العهود الوطنيه في أداره هذا التنوع والتعدد الذي تذخر به بلادنا، فتنكبنا المسار في اتجاهات أخري أكثر قتامه أضاعت علي بلادنا فرصه أن تكون من اهم واكبر دوله في محيطها الإقليمي والدولي.
هيكله الدوله السودانية
قصد منها القيام بإصلاحات جوهريه وبنيويه لاختلالات وتشوهات مؤسسات الدوله التي عبثت بها الإنقاذ من اجل تمكينها في السلطة فحولتها من مؤسسات للدوله الي مؤسسات للحزب. وهذه الإصلاحات تشمل اولا، المؤسسات العسكرية والأمنية بما يضمن قوميتها وحيدتها ومهنيتها.
ثانيا، إصلاح الخدمة المدنية وتنزيهها من المحسوبية بأعمال اهليه الكفاءة وليس الولاء الحزبي. وتأهيلها بالتدريب وبناء القدرات. في عهد الرئيس النميري كانت هنالك مصلحه للخدمة العامه والإصلاح الإداري وتطورت فيما بعد الي وزاره العمل والإصلاح الإداري. ولا أظن يغيب علي بال احد، بانا ورثنا من العهد الاستعماري خدمه مدنيه متقدمة، استفادت من كفاءاتها وقدراتها بلاد أخري في بناء نهضتها فتقدمت علينا الآن. ثالثا، القضاء، وقصد بإصلاحه، أعاده هيبته واستقلاليته من السلطة التنفيذية. الم يكن نظامنا القضائي قبل الإنقاذ كان مشهودا له بالكفاءة والنزاهة والحياد والاستقلاليه حتي في عهود الظلام السابقه؟ ورابعا، أعاده هيكله السياسات الاقتصادية وكذلك الصحه والتعليم بما يحقق أهداف الألفية الثانية فى التنميه الاقتصاديه والصحه والتعليم …الخ
الدين والدولة
قالت الوثيقة “إقرار دستور وقوانين قائمة علي فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة، لضمان عدم استغلال الدين في السياسة”. صحيح هكذا ورد النص ولكنه تقنيا يعني ضمانة عدم استغلال الدين في السياسة. ولا يتاكد هذا الا باستقلال القضاء وسيادة حكم القانون واقرار مبدا المحاسبه والمساءله القانونيه لكل تجاوز للصلاحيات المنصوص عليها دستورا. إذا ما بدر ذلك من موظف او موسسه في الدولة. وربما لا يتصور احد بان لا تكون هناك علاقة البته للمؤسسات الدينية بالسلطة التنفيذية أو حتي التشريعية اوالقضائية. وعلي كل حال هذه واحده من القضايا الخلافية التي يتم حسمها في المؤتمر الدستوري المزمع عقده في الفترة الانتقالية وهذا ما قال به الموقعين علي الوثيقة. واكثر من ذلك قالوا أنهم منفتحين للحوار حول كل بنودها وصولا للتوافق المطلوب.
المرء ليتساءل ما الضير في كل هذا؟ ولا أظنني جانبت الصواب إذا ما قلت بان كل ما ورد، موجود في صميم أدبيات القوي السياسية او نادت به في بعض مراحل نضالها ولربما وثقته مواثيقها أيضاً نصا ومعنا ومجازا. ومع ذلك هناك من يطل علينا ويحدثنا باحاديث من قبيل، هذا الميثاق اشتمل علي بنود ضد الثوابت الوطنية، أو ضد ثوابت آلامه وهذه وثيقة صهيونية إمبريالية وتدعو للفجور والإباحية وهي مفسده في الأرض ووراءها الأمريكان ….الخ. عجبا، لماذا المزايدة علي وطنيه هؤلاء وهم من أبناء السودان الذين ضحوا باغلي ما عندهم وقضوا جل عمرهم من اجل صلاح حال بلادهم ومستقبل شعوبهم وبذلوا لذلك جهدهم. أن يأتي ذلك من المؤتمر الوطني فهذا مفهوم أما أن يأتي من الآخرين فهذا ما لا نفهمه!
ماهي الثوابت التي تعنيهم ولا تعني هؤلاء؟
ومن هو الذي يحتكر سلطه إطلاق التوصيفات وتحديد الثوابت الوطنية. كأنما الحقيقة المطلقة تبتديء وتنتهي عندهم. والسؤال، هل هم ينتمون لوطن وامه وهؤلاء الشرفاء ينتمون لوطن وأمه أخري؟
مها قيل عن هذا الميثاق فلا يختلف اثنان في أهمية دلالاته وكذلك أهمية ما أحدثه حتي الآن وما سوف يحدثه في مستقبل الأيام. وهو جهد وطني يحق لكل سوداني الفخر به، لان كل قطاعات الشعب السوداني شاركت فيه، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سواء كان ذلك من خلال المواقف الدافعة لهذا الاتجاه داخل هذه التنظيمات نفسها أو من خلال التنظيمات الشبابيه والطلاب الذين ما زالوا يمثلون خط المواجهة الاول في تحدي جبروت النظام. وكذلك عبر منابرهم وتنظيماتهم في المهاجر المختلفة. وهذا ما يؤكد الدعم الشعبي لهذه الوثيقة وهذا الالتقاء الوطني والرهان عليه لأحداث التغيير. هذه هي الضمانة الوحيدة لتغيير سلمي تتضمامن معه حتي الأجهزة العسكرية. الجيش السوداني مهما قيل عنه إلا انه سيظل مؤسسه وطنية عريقه لها إرثها وتقاليدها ومواقفها التاريخية المشهودة المنحازة لخيار الشعب. وهذا ما سوف يحدث في اللحظة الحاسمة وما يؤكد ذلك مايدور داخل هذه المؤسسة هذه الأيام. فيجب أن لا نضيع الوقت في تفاضل خيارات النضال التي في كثير من الأوقات ما شغلتنا أكثر مما تشغلنا مواجهة النظام وكأنما هي غايه في ذاتها. نحن أمام فرصة تاريخية يجب أن لا نضيعها حتي لا تنطبق علينا مقولة “السودان بلاد الفرص الضائعة”. وما يؤكد زعمنا وقراءتنا هذه، هو الموقف الوطني الشجاع لقوي الإجماع الوطني في بيانها الأخير الذي أكدت فيه رغم وعيد النظام لها بان حوارهم مع الجبهة سيتواصل بغية التفاهم الكامل و لاجل إسقاط النظام. التحية لحزب الوسط الإسلامي علي هذه الخطوة الشجاعة متمثلة في رئيسه الدكتور يوسف الكودة.
وبهذا يكون الشعب السوداني فى انتظار الخطوات اللاحقة …. ليوقع علي دفتر خلاصه من هذا الطاغوت
نجم الدين موسي عبد الكريم
نائب الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة