العدالة الاجتماعية .. ركيزة الاستقرار السياسي. بقلم: إبراهيم سليمان

في ظل الحياة المعاصرة، ما عادت الأشياء هي الأشياء كما في العصور الوسطى، فالدولة بإمكانها أن تغني شعوباً، وتفقر آخرين، وتعزّ قوم، وتذل مهمشين، بالطبع بأمر الله وشرور أجهزتها وخلل معاييرها، فالعدالة الاجتماعية هي منظومة اقتصادية واجتماعية تهدف إلى إزالة التباينات الطبقية الكبيرة بين مكونات المجتمع. بصورة عامة، تفهم العدالة الاجتماعية على أنّها توفير معاملة عادلة وحصة تشاركية في خيرات البلاد بمفهومها الشامل.

في غيات “مكانيزم” العدالة الاجتماعية الجادة والفعّالة، فمن البديهي أن يتناسل الفقر، ويتناسل تضامناً معه الجهل كذلك. في هذا المقال نرّكز على ثلاث ركائز من مقومات العدالة الاجتماعية في الدولة المعاصرة، وهي توزيع فرص الاستثمار وسبل تقاسم عائدات الموارد الطبيعية القومية، وعدالة توظيف الموارد البشرية.

بعيد عما ورد في أتفاق جوبا لسلام السودان، لتحقيق التوازن التنموي، يجب أن تكون أولوية الإنفاق الحكومي للارتقاء بالبنى التحتية، للمناطق المهمشة على أطراف البلاد التي ظلت تعاني الإهمال الحكومي طيلة العهود السابقة، ويشمل هذا المتركز، طرح المشروعات الاستثمارية، وتوجيه الهبات الخيرية التي ترد عبر البوابات الرسمية، للمناطق الأقل حظا تنموياً في السابق، ويجب تجريم إرساء عقودات الأعمال التجارية، من إنشاءات واستيراد وتصدير، وتعاقدات خدمية، خارج مواعين المناقصات النزيهة والشفافة، كما يجب إعطاء الأولوية التفضيلية في هذا المجال للشركات ورجالات الأعمال المحلية والولائية، شريطة توفر القدرة المالية، والتأهيل والفني، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية الحكومية، والتي تحرص على الالتزام بمعايير الجودة العالمية. وسد الثغرات للإعفاءات الجمركية في أضيق حيز.

كما ينبغي ألاّ تغفل السلطات، عن إلزام الشركات التي تنّفذ مشروعات طويلة المدى، بمسئولياتها الاجتماعية تجاه المجتمعات المحلية، سيما شركات التنقيب عن البترول والمعادن، وألاّ تتساهل في الإجراءات الاحترازية لحماية البيئة، وعلى منظمات المجتمع المدني على أن تطلع بدورها في هذا المجال.

وناهيك عن نسب توزيع السلطة الواردة في اتفاق جوبا المشار إليه آنفا، يجب على السلطات تجريم التوظيف لشغل المناصب غير الدستورية، خارج أسوار لجنة الاختبار للخدمة العامة، وتسهيل فتح بلاغات فردية ضد الجهات التي تمارس مثل هذه الممارسات الفاسدة، كما يجب الالتزام الصارم بنسب الإناث في الوظائف العامة، تماشياً مع التغيير الديمغرافي المطرد، بحيث تطرح الوظائف حصرياً للإناث، إن ثبتت هيمنة ذكورية في دوائر بعينها. ولتحجيم فرص المحسوبيات، وكما وهو معمول به في معظم الدول المحترمة، يجب أن يوضح المتقدم/ة للوظيفة العامة، عما إذا كان/ت لديه/ها صلة قرابة على أي مستوى في الدائرة التي ي/تتقدم للالتحاق الوظيفي بها.

ولتحقيق العدالة الاجتماعية، في ظل البطالة المستشرية وسط الخريجين الشباب، يجب عدم تمديد سن المعاش الإجباري في القطاع العام، تحت أي مصوغ، ومهما كانت ندرة التخصصات، وعظمة الخبرة التراكمية، وعلى المعاشيين استمرار تقديم خدماتهم عبر الشركات الخاصة، التي لا غنً للنهوض الاقتصادي بدونها. ويمنع منعاً باتاً أن يتقّلد أي موظف دولة أكثر من منصب ولو شرفياً بحوافز، أو أن يمارس أعمال حرة، طيلة فترة توظيفه، هذه الجزئية بشكل أو بآخر مرتبطة بالضمان الاجتماعي، وواجب الدولة في كفالة توفير الرعاية الاجتماعية، من صحة وتعليم وتمكين المواطن من الاستفادة من الخدمات العدلية والقانونية غض النظر عن مقدرته المادية.

أما عن آلية التوزيع العادل لعائدات الثروات الطبيعية، من بترول ومعادن، والعائدات القومية من جمارك ورسوم عبور وخلافها، فليس هناك ما هي أفضل وأنصف من نسب التعداد السكاني للأقاليم، أما الإنتاج الزراعي، بشقيه المحصولات الزراعية والصادر الحيواني، فيجب ابتكار آلية تضمن استفادة المنتج من عائدات التصدير في المقام الأول وليست الدولة. يمكن تحقيق ذلك عبر تأسيس جمعيات تعاونية للمنتجين الحقيقين، تحتكر التصدير عوضاً عن شعب المصدريين الجشعين، الذين يستغلون المنتج ساعة العسر شر استغلال، وهذه الجمعيات الإنتاجية، بإمكانية توفير التمويل المسير للمزارعين والرعاة عوضاً عن البنوك الانتهازية.

تتجلى العدالة الاجتماعية وتتجسد في عدة صور منها الاستبداد والاستعباد والقهر الاجتماعي، وهي ككرة مفاهيمية يتجاذبها الطرحين الاشتراكي والرأسمالي، فالأخيرة ظاهره الإنعاش الاقتصادي، وباطنه العذاب والقهر الاجتماعي، فهو أي الرأسمالية يدعو لحياد الدولة في المشهد التنموي، لذا أفضل الوصفات، الهجين بين النهجين، والسياسية فن الممكن.

والعدالة الاجتماعية محال تحقيقها في مجتمع يسوده الفوضى، ويعشعش فيه الفساد، لذا فهي ترتكز على فكرتي الجدارة والاستحقاق كما ذكر روفائيل .

لا شك أن فضيلة العدالة الاجتماعية الغائبة عن الدولة السودانية الحديثة منذ تأسيسها، لهي الباعث لكافة النزاعات المسلحة والفكرية في البلاد، يستحيل إخمادها والوصول إلى استقرار سياسي الاجتماعي دون تحقيقها.

أقلام متّحدة

30 يونيو 2021م

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *