الخرطوم – النور أحمد النور
الأربعاء ٧ نوفمبر ٢٠١٢
تجدد الجدل في الخرطوم حول خلافة الرئيس عمر البشير بعد معلومات متضاربة عن صحته عقب سفره المفاجىء إلى المملكة العربية السعودية لإجراء «فحوصات طبية عادية تتعلق بما أصابه من التهابات في الحبال الصوتية»، بحسب ما أُعلن رسمياً.
وقالت الرئاسة السودانية إن البشير «تماثل للشفاء بعد أن أجريت له عملية جراحية صغيرة ناجحة» أمس الثلثاء في السعودية. وقال الناطق الرئاسي عماد سيد أحمد في تصريح بثته وكالة الأنباء السودانية الرسمية إن البشير سيغادر المستشفى خلال الساعات القليلة المقبلة. وتابع: «نزفّ البشرى للمواطنين على ما أنعم به الله على رئيس الجمهورية من شفاء وعافية».
وتصاعد الاهتمام الشعبي في السودان بصحة الرئيس التي ظلّت مثار نقاش في المجالس السياسية والاجتماعية منذ إعلان خضوعه إلى عملية جراحية في «الحنجرة» في العاصمة القطرية الدوحة في آب (أغسطس) الماضي، وتوقفه عن مخاطبة اللقاءات الجماهيرية والغاء زيارات معلنة إلى الولايات. لكن ذلك لم ينعكس على الأوضاع الاقتصادية.
وانتقل الجدل إلى مواقع التدوين على الانترنت عقب نشر الكاتب الإسلامي إسحق أحمد فضل الله – القريب من دوائر نافذة في السلطة – مقالاً الأسبوع الماضي عن وفاة رئيسي بنين وغانا ورئيس الوزراء الإثيوبي العام الجاري بأمراض غامضة، مضيفاً أن زعيمين آخرين ينتظران مصيرهما أيضاً. وأوقفت السلطات الكاتب عن الكتابة.
وراج في الخرطوم على نطاق واسع أمس أن رموزاً في حزب المؤتمر الوطني الحاكم تدرس مرشحاً محتملاً لخلافة البشير. وسرّب كتّاب موالون للحزب الحاكم أن نائبي الرئيس علي عثمان محمد طه والحاج آدم ومساعده نافع علي نافع ووزير شؤون الرئاسة بكري حسن صالح من أبرز المرشحين في الانتخابات الرئاسية المقبلة أو في حال رغب البشير في مغادرة موقعه لظروف صحية قبل أن يحين موعد الانتخابات.
لكن مسؤولاً رئاسياً أكد لـ «الحياة» أن البشير في حال صحية جيدة وأن سفره إلى الرياض لاجراء فحوص طبية أمر طبيعي ولا يعطي مؤشراً على تدهور صحته. واتهم جهات لم يسمها بترويج معلومات مضللة عن صحة الرئيس.
وفي الإطار ذاته، طالب نائب رئيس البرلمان السوداني هجو قسم السيد حزب المؤتمر الوطني بالتفكير في ترتيبات لتحديد خليفة للرئيس البشير، مؤكداً أن «مرض الرئيس أمر عادي ولا يستحق ما أريق فيه من حديث». وقال قسم السيد للصحافيين أمس إن «المرض أمر طبيعي للرئيس وغيره»، داعياً المؤتمر الوطني إلى الترتيب لتقديم بديل للرئيس ينال ثقة الشعب.
وعن عقد مسؤولين في حكومة جنوب السودان لقاء مع مدعي المحكمة الجنائية الدولية في العاصمة الاوغندية كمبالا الأسبوع الماضي، أكد قسم السيد أن دولة الجنوب لن تجرؤ على القاء القبض على البشير خلال زيارته المرتقبة لعاصمة الجنوب، ورأى أن ذلك سيكون بمثابة إعلان حرب عليها وخروج عن الاجماع الافريقي. لكنه شدد على ضرورة وضع خطة واضحة لتأمين زيارة البشير إلى دولة الجنوب.
إلى ذلك، تبادل حزب المؤتمر الوطني الحاكم والمؤتمر الشعبي المعارض بزعامة حسن الترابي اتهامات في شأن قصف اسرائيل «مجمع اليرموك للصناعات العسكرية» جنوب الخرطوم أخيراً. وطالب المؤتمر الشعبي وزير الدفاع وقيادات الحكومة بتقديم استقالاتهم بسبب الضربة الإسرائيلية التي لم تتمكن الدفاعات السودانية من صدها. ورأى حزب الترابي أن السودان ليس في حاجة إلى «تحالفات مشبوهة» مع دول مستهدفة عالمياً، مرجحاً أن يكون اتجاه الحكومة السودانية إلى التحالف مع إيران هو السبب وراء تمديد العقوبات الأميركية على الخرطوم. وكانت سفن حربية إيرانية توقفت قبل أيام في ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، في خطوة أثارت جدلاً في الخرطوم حول علاقاتها مع طهران.
وطالب المسؤول السياسي في حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر، في مؤتمر صحافي، الحكومة السودانية بمراجعة مواقفها الدولية التي قال إنها تدار بـ «الانفعالات»، واعتبر أن تمديد العقوبات الأميركية «نتاج طبيعي» للسياسات غير المدروسة للحكومة السودانية.
وكان قيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم اتهم حزب الترابي بالضلوع المباشر في قصف مصنع اليرموك للأسلحة بسبب تقرير نشرته صحيفة الحزب قبل عامين تحدث عن نشاط للحرس الثوري الإيراني في تصنيع أسلحة في الخرطوم. ووصف القيادي في حزب الرئيس البشير مواقف حزب المؤتمر الشعبي بـ «الإنتقامية»، قائلاً إن الكيد السياسي دفع حزب الترابي إلى «اختلاق أكاذيب» ونشرها في الصحيفة التي كانت تصدر ناطقة باسم الحزب («رأي الشعب» التي تم إيقافها)، مشيراً إلى أنها نشرت في أيار (مايو) 2010 تقريراً تحت عنوان «الحرس الثوري يبني مصنعاً للأسلحة الإيرانية في السودان». وأورد تقرير الصحيفة أن قوات القدس – الحرس الثوري الإيراني أقامت مصنع جياد للصناعات العسكرية تنفيذاً للملحق غير المعلن من اتفاق الدفاع الذي وقعه وزير الدفاع الإيراني مصطفى محمد نجار، خلال زيارته للخرطوم في آذار (مارس) من العام 2008 حين وصف السودان بأنه «حجر الزاوية» في الإستراتيجية الإيرانية في القارة الأفريقية». وقال قيادي الحزب الحاكم والذي لم يكشف عن هويته في تصريح نشرته صحيفة «آخر لحظة» القريبة من السلطة قبل يومين إن التصريحات الإسرائيلية أكدت استناد إسرائيل على ما نشرته صحيفة «رأي الشعب» المعارضة في ذلك الوقت وإن القيادات العسكرية والأمنية في اسرائيل أكدت بدء التخطيط لهذا العمل ضد مصنع اليرموك منذ عامين.
وأشار تقرير «رأي الشعب» آنذاك إلى أن هدف إيران من إقامة مصنع السلاح هو محاولة تجنّب نقل الأسلحة عن طريق الموانيء الإيرانية بعد كشف حمولة طائرة أوكرانية في تايلاند كانت تحمل 35 طناً من الأسلحة والصواريخ الكورية الشمالية المصنّعة لحركة «حماس» الفلسطينية. وزعمت صحيفة حزب الترابي آنذاك أن «مصنع جياد» في جنوب الخرطوم يعمل بإشراف مباشر من محمد علي جعفر قائد الحرس الثوري ويمد «حماس» بمختلف أنواع الأسلحة، وقالت إن السلطات السودانية تتكتم عن وجود ضباط من الحرس الثوري ولا تسمح لهم بمغادرة محيط المصنع إلا في أيام الجمعة والعطل الرسمية.