حسن اسحق
بعدما انفض سامر التفاوض في اديس ابابا بين الحكومة السودانية والحركة لتحرير السودان الشعبية/ شمال ومعها وفود الجبهة الثورية لتوحيد مظلة التفاوض تحت سقف واحد لكل القوي المعارضة والحاملة للسلاح في مواجهة حكومة الخرطوم،ومنذ البداية اتضح للجميع عدم جدية الحكومة في التفاوض لانها اثناء المناقشات تقوم طائراتها العسكرية بقصف مناطق المدنيين في منطقة النيل الازرق،بالاخص منطقة يابوس الغابة،وهذا جزء من مخطط الحكومة لافشال التفاوض،فهي تتحرك علنا بحجة التفاوض،وسرا بشن حربها علي المدنيين في المنطقتين،واستطاعت القوي الفاعلة التي حضرت التفاوض في جولتها علي التمسك بمبدأ التفاوض حول طاولة واحدة،من دون تجزأة المنابر التفاوضية،وهذه التجزئة تصب في صالح الحكومة وحدها،وتضغف الجبهة الثورية،وتحالف قوي الاجماع الوطني في الخرطوم…
واثبتت هذه الجولة مدي جدية الجبهة الثورية،وقوي المعارضة الاخري حول حل قضية السودان الشاملة،وحتي المجتمع الدولي الذي يأمل كثيرا في محاولات ثامبو امبيكي الذي يقود فكرة الحل السوداني فشل في ان يصل الي ارضية مشتركة بينهم،واصبحت قضايا فتح المعابر الانسانية للمدنيين في المنطقتين مساومة من قبل الحكومة للحركة الشعبية لتحرير السودان، ان تسلم اسلحتها لجيش المؤتمر الوطني،كي تدخل هي الطعام المنطقتين،وهي سبب الازمة سبب الازمة في المنطقتين،وبتصريحاتها المتكررة ان دخول كاودا بات علي مشارفه،والمواسم الوهمية للحسم العسكري علي الابواب،وفي النهاية لم تدخل كاودا،ولا بمواسها حسمت المنطقتين عسكريا.ان ما يقلق الحكومة هو الصوت الواحدة للجبهة الثوريةى مع القوي الاخري،في البحث عن الحل الشامل والنهائي،والعمل بيد واحدة علي ايجاد كيف يحكم السودان علي طريقة تطبيق العدالة الاجتماعية والتنوع والاختلاف الذي يميز الدولة السودانية،وهذه الرؤية الجديدة ازعجت المؤتمر الوطني،ءومجموعته الانتهازية من ابناء المنطقتين،وهم في وفد التفاوض الحكومي،يمثلون ادوار ثانوية و(كومبارسية)،وكيف لا،وهم يصمتون من انتهاكات النظام المتكررة في هيبان ودلامي،ويابوس،وجاءوا مع غندور وفد التفاوض التابع للحزب الحاكم، كأنهم مدعون الي مائدة طعام مع وليمة شهية جسدها نعيمة ابيض التي قتلها طائرة انتينوف في دلامي،وهي ناشطة مدنية وفنانة،وكل ماتحمله هو ريشتها وعملها الانساني،رغم ذلك كانت ضحية صمت الانتهازيين من ابناء المنطقتين،فنيعمة ابيض لن تكن الاخيرة وقبلها كانت (نعيمات) كثر..
ان فكرة الحكم الذاتي التي طرحت في الجولة لم تجد اذان صاغية اطلاقا من الحكومة،واعتبرتها تكرار لسيناريو اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا بين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل جون قرنق،والمبعد من المنظومة القيادية للمؤتمر الوطني النائب الاول السابق لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه،كأنهم عندما وقعوا علي نيفاشا كانوا غائبين عن وعيهم الوطني،وهذا اذا كان لهم وعي اصلا بالوطنية الذي يتاجرون،يتآمرون بها علي الاخرين.وفكرة الحكم الذاتي للمنطقتين ودارفور وشرق السودان وكردفان الكبري اذا امكن تطبيقها واقعيا ،هي الفكرة الامثل في مستقبل الحكم السودان،وحتي قرارات الحزب الحاكم في المؤتمر العام الاخير في الخرطوم،وقراره ان يتم تعيين ولاة الولايات من قبل رئاسة الجمهورية،هو استباق لفكرة الحكم الذاتي للمناطق السودانية الاخري،وكأنه كان يدرك ان هذه الفكرة ستطرح في التفاوض الذي انفض سامره من دون التوصل الي حلقات السلام المفقودة منذ سنوات،وحتي المبررات الذي اقر بها الحزب الحكومة ان الولايات في الفترة الاخيرة باتت تفوح منها رائحة القبلية والاثنية،لم يكن سببها ابناء الولايات،هي نتاج طبيعي للمحاباة التي اتبعها المؤتمر الوطني ركيزة لتسيير سياسة الدولة،وبتحركه بعقلية الاثنية القبلية في ولاية دارفور الخمسة،وشرق السودان،والولايات الوسطي حتي يدعم موقفه في السلطة،ولم تكن الجبهة الثورية والاحزاب السياسية التي تعارض الحكومة لها اي علاقة بالصراعات القبلية….
فالمؤتمر الوطني عندما تطرحه عليه افكار الحكم الذاتي يصيبه الملل والفزع والرعب،لان الرمال تتحرك من تحت اقدامه،فهو يريدها مركزية قابضة وحكم قمعي يتصرف به علي طريقة الحكم التسلطي الفردي،في كل شئ من ادارة الموارد الاقتصادية ليستفيد منها حزبه،واعوانه من الانتهازيين الذين ينظرون الي الدولة الي انها غيمة حرب،فاز بها حزبهم الاسلاموي،فلا ينظرون الي المواطنين السودانيين في الاقاليم الاخري الا انهم اسري وسجناء،ومواطنين منتهي الصلاحية،يجب القضاء عليهم بكل الطرق المتوفرة،وهذا يفسر الموت اليومي في مناطق الحزب،وعدم المبالاة للمواطنين العزل،ان الحكم بفكرة سياسية مفتوحة متداولة،انها طريقة تشعر من عانوا في فترات الحكم المختلفة بالظلم والاضطهاد والقمع السياسي الثقافي والجغرافي،انهم جزء من منظومة الحكم الجديدة التي يشاركون فيها بارداتهم ،وهم جزء اصيل من التغيير الذي يمكن ان يحدث نقلة نوعية،ويحدد مصير الدولة المتجهة الي هاوية التشرذم الذي بدأ باستقلال جنوب السودان قبل ثلاثة سنوات،وهذا كله لا يشعر الحزب الحكم انه مسؤول مسؤولية تاريخية ومصيرية عن البلاد،كما قلب سابقا،ان عقلية ادارة الدولة السودانية بطريقته،جحيم منتظر وفوضي اشبه بالصوملة والحالة اليمنية،رغم استبعاد الحزب ان ينتقل الوضع فيه بصورة اشبه ماحدث صنعاء،وخاصة ان الجبهة الثورية بعد تنشيط عملياتها العسكرية،وخروجها من دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق،واتجهت الي عمليات نوعية في شمال كردفان،وغرب كردفان،يؤكد ان العمل العسكري خرج من منطقته السابقة الي اتجاهات جديدة،كانت تستبعدها الحكومة السودانية،او لم تكن تضعها في حساباتها العسكرية،ورفض الحكم الذاتي لهذه المناطق سيقود الي ليبيا ما بعد القذافي،واليمن مابعد علي عبدالله صالح،ودخول الحوثيين المعارضة الشيعية المسلحة الي العاصمة صنعاء،واحتلالها لمقرات حكومية،والصوملة وهو الوصف الاشمل لفقدان السيطرة علي الدولة،وتحولها الي (كانتونات ) صراع بين مجموعات متنافرة تسعي الي ايجاد ارضية عسكرية لها،حتي يمكن لها التفاوض اذا وصلت الي استقرار شبه سياسي يوما ما.. .
الهروب من مناقشة الحكم الذاتي،هو الفرار من مسؤولية الاستقرار السياسي في البلاد،فالمؤتمر الوطني ينظر ان الحكم الذاتي وبالاخص في المناطق التي تشهد الحروب الحالية، ان اي استقرار يحدث في المستقبل القريب ،بالتأكيد سيخسر المؤتمر الوطني،فهو اصلا خاسر للشعبية الجماهيرية له ،ونتائج الخسران ،هي سياسة القتل اليومي المتكررة،والسعي الي خلق فتن بين المكونات في المناطق التي يعيشونها، ليكون له المقدرة علي السيطرة عليهم بعد شق صفهم واضعافهم ،كما فعلها في منطقة جبل عامر بولاية شمال دارفور ،وفي لاية شرق دارفور بين المعاليا والرزيقات،لا حبا فيهما ،لكن عبر تفتيتهم وفتنتهم،وهي طريقته الافضل ، بالنسبة لفكر الاخوان المسلمين،كلما كانت الفتنة بين المكونات موجودة،والحروب مشتعلة،وجدوا الارضية المناسبة لتنفيذ سياسة الهيمنة ،فالحكم الذاتي يرعبهم،ويسحب البساط الذي كانوا يوما ما يمتطونه ..
[email protected]