الجنجويد في العاصمة!
الحاج وراق
هذا المقال منع من النشر فى صحيفة الصحافة
الذين لم يصدقوا الفظائع التي جرت في دارفور، رغم انها تناقلتها وكالات الإعلام الموثوقة، واكدتها منظمات حقوق الانسان الدولية، والأهم روتها وترويها مئات الألوف من الضحايا هناك، سواء بلسان المقال او لسان الحال – الذين لم يصدقوا تلك الوقائع أعطتهم احداث جامعة ام درمان الأهلية صورة مصغرة عما جري هناك!ü فالذهنية التي كانت وراء انتهاك الحرمات والحقوق في دارفور، هى نفسها الذهنية التي تقف وراء حرق جامعة أم درمان الأهلية – الذهنية التى تدعو نفسها >مشروعا حضاريا< ولكنها تتعامل مع كل الميراث الإنسانى والحضارى وكأنه لا يعنيها في شئ، فهى بداية التاريخ وبداية الحضارة! ولذا ليس غريبا ان تنتهى الى أسوأ أنواع الهمجية والبربرية*** الذهنية التى تستهين بكل شئ سوى معاييرها الخاصة، تستهين بالشرائع الدولية والمواثيق والقواعد الدولية، بل وتستهين بمؤسساتها وأجهزتها وقوانينها ذاتها، ولذا لم يكن غريبا أن تنتهى الى الاستهانة بالانسان! وإلى اطلاق المجموعات المنفلتة من أى عقال، سواء عقال العقل، أو عقال القوانين والأخلاق!** الذهنية التى تجعل من نفسها المنبع الإحتكارى للدين والخيروالفضائل، ولأنها كذلك، فإنها تبيح لنفسها كل الوسائل لتحقيق غاياتها >السامية< والمرفوعة الى حد القداسة، تبيح لنفسها القتل، والتعذيب، واستهداف الأبرياء، وحرق القرى والمنشآت، وتبيح الكذب والتضليل والخداع، والتزوير، وشراء الذمم،** الخ حيث كل هذه الموبقات ليست سوى >تدابير< يمليها >فقه الضرورة { قال أحد العارفين – يرحمه الله – بأن مثل هذه الجماعة تفوق سوء الظن العريض! وأى سوء ظن كان من الممكن ان يجعلنا نتوقع ان يقدم حزب حاكم: فصّل الدولة على مقاسه، وسن القوانين التي تكفل له احتكاره للسلطة، وتحت سيطرته أجهزة الدولة كافة – من شرطة وأمن، وتعليم عالى، واعلام حكومى، وميزانية حكومية – أن يقوم مثل هذا الحزب الحاكم، وفى لحظة يأس من نتيجة منافسة عادلة على انتخابات اتحاد طلاب، يقوم بخرق قوانينه التى سنها بنفسه، وبتجاوز أجهزته وأجهزة الدولة التى يسيطر عليها، فيتبنى مناهج وممارسات العصابات الخارجة عن القانون، فيحرق منشآت الجامعة، ويرهب طلابها وإدارتها، بل ويتعدى بالضرب والإذلال على أساتذة فى الجامعة؟! إنها حقا لتجربة >أصيلة< للحزب الحاكم لم يسبقه عليها أى حزب حاكم في الدنيا! وانها لممارسة تفوق سوء الظن العريض حقا!ü واذا احسنا الظن بقيادة المؤتمر الوطني، واستنتجنا بأن ما جرى فى أم درمان الأهلية لا يعبر عن سياسة معتمدة لدى الحزب، وانما تفلتات بعض عضويته غير المنضبطة، إلا ان كامل سلوك هذه القيادة بعد الأحداث لايصدق مثل حسن الظن هذا – فقد سعت وما تزال تسعى هذه القيادة بواسطة أجهزتها المختلفة الى التكتم والتعتيم، وإلى الإنكار والتبرير، بل ولم تكلف نفسها حتى هذه اللحظة عبء الاقرار الواضح بمسؤولية منسوبيها، ومن ثم محاسبتهم جنائيا وحزبيا، إضافة إلى الإعتذار لإدارة وأساتذة جامعة ام درمان وطلابها، والتعويض عن الاضرار الفادحة والجسيمة التى حاقت بالجامعة!ü وإذا أحسنا الظن مرة أخرى بهذه القيادة وتصورنا بأنها تريد معالجة الأمر في هياكلها الداخلية وعلي نار هادئة! فهذا خلاف تناقضه مع مقتضيات العدالة – حيث ان الضرر الناجم يتعدى هياكل المؤتمر الوطني الداخلية الى الاضرار بكرامة اساتذة الجامعة وبمنشآتها، خلاف ذلك فإن مثل هذه المعالجة >الداخلية< لا تضع اصابعها على جوهر الأزمة: جوهر الأزمة ان السلوك العصبوي الظلامى هذا انما ينطلق من القناعة بأن المجتمع السودانى لا يصلح مرجعا للسلوك السياسى، فهولدى هذه الجماعات ليس سوى مجتمع >جاهلىفليقم للدين مجده أو ترق كل الدماءخيركم خيركم للناس<، وانما الدين مصالح الجماعة! وقطعا ان مثل هذا التفكير يقود، وقاد عمليا، خصوصا في دارفور، الى تحول هذه الجماعات الى مجموعات منفلتة معادية للمجتمع، تشبه الى حدود بعيدة العصابات الاجرامية، ولكنها عصابات >اصيلة< و>حضارية ü والآن فإن قيادة المؤتمر الوطنى في مفترق طرق: إما أن تواصل نهجها الفكرى والسياسي الذى قاد الى الحرائق فى كل انحاء البلاد، وبالتالي تطيح بمشروع السلام الوليد، وتطيح كذلك برأس سلطتها نفسها في النهاية، وإما ان تعيد هيكلة حزبها ليتوافق مع متطلبات السلام* وليس من خيار وسط بين هذين الطريقين!وفي المركز من خيار اعادة الهيكلة هذا التحول عن الآيديولوجية الحربية الفاشية الى آيديولوجية ديمقراطية سلامية*ولأن المؤتمر الوطني حزب حاكم ربط مصائره بمصائر البلاد فإن اعادة الهيكلة هذه لا بد وان تجري على مرأى من جماهير الشعب السوداني كعملية معلنة وشفافة وجماهيرية*ü وسواء فى مواجهة المؤتمرالوطني، او غيره من الجماعات الاخرى الاكثر ظلامية وانغلاقا، والتى يتزايد نفوذها هذه الأيام، فإن البيئة الأمثل لتنامي وتعاظم الإرهاب الظلامي انما هى بيئة الطأطأة والاستخذاء، فلنرفع جميعا اصواتنا ادانة واستنكارا لما جرى، ولندعو وبقوة الى محاكمة المجرمين في محاكم عادلة وعلنيه، ولنستخدم السبل السلمية والقانونية كافة لتحقيق ذلك، بما في ذلك محاصرة اجهزة الدولة نفسها – فلماذا لا يرفع اساتذة الجامعات مذكرة لقيادة المؤتمر الوطني تطالبه بالإدانة العلنية لما جرى ومحاسبة كل المسؤولين عنه؟! ولماذا لا يضرب أساتذة الجامعات، ولو ليوم واحد، دعما لمثل هذه المذكرة؟! ولماذا لا تتقدم إدارة الجامعة ببلاغ جنائي ضد البروفيسو
ر ابراهيم احمد عمر كممثل للمؤتمرالوطني؟! ولماذا لا يتقدم البعض منا بشكوى الى مسجل التنظيمات السياسية تطالبه اما بإلزام قيادة المؤتمرالوطني بإدانة ماجرى علنا والتبرؤ من فاعليه واما شطب تسجيله؟! وقد لا تثمر مثل هذه الخطوات ثمارا عملية، ولكنها تفيد كثيرا في فضح الأجهزة القائمة، وفي إعطاء رسالة واضحة لكل من يعنيه الأمر بأن اهل السودان لن يطأطئوا للإرهاب!ü وعلى كلٍ فإن الذين تعاملوا مع فظائع دارفور من اهل الوسط وكأنها لا تعنيهم في شئ يدركون الآن بان الجنجويد ليس في دارفور وحدها وانما كذلك في العاصمة القومية نفسها!