التلميح بفصل الجنوب خطوة تكتيكية من مجموعة العشرة الملتفة حول البشير لإرضاء الإدارة الأمريكية!!..
بقلم / آدم جمال أحمد – سدنى
إن تغيير المسميات السياسية والظهور من وقت لأخر بأساليب تنظيمية وصبغات جديدة ، من أهم الأدوات التى ظلت تستخدمها حكومة المؤتمر الوطنى فى السودان كلما ضاقت بها السبل ، فقد أدى التدهور الاقتصادى وتردى الوضع العسكرى ، بالإضافة الى جانب حمل ” التجمع الوطنى الديمقراطى ” السلاح مع الحركة الشعبية لتحرير السودان فى وجه الحكومة ، أدى كل ذلك الى إقناع قيادة المؤتمر الوطنى بالدخول فى مساومة مع التجمع الوطنى الديمقراطى بقيادة محمد عثمان الميرغنى والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة القائد المرحوم جون قرنق ، فلذلك بدأ النطام الحاكم فى هذا الإتجاه بإغراء التجمع بالدستور الجديد الذى يسمح بالشمولية التعددية ، لأن ما كان يسمى بدستور التوالى يؤكد إمكانية تسجيل وممارسة نشاط الأحزاب تحت إشراف وسيطرة الجبهة الإسلامية ، فليس هناك ثمة شك فى أن الجبهة الإسلامية القومية فى السودان تعرضت الى هزات وتحولات ، بعد فترة وجيزة من إستيلائها على السلطة بإنقلاب عسكرى على الحكومة الديمقراطية ، فإضطرت الى تحويل إسمها الى “المؤتمر الوطنى” الذى ترأسه الفريق عمر البشير مع إستمراره رئيساً للجمهورية رغم أن الدستور لا يسمح بذلك ، أما الدكتور الشيخ حسن الترابى فقد كان يطمع فى الهيمنة والإنفراد بزعامة الحزب الجديد ، إلا أن تدابير من أطلق عليهم “مجموعة العشرة” داخل قيادة الجبهة الإسلامية القومية حلت دون تحقيق ذلك مؤقتاً.
لقد سارع أنصار الشيخ حسن الترابى الى إعادة إنتخابه رئيساً للمجلس الوطنى ( البرلمان ) على الرغم من أنه أعلن قبل بضعة أيام فقط من تلك التطورات أنه لن يترشح لرئاسة المجلس ، ولكن من الواضح أن “مجموعة العشرة” المذكورة والملتفة حول الفريق البشير تدرك جيداً خطورة الوضع العسكرى والسياسى للنظام ، فلذا فقد أعربت عن عدم رضاها عن عزلة السودان ، خصوصاً عن حلفائه التقليديين فى الغرب وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية ، لذلك جاء رد فعل المجموعة سريعاً ومفاجئاً للجميع ، ففى خطاب أرسله الفريق عمر البشير الى الإدارة الأمريكية ، بواسطة رجل الأعمال الأمريكى من أصل باكستانى ( منصور إعجاز ) ، وخطاب أخر الى رئاسة الإتحاد الأوربى ، وعد فيها البشير بطرح عدة مقترحات إفترض فيها أن الإتحاد الأوربى والولايات المتحدة الأمريكية سيجدانها مقبولة ، ويمكن تلخيص جوهر مقترحات مذكرة أو خطاب الرئيس عمر البشير الى الإدارة الأمريكية فى الآتى:
1- سيسمح النظام الحاكم فى الخرطوم للجنوب بالإنفصال وبناء دولته المستقلة
2- يمكن للمعارضة الشمالية أن تنضم للحكومة الحالية تحت ظل رئاسة البشير ، شريطة ألا تحاول المعارضة تغيير الوضع الراهن من خلال إنقلاب دستورى.
3- أظهرا الحكومة السودانية نواياها الجادة بإقدامها على تحجيم الوجود الإيرانى فى البلاد.
4- أعرب السودان عن رغبته فى العودة الى دوره كصديق نشط للولايات الأمريكية المتحدة والغرب فى المنطقة.
5- أبلغت رسالة الى كل من من الرئيسين الكنغولى لوران كابيلا والأثيوبى مليس زيناوى خلال زيارتهما الى السودان.
فاجأت هذه الخطوة غالبية السودانيين ، كما أثارت كذلك غضب المعارضة وشكوك الحركة الشعبية لتحرير السودان ، التى لم تبدى أى أطمئنان تجاه هذه المستجدات ، فقد إعتبرت هذه الأطراف مجتمعة أن نظام الجبهة الإسلامية القومية إنما يحاول فقط المناورة للخروج وعكته ووضعه الحرج ، وكسب الوقت بصورة مؤقتة الى حين التمكن من ترتيب أوضاعه.
لقد حاول الدكتور حسن الترابى ، والذى يعتبر الأمر الأكثر إثارة للإهتمام ركوب الموجة فوراً ، غير أن الأسباب التى ساقها للتنازلات الكبيرة التى أعلنها النظام كانت غير دبلوماسية الشئ الذى كشف النقاب عن حقيقة ما يجرى بالفعل داخل أروقة السلطة ، ففى مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة الفضائية القطرية ، لقد أوضح الترابى السبب فى إمكانية فصل الجنوب بقوله:
” لقد صوت الجنوبيين لوحدة السودان لكنهم الآن تركوا جبهة المؤتمر الوطنى ، حذرناهم من مغبة ذلك وما ينطوى عليه من مخاطر كبيرة على الوحدة والتسامح ، لا يمكن أن نحافظ على الوحدة بهذه الطريقة بل إنما ستتفتت لى قبائل ، وحتى القبائل ستتعرض الى إنقسامات أكثر ، نريد فى المؤتمر الوطنى أن نحقق الوحدة الوطنية بين الشماليين والجنوبيين ، بين المسلمين والمسيحيين لتوحيد كافة طوائف المسلمين ….. الخ”.
لم تكن تلك فى واقع الأمر هى المرة الأولى التى يحاول فيها الترابى إستعادة الود المفقود مع الإدارة الأمريكية ، فقد بعث فور ضرب مصنع الشفاء برسائل الى الرئيس بيل كلينتون وبعض السياسيين الأمريكيين ، إقترح فيها التطبيع الكامل للعلاقات ملمحاً الى إمكانية إستعداد السودان للمشاركة فى محاربة الإرهاب الإسلامى ، وافقت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية على عروض الترابى ، وأمرت بعودة البعثة الدبلوماسية الى الخرطوم ، بيد أن مستشارى الرئيس كلينتون للأمن القومى نصحوا بعدم إتخاذ هذه الخطوة الى رفضتها مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية.
فلذا أن نظام المؤتمر الوكنى ( ا لجبهة الاسلامية القومية سابقاً ) متمرس فى سياسة المرواغة التى تكشف عن الكثير من الإنتهازية والتظاهر بالإلتزام المرن وغر المتشدد فى تطبيق الشرائع الإسلامية ، فقد ضحى النظام الحاكم بالإرهابى المعروف “كارلوس” لإرضاء الفرنسيين ، وطالب أسامة بن لادن مغادرة الأراضى السودانية والبلاد إرضاءاً للولايات المتحد الأمريكية ، وكبادرة لإبداء حسن النية للتقارب مع الغرب ، أغلق نظام الجبهة الاسلامية مكتب ممثلية إيران التجارية فى مدينة بورتسودان ، بل جعت أجهزة الأمن الأمريكية الى فتح مكاتب لها فى الخرطوم ، وطفت على السطح مرة أخرى موجات تفاقم أزمة الحكم فى الخرطوم أو إنفجاراتها المؤقتة.
وبإنسحاب غالبية الأحزاب الجنوبية التى وقعت على ” إتفاقية السلام من الداخل “ ، من حزب الجبهة الجديد ” المؤتمر الوطنى ” لقد تراجعت إحتمالات أن يصبح المؤتمر حزباً سودانياً مهيمناً ، وبما أن الجنوبيين أصبحوا عبئاً فمن الأفضل إذاً التخلص حتى لو بأجزاء من الجنوب حتى يصبح بالإمكان السيطرة على الجزء الغنى بالموارد فى الشمال والإبقاء عليه كدولة إسلامية ، وكانت تعتقد الجبهة الإسلامية القومية أن التلميح بفصل الجنوب خطوة تكتيكية ومناورة ذكية منها ، ولكن الغرب وأمريكا إعتبروها تغييراً جذرياً فى نظام الحكم وعقليته ، وكان ربما يرى فى ذلك نهاية دولة الإرهاب ، الشئ الذى سيقود الى إضعاف الثورة الإسلامية وبداية لنهاية الإرهاب الإسلامى.
استراليا – سدنى – 14 إكتوبر 2010 م