وهاهو زعيم مافيا الاخوان المسلمين, يتمترس مستعدا لشن حربه – التى لا شك فى انها ستكوت الاخيرة- ضد كل من لا يتبع الجماعة, ومشروعها الدولى الحضارى والذى اصبح مؤخرا ديمقراطيا , بعد الانضمام المشبوه للترابى وحزبه لجانب المعارضة فى السنوات الماضية. ولكن من يأمن الذئب فاليستعد لدفع الثمن من غنمه القاصية والدانية. فبعد ان اصبح الشعبى حليفا لليسار واليمين وحتى “الطرف” فى المعارضة وطالب باسقاط النظام واقام الندوات وسكن اعضائه المعتقلات, عاد زعيمه ليقود السودان نحو الهاوية والكارثة الحتمية للمرة الالف !!
فمنذ الستينات وهذا العقل الذكى جدا والشيطانى جدا ينخر فى هذا الوطن محولا كل امل فى الخروج من ازمة السودان الى كارثة محدقة. فمنذ اجتماع المائدة المستديرة بعد ثورة اكتوبر وحتى انتفاضة مارس ومرورا بقوانين سبتمبر المشؤومة وانتهاءا بثورة الانقاذ, تجد الترابى هناك خلف الكواليس مثل عرابين المافيات الايطالية, يدبر المؤامرات التى تزيد من تمكين جماعته, وتحرق الاخرين , كل الاخرين بما فيها الوطن نفسه. وبعد تمثيليلة الحوار الوطنى الجارية الان, يعد الترابى البلاد للمحرقة الاخيرة لما كان يسمى السودان فى قديم الزمان والمكان, كما ستروى ويكيبيديا قريبا.
فعملية الحوار الحالية , هى نسيج محكم من الترابى لايقاع كافة المنافسين فيه, اولهم البشير نفسه. فبعد عملية انهاك النظام بالضغوط الاقتصادية والدولية والحبل المشدود حول رقبة البشير من المحكمة الجنائية , ناهيك عن العزلة الاقليمية بعد سقوط الاخوان فى مصر, اضافة الى وصول البشير نفسه الى حالة من العجز التام, خرج العفريت المفكر من قمقمه, ليقترح على البشير ان يلعب دور المنقذ مرة اخرى, والمثير للسخرية ان هذا “الفلاش باك” هذه المرة سينتهى, ليس بوصول البشير الى القصر على دبابة كما حدث فى 1989, بل بخروجه منه , وعلى نقالة فى الغالب. وعلى صعيد المعارضة الداخلية, فان الترابى اعاد علاقاته العائلية وجدد احلام المهدى بلعب دور الحكيم , وترك له مهمة نسج المقترحات والعلاقات العامة مع الغرب الذى لا يكن اى احترام لشخص الترابى على عكس المهدى, وهذا ايضا فى طريق التخلص منه, عالما بان القوى الحية فى حزب الامة المفتت “مية حتة”, وخاصة الشباب, تكره صور المهدى بقرب البشير, لكن المهدى لا يزال وجها محببا للكثيرين ممن وعوا على الدنيا فوجدوه زعيما او رئيسا, وبالتالى فهذا الوجه يساهم ايضا فى الدعاية لمشروع الحوار , ولكنه فى نفس الوقت يهدم بعض من شعبية المهدى .
اما المعارضة السلمية فتلك حكاية اخرى فبعد ان توغل الترابى فى كل لجانها واجتماعاتها, فقد علم ضعفها وقلة حيلتها, وبالتالى هو الان يعتمد على مصادر معلومات داخلية عن كل تحركات المعارضة السلمية سواءا فصل حزبه من كياناتها ام بقى. وتبقى العقبة الكؤود, الا وهى الحركات المسلحة, وهنا بالذات كان دور فكرة فبركة الحوار هذه, لكى يشغل بها المجتمع الدولى , والدول التى تضغط على النظام, مستغلا ما يعرف الان فى الاوساط الدولية ب (Sudan Fatigue) اى باالبلدى ( الفتر من السودان). فقد سئم المسؤولون الدولويون من السودان و خاصة مع وجود قصص جديدة , مثل سوريا ومصر وغيرها. وبالتالى فان الغرب يتجه نحو تقليل تكلفة السودان كبند مهم فى اجندته , فعملية الحوار الداخلى تروق للكثير منهم و خاصة اوروبا التى تعانى اقتصاديا والمشغولة بنفسها, وامريكا التى لا ترغب فى التورط فى اى مكان اكثر مما يجب. وعلى الصعيد الاقليمى, فان الترابى يروج للسودان كقبلة اولى لمطاريد الاخوان من كل انحاء العالم ومن الدول الخليجية ومصرو وطبعا بدعم من قطر وتركيا. وبالتالى فان السودان الان عبارة عن مكب نفايات دولى مرة اخرى, وساحة لكمية من الصراعات الاقليمية والدولية التى اوقعنا فيها هذا العراب المدمر .
ففى ظل هذه الحالة من الفوضى الداخلية والاقليمية والدولية, يجد رجل شيطانى الفكر مثل الترابى مكانه فى قلب صناعة الحدث. ذلك الحدث الذى لن يكون سوى الكارثة والانهيار المحقق. فان نهايات كل مخططات الترابى عبر نصف قرن من التدمير المممنهج للواقع السياسى السودانى, لم تاتى علينا سوى بالدمار. فلماذا نذهب بعيدا, فلولا الترابى ودعواته للجهاد لما انفصل الجنوب بسبب الويلات التى شهدها الجنوبيون بسبب الحرب الدينية المهووسة والتمييز فى الخرطوم وغيرها بسبب المشروع الاسلامى الحضارى. ولولا تلك المخططات للتغيير الديمغرافى فى دارفور فى اوائل التسعينات بخطط الترابى باعتباره المفكر الرئيسى للنظام, لما تكونت المليشيات العربية فى دارفور و لتتحول الى الجنجويد الذين احرقوا دارفور واهلها, والكثير الذى لن ينتهى عده. يجب ان لا يحسب القارىء ان الترابى هور اس البلاوى جميعها فى هذا البلد, ولكنه على الاقل الاكثر قدرة على صناعتها.