مع إقتراب موعد الانتخابات و إستفتاء تقرير المصير في جنوب السودان فى العام 2011 بناء على اتفاق السلام الهش، يواصل جيش الرب للمقاومة الاوغندى المتمرد فى مهاجمة القرى و المدنيين فى بعض أنحاء جنوب السودان و بالأخص الشريط الحدودى مع أوغنده، مما يعتبر إضافة الى التوتر العام حيث لا تزال الحالة الأمنية مضطربة فى جنوب البلاد.
هذه الهجمات المتجددة اتبعت نمطا مثيرا للقلق فقد ذكرت ممثلة الامم المتحدة في منطقة يامبيو بجنوب السودان السيدة أميره حق في لقاء مع وكالة أنباء أي.إف. بي. أن 11 من هذه الهجمات وقعت خلال ستة أسابيع منذ نهاية شهر يوليو الماضي. في منطقة الغابات الوعرة التي تقع على الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا) ، فقد تعرضت القرى لعمليات القتل والنهب واختطاف الأطفال من قبل جيش الرب للمقاومة لسنوات حتى الآن. لكن أعمال العنف الحالية هى الأسوءا منذ بدء عملية السلام بين الحكومة الاوغندية وممثلي جيش الرب للمقاومة و التى انهارت في العام الماضي. و الجدير بالذكر أن حركة جيش الرب للمقاومة هي حركة اوغندية متمردة ضد نظام حكم الرئيس يوري موسيفينى، تأسست في العام 1987 و يتزعمها جوزيف كونى المطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية فى لاهاى بتهمة القيام بجرائم ضد الإنسانية، و يهدف جيش الرب لتأسيس نظام حكم دينى يرتكز على الانجيل و الوصايا العشرة فى اوغندا. و يقدر عدد قوات كونى بحوالي الأربعين الف جندي الغالبية منهم أطفال دون سن الخامسة عشرة سنة.
الحرب الأهلية السابقة فى جنوب السودان كانت واحدة من أطول الحروب فى افريقيا وأودت بحياة ما يزيد عن المليون نسمة. هذه الهجمات الجديدة ، إلى جانب تصاعد العنف العرقي، والفقر، والافتقار إلى الحكم القوي ، تضاعف من تداعيات الموقف و تهدد بمستقبل قاتم ليست فقط في الجنوب السودانى، ولكن على مجمل المنطقة. و الجدير بالذكر أن هناك انتشار واسع للأسلحة في جميع أنحاء الجنوب بسبب الحرب الأهلية السابقة ، و يعد الأقليم الان واحد من أكبر التجمعات المدنية المسلحة في العالم حسب وصف “منظمة بروكن صايلنس” الناشطة فى مراقبة النزاعات المسلحة و أثارها على المدنيين فى القارة الأفريقية.
و أورد رئيس المنظمة السيد مارك كريستوفر في تحليل ورد على الموقع الاكترونى للمنظمة أن المداخل للسلام الدائم في السودان معقدة وهائلة، لكن و جود جيش الرب للمقاومة يزيد من تعقيدات العملية السلمية فى جنوب السودان، و في المنطقة بأسرها. مورداً:
“متمردو جيش الرب للمقاومة هاجموا القرى والمدن على طول الطريق من جمهورية افريقيا الوسطى، عن طريق جمهورية الكونغو الديمقراطية ، وإلى أوغندا. حكومة جنوب السودان وقوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة لم تتمكن من تأمين السكان المدنيين من هجمات المتمردين”،
و يعتقد السيد كريستوفر أن الوقت قد حان للغرب بقيادة الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري ضد المتمردين الاوغنديين. من خلال العمل جنبا إلى جنب مع قوات من اوغندا وجنوب السودان، و قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، و أنه بامكان القوات الامريكية المقاتلة أن تحل الهزيمة بجيش الرب المتمرد مرة واحدة وإلى الأبد، وهذا الامر من شأنه أيضا أن يساعد على إرساء أسس السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا أيضا.
سكوت غريشن ، المبعوث الامريكي الخاص الى السودان و المكلف بمتابعة تنفيذ اتفاق السلام الشامل في جنوب السودان الى جانب ايجاد صيغة لحل سياسي لمشكلة دارفور، وصف مهمته ب ” شبه المستحيلة” ، معتبرا أنه إذا لم تجر الانتخابات و إستفتاء تقرير المصير 2011، فانه من الممكن أن يشتعل العنف ليس فقط في جنوب السودان ، ولكن في منطقة دارفور بغرب السودان كذلك. وهناك أيضا أزمة تختمر في شرق السودان ، حيث تواصل الجماعات المتمردة الصغيرة ببطء اكتساب المزيد من القوة، وفي شمال السودان، حيث الفقر و بوادربذور سخط واسع النطاق ضد الحكومة في الخرطوم، وهي العاصة التي تجد نفسها تواجه ضغوط متزايدة من جميع أنحاء البلاد لإجراء تغيير سياسى فى أقرب فرصة ممكنة.
في جلسة استماع في مجلس الشيوخ الامريكي منذ عدة أسابيع، ذكر المبعوث الامريكي الخاص الى السودان سكوت غريشن أنه على الرغم من وجود حواجز هائلة لضمان سلام دائم في السودان، إلا انه أمل قابل للتحقيق مع توفر الدعم و المساعدة من المجتمع الدولى لتنفيذ اتفاق السلام. في شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، قال :
“لقد أحرزنا تقدما في الأشهر الأخيرة ، ولكن لدينا الكثير من العمل الذي ينتظرنا. من خلال زياراتي للسودان والمنطقة ، وعبر المجتمع الدولي ، ولقد وجدت التحديات في السودان معقدة ولدينا جدول زمني مضغوط…
نحن نريد هذا البلد أن يحكم بمسؤولية، بعدل، وبطريقة ديمقراطية، و أن يعيش هذا البلد في سلام داخلي ومع جيرانه … نريد الوصول الى سلام عام ودائم في دارفور. نحن نريد التنفيذ الكامل لاتفاق السلام الشامل و الحفاظ على الحالة السلمية ما بعد الاستفتاء بغض النظر ما اذا كان السودان سيستمر كدولة واحدة ومستقرة أو السودان الذي ينقسم في أيطار سلمي ومنظم إلى دولتين منفصلتين. نحن نريد فقط ما هو أفضل للشعب السوداني “.
الرئيس أوباما قد أعرب أيضا عن قلقه ، و أمله فى تحقيق السلام في عموم السودان، ويتوقع أن يصدر البيت الأبيض سياسة جديدة بشأن المنطقة الأفريقية بصورة عامة و بشأن العلاقات و طريقة التعامل مع السودان بصورة خاصة في أقرب و قت، و قد بدأت بوادرها تتضح برفع جزئي عن العقوبات التجارية المفروضة على السودان منذ تسيعينات القرن الماضي.
و ذكر رئيس “منظمة بروكن صايلنس” السيد مارك كريستوفر أنه ذا ما واصلت الولايات المتحدة انخراطها في تحقيق السلام في السودان، فمن الضروري ايلاء بعض الأهتمام على كيفية التعامل مع جيش الرب للمقاومة:
“هناك قوى تعمل داخل وخارج السودان و هى تقف في طريق السلام الدائم، وجيش الرب للمقاومة هو واحد من أكبر هذه التحديات التي سيتعين التعامل معها لضمان ان المدنيين هم في مأمن من العنف.”
ويواصل في دعوته الى مشاركة الجيش الأمريكي عن طريق نشر بعض قواته فى المنطقة، حتى لو كان فقط لأغراض لوجستية و لتدريب القوات التابعة للحكومات الاقليمية فى المنطقة حتي تكون أفضل تجهيزا للتعامل مع المتمردين في الوقت نفسه قادرة على ضمان حماية المدنيين من الهجمات الانتقامية لمتمردي جيش الرب الذى ينفذها ضد المدنيين بعد تعرضه لاي هجوم من قبل القوات الوطنية من أي من الحكومات الاقليمية.
و من وجهة نظر “منظمة بروكن صايلنس” أنه إذا كانت الولايات المتحدة حقا تريد السلام للسودان، فإنه يجب أيضا أن ننظر إلى أبعد الحدود السودانية ، ومعالجة المشاكل التي تخلق تحديات بالنسبة لعملية السلام. ويجب أن يتم التعامل مع جيش الرب للمقاومة مرة وإلى الأبد. هزيمة وتفكيك هذه الجماعة المتمردة الوحشية و سيئة السمعة، بمشاركة عسكرية أمريكية فعالة تتجاوز الأراضي السودانية وإلى أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأية دولة أخرى أن تعاني بسبب هذه المجموعة، لأن ذلك من شأنه أن يساعد في بناء عملية السلام في السودان، وكذلك في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. مشاركة الولايات المتحدة و المجتمع الدولي أصبحت ضرورية في تحقيق العدالة والسلام والرخاء في السودان.
هذه الدعوة للمشاركة العسكرية الأمريكية تأتي في غياب إستراتيجية واضحة من الجيش الشعبي لتحرير السودان للتعامل مع مثل هذه المهددات القادمة من وراء الحدود، و طفو العديد من الخلافات السياسية بين شريكي الحكم فى السودان مما يعقد التعامل من التهديدات الخارجية و بالأخص مهمة تأمين الحدود و توفير الحماية للمدنيين فى مناطق شاسعة و وعرة فى جنوب السودان التي هى في الأساس من مهام القوات المسلحة السودانية.
زهير أسماعيل ادم