استشارية الأمن القومي (2): مجافات الإستراتيجية للنهج الإستراتيجي

استشارية الأمن القومي (2)
مجافات الإستراتيجية للنهج الإستراتيجي
عروة الصادق

في بادرة غبيّة جداً لإختراق الإحتقان السياسي في البلاد أشار الرئيس البشير لمستشارهـ للشؤون الأمنية وهيئته الإستشارية بوضع إستراتيجية جديدة للحوار مع القوى السياسية السودانية المعارضة ومكونات المجتمع السوداني ككل، وهذا التكليف للقاريء والمتتبع لحراك المؤتمر الوطني وتخبط مؤسساته وإختلاج رؤاه يرى أن هذا الملف قصد منه إلهاء الفريق أول صلاح قوش من بعض المخططات التي يحيكها هو وبعض أعوانه وإعطائه أهمية في زمن فقد فيه أي صبغة تضفي عليه زهووّه الذي كان في عهده الذهبي إبان إدارته القابطة الباطشة في جهاز الأمن والمخابرات الوطني، فقبل أن تطرح الإستراتيجية للقوى السياسية وتسلم مضامينها لقادة العمل السياسي المعارض في البلاد والمستقصدين بالحوار تجد أن كل شاشات الحكومة ومواقعها وصحفها وأبواقها البشرية تبجل هذه الاستراتيجية مما أحدث خللا لدى المتلقى العادي، فقد حاول قادة الإستراتيجية تلافي سوء الفهم هذا بأن هرعوا إلى المنابر الإعلامية والإلتقاء بأهل الصحافة وإلقاء القول عليهم بأن هذه الإستراتيجية الحوارية ليس الغرض منها تجاوز الأزمات الآنية وإنما الحوار الاستراتيجي يهدف لتوافق قومي حول القضايا الاستراتيجية للدولة خلال فترة الـ40سنة القادمة. طبعا هذا خرقٌ أخرق لمفاهيم الاستراتيجيات والتخطيط الإستراتيجي التخطيط الاستراتيجي Strategic Planning إذا أن الإستراتيجية موهت الفئة المستهدفة من الحوار وجعلت منها بحراً من الجهات لا ساحل له فالحديث عن مكونات المجتمع السوداني معما حديث خاطئ لأنه مهما بلغت دقة هذا التخطيط لن ولم تصل هذه الاستراتيجية لهذه المكونات العائمة والمصطنعة والمسنتنسخ بعضها علي هيئات وهياكل وأجسام زخرفية،وإن وصلت مفاهيمها لهؤلاء سيتسع الخرق على الراتق فسيكون حوار هذه المكونات مضنيا شاقا قد يستمر لسنوات لأنه بمثابة إختراع للدراجة الهوائية والبداية من الصفر تجاوزا لكل الأطروحات والبرامج والأفكار والمبادرات والإسهامات السياسية والإجتهادات التي وضعت سلفا من قبل -أهل الذكر- في السودان، فالمادة المعدة للحوار لم توزع إلى الآن على هذه المكونات الحقيقية،واستبق أهل الاستراتيجية الألوية أو اللواءات بعضهم بعضا إلى المايكات وكأنهم أتوا بقرآن جديد، وسخّروا لذلك كل الأموال المستنزفة من شعب السودان عبر شركاتهم الأمنية الخاصة، والاستثمارية الخصوصية، والخفية المخصصة، والتي تذمّر بعض مُدرائها من هذا الصرف البذخي المكثف على هذه الإستراتيجية المزعومة فالتخطيط لها لم يستوفي أدني الشروط المطلوبة لعمل ضخم بهذه الصورة فالجاهزية معدومة وهي مطلوبة في أي عمل إستراتيجي وإعداد الرؤية والرسالة غير  واضح وغير مقبول مسبقاً، لأنه صدر من جهة تزعم أنها قومية وهي لا تمت إلى القومية بصلة فكل منتسبيها من أيدلوجية ومدرسة فكرية واحدة فضلا عن تلقيهم التعليمات الابتدائية والنهائية والمستدامة من سعادة الفريق أول قوش مرشح حزب المؤتمر الوطني في الإنتخابات السودانية في العام 2010م فكيف تستقيم دعاوى القومية يا سعادة اللواءات في الأمانة العامة القومية للإستشارية؟؟ اللهم إلا إن أردتم إيهامنا ببعض الأشخاص على شاكلة الترميز التضليلي الذي عهدناه في قومية الهيئات والأجسام التي يكونها المؤتمر الوطني وآخرها مبادرة أهل السودان التي ترأسها المشير عبد الرحمن سوار الذهب في نهاية الأمر اتضح أنه مدير حملة المشير البشير  الانتخابية مزيلاً بذلك كل تاريخه الذي فيه بضع النقاط البيضاء محيلاً ليالينا سوداً كالحاً بتمديد عمر الإنقاذ والإسهام في إنقسام البلاد بصورة مباشرة.

والأهم في نقدنا لمنهج الإستراتيجية مجافاتها للنهج الإستراتيجي وأن اللجنة القومية المزعومة لم تقم بتقييم الوضع الحالي للمؤسسات الحاكمة المهيمنة الحالية وقابليتها للإنفتاح على الآخر و غضت الطرف عن “كنكشتها” في مفاصل السلطة في البلاد فضلاً عن المسمى الذي وضعت تحته هذه الإستراتيجية (إستشارية الأمن القومي) فقد ارتبط مسمى (أمن) في كل الأذهان والأوساط السودانية بمناظر وأفاعيل لا تسر الناظرين ولا السامعين وبقصص تقشعر لها الأبدان وتندى لها الجبائن ويشيب لها الولدان بل وتنفطر لها السماء وتنشق من فظاعتها الأرض وتهد الجبال هداًّ، فلا زالت صورة التعذيب وبيوت الأشباح والإعتقال والتنكيل والحرق والتنكيل والإهانة الآدمية مرتبطة باسم الأمن القومي وماثلة أمام مرائي الناس كافة، فضلا عن الإسم المشترك بين جهاز الأمن واستشارية الأمن القومي -صلاح قوش- وغيره من الأسماء التي لطخت أياديها بظلم الشعب السوداني وتمريغ كرامته بالتراب، فكيف يرجى أن يقبل أهل السودان مجتمعين مسمى كهذا أو مفردة كهذه يريد السودانييون حذفها من أذهانهم وتبديلها في قواميسهم لتكون “الأمن والسلامة”، لأن “الأمن” وحدة في عرفهم لن يكون معه سلام لما عايشوه مع الأمن و تحسسته أجسادهم و سمعته آذانهم و رأته أعينهم،وليست حادثة إغتصاب المواطنة صفية ببعيدة والمتهم الأول فيها ينضوي تحت مسمى “الأمن”، فأي “أمن” يرجى أن يقبل الحوار معه إن كان في الاستشارية أو الجهاز “بخشم الباب”؟؟.

والقفزة الظلامية الكبرى التي تحط من قدر هذه الاستراتيجية تغافلها للأسفار العظيمة التي ظل يخطها ويبشر بها قادة وحكماء الأمة السودانية إلى يومنا هذا، فمنهم من وضع مخرجا سلميا للحرب الطاحنة في جنوب البلاد ورسم مخرج سلمي إليها منذ عقدين من الزمان أجهض في 1989م بإنقلاب قادة الإستراتيجية الحاليين عليه وقطعهم طريقا آمنا لجوار مستدام في وطن موحد مع أهل الجنوب كان يرتجى الوصل إليه في ديسمبر من نفس العام المشؤووم،فهي أي اللجنة المسماة قومية للإستشاريةلم تتحدث عن تطوير الاستراتيجيات السابقة وقفذت فوقها بالزانة وتريد البدء من الصفر وخلق –ذرة- الحوار من جديد وغضت الطرف عن الأهداف الكبرى التي تجعل منا أمة آمنة موحدة متحضرة متطورة، وفي الذهن سؤال بريئ يرجى الإجابة عليه وهو لماذا القفز على العبارات آنفة الذكر التي دبجت بها الإستراتيجية الربع قرنية “استراتيجية تاج السر”؟؟ ولماذا يهرع قادة الإستراتيجية في كل حديث لهم عن أنهم تجاوزوا الخلافات الفكرية الايدلوجية بنسبة كبييرة؟؟، فليس هناك أيدلوجية في السودان يمنة ويسرة يمكن أن تلتقي مع النموذج الإسلاموي الشائة والأيدلوجية الآحادية المنكفئة التي أتت بها الحكومة الإنقاذية في أطوارها ونسخها المتعددة آخرها دعاوي الشريعة عمياء البصر والبصيرة التي أتى بها رئيس البلاد، وإذا كان الفهم في الأهداف العامة قاصراً إلى هذا الحد فكيف يمكن التلاقي على الأهداف الخاصة لمكونات الشعب التي يرجى أن تدوم لـ40 سنة؟؟.

آثفة الأثافي أن الحديث عن إستراتيجية لم تكمل سطور الخطة المكتوبة فيها إلى الآن، فأي استراتيجية حوارية ينبغى أن تكون لها خطة مكتوبة ومتفق عليها ممّن يطرحوها، لا الإختلاف على مضامينها الشفاهية في صفحات الصحف وأمام الشاشات الإعلامية وورش العمل، وكل لواء من اللواءات يريد أن ينفخ (جضومه) أمام مكبرات الصوت وأهل الإعلام ويتمشدق يما جاء لى  رأسه مما يتمنى وتلك أمانييهم!!، وقديما علمنا أنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وهؤلاء مستعجلون جداًّ لاستباق ثورة تلوح نذرها في الأفق ستودي بهم إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب، وأي حديث لهم لن يُستمع ما لم يستمع رئيسهم- رئيس البلاد- لصوت العقل والحكمة الذي يسدّى له صباح مساء من عقلاء الأمة.

ولئلا يُفهم حديثنا هذا من باب أننا نرفض كل شيء أتى من أهل النظام ، نقول أن أهل السودان جميعا ودون استثناء حزب أو كيان أو فرد، كلهم بتجاربهم مع النظام ومؤسساته كلها وخصوصا التي تدبج بالقومية في آخارها ظلوا يتوجسون من أي مبادرة تحت هذا المسمى، لذلك نقول لكم وبالصوت العالي أن لسان حالهم يقول تجاوزوا هذه الفكرة إلى مشروع آخر يمكن أن يزيد أرصدتكم ويطيل عمارتكم الشواهق، ويوسع من مقاعد سياراتكم الفارهة، ولا تضايقوا المواطن في لقمة عيشه لأنكم بالصرف على هذه الإستراتيجية المهترئة ستضايقون المواطن البسيط في لقمة عيشة،وهنا ينبغي عليكم يا أهل الإستراتيجية قبول منطقهم لأن أي حديث عن أن مشروع كهذا لا يكلف صرفا ماليا فهو مجافي للحقيقة، ففور الإعلان عن هذه الإستراتيجية تضاعفت أسعار بعض السلع الضرورية لأن شركات قادة الإستراتيجة الخصوصية تريد أن تعوض ما يصرفه قادتها على هذه الإستراتيجية وذلك على حساب المواطن البسيط الذي لا حول له ولا قوة، وصار لا يأمل إلا أن يجد شبرا يواري فيه جسده المنحول بعد أن يقتله الجوع أو العوز أو المرض أو كلها مجتمعة، هذا إن لم تطله أيادي سدنة النظام الباطشة وسياطهم وهراواتهم وراصهم القاتل، فكفوا أيدكم عن هذه المأكلة باسم الحوار الوطني، وجنبوا البلاد حربا وشرا مستطيرا تلوح نذره في الأفق. وهنالك ملفات آنية عديدة أولى من هذا الملف الكبير الذي لن يحل عُقدهُ إلا أهل الحَلّ والعقد في هذه البلاد وورثتها الحقيقيون المتمتعون بالأحقية التاريخية والنضالية والاستقلالية والوطنية، لذا ينبغي على أهل الاستراتيجية أن يدقوا أبواب هؤلاء الورثة الأحقاق ويتركوا لهم العجين قبل أن ينفجر هذا البركان الغاضب من شباب يتحلقون في الشوارع والمزارع والمواني والإسفير والميادين يريدون أن يرددوا شعاراً وهتافاً قاله آباؤهم وإخوانهم وأمهاتهم وأخواتهم قبل عشرات السنين مرتين أمام طاغيتين (عبود والنميري) وكليهما برتبة مشير وأرى الزمان غير الزمان والمكان هو نفس المكان والأيام هي ذاتها والرتبة ذاتها، و أن ملة الإستبداد واحدة، فالمشير رأى بأم عينه كيف سقط الفريق طيار جاره وكيف يترنح العقيد ومن قبلهم الزين. فهلاّ أوقف اللواءات مع الفريق أول هذا العبث؟؟ وعملوا “كما كنت” من ملف الحوار؟؟.

 

 العندو حق بضحي وبحميه بي زندو *** والماعندو حق ضهرو الجبل ما بسندو
 عروة الصادق
 الجزيرة أبا

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *