خالد تارس
لو قدر لأهل السودان ان يستشعروا بضع قراراتٍ جريئة استرجلها الرئيس البشير للاطاحة بشخصيات تاريخية ظلت قابضة على موازين القوى والنفوذ السياسي في الحزب الحاكم حينا من الدهر بدلت فيه احوال البلآد طولاً عرضا , وبذات الآمال ظلت احلام الغالبية العظمى من السودانيون تطلع الي اجراءات متوالية تطوي ملف الحكم الدكتاتوري المغّلظ وتحويلة الي مائدة دسمة للحوار الشامل .. وتكوين مؤسسات انتقالية تنتشل البلاد من حافة السقوط الاقتصادي وعبور مآسي الحقبة الجهنمية الي دائرة متسعة للمشاركة الديمقراطية في ادارة الشأن الوطني , فالانقاذ بماضيها المرير حشرت الشعب السوداني بكلياتة في نفقٍ من الصراع الداخلي المتأزم يستدعى انقاذة اليوم قبل غدٍ.
السؤال الجوهري التي نريد طرحة في هذة اللحظة المفصلية من تاريخ البلاد لماذا قطع الرئيس البشيرعملياتة الخاصة بتغير الدوائر والأفراد والجماعات التي استعصى على الشعب تأييدها طيلة فترة سنوات الإنقاذ الباطشة .؟ ولماذا لم يولي رأس النظام خطوات الإطاحة بالكبار في قصرة باخرى تمحو آثار التخوف في ولايات السودان التي استكبر حكامها في الأرض وعلوا علواً كبيرا .. لن يكتمل إيطار التدابير للاصلاح حتى يثبت البشير خطواتة من اجل اقناع قواعد شعبية عريضة ظلت تراقب مصداقية الرجل عمى اذا كان بالفعل يريد تقديم نسخة جديدة بنظام جديد بدلاعن شخصيات جديدة بنظام قديم .. واللآفت لانظار المراقب لنوايا الحزب الحاكم لايستوعب البتة مبررات تعطيل الخطوة بانتظار خطاب تاريخي لم يفاجئ الشعب بمفاجئة سوى احدث ضجة عميقة بين المعارضين لانصاف الحلول والترضيات التي اخفت ملامح الوثبات الواردة في الخطاب الا على سبيل التفنن في الخدعة التي اوقفت عجلة التغير في منتصف الطريق وارجاعها بضع خطوات الي الخلف.! ولكن عمليات التجميل التي أجراها حزب البشير في جسمة السياسي لن تصل مرحلة التعافي حتى يعمم البشير وصفتة العلاجية بتغير نفوس ولاةٍ ليسوا لهم رغبة اكيدة في التغير , او يسعى الرجل بذاتة على تفكيك خلايا الفساد التي تآمرت على إقتصاد السودان وساهمت بعناية في تدمير الخدمة المدنية وعرض مؤسسات الدولة الحيوية في الاسواق , تعجيل خطوات الرئاسة في تغير شكل الحكم الولائي يقطع الطريق امام تعدي والي الجزيرة الزبير بشير طة في الإقدام على حل مجالسة التشريعية لخلافات شخصية بينة ومجلس ام القرى المحلي .. ولو تعمقت قيادة النظام في اصدار قراراتة لما تجرأ الوالي يوسف الشمبلي على تشكيل حكومة ضيقة يقال انها من عشيرتة الاقربين يدير بها مفاصل الجهاز التنفيذي في النيل الابيض رغم انف الاغلبية الصامتة , هذة الأساليب اضحت لاتأنب ضميراً ولاتمثل حرجاً لبعض الولاة من الذين آثروا الحكم لتانسي محكام التاريخ الوطني .!
استمرار البشير في التغيرات العملية لتفكيك طلاسم وخلايا الحكم الانقاذي الباطن والمستتر يكبح جماح السلطة في نفس والي شمال دارفور عثمان يوسف كبر الذي يسعى ليل نهار في محاولة مستميتة في ان يبقى حاكماً على الناس ابد الدهر.! لم تكن جماهير الولاية شيئا يذكر عند رجل يتخلق بنظام الخرطوم لضرب مكونات الصحوة الفكرية والمجتمعية في المنطقة وسحقها من الوجود , فحتى لو ساهمت الظروف في وجود شخص يطمح في اقصاء النخبة السياسية المستبصرة من اجل القبض على مقاليد السلطة المحلية بالولاية , فان عملية بقائة يعيق مبدأ الاصلاح السياسي الذي يذيعة رأس النظام سراً وعلانية ويناقض سياسات الحزب الحاكم الذي يصدح بقناعات التغير على آذن صاغية وعقول ثاقبة .! ظللنا نراقب على الدوام كيف حاول الأخ عثمان كبر خلال هذة الفترة العصيبة من تاريخ التغيران يحول مناسبات اجتماعية عديدة الي برنامج سياسي يخدم استمرار بقائة والياً على شمال دارفورحتى انتخابات (2015).. الأمر الذي يثير الشفقة مقارنة بارتفاع اصوات الاصلاح والنداء الذي يتبناه حزبة لافساح مجال الحوار متسعاً للمشاركة السياسية مع الأخذ في الاعتبار متغيرات كثيفة احدثتها قضية دارفور في الجسم الوطني الكبير خلال العقد المنصرم , وكسر هيمنة المركز بدخول لآعبون جدد الي ملاعب السلطة غالبيتهم من القوى الاجتماعية الحية يمثلون قادة الوعي والاستنارة في مجتمع الهامش.
صحيح لوالي شمال دارفور عثمان كبر انجازات لانستطيع انكارها وفي ذات الوقت لة اخفاقات لاتحصى ولاتعد مقارنة بفترة ولايتة المديدة لانخوض في تفاصيلها وان خالها تخفى على الناس تعلم .. فهو من اكثر الشخصيات التي حالفها الحظ في البقاء حكاما على شمال دارفورعشرة سنوات ويزيد , وخلال هذة المدة الزمنية استطاع الرجل ادخال سياسات جديدة على نفوس الفقراء والمساكين من اهالي الولاية , حيث لم تكن في يوما من الايام فقه المعقول في مجتمع الفاشر المدني الا بمقدارالخصم الثابت على رصيد حزب البشير طيلة هذة الاعوام والشهور لا يعرف الناس فيها الا سياسة تمكين الافراد والشخصيات من اصحاب الولاء والطاعة من المغمورين الذين رفعهم الاخ عثمان كبر الي عرش المسئولية من حياة العباد وهيئ لهم سبل استغلال السلطة بطريقة شكلت اهانة بالغة للنخبة المثقفة والمستنيرة في شمال دارفور .! ذات النهج والسلوك الإنتقائي في ادارة الولاية اسقط الرجل من عليائة في بداية الانتخابات السابقة الا انة عاد وفاز فوزا دراماتيكياً بحكم خصوصية البقاء المزاجي لمجموعة الصقور التي يقودها الدكتور نافع علي نافع في الخرطوم وتغافلهم يومئذٍ بأهمية اختبار الحزب الحاكم في خوض غمار التجربة الديمقراطية النزيهة على حساب التلآعب بتذوير الاقتراع في دارفور الكبرى , ومما نستطيع تاكيدة ان فترة حكم الاستاذ عثمان يوسف على شمال دارفور برغم طول عمرها لم تشهد انجازات ضافية تسحب لصالح المواطن بقدر ماهي محاولات مٌخّلة لإرضاء افراد ومجموعات ليس لها أوزآن سياسية واضحة على مدى تاريخ دارفورالطويل.. وبالتالي قفز والي شمال دارفور فوق حالة الهم والغم متسلقاً قمم الجليد التي تحول بينة وبين مواطنيين شرفاء يفتك بهم الفقر والجوع والمرض سنوات ضوئية , وهي ذات الدروب التي ظل يسلكها الاخ كبر في لحظات حرجة لاتكتب لة عمرا في البقاء حاكما مرة اخرى على شمال دارفور الا لوحدثت معجزة مشابهة للمعجزة التي اوقعت الرجل باثقالة في جب من الصراع العبثي الذي كرث لة خصومة سياسية مع كثيرين من ابناء الولاية يدفع اليوم ثمنها على داير المليم , وعلى الرغم من الدعم السخي الذي قدمة المركز للوالي صاحب النشاط السياسي لصالح الخرطوم الا ان هذة الميزانيات والارقام لم توظف بتوزان لصالح مواطنون تسؤ احوالهم المعيشية عند كل ليلة تنعدم فيها الطمأنينة على النفس والمال والاولاد , فهناك اموال ضخمة تلقتها حكومة الفاشر من منظمات اجنبية ووطنية واخرى قدمتها بعثة اليونميد لدعم مشروعات التنمية والاستقرار بالولاية لا يرى منها الا قليلاً نستعرض تفاصيلة لاحقا .؟ وعلى الرغم من استطالت فترة الاخ عثمان كبر دون غيرة من ولاة السودان عمراً , الا ان انجازاتة انحصرت في رقعة جغرفية صغيرة تسمى (المنزل الرئاسي).. هذة المساحة من المباني تمثل بيت الوالي وملاذ الاخيار من اهل الولاء والطاعة .. وهو المشروع الوحيد الذي اهدر فية الرجل مليارات الجنيهات في انشاء القصور والحدائق والقرف الرئاسية الفخيمة , يعرض انجازاتة في الموقع ويغض ابصارة عن المتواجدون خارج الاسوار من متسولين وشحاذين ومشردين وفقراء وكادحين يسعون كالنمل بين سوق الفاشر ومعسكرات النازحين التى تحيط بالمدينة كالسوار بالمعصم .! لا يعقل لوالي تجاوزت فترة بقائة في السلطة عقد من الزمان لاتتعدى انجازاتة الظاهرية سوى مكان مرقة ومضجعة المحروس .؟ الذي يجب ان يفهمة الرئيس البشير ان بقاء الأخ عثمان كبر والياً على شمال دارفور بعد اليوم لا يخدم المرامي والوثبات الاصلاحية التي يدشنها النظام على مسامع الناس للتبشير بغدٍ جديد تشارك فية التنظيمات السياسية وقوى المجتمع المدني وحملة السلاح بدارفور , الشعارات وحدها كفيلة باقناع اخي عثمان كبر للترجل مسرعاً عن كرسي الولاية الذي بات امر المكوث فية شيئا معقادً يستعدى التعقل.. الفترة القادمة لن تضيف لمسيرة الرجل شيئا بقدر ماهي خصم من رصيدة المتواضع في اعقاب مشكلات بدأت تتازم كلما طالت فترة بقائة على قيادة مجلس الوزارء بالفاشر ودليلنا على ذلك اعترافاتة الصحفية الاخيرة بوجود مشاكل امنية تهدد ولايتة , وعندها يستحيل بناء كتلة استراتيجية لدعم بقائة لولاية ثالثة رغم تبجحة امام الجهاز التشريعي الوالي بعرض حزمة مشروعات ينتظرانجازها في عمر جديد , هذة المفاجئات تعكس عمق الخلاف المناهض للسياسات التي ينتهجها بتقليدية عمياء يستعصى بها خلق مبادرة سلسة للوفاق بين قيادات المنطقة , اما الصراع المحتدم بينة ورموز المجتمع الاهلي وبعض المثقفين والسياسيين المحسوبين على النظام لايوفر لة غطاء آمن للنوم بطمئنان . فقد اضحت هذة التيارات تتهيج لخلخلة مراكز النفوذ الشخصى التي صنعها الاستاذ كبر من اهل الطاعة على مدى عشرة سنوات خلت.! لم يتبقى لوالي شمال دارفور وقت لصنع انجازات تعزز بقائة والياً مرة اخرى الا على سبيل الشجاعتة في الترجل باعلان استقالة تحفظ لة ما تبقى من نجومية سياسية ولو بعد حين .! ولو يأنس الرئيس البشير في الاستاذ عثمان كبر كافآءاتٍ يستقوى بها النظام وينش بها على اغنامة في دارفور فللحزب الحاكم حقائب وزارية ذات اهمية وسيادة في المركز يمكن ان يكلفة بها ولكن ليس بالضرورة منصب والي شمال دارفور , ننتظر لنرى صبح قرارات البشير الخاصة بتغير الولاة وبعدها سيدلي كل بدلوة وسيكون لنا حديث مختلف.
[email protected]